Search
Close this search box.
Layer 5
فهرس نهج البلاغة
فهرس الخطب نهج‌البلاغة

الخطبة الحادية والتسعون بعد المائة من خطب أميرالمؤمنين عليه السلام المذكورة في كتاب نهج البلاغة يحمد الله (تعالى) ويشير إلى فضل النبي (صلى الله عليه وآله) بهداية الأمة وإخراجهم من الظلمات إلى النور ثم يوصيهم بتقوى الله التي هي الطريق إلى الجنة غدا وأن أهل التقوى قلة في كل زمان ثم يحذرهم الدنيا وزينتها.

من خطبة له عليه السلام يحمدالله ويثني على نبيه ويوصي بالزهد والتقوى
يحمدالله ويثني على نبيه ويوصي بالزهد والتقوى

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْفَاشِي فِي الْخَلْقِ حَمْدُهُ وَالْغَالِبِ جُنْدُهُ وَالْمُتَعَالِي جَدُّهُ، أَحْمَدُهُ عَلَى نِعَمِهِ التُّؤَامِ وَآلَائِهِ الْعِظَامِ، الَّذِي عَظُمَ حِلْمُهُ فَعَفَا وَعَدَلَ فِي كُلِّ مَا قَضَى وَعَلِمَ مَا [بِمَا] يَمْضِي وَمَا مَضَى، مُبْتَدِعِ الْخَلَائِقِ بِعِلْمِهِ وَمُنْشِئِهِمْ بِحُكْمِهِ، بِلَا اقْتِدَاءٍ وَلَا تَعْلِيمٍ وَلَا احْتِذَاءٍ لِمِثَالِ صَانِعٍ حَكِيمٍ وَلَا إِصَابَةِ خَطَإٍ وَلَا حَضْرَةِ مَلَإٍ.

الرسول الاعظم

وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ابْتَعَثَهُ وَالنَّاسُ يَضْرِبُونَ فِي غَمْرَةٍ وَيَمُوجُونَ فِي حَيْرَةٍ، قَدْ قَادَتْهُمْ أَزِمَّةُ الْحَيْنِ وَاسْتَغْلَقَتْ عَلَى أَفْئِدَتِهِمْ أَقْفَالُ الرَّيْنِ‏.

