الخطبة الثالثة والخمسون بعد المائة من خطب أميرالمؤمنين عليه السلام المذكورة في كتاب نهج البلاغة يحذر فيها (عليه السلام) نفسه وأتباعه الانشغال بالدنيا وعدم الاكتراث بالآخرة لحين قدوم الموت فحينها لا ينفع المرء ما جمع وادخر واستمتع به من ملذات الدنيا ولا نجاة من الدنيا إلا للمعتبر الذي ينتفع بالعظات ويتبع أثر النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) وسنته ووضع التفاخر جانبا ثم يبين ذنوبا لو جاء بها أحد لما قبل الله (تعالى) منه صرفا ولا عدلا.
فهرس نهج البلاغة
فهرس الخطب نهجالبلاغة
فهرس الكتب نهجالبلاغة
- نهج البلاغة
- » الخطب »
- الخطبة ١٥٣
من خطبه له عليه السلام صفة الضال
صفة الضال
وَهُوَ فِي مُهْلَةٍ مِنَ اللَّهِ يَهْوِي مَعَ الْغَافِلِينَ وَيَغْدُو مَعَ الْمُذْنِبِينَ، بِلَا سَبِيلٍ قَاصِدٍ وَلَا إِمَامٍ قَائِدٍ.
صفات الغافلين
منها: حَتَّى إِذَا كَشَفَ لَهُمْ عَنْ جَزَاءِ مَعْصِيَتِهِمْ وَاسْتَخْرَجَهُمْ مِنْ جَلَابِيبِ غَفْلَتِهِمُ، اسْتَقْبَلُوا مُدْبِراً وَاسْتَدْبَرُوا مُقْبِلًا، فَلَمْ يَنْتَفِعُوا بِمَا أَدْرَكُوا مِنْ طَلِبَتِهِمْ وَلَا بِمَا قَضَوْا مِنْ وَطَرِهِمْ.
إِنِّي أُحَذِّرُكُمْ وَنَفْسِي هَذِهِ الْمَنْزِلَةَ. فَلْيَنْتَفِعِ امْرُؤٌ بِنَفْسِهِ، فَإِنَّمَا الْبَصِيرُ مَنْ سَمِعَ فَتَفَكَّرَ وَنَظَرَ فَأَبْصَرَ وَانْتَفَعَ بِالْعِبَرِ ثُمَّ سَلَكَ جَدَداً وَاضِحاً، يَتَجَنَّبُ فِيهِ الصَّرْعَةَ فِي الْمَهَاوِي وَالضَّلَالَ فِي الْمَغَاوِي، وَلَا يُعِينُ عَلَى نَفْسِهِ الْغُوَاةَ بِتَعَسُّفٍ فِي حَقٍّ أَوْ تَحْرِيفٍ فِي نُطْقٍ أَوْ تَخَوُّفٍ مِنْ صِدْقٍ.
عظة الناس
فَأَفِقْ أَيُّهَا السَّامِعُ مِنْ سَكْرَتِكَ وَاسْتَيْقِظْ مِنْ غَفْلَتِكَ وَاخْتَصِرْ مِنْ عَجَلَتِكَ، وَأَنْعِمِ الْفِكْرَ فِيمَا جَاءَكَ عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ صلی الله علیه وآله مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ وَلَا مَحِيصَ عَنْهُ وَخَالِفْ مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ إِلَى غَيْرِهِ وَدَعْهُ وَمَا رَضِيَ لِنَفْسِهِ. وَضَعْ فَخْرَكَ وَاحْطُطْ كِبْرَكَ وَاذْكُرْ قَبْرَكَ فَإِنَّ عَلَيْهِ مَمَرَّكَ، وَكَمَا تَدِينُ تُدَانُ وَكَمَا تَزْرَعُ تَحْصُدُ وَمَا قَدَّمْتَ الْيَوْمَ تَقْدَمُ عَلَيْهِ غَداً، فَامْهَدْ لِقَدَمِكَ وَقَدِّمْ لِيَوْمِكَ، فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ أَيُّهَا الْمُسْتَمِعُ وَالْجِدَّ الْجِدَّ أَيُّهَا الْغَافِلُ "وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ".
إِنَّ مِنْ عَزَائِمِ اللَّهِ فِي الذِّكْرِ الْحَكِيمِ الَّتِي عَلَيْهَا يُثِيبُ وَيُعَاقِبُ وَلَهَا يَرْضَى وَيَسْخَطُ، أَنَّهُ لَا يَنْفَعُ عَبْداً وَإِنْ أَجْهَدَ نَفْسَهُ وَأَخْلَصَ فِعْلَهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الدُّنْيَا لَاقِياً رَبَّهُ بِخَصْلَةٍ مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا: أَنْ يُشْرِكَ بِاللَّهِ فِيمَا افْتَرَضَ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَتِهِ، أَوْ يَشْفِيَ غَيْظَهُ بِهَلَاكِ نَفْسٍ، أَوْ يَعُرَّ بِأَمْرٍ فَعَلَهُ غَيْرُهُ، أَوْ يَسْتَنْجِحَ حَاجَةً إِلَى النَّاسِ بِإِظْهَارِ بِدْعَةٍ فِي دِينِهِ، أَوْ يَلْقَى النَّاسَ بِوَجْهَيْنِ أَوْ يَمْشِيَ فِيهِمْ بِلِسَانَيْنِ؛ اعْقِلْ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمِثْلَ دَلِيلٌ عَلَى شِبْهِهِ.
إِنَّ الْبَهَائِمَ هَمُّهَا بُطُونُهَا وَإِنَّ السِّبَاعَ هَمُّهَا الْعُدْوَانُ عَلَى غَيْرِهَا وَإِنَّ النِّسَاءَ هَمُّهُنَّ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْفَسَادُ فِيهَا؛ إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ مُسْتَكِينُونَ، إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ مُشْفِقُونَ، إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ خَائِفُون.