Search
Close this search box.
Layer 5
فهرس تفسير المتدبرين
قَدۡ أَفۡلَحَ مَن تَزَكَّىٰ ١٤ وَذَكَرَ ٱسۡمَ رَبِّهِۦ فَصَلَّىٰ ١٥ بَلۡ تُؤۡثِرُونَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا ١٦ وَٱلۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰٓ ١٧ إِنَّ هَٰذَا لَفِي ٱلصُّحُفِ ٱلۡأُولَىٰ ١٨ صُحُفِ إِبۡرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ ١٩
  • تلاوة الآيات ١٤ إلى ١٩

مراتب التزكية

إن إطلاق التزكية في قوله تعالى ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى﴾ يقتضى التنقية الشاملة في كل أبعاد الوجود : بدءاً من (القلب) بتفريغه من كل شاغل سوى الله تعالى ، وانتهاء بـ (الجوارح) وذلك بحملها على كل ما يُرضي المولى ، وهي مقدمة للذكر ﴿وَذَكَرَ﴾ بقول مطلق ليشمل معايشة محضرية الله تعالى في كل آن ، ومقدمة للخضوع الخارجي المتمثل بالصلاة كأهم علاقة بين العبد وربه ﴿َصَلَّى ﴾ .
وبعبارة جامعة : إنّ هذه الآيات ناظرة إلى تخلية الباطن من الشوائب ﴿تَزَكَّى﴾ وتحليتها بالذكر ﴿وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ﴾ وتلبّسه بعد ذلك بالطاعة الفعلية ﴿فَصَلَّى﴾ وبمجموع ذلك يصل العبد إلى درجة الكمال الذي خُلق من أجله .

غباء أهل الدنيا

إن لمن صور الغباء هو تقديم الدنيا على الآخرة وذلك لأن :
نعيم الدنيا متعلق بعالم (الحس) أي استمتاع الأبدان ، والحال أن نعيم الآخرة متعلق بمتعة (الأرواح والأبدان) معا : من النظر إلى وجهه الكريم ، والأنس بالحور العين .
نعيم الدنيا حتى في المحسوسات تتخلله الآلام والمحن كما هو مشاهد بالوجدان ، وهو أيضاً متصرم بالبداهة ؛ خلافا للآخرة ذات النعم التي لا تتخللها المشاق ِ ﴿لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ ولا يَمَسُّنا فِيها لُغُوب﴾[١] ولا يشوبها الانقطاع ﴿فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُون﴾[٢] .
والآية الكريمة أشارت لخصوصيتي الأفضلية والدوام لمتاع الآخرة بقوله ﴿خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ ومن المعلوم أن إدراك هذه المعاني يحتاج إلى بلوغ روحي خاص ، وإلا صار أهل الدنيا جميعا من أهل الآخرة! .

[١] . سورة فاطر : الآية ٣٥ .
[٢] . سورة التين : الآية ٦ .

وحدة مبادي السير

إن الكتب السماوية ـ  على اختلاف مستوياتها ومستويات من أُنزلت عليه ـ متفقة في مبادئ الكمال التي أشارت إليها الآيات في هذه السورة ﴿إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى﴾ فليست هناك أمة مستثناة من قواعد السير إلى الله تعالى والعبودية له ، فإذا كانت أمة موسى وإبراهيم (عليهما السلام)مكلّفة باتباع كل ما جاء في هذه السورة نقلا عن صحفهم ﴿صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى﴾ فإن الأمة الشاهدة وهي أمة النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم) مكلّفة بطريق أولى بكل ما ذُكر فيها ؛ لأن الحجة عليها أكمل ، والكتاب لها أجمع ، ونبيها (صلى الله عليه وآله وسلم) في رتبة الخاتمية العظمى!