- الآيات ١ إلى ٨
- من سورة الطارق
- تلاوة الآيات ١ إلى ٨
مواطن استعمال “ وَمَا أَدْرَاكَ”
إن القرآن الكريم كثيرا ما يدعو الإنسان للنظر إلى جهة العلوّ من السماء والنجوم ، وذلك للانتقال من مألوف الأرض إلى غريب السماء!
وقد ذكر في هذه الآية أيضا ذلك النجم الذي يثقب ظلام الليل ، وقد فخّم القرآن أمره بقوله ﴿وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ﴾ وهو الاستعمال الوحيد لغير أحداث القيامة وليلة القدر في مثل هذا التعبير ؛ أي استعمال صيغة ﴿وَما أَدْراكَ﴾ في عنصر مادي من عناصر هذا الوجود ، وهو يكشف عن عظمة هذا النجم!
إزاحة الظلمات
ما الذي يمنع مَن يخرق ظلمة الليل بذلك ﴿النَّجْمُ الثَّاقِبُ﴾ فينير ظلمته ، من أن يخرق ظلمة النفس فينير ما أظلم منها ، إذ إن يد القدرة الإلهية واحدة في الجميع . . فلِمَ اليأس من العناية الإلهية في غمرة الظلمات الأنفسية ، وهو الذي أزاح الظلمة الآفاقية بالنجم الثاقب؟!
الملائكة الحفظة
إن الحفظ المذكور في هذه الآية ، من الممكن أن يكون إشارة إلى :
حفظ الملائكة لأعمال العبد كما ذُكر في قوله ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾[١] .
حفظ الملائكة للعبد من الحوادث والمهالك كما ذكر في قوله تعالى ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ﴾[٢] .
ويجمعهما أن الإنسان مقترن بصنف آخر من الخلق ، وهم الملائكة الذين يقومون بدور الوسطاء بينه وبين ربه : في حفظ الأعمال تارة ، وحفظه من الآفات تارة اُخرى .
تنوّع موارد التامل
إن السورة تنتقل من ذِكر ما هو في أعلى طبقات السماء من النجم الثاقب ، إلى ما في أسفل بدن الإنسان الذي منه يخرج المني الدافق ؛ ليتأمل العبد بفكره في كل زوايا الوجود المذهل ؛ متعرّفا على عظمة خالقه في كل شيء ، مدركا أن كل ذلك لحكمة جامعة ، متمثلة بالعودة إليه كما خلقه أول مرة .
أعقد صور الخلق
إن القرآن يذكّر العبد بأعقد عملية في هذا الوجود ، ألا وهي عملية تشكل الوجود البشري الذي جعله في أحسن تقويم ، وذلك بالتذكير بالمنشأ وهو الخلق من ﴿ماءٍ دافِقٍ﴾ الخارج من ﴿الصُّلْبِ﴾ إذ لولا سيلانه وتدفقه لما تحقق التلقيح! . . والتذكير بموضع النطفة الملقّحة ، وهو الجوف المحفوظ بعظام الصدر ﴿التَّرائِبِ﴾ والظهر ؛ ليبقى العبد (مبهورا) بعظمة خالقه أولاً ، و(متيقنا) من قدرته على إعادة النشأة ثانياً .
العلقة بين الخلق والإيجاد
إن القرآن كثيرا ما يربط بين أول الخلقة وآخرها ، كما في قوله تعالى ﴿قُلْ يُحْييهَا الَّذي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾[٣] وبين القدرة على الإيجاد والإعادة ، كما ورد في هذه السورة ﴿إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ﴾ ليبقى العبد متذكرا لنهاية الأمر ، وهو منشغل بأوله!فطبيعة الدنيا بما فيها من مزيج المتع والبلاء ، لمن موجبات الغفلة والانشغال عما يراد بصاحبها .