الخطبة الثلاثون بعد المائتين من خطب أميرالمؤمنين عليه السلام المذكورة في كتاب نهج البلاغة يحث فيها على التقوى والعمل الصالح وأنه يرفعه الله (تعالى) والتوبة فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له وترك الشهوات ويحذر من الموت أن يأتي بغتة وهم لا يشعرون ثم يذكر جانبا من صفات الزاهدين.
فهرس نهج البلاغة
فهرس الخطب نهجالبلاغة
فهرس الكتب نهجالبلاغة
- نهج البلاغة
- » الخطب »
- الخطبة ٢٣۰
من خطبة له عليه السلام في مقاصد أُخرى
في مقاصد أُخرى
فَإِنَّ تَقْوَى اللَّهِ مِفْتَاحُ سَدَادٍ وَذَخِيرَةُ مَعَادٍ وَعِتْقٌ مِنْ كُلِّ مَلَكَةٍ وَنَجَاةٌ مِنْ كُلِّ هَلَكَةٍ، بِهَا يَنْجَحُ الطَّالِبُ وَيَنْجُو الْهَارِبُ وَتُنَالُ الرَّغَائِبُ.
فضل العمل
فَاعْمَلُوا وَالْعَمَلُ يُرْفَعُ وَالتَّوْبَةُ تَنْفَعُ وَالدُّعَاءُ يُسْمَعُ، وَالْحَالُ هَادِئَةٌ وَالْأَقْلَامُ جَارِيَةٌ وَبَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ عُمُراً نَاكِساً أَوْ مَرَضاً حَابِساً أَوْ مَوْتاً خَالِساً. فَإِنَّ الْمَوْتَ هَادِمُ لَذَّاتِكُمْ وَمُكَدِّرُ شَهَوَاتِكُمْ وَمُبَاعِدُ طِيَّاتِكُمْ، زَائِرٌ غَيْرُ مَحْبُوبٍ وَقِرْنٌ غَيْرُ مَغْلُوبٍ وَوَاتِرٌ غَيْرُ مَطْلُوبٍ.
قَدْ أَعْلَقَتْكُمْ حَبَائِلُهُ وَتَكَنَّفَتْكُمْ غَوَائِلُهُ وَأَقْصَدَتْكُمْ مَعَابِلُهُ وَعَظُمَتْ فِيكُمْ سَطْوَتُهُ وَتَتَابَعَتْ عَلَيْكُمْ عَدْوَتُهُ وَقَلَّتْ عَنْكُمْ نَبْوَتُهُ، فَيُوشِكُ أَنْ تَغْشَاكُمْ دَوَاجِي ظُلَلِهِ وَاحْتِدَامُ عِلَلِهِ وَحَنَادِسُ غَمَرَاتِهِ وَغَوَاشِي سَكَرَاتِهِ وَأَلِيمُ إِرْهَاقِهِ وَدُجُوُّ أَطْبَاقِهِ وَ[خُشُونَةُ] جُشُوبَةُ مَذَاقِهِ، فَكَأَنْ قَدْ أَتَاكُمْ بَغْتَةً فَأَسْكَتَ نَجِيَّكُمْ وَفَرَّقَ نَدِيَّكُمْ وَعَفَّى آثَارَكُمْ وَعَطَّلَ دِيَارَكُمْ وَبَعَثَ وُرَّاثَكُمْ يَقْتَسِمُونَ تُرَاثَكُمْ بَيْنَ حَمِيمٍ خَاصٍّ لَمْ يَنْفَعْ وَقَرِيبٍ مَحْزُونٍ لَمْ يَمْنَعْ وَآخَرَ شَامِتٍ لَمْ يَجْزَعْ.
فضل الجد
فَعَلَيْكُمْ بِالْجَدِّ وَالِاجْتِهَادِ وَالتَّأَهُّبِ وَالِاسْتِعْدَادِ وَالتَّزَوُّدِ فِي مَنْزِلِ الزَّادِ، وَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا كَمَا غَرَّتْ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنَ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ وَالْقُرُونِ الْخَالِيَةِ الَّذِينَ احْتَلَبُوا دِرَّتَهَا وَأَصَابُوا غِرَّتَهَا وَأَفْنَوْا عِدَّتَهَا وَ أَخْلَقُوا جِدَّتَهَا وَأَصْبَحَتْ مَسَاكِنُهُمْ أَجْدَاثاً وَأَمْوَالُهُمْ مِيرَاثاً لَا يَعْرِفُونَ مَنْ أَتَاهُمْ وَلَا يَحْفِلُونَ مَنْ بَكَاهُمْ وَلَا يُجِيبُونَ مَنْ دَعَاهُمْ. فَاحْذَرُوا الدُّنْيَا فَإِنَّهَا غَدَّارَةٌ غَرَّارَةٌ خَدُوعٌ مُعْطِيَةٌ مَنُوعٌ مُلْبِسَةٌ نَزُوعٌ، لَا يَدُومُ رَخَاؤُهَا وَلَا يَنْقَضِي عَنَاؤُهَا وَلَا يَرْكُدُ بَلَاؤُهَا.
ومنها في صفة الزُهّاد: كَانُوا قَوْماً مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا وَلَيْسُوا مِنْ أَهْلِهَا، فَكَانُوا فِيهَا كَمَنْ لَيْسَ مِنْهَا، عَمِلُوا فِيهَا بِمَا يُبْصِرُونَ وَبَادَرُوا فِيهَا مَا يَحْذَرُونَ، تَقَلَّبُ أَبْدَانِهِمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَهْلِ الْآخِرَةِ وَيَرَوْنَ أَهْلَ الدُّنْيَا يُعَظِّمُونَ مَوْتَ أَجْسَادِهِمْ، وَهُمْ أَشَدُّ إِعْظَاماً لِمَوْتِ قُلُوبِ أَحْيَائِهِم.