الكتاب الثامن والعشرون من كتب أميرالمؤمنين عليه السلام المذكور في كتاب نهج البلاغة وهو جواب لمعاوية وتوبيخ له وتقريع ما بعده تقريع يبين له فيه ضلاله ويجيب فيه على شبهاته التي أثارها ويبين فضله وفضل بني هاشم عليه وعلى بني أمية ويذكر الشهداء من آل عبدالمطلب ويهدده بالحرب وأنه مقبل إليه بجحافل الأنصار والمهاجرين.
فهرس نهج البلاغة
فهرس الخطب نهجالبلاغة
فهرس الكتب نهجالبلاغة
- نهج البلاغة
- » الكتب »
- الكتاب ٢٨
من كتاب له عليه السلام إلى معاوية جواباً
إلى معاوية جواباً
أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ أَتَانِي كِتَابُكَ تَذْكُرُ فِيهِ اصْطِفَاءَ اللَّهِ مُحَمَّداً (صلی الله علیه وآله) لِدِينِهِ وَتَأْيِيدَهُ إِيَّاهُ لِمَنْ أَيَّدَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَقَدْ خَبَّأَ لَنَا الدَّهْرُ مِنْكَ عَجَباً إِذْ طَفِقْتَ تُخْبِرُنَا بِبَلَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَنَا وَنِعْمَتِهِ عَلَيْنَا فِي نَبِيِّنَا، فَكُنْتَ فِي ذَلِكَ كَنَاقِلِ التَّمْرِ إِلَى هَجَرَ أَوْ دَاعِي مُسَدِّدِهِ إِلَى النِّضَالِ، وَزَعَمْتَ أَنَّ أَفْضَلَ النَّاسِ فِي الْإِسْلَامِ فُلَانٌ وَفُلَانٌ، فَذَكَرْتَ أَمْراً إِنْ تَمَّ اعْتَزَلَكَ كُلُّهُ وَإِنْ نَقَصَ لَمْ يَلْحَقْكَ ثَلْمُهُ، وَمَا أَنْتَ وَ الْفَاضِلَ وَالْمَفْضُولَ وَالسَّائِسَ وَالْمَسُوسَ، وَمَا لِلطُّلَقَاءِ وَأَبْنَاءِ الطُّلَقَاءِ وَالتَّمْيِيزَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ وَتَرْتِيبَ دَرَجَاتِهِمْ وَتَعْرِيفَ طَبَقَاتِهِمْ؟! هَيْهَاتَ لَقَدْ حَنَّ قِدْحٌ لَيْسَ مِنْهَا وَطَفِقَ يَحْكُمُ فِيهَا مَنْ عَلَيْهِ الْحُكْمُ لَهَا. أَ لَا تَرْبَعُ أَيُّهَا الْإِنْسَانُ عَلَى ظَلْعِكَ وَتَعْرِفُ قُصُورَ ذَرْعِكَ وَتَتَأَخَّرُ حَيْثُ أَخَّرَكَ الْقَدَرُ؟ فَمَا عَلَيْكَ غَلَبَةُ الْمَغْلُوبِ وَلَا ظَفَرُ الظَّافِرِ!
وَإِنَّكَ لَذَهَّابٌ فِي التِّيهِ، رَوَّاغٌ عَنِ الْقَصْدِ. أَ لَا تَرَى غَيْرَ مُخْبِرٍ لَكَ وَلَكِنْ بِنِعْمَةِ اللَّهِ أُحَدِّثُ أَنَّ قَوْماً اسْتُشْهِدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَلِكُلٍّ فَضْلٌ، حَتَّى إِذَا اسْتُشْهِدَ شَهِيدُنَا قِيلَ سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ وَخَصَّهُ رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله علیه وآله) بِسَبْعِينَ تَكْبِيرَةً عِنْدَ صَلَاتِهِ عَلَيْهِ. أَ وَ لَا تَرَى أَنَّ قَوْماً قُطِّعَتْ أَيْدِيهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِكُلٍّ فَضْلٌ، حَتَّى إِذَا فُعِلَ بِوَاحِدِنَا مَا فُعِلَ بِوَاحِدِهِمْ قِيلَ الطَّيَّارُ فِي الْجَنَّةِ وَذُو الْجَنَاحَيْنِ؛ وَلَوْ لَا مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ مِنْ تَزْكِيَةِ الْمَرْءِ نَفْسَهُ لَذَكَرَ ذَاكِرٌ فَضَائِلَ جَمَّةً تَعْرِفُهَا قُلُوبُ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا تَمُجُّهَا آذَانُ السَّامِعِينَ، فَدَعْ عَنْكَ مَنْ مَالَتْ بِهِ الرَّمِيَّةُ، فَإِنَّا صَنَائِعُ رَبِّنَا وَالنَّاسُ بَعْدُ صَنَائِعُ لَنَا.
لَمْ يَمْنَعْنَا قَدِيمُ عِزِّنَا وَلَا عَادِيُّ طَوْلِنَا عَلَى قَوْمِكَ أَنْ خَلَطْنَاكُمْ بِأَنْفُسِنَا فَنَكَحْنَا وَأَنْكَحْنَا فِعْلَ الْأَكْفَاءِ وَلَسْتُمْ هُنَاكَ، وَأَنَّى يَكُونُ ذَلِكَ [كَذَلِكَ]، وَمِنَّا النَّبِيُّ وَمِنْكُمُ الْمُكَذِّبُ وَمِنَّا أَسَدُ اللَّهِ وَمِنْكُمْ أَسَدُ الْأَحْلَافِ وَمِنَّا سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمِنْكُمْ صِبْيَةُ النَّارِ وَمِنَّا خَيْرُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ وَمِنْكُمْ حَمَّالَةُ الْحَطَبِ فِي كَثِيرٍ مِمَّا لَنَا وَعَلَيْكُمْ.
