Search
Close this search box.
Layer 5
فهرس نهج البلاغة
فهرس الخطب نهج‌البلاغة

الخطبة الثالثة والستون بعد المائة من خطب أميرالمؤمنين عليه السلام المذكورة في كتاب نهج البلاغة يصف فيها الباري (جل شأنه) بأنه هو الأول فلا أول له والآخر فلا آخر له ولا يدخل في تصور أحد خارج عن الزمان فلا يسأل عنه بمتى ولا يحدد بحتى، ليس كمثله شيء، ثم يخاطب الإنسان بأنه عندما كان جنينا من علمه الرضاعة عند خروجه للدنيا إلى آخر الخطبة الشريفة.

من خطبة له عليه السلام في الخالق جلّ وعلا
الخالق جلّ وعلا
الخالق جَلَّ و عَلا

الْحَمْدُ لِلَّهِ خَالِقِ الْعِبَادِ وَسَاطِحِ الْمِهَادِ وَمُسِيلِ الْوِهَادِ وَمُخْصِبِ النِّجَادِ، لَيْسَ لِأَوَّلِيَّتِهِ ابْتِدَاءٌ وَلَا لِأَزَلِيَّتِهِ انْقِضَاءٌ، هُوَ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَزَلْ وَالْبَاقِي بِلَا أَجَلٍ، خَرَّتْ لَهُ الْجِبَاهُ وَوَحَّدَتْهُ الشِّفَاهُ، حَدَّ الْأَشْيَاءَ عِنْدَ خَلْقِهِ لَهَا إِبَانَةً لَهُ مِنْ شَبَهِهَا، لَا تُقَدِّرُهُ الْأَوْهَامُ بِالْحُدُودِ وَالْحَرَكَاتِ وَلَا بِالْجَوَارِحِ وَالْأَدَوَاتِ. لَا يُقَالُ لَهُ مَتَى وَلَا يُضْرَبُ لَهُ أَمَدٌ بِحَتَّى، الظَّاهِرُ لَا يُقَالُ مِمَّ وَالْبَاطِنُ لَا يُقَالُ فِيمَ، لَا شَبَحٌ فَيُتَقَصَّى وَلَا مَحْجُوبٌ فَيُحْوَى، لَمْ يَقْرُبْ مِنَ الْأَشْيَاءِ بِالْتِصَاقٍ وَلَمْ يَبْعُدْ عَنْهَا بِافْتِرَاقٍ، وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ عِبَادِهِ شُخُوصُ لَحْظَةٍ وَلَا كُرُورُ لَفْظَةٍ وَلَا ازْدِلَافُ رَبْوَةٍ وَلَا انْبِسَاطُ خُطْوَةٍ فِي لَيْلٍ دَاجٍ وَلَا غَسَقٍ سَاجٍ، يَتَفَيَّأُ عَلَيْهِ الْقَمَرُ الْمُنِيرُ وَتَعْقُبُهُ الشَّمْسُ ذَاتُ النُّورِ فِي الْأُفُولِ وَالْكُرُورِ وَ[تَقْلِيبِ] تَقَلُّبِ الْأَزْمِنَةِ وَالدُّهُورِ مِنْ إِقْبَالِ لَيْلٍ مُقْبِلٍ وَإِدْبَارِ نَهَارٍ مُدْبِرٍ قَبْلَ كُلِّ غَايَةٍ وَمُدَّةِ وَكُلِّ إِحْصَاءٍ وَعِدَّةٍ، تَعَالَى عَمَّا يَنْحَلُهُ الْمُحَدِّدُونَ مِنْ صِفَاتِ الْأَقْدَارِ وَنِهَايَاتِ الْأَقْطَارِ وَتَأَثُّلِ الْمَسَاكِنِ وَتَمَكُّنِ الْأَمَاكِنِ، فَالْحَدُّ لِخَلْقِهِ مَضْرُوبٌ وَإِلَى غَيْرِهِ مَنْسُوبٌ.

إبتداع المخلوقين

لَمْ يَخْلُقِ الْأَشْيَاءَ مِنْ أُصُولٍ أَزَلِيَّةٍ وَلَا مِنْ أَوَائِلَ أَبَدِيَّةٍ، بَلْ خَلَقَ مَا خَلَقَ فَأَقَامَ حَدَّهُ وَصَوَّرَ فَأَحْسَنَ صُورَتَهُ. لَيْسَ لِشَيْءٍ مِنْهُ امْتِنَاعٌ وَلَا لَهُ بِطَاعَةِ شَيْءٍ انْتِفَاعٌ. عِلْمُهُ بِالْأَمْوَاتِ الْمَاضِينَ كَعِلْمِهِ بِالْأَحْيَاءِ الْبَاقِينَ وَعِلْمُهُ بِمَا فِي السَّمَاوَاتِ الْعُلَى كَعِلْمِهِ بِمَا فِي الْأَرَضِينَ السُّفْلَى.
أَيُّهَا الْمَخْلُوقُ السَّوِيُّ وَالْمُنْشَأُ الْمَرْعِيُّ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْحَامِ وَمُضَاعَفَاتِ الْأَسْتَارِ، بُدِئْتَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ وَوُضِعْتَ فِي قَرارٍ مَكِينٍ إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ وَأَجَلٍ مَقْسُومٍ، تَمُورُ فِي بَطْنِ أُمِّكَ جَنِيناً، لَا تُحِيرُ دُعَاءً وَلَا تَسْمَعُ نِدَاءً، ثُمَّ أُخْرِجْتَ مِنْ مَقَرِّكَ إِلَى دَارٍ لَمْ تَشْهَدْهَا وَلَمْ تَعْرِفْ سُبُلَ مَنَافِعِهَا. فَمَنْ هَدَاكَ لِاجْتِرَارِ الْغِذَاءِ مِنْ ثَدْيِ أُمِّكَ وَعَرَّفَكَ عِنْدَ الْحَاجَةِ مَوَاضِعَ طَلَبِكَ وَإِرَادَتِكَ؟ هَيْهَاتَ، إِنَّ مَنْ يَعْجِزُ عَنْ صِفَاتِ ذِي الْهَيْئَةِ وَالْأَدَوَاتِ فَهُوَ عَنْ صِفَاتِ خَالِقِهِ أَعْجَزُ وَمِنْ تَنَاوُلِهِ بِحُدُودِ الْمَخْلُوقِينَ أَبْعَد.