Search
Close this search box.
Layer 5
فهرس نهج البلاغة
فهرس الخطب نهج‌البلاغة

الخطبة الثامنة والتسعون بعد المائة من خطب أميرالمؤمنين عليه السلام المذكورة في كتاب نهج البلاغة ينبّه على إحاطة علم الله بالجزئيات، ثمّ يحث على التقوى، ويبيّن فضل الإسلام والقرآن ويذكر بعثة النبي (صلى الله عليه وآله).

من خطبة له عليه السلام ينبّه على إحاطة علم الله بالجزئيات
ينبّه على إحاطة علم الله بالجزئيات، ثمّ يحث على التقوى، ويبيّن فضل الاسلام والقرآن

يَعْلَمُ عَجِيجَ الْوُحُوشِ فِي الْفَلَوَاتِ، وَمَعاصِيَ الْعِبَادِ فِي الْخَلَوَاتِ، وَاخْتِلاَفَ النِّينَانِ فِي الْبِحَارِ الْغَامِرَاتِ، وَتَلاَطُمَ الْمَاءِ بِالرِّيَاحِ الْعَاصِفَاتِ. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً نَجِيبُ اللهِ، وَسَفِيرُ وَحْيِهِ، وَرَسُولُ رَحْمَتِهِ.

الوصية بالتقوى

أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّي أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ الَّذِي ابْتَدَأَ خَلْقَكُمْ، وَإِلَيْهِ يَكُونُ مَعَادُكُمْ، وَبِهِ نَجَاحُ طَلِبَتِكُمْ، وَإِلَيْهِ مُنْتَهْى رَغْبَتِكُمْ، وَنَحْوَهُ قَصْدُ سَبِيلِكُمْ، وَإِلَيْهِ مَرَامِي مَفْزَعِكُمْ، فَإِنَّ تَقْوَى اللهِ دَوَاءُ دَاءِ قُلُوبِكُمْ، وَبَصَرُ عَمَى أَفِئِدَتِكُمْ، وَشِفَاءُ مَرَضِ أَجْسَادِكُمْ، وَصَلاَحُ فَسَادِ صُدُورِكُمْ، وَطُهُورُ دَنَسِ أَنْفُسِكُمْ، وَجِلاَءُ عَشَا أَبْصَارِكُمْ، وَأَمْنُ فَزَعِ جَأْشِكُمْ، وَضِيَاءُ سَوَادِ ظُلْمَتِكُمْ. فَاجْعَلُوا طَاعَةَ اللهِ شِعَاراً دُونَ دِثَارِكُمْ، وَدَخِيلاً دُونَ شِعَارِكُمْ، وَلَطِيفاً بَيْنَ أَضْلاَعِكُمْ، وَأَمِيراً فَوْقَ أُمُورِكُمْ، وَمَنْهَلاً لِحِينِ ورْدِكُم، وَشَفِيعاً لِدَرَكِ طَلِبَتِكُمْ، وَجُنَّةً لِيَوْمِ فَزَعِكُمْ، وَمَصَابِيحَ لِبُطُونِ قُبُورِكُمْ، وَسَكَناً لِطُولِ وَحْشَتِكُمْ، وَنَفَساً لِكَرْبِ مَوَاطِنِكُمْ، فَإِنَّ طَاعَةَ اللهِ حِرْزٌ مِنْ مَتَالِفَ مُكْتَنِفَة، وَمَخَاوِفَ مُتَوَقَّعَة، وَأُوَارِ نِيرَان مُوقَدَة. فَمَنْ أَخَذَ بِالتَّقْوَى عَزَبَتْ عَنْهُ الشَّدَائِدُ بَعْدَ دُنُوِّهَا، وَاحْلَوْلَتْ لَهُ الاْمُورُ بَعْدَ مَرَارَتِهَا، وَانْفَرَجَتْ عَنْهُ الاَمْوَاجُ بَعْدَ تَرَاكُمِهَا، وَأَسْهَلَتْ لَهُ الصِّعَابُ بَعْدَ إِنْصَابِهَا، وَهَطَلَتْ عَلَيْهِ الْكَرَامَةُ بَعْدَ قُحُوطِهَا، وَتَحَدَّبَتْ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ بَعْدَ نُفُورِهَا، وَتَفَجَّرَتْ عَلَيْهِ النِّعَمُ بَعْدَ نُضُوبِهَا، وَوَبَلَتْ عَلَيْهِ الْبَرَكَةُ بَعْدَ إِرْذَاذِهَا.
فَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي نَفَعَكُمْ بَمَوْعِظَتِهِ، وَوَعَظَكُمْ بِرِ سَالَتِهِ، وَامْتَنَّ عَلَيْكُمْ بِنِعْمَتِهِ، فَعَبِّدُوا أَنْفُسَكُمْ لِعِبَادَتِهِ، وَاخْرُجُوا إِلَيْهِ مِنْ حَقِّ طَاعَتِهِ.

