الخطبة الحادية والتسعون من خطب أميرالمؤمنين عليه السلام المذكورة في كتاب نهج البلاغة وخطبها بعدما سأله سائل أن يصف الله كأنه يراه وتسمى هذه الخطبة بخطبة الأشباح أي الأشخاص لأن فيها ذكر الأشخاص والملائكة ويصف الله سبحانه في صدرها ويطلب من السائل الاقتصار على ما وصف الله به نفسه في القرآن ويشير فيها إلى خلق العالم وما يحتويه من عجائب لا تحصى ودحو الأرض وغير ذلك.
فهرس نهج البلاغة
فهرس الخطب نهجالبلاغة
فهرس الكتب نهجالبلاغة
- نهج البلاغة
- » الخطب »
- الخطبة ٩١
من خطبة له عليه السلام تُعرَف بخطبة الأشباح وهي من جلائل خطبه (علیه السلام)
تُعرَف بخطبة الأشباح وهي من جلائل خطبه (علیه السلام) روى مسعدة بن صدقة عن الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام) أنّه قال: خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) بهذه الخطبة على منبر الكوفة، وذلك أن رجلاً أتاه فقال له: يا أميرالمؤمنين! صف لنا ربّنا مثلما نراه عيانا لنزداد له حباً وبه معرفة. فغضب ونادى: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس حتى غصّ المسجد بأهله. فصعد المنبر وهو مغضب متغيّر اللون، فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبي (صلى الله عليه وآله)، ثمّ قال:
وصفُ اللّه تعالى
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا يَفِرُهُ الْمَنْعُ وَالْجُمُودُ وَلَا يُكْدِيهِ الْإِعْطَاءُ وَالْجُودُ إِذْ كُلُّ مُعْطٍ مُنْتَقِصٌ سِوَاهُ وَكُلُّ مَانِعٍ مَذْمُومٌ مَا خَلَاهُ وَهُوَ الْمَنَّانُ بِفَوَائِدِ النِّعَمِ وَعَوَائِدِ الْمَزِيدِ وَالْقِسَمِ عِيَالُهُ الْخَلَائِقُ ضَمِنَ أَرْزَاقَهُمْ وَقَدَّرَ أَقْوَاتَهُمْ وَنَهَجَ سَبِيلَ الرَّاغِبِينَ إِلَيْهِ وَالطَّالِبِينَ مَا لَدَيْهِ وَلَيْسَ بِمَا سُئِلَ بِأَجْوَدَ مِنْهُ بِمَا لَمْ يُسْأَلْ الْأَوَّلُ الَّذِي لَمْ يَكُنْ لَهُ قَبْلٌ فَيَكُونَ شَيْءٌ قَبْلَهُ وَالْآخِرُ الَّذِي لَيْسَ لهُ بَعْدٌ فَيَكُونَ شَيْءٌ بَعْدَهُ وَالرَّادِعُ أَنَاسِيَّ الْأَبْصَارِ عَنْ أَنْ تَنَالَهُ أَوْ تُدْرِكَهُ مَا اخْتَلَفَ عَلَيْهِ دَهْرٌ فَيَخْتَلِفَ مِنْهُ الْحَالُ وَلَا كَانَ فِي مَكَانٍ فَيَجُوزَ عَلَيْهِ الِانْتِقَالُ وَلَوْ وَهَبَ مَا تَنَفَّسَتْ عَنْهُ مَعَادِنُ الْجِبَالِ وَضَحِكَتْ عَنْهُ أَصْدَافُ الْبِحَارِ مِنْ فِلِزِّ [فلق] اللُّجَيْنِ وَالْعِقْيَانِ وَنُثَارَةِ الدُّرِّ وَحَصِيدِ الْمَرْجَانِ مَا أَثَّرَ ذَلِكَ فِي جُودِهِ وَلَا أَنْفَدَ سَعَةَ مَا عِنْدَهُ وَلَكَانَ عِنْدَهُ مِنْ ذَخَائِرِ الْأَنْعَامِ مَا لَا تُنْفِدُهُ مَطَالِبُ الْأَنَامِ لِأَنَّهُ الْجَوَادُ الَّذِي لَا يَغِيضُهُ سُؤَالُ السَّائِلِينَ وَلَا يُبْخِلُهُ إِلْحَاحُ الْمُلِحِّينَ.
صفاته تعالى في القرآن
فَانْظُرْ أَيُّهَا السَّائِلُ فَمَا دَلَّكَ الْقُرْآنُ عَلَيْهِ مِنْ صِفَتِهِ فَائْتَمَّ بِهِ وَاسْتَضِئْ بِنُورِ هِدَايَتِهِ وَمَا كَلَّفَكَ الشَّيْطَانُ عِلْمَهُ مِمَّا لَيْسَ فِي الْكِتَابِ عَلَيْكَ فَرْضُهُ وَلَا فِي سُنَّةِ النَّبِيِّ صلی الله علیه وآله وَأَئِمَّةِ الْهُدَى أَثَرُهُ فَكِلْ عِلْمَهُ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ مُنْتَهَى حَقِّ اللَّهِ عَلَيْكَ وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ هُمُ الَّذِينَ أَغْنَاهُمْ عَنِ اقْتِحَامِ السُّدَدِ الْمَضْرُوبَةِ دُونَ الْغُيُوبِ الْإِقْرَارُ بِجُمْلَةِ مَا جَهِلُوا تَفْسِيرَهُ مِنَ الْغَيْبِ الْمَحْجُوبِ فَمَدَحَ اللَّهُ تَعَالَى اعْتِرَافَهُمْ بِالْعَجْزِ عَنْ تَنَاوُلِ مَا لَمْ يُحِيطُوا بِهِ عِلْماً وَسَمَّى تَرْكَهُمُ التَّعَمُّقَ فِيمَا لَمْ يُكَلِّفْهُمُ الْبَحْثَ عَنْ كُنْهِهِ رُسُوخاً فَاقْتَصِرْ عَلَى ذَلِكَ وَلَا تُقَدِّرْ عَظَمَةَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ عَلَى قَدْرِ عَقْلِكَ فَتَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ هُوَ الْقَادِرُ الَّذِي إِذَا ارْتَمَتِ الْأَوْهَامُ لِتُدْرِكَ مُنْقَطَعَ قُدْرَتِهِ وَحَاوَلَ الْفِكْرُ الْمُبَرَّأُ مِنْ خَطَرَاتِ الْوَسَاوِسِ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ فِي عَمِيقَاتِ غُيُوبِ مَلَكُوتِهِ وَتَوَلَّهَتِ الْقُلُوبُ إِلَيْهِ لِتَجْرِيَ فِي كَيْفِيَّةِ صِفَاتِهِ وَغَمَضَتْ مَدَاخِلُ الْعُقُولِ فِي حَيْثُ لَا تَبْلُغُهُ الصِّفَاتُ لِتَنَاوُلِ عِلْمِ ذَاتِهِ رَدَعَهَا وَهِيَ تَجُوبُ مَهَاوِيَ سُدَفِ الْغُيُوبِ مُتَخَلِّصَةً إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