فَإِسْلَامُنَا [مَا] قَدْ سُمِعَ وَجَاهِلِيَّتُنَا لَا تُدْفَعُ وَكِتَابُ اللَّهِ يَجْمَعُ لَنَا مَا شَذَّ عَنَّا، وَهُوَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى "وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ" وَقَوْلُهُ تَعَالَى "إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ"، فَنَحْنُ مَرَّةً أَوْلَى بِالْقَرَابَةِ وَتَارَةً أَوْلَى بِالطَّاعَةِ، وَلَمَّا احْتَجَّ الْمُهَاجِرُونَ عَلَى الْأَنْصَارِ يَوْمَ السَّقِيفَةِ بِرَسُولِ اللَّهِ (صلی الله علیه وآله) فَلَجُوا عَلَيْهِمْ، فَإِنْ يَكُنِ الْفَلَجُ بِهِ فَالْحَقُّ لَنَا دُونَكُمْ، وَإِنْ يَكُنْ بِغَيْرِهِ فَالْأَنْصَارُ عَلَى دَعْوَاهُمْ.
وَزَعَمْتَ أَنِّي لِكُلِّ الْخُلَفَاءِ حَسَدْتُ وَعَلَى كُلِّهِمْ بَغَيْتُ، فَإِنْ يَكُنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَيْسَتِ الْجِنَايَةُ عَلَيْكَ فَيَكُونَ الْعُذْرُ إِلَيْكَ.
"وَتِلْكَ شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنْكَ عَارُهَا" وَقُلْتَ إِنِّي كُنْتُ أُقَادُ كَمَا يُقَادُ الْجَمَلُ الْمَخْشُوشُ حَتَّى أُبَايِعَ، وَلَعَمْرُ اللَّهِ لَقَدْ أَرَدْتَ أَنْ تَذُمَّ فَمَدَحْتَ وَأَنْ تَفْضَحَ فَافْتَضَحْتَ، وَمَا عَلَى الْمُسْلِمِ مِنْ غَضَاضَةٍ فِي أَنْ يَكُونَ مَظْلُوماً مَا لَمْ يَكُنْ شَاكّاً فِي دِينِهِ وَلَا مُرْتَاباً بِيَقِينِهِ، وَهَذِهِ حُجَّتِي إِلَى غَيْرِكَ قَصْدُهَا وَلَكِنِّي أَطْلَقْتُ لَكَ مِنْهَا بِقَدْرِ مَا سَنَحَ مِنْ ذِكْرِهَا.
ثُمَّ ذَكَرْتَ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِي وَأَمْرِ عُثْمَانَ، فَلَكَ أَنْ تُجَابَ عَنْ هَذِهِ لِرَحِمِكَ مِنْهُ، فَأَيُّنَا كَانَ أَعْدَى لَهُ وَأَهْدَى إِلَى مَقَاتِلِهِ؟ أَمَنْ بَذَلَ لَهُ نُصْرَتَهُ فَاسْتَقْعَدَهُ وَاسْتَكَفَّهُ، [أَمَّنِ] أَمْ مَنِ اسْتَنْصَرَهُ فَتَرَاخَى عَنْهُ وَبَثَّ الْمَنُونَ إِلَيْهِ حَتَّى أَتَى قَدَرُهُ عَلَيْهِ؟ كَلَّا وَاللَّهِ لَ "قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا". وَمَا كُنْتُ لِأَعْتَذِرَ مِنْ أَنِّي كُنْتُ أَنْقِمُ عَلَيْهِ أَحْدَاثاً؛ فَإِنْ كَانَ الذَّنْبُ إِلَيْهِ إِرْشَادِي وَهِدَايَتِي لَهُ، فَرُبَّ مَلُومٍ لَا ذَنْبَ لَهُ.
"وَقَدْ يَسْتَفِيدُ الظِّنَّةَ الْمُتَنَصِّحُ" وَمَا أَرَدْتُ "إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ". وَذَكَرْتَ أَنَّهُ لَيْسَ لِي وَلِأَصْحَابِي عِنْدَكَ إِلَّا السَّيْفُ، فَلَقَدْ أَضْحَكْتَ بَعْدَ اسْتِعْبَارٍ؛ مَتَى أَلْفَيْتَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَنِ الْأَعْدَاءِ نَاكِلِينَ وَبِالسَّيْفِ مُخَوَّفِينَ؟! "فَلَبِّثْ قَلِيلًا يَلْحَقِ الْهَيْجَا حَمَلْ"
فَسَيَطْلُبُكَ مَنْ تَطْلُبُ وَيَقْرُبُ مِنْكَ مَا تَسْتَبْعِدُ؛ وَأَنَا مُرْقِلٌ نَحْوَكَ فِي جَحْفَلٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، شَدِيدٍ زِحَامُهُمْ سَاطِعٍ قَتَامُهُمْ مُتَسَرْبِلِينَ سَرَابِيلَ الْمَوْتِ، أَحَبُّ اللِّقَاءِ إِلَيْهِمْ لِقَاءُ رَبِّهِمْ؛ وَقَدْ صَحِبَتْهُمْ ذُرِّيَّةٌ بَدْرِيَّةٌ وَسُيُوفٌ هَاشِمِيَّةٌ، قَدْ عَرَفْتَ مَوَاقِعَ نِصَالِهَا فِي أَخِيكَ وَخَالِكَ وَجَدِّكَ وَأَهْلِكَ، "وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ".
حاشية السيد الشريف الرضي «ره»:
قال الشريف: وهو من محاسن الكتب.