الوصية بالزهد و التقوى‏

عِبَادَ اللَّهِ أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ فَإِنَّهَا حَقُّ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَالْمُوجِبَةُ عَلَى اللَّهِ حَقَّكُمْ، وَأَنْ تَسْتَعِينُوا عَلَيْهَا بِاللَّهِ وَتَسْتَعِينُوا بِهَا عَلَى اللَّهِ، فَإِنَّ التَّقْوَى فِي الْيَوْمِ الْحِرْزُ وَالْجُنَّةُ وَفِي غَدٍ الطَّرِيقُ إِلَى الْجَنَّةِ، مَسْلَكُهَا وَاضِحٌ وَسَالِكُهَا رَابِحٌ وَمُسْتَوْدَعُهَا حَافِظٌ، لَمْ تَبْرَحْ عَارِضَةً نَفْسَهَا عَلَى الْأُمَمِ الْمَاضِينَ مِنْكُمْ وَالْغَابِرِينَ لِحَاجَتِهِمْ إِلَيْهَا غَداً، إِذَا أَعَادَ اللَّهُ مَا أَبْدَى وَأَخَذَ مَا أَعْطَى وَسَأَلَ عَمَّا أَسْدَى؛ فَمَا أَقَلَّ مَنْ قَبِلَهَا وَحَمَلَهَا حَقَّ حَمْلِهَا، أُولَئِكَ الْأَقَلُّونَ عَدَداً وَهُمْ أَهْلُ صِفَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ إِذْ يَقُولُ "وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ". فَأَهْطِعُوا بِأَسْمَاعِكُمْ إِلَيْهَا وَأَلِظُّوا بِجِدِّكُمْ عَلَيْهَا وَاعْتَاضُوهَا مِنْ كُلِّ سَلَفٍ خَلَفاً وَمِنْ كُلِّ مُخَالِفٍ مُوَافِقاً، أَيْقِظُوا بِهَا نَوْمَكُمْ وَاقْطَعُوا بِهَا يَوْمَكُمْ وَأَشْعِرُوهَا قُلُوبَكُمْ وَارْحَضُوا بِهَا ذُنُوبَكُمْ وَدَاوُوا بِهَا الْأَسْقَامَ وَبَادِرُوا بِهَا الْحِمَامَ، وَاعْتَبِرُوا بِمَنْ أَضَاعَهَا وَلَا يَعْتَبِرَنَّ بِكُمْ مَنْ أَطَاعَهَا؛ أَلَا فَصُونُوهَا وَتَصَوَّنُوا بِهَا، وَكُونُوا عَنِ الدُّنْيَا نُزَّاهاً وَإِلَى الْآخِرَةِ وُلَّاهاً، وَلَا تَضَعُوا مَنْ رَفَعَتْهُ التَّقْوَى وَلَا تَرْفَعُوا مَنْ رَفَعَتْهُ الدُّنْيَا، وَلَا تَشِيمُوا بَارِقَهَا وَلَا تَسْمَعُوا نَاطِقَهَا وَلَا تُجِيبُوا نَاعِقَهَا وَلَا تَسْتَضِيئُوا بِإِشْرَاقِهَا وَلَا تُفْتَنُوا بِأَعْلَاقِهَا، فَإِنَّ بَرْقَهَا خَالِبٌ وَنُطْقَهَا كَاذِبٌ وَأَمْوَالَهَا مَحْرُوبَةٌ وَأَعْلَاقَهَا مَسْلُوبَةٌ. أَلَا وَهِيَ الْمُتَصَدِّيَةُ الْعَنُونُ وَالْجَامِحَةُ الْحَرُونُ وَالْمَائِنَةُ الْخَئُونُ وَالْجَحُودُ الْكَنُودُ وَالْعَنُودُ الصَّدُودُ وَالْحَيُودُ الْمَيُودُ؛ حَالُهَا انْتِقَالٌ وَوَطْأَتُهَا زِلْزَالٌ وَعِزُّهَا ذُلٌّ وَجِدُّهَا هَزْلٌ وَعُلْوُهَا سُفْلٌ؛ دَارُ [حَرْبٍ‏] حَرَبٍ وَسَلَبٍ وَنَهْبٍ وَعَطَبٍ، أَهْلُهَا عَلَى سَاقٍ وَسِيَاقٍ وَلَحَاقٍ وَفِرَاقٍ.
قَدْ تَحَيَّرَتْ مَذَاهِبُهَا وَأَعْجَزَتْ مَهَارِبُهَا وَخَابَتْ مَطَالِبُهَا؛ فَأَسْلَمَتْهُمُ الْمَعَاقِلُ وَلَفَظَتْهُمُ الْمَنَازِلُ وَأَعْيَتْهُمُ الْمَحَاوِلُ. فَمِنْ نَاجٍ مَعْقُورٍ وَلَحْمٍ مَجْزُورٍ وَشِلْوٍ مَذْبُوحٍ وَدَمٍ مَسْفُوحٍ وَعَاضٍّ عَلَى يَدَيْهِ وَصَافِقٍ بِكَفَّيْهِ وَمُرْتَفِقٍ بِخَدَّيْهِ وَزَارٍ عَلَى رَأْيِهِ وَرَاجِعٍ عَنْ عَزْمِهِ وَقَدْ أَدْبَرَتِ الْحِيلَةُ وَأَقْبَلَتِ الْغِيلَةُ وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ. هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ قَدْ فَاتَ مَا فَاتَ وَذَهَبَ مَا ذَهَبَ وَمَضَتِ الدُّنْيَا لِحَالِ بَالِهَا، «فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِين»‏.