فضل الاسلام

ثُمَّ إِنَّ هذَا الاْسْلاَمَ دِينُ اللهِ الَّذِي اصْطَفَاهُ لِنَفْسهِ، وَاصْطَنَعَهُ عَلى عَيْنِهِ، وَأَصْفَاهُ خِيْرَةَ خَلْقِهِ، وَأَقَامَ دَعَائِمَهُ عَلَى مَحَبَّتِهِ، أَذَلَّ الاَدْيَانَ بِعِزّه، وَوَضَعَ الْمِلَلَ بِرَفْعِهِ، وَأَهَانَ أَعْدَاءَهُ بِكَرَامَتِهِ. وَخَذَلَ مُحَادِّيهِ بِنَصْرِهِ، وَهَدَمَ أَرْكَانَ الضَّلاَلَةِ بِرُكْنِهِ، وَسَقَى مَنْ عَطِشَ مِنْ حِيَاضِهِ، وَأَتْأَقَ الْحِيَاضَ بِمَوَاتِحِهِ. ثُمَّ جَعَلَهُ لاَ انْفِصَامَ لِعُرْوَتِهِ، وَلاَ فَكَّ لِحَلْقَتِهِ، وَلاَ انْهِدَامَ لاَسَاسِهِ، وَلاَ زَوَالَ لِدَعَائِمِهِ، وَلاَ انْقِلاَعَ لِشَجَرَتِهِ، وَلاَ انْقِطَاعَ لِمُدَّتِهِ، وَلاَ عَفَاءَ لِشَرَائِعِهِ، وَلاَ جَذَّ لِفُرُوعِهِ، وَلاَ ضَنْكَ لِطُرُقِهِ، و َلاَ وُعُوثَةَ لِسُهُولَتِهِ، و َلاَ سَوَادَ لِوَضَحِهِ، وَلاَ عِوَجَ لاِنْتِصَابِهِ، وَلاَ عَصَلَ فِي عُودِهِ، وَلاَ وَعَثَ لِفَجَّهِ، وَلاَ انْطِفَاءَ لِمَصَابِيحِهِ، وَلاَ مَرَارَةَ لِحَلاَوَتِهِ. فَهُوَ دَعَائِمُ أَسَاخَ فِي الْحَقِّ أَسْنَاخَهَا، وَثَبَّتَ لَهَا آسَاسَهَا، وَيَنَابِيعُ غَزُرَتْ عُيُونُهَا، وَمَصَابِيحُ شَبَّتْ نِيرَانُهَا، وَمَنَارٌ اقْتَدَى بِهَا سُفَّارُهَا، وَأَعلاَمٌ قُصِدَ بِهَا فِجَاجُهَا، وَمَنَاهِلُ رَوِيَ بِهَا وُرَّادُهَا. جَعَلَ اللهُ فِيهِ مُنْتَهَى رِضْوَانِهِ، وَذِرْوَةَ دَعَائِمِهِ، وَسَنَامَ طَاعَتِهِ، فَهُوَ عِنْدَ اللهِ وَثِيقُ الاَرْكَانِ، رَفِيعُ الْبُنْيَانِ، مُنِيرُ الْبُرْهَانِ، مُضِيءُ النِّيرَانِ، عَزِيرُ السُّلْطَانِ، مُشْرِفُ الْمَنَارِ، مُعْوِذُ الْمَثَارِ. فَشَرِّفُوهُ وَاتَّبِعُوهُ، وَأَدُّوا إِلَيْهِ حَقَّهُ، وَضَعُوهُ مَوَاضِعَهُ.

الرسول الاعظم(صلى الله عليه وآله)

ثُمَّ إِنَّ اللهِ سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّداً(صلى الله عليه وآله) بالْحَقِّ حِينَ دَنَا مِنَ الدُّنْيَا الانْقِطَاعُ، وَأَقْبَلَ مِنَ الاْخِرَةِ الاْطِّلاَعُ، وَأَظْلَمَتْ بَهْجَتُهَا بَعْدَ إِشْرَاق، وَقَامَتْ بِأَهْلِهَا عَلَى سَاق، وَخَشُنَ مِنْهَا مِهَادٌ، وَأَزِفَ مِنْهَا قِيَادٌ، فِي انْقِطَاع مِنْ مُدَّتِهَا، وَاقْتِرَاب مِنْ أَشْرَاطِهَا، وَتَصَرُّم مِنْ أَهْلِهَا، وَانْفِصَام مِنْ حَلْقَتِهَا، وَانْتِشَار مِنْ سَبَبِهَا، وَعَفَاء مِنْ أَعْلاَمِهَا، وَتَكَشُّف مِنْ عَوْرَاتِها، وَقِصَر مِنْ طُولِهَا.
جَلَعَهُ اللهُ تعالى بَلاَغاً لِرِسَالَتِهِ، وَكَرَامَةً لاُمَّتِهِ، وَرَبِيعاً لاَهْلِ زَمَانِهِ، وَرِفْعَةً لاَعْوَانِهِ، وَشَرَفاً لاَنْصَارِهِ.

القرآن الكريم

ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ نُوراً لاَ تُطْفَأُ مَصَابِيحُهُ، وَسِرَاجاً لاَ يَخْبُو تَوَقُّدُهُ، وَبَحْراً لاَ يُدْرَكُ قَعْرُهُ، وَمِنْهَاجاً لاَ يُضِلُّ نَهْجُهُ، وَشُعَاعاً لاَ يُظْلِمُ ضَوْؤُهُ، وَفُرْقَاناً لاَ يُخْمَدُ بُرْهَانُهُ، وَتِبْيَاناً لاَ تُهْدَمُ أَرْكَانُهُ، وَشِفَاءً لاَ تُخْشَى أَسْقَامُهُ، وَعِزّاً لاَ تُهْزَمُ أَنْصَارُهُ، وَحَقّاً لاَ تُخْذَلُ أَعْوَانُهُ. فَهُوَ مَعْدِنُ الاْيمَانِ وَبُحْبُوحَتُهُ، وَيَنَابِيعُ الْعِلْمِ وَبُحُورُهُ، وَرِيَاضُ الْعَدْلِ وَغُدْرَانُهُ، وَأَثَافِيُّ الاْسْلاَمِ وَبُنْيَانُهُ، وَأَوْدِيَةُ الْحَقِّ وَغِيطَانُهُ. وَبَحْرٌ لاَ يَنْزِفُهُ الْمُسْتَنْزِفُونَ، وَعُيُونٌ لاَ يُنضِبُهَا الْمَاتِحُونَ، وَمَنَاهِلُ لاَ يَغِيضُهَا الْوَارِدُونَ، وَمَنَازِلُ لاَ يَضِلُّ نَهْجَهَا الْمُسَافِرُونَ، وَأَعْلاَمٌ لاَ يَعْمَى عَنْهَا السَّائِرُونَ، وَآكَامٌ لاَ يَجُوزُ عنْهَا الْقَاصِدُونَ.
جَعَلَهُ اللهُ رِيّاً لِعَطَشِ الْعُلَمَاءِ، وَرَبِيعاً لِقُلُوبِ الْفُقَهَاءِ، وَمَحَاجَّ لِطُرُقِ الصُّلَحَاءِ، وَدَوَاءً لَيْسَ بَعْدَهُ دَاءٌ، وَنُوراً لَيْسَ مَعَهُ ظُلْمَةٌ، وَحَبْلاً وَثِيقاً عُرْوَتُهُ، وَمَعْقِلاً مَنِيعاً ذِرْوَتُهُ، وَعِزّاً لِمَنْ تَوَلاَّهُ، وَسِلْماً لِمَنْ دَخَلَهُ، وَهُدىً لِمَنِ ائْتَمَّ بِهِ، وَعُذْراً لِمَنِ انْتَحَلَهُ، وَبُرْهَاناً لِمَنْ تَكَلَّمَ بِهِ، وَشَاهِداً لِمَنْ خَاصَمَ بِهِ، وَفَلْجاً لِمَنْ حَاجَّ بِهِ، وَحَامِلاً لِمَنْ حَمَلَهُ، وَمَطِيَّةً لِمَنْ أَعْمَلَهُ، وَآيَةً لِمَنْ تَوَسَّمَ، وَجُنَّةً لِمَنِ اسْتَلاْمَ، وَعِلْماً لِمَنْ وَعَى، وَحَدِيثاً لِمَنْ رَوَى، وَحُكْماً لِمَنْ قَضَى.