Search
Close this search box.
الكلمة:١
إنّ الإحساس بالتفوق الذي لا مبرر له عقلاً ولا شرعاً، قد يوجب في بعض الحالات منع الهبات المدخرة للعبد.. إضافة إلى سلب الهبات الفعلية، وهذا معنى الانسلاخ من الآيات، الذي وقع فيه أمثال بلعم.
الكلمة:٢
إن الإنسان عندما يمنّ على الفقير، ويؤذيه بقول؛ يكون قد ابتعد عن الله -عز وجل- لا يراوح في مكانه.. تارة الإنسان يراوح في مكانه، وتارة يتنزل ويتسافل.. فالذي يعطي الخيرات والصدقات، ويعيش هذه الحالة: لم يتقدم، ولم يبق في مكانه؛ بل يتأخر القهقرى!..
الكلمة:٣
إن تواضع الأغنياء للفقراء أمر متعارف، ولكن أحسن منه تكبر الفقير على الغني -بالمعنى المحمود- أي أنه يرى نفسه في رتبة أعلى من الغني.. فالغني اتكاله على ماله، وعلى رصيده في البنوك، أم الفقير فاتكاله على ربه. إن التكبر يعكس حالة مرضية في النفس الإنسانية، وفي أغلب الأوقات يكون انعكاسا لحالة من الذلة يعيشها صاحبها.. فيريد أن يعوض هذه الذلة، بتعظيم نفسه أمام الآخرين بموجبات وهمية في كثير من الأحيان.. ولا شك أن هذه الحركة منازعة، وتشبه بالرب المتعال، فهو الوحيد الذي يحسن له التكبر -كما هو اسم له- نظرا لما له من الكمال الذاتي، والجمال الربوبي.
الكلمة:٤
إن الإحساس بالاستغناء المالي، من موجبات التكبر.. وقد جعله القرآن الكريم من موجبات الطغيان.. والحال أن هذه الحالة لا تعكس كمالا في النفس، فهل هناك اتحاد بين المالك والمال المملوك؛ لتكون كثرته موجبة لعظمة صاحبه؟.. وخاصة مع الالتفات إلى حقيقة مفارقة المالك، لما يملكه عاجلا كان أو آجلا!.. فتأمل في هذا الحديث، ليفتح لك بابا من أبواب الحكمة الخالدة، فقد روي عن علي (ع) انه قال: (ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء، طلبا لما عند الله!.. وأحسن منه تيه الفقراء على الأغنياء؛ اتكالا على الله)!..
الكلمة:٥
إن من دواعي التكبر: الإحساس بالوجاهة الاجتماعية، والانتساب إلى من هم -في نظر العرف- من أهل الشرف والمكانة.. والحال أن هذا من الوهم أيضا.. فإذا كان الفرد الواحد ممن لا تميز له، فإن كثرته أيضا لا يوجب التميز.. أو هل نسينا أن الله -تعالى- جعل الكرامة الإنسانية محصورة بالتقوى، فلماذا نعطي وزنا لبعض الأمور التي لا تستحق قيمة عند الله تعالى؟..
الكلمة:٦
إن الانتساب إلى بقعة جغرافية معينة، من دواعي التكبر.. والحال أن الأرض كلها بلاد الله تعالى، وسيأتي ذلك اليوم الذي يجعلها قاعا صفصفا!.. ولا شرافة لأرض دون أرض إلا لبعض البلدان التي قدسها الله -تعالى- كالحرمين الشريفين.. وعليه، فإن الانتساب إلى بقعة من البقاع، لا يعد من موجبات الفخر والتكبر على العباد، والذي لا يزيد العبد إلا مقتا عند ربه، لضحالة مستوى تفكيره.
الكلمة:٧
إن الإنسان يحب ذاته، ولو كانت عارية من كل صفات الكمال.. وعندئذ كم يبدو من المضحك حقا، أن يعجب الإنسان بذات فاقدة لأدنى ما يوجب الإحساس بالعظمة والتكبر!.. إن استذكار حقيقة الفناء والافتقار إلى واهب الوجود في كل لحظة من لحظات الحياة، لمن موجبات احتقار النفس، وأنه لا قوام لها إلا بالله الواحد الأحد.. وحينئذ يرى كل ما في الوجود صغيرا، حتى هذه النفس التي لا قيمة لها، في جنب هذا الوجود المترامي الأطراف. إن من موجبات علاج حالة التكبر الممقوتة عند الله تعالى: النظر إلى العباد على أنهم من شؤون المولى جل وعلا، وحينئذ يكون هذا التعالي على العباد بمنزلة التعالي على هذه النسبة بين الخالق والمخلوق .. ومن هنا كان صاحبها في معرض الانتقام الإلهي، إذ انه حاول انتهاك هذه الحرمة المقدسة، وهل اطلعنا على بواطن العباد وخواتيم أعمالهم، لكي نحكم عليهم بما لا يستند إلى علم ولا يقين؟..
الكلمة:٨
لقد ضرب المعصومون (ع) أروع المثل في نفي الكبرياء لغير الله تعالى، فقد ورد أنه عظم بعضهم أمير المؤمنين (ع) بأسلوب غير متعارف، فسألهم عن ذلك: ما هذا الذي صنعتموه؟.. فقالوا: خلق منا نعظم به أمراءنا، فقال (ع): (والله!.. ما ينتفع بهذا أمراؤكم، وإنكم لتشقون به على أنفسكم، وتشقون به في آخرتكم.. وما أخسر المشقة وراءها العقاب، وما أربح الراحة معها الأمان من النار)!..
الكلمة:٩
إن من قواعد الحوار الأساسية: نفي الإنيّة والذاتية، وحب الإفحام والغلبة الفكرية.. وهذا من أصعب الأمور على النفس، وذلك لأن المحاور الذي لم يخرج من أسر (الأنا) يحب أن يبرز نفسه من خلال إظهار قوته وتمكنه في الحوار، ومن ثم الانتصار فيه، ولو كان على حساب الحقيقة التي يفترض لزوم الوصول إليها!.. وقد قيل: (آخر ما يخرج من قلوب الصدّيقين؛ حبّ الرئاسة)!.. وعليه، فإن المناقش المثالي، هو الذي يعترف بالهزيمة أمام الخصم عندما يرى قوة حجته، قبل أن يقف أمام المحكمة الكبرى لرب العالمين!..
الكلمة:١٠
إن من الصفات المذمومة في الشريعة وبشدة، صفة: التكبر، والتجبر، والتعالي.. لا يخفى أن التكبر على المتكبر، قد يكون راجحاً إن كانت النية صادقة؛ كي يُشعره بأنه لا قيمة له.. ولهذا المؤمن في هذه المواقف عزيز وقوي، فمن صفات المؤمن القوة في هذا المجال.. ولكن الكلام هنا في التكبر المذموم.. وهذا التكبر والتجبر تارة يكون له منشأ: وجاهة اجتماعية، أو مال وفير، أو منصب سياسي، أو ذرية وأولاد.. وتارة لا موجب له؛ وكما يقال: شر البلية ما يضحك!..
الكلمة:١١
يجب أن ينظر الإنسان إلى نفسه، وخاصة أن البعض يحاول أن يطبق قانون التجبر والتكبر على زوجته.. فخصوص الحياة الزوجية: المودة والرحمة، ولكن هناك رجالاً يقومون ببعض التصرفات، كي يبسطوا هيبتهم في نفوس زوجاتهم.. فالجو جو محبة ولطف، وأعظم المشاكل التي تقع بين الزوجين، يمكن أن تُحل بكلمة ملاطفة، وبكلمة محبة.. ولكن نحن -مع الأسف- نسيطر على جسد المرأة: إما بالضرب، أو بالتوبيخ، أو بالطلاق، أو ..الخ.. فمن أراد أن يهنأ مع أهله، لا داعي للتجبر، والآية الكريمة تقول: {أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ}.. فالإنسان مع أخيه المؤمن، ليس بحاجة إلى استعمال أسلوب الزجر والقوة.. المؤمنون سواء في عالم الأسرة أو المجتمع، الطريق إليهم هي المحبة والتواضع.. أما بخصوص الوالدين، فقد أمرنا بالتذلل لهم.. {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} ولكن هذه ليست ذلة إنسان مستكين.
الكلمة:١٢
إن الإنسان لما كانت خلقته مبنية على كبد، فلا ينال قط شيئاً مما يريد، إلا دون ما يريد، أو غير ما يريد.. فهو محاط في خلقه، مغلوب في إرادته، مقهور فيما قدر له من الأمر.. والذي يغلبه في إرادته، ويقهره على التلبس بما قدر له، وهو الله -سبحانه- يقدر عليه من كل جهة؛ فله أن يتصرف فيه بما شاء، ويأخذه إذا أراد.. فليس للإنسان أن يحسب أن لن يقدر عليه أحد، فيدعوه ذلك إلى أن يعلو على الله تعالى، ويستكبر عن عبادته.. فمادام الإنسان ضعيفاً، محاطاً بالآفات في: النفس، والبدن، والمال؛ لمَ لا يلتجئ إلى رب الأرباب، وهو في كل يوم يحتاج إلى عنايته؟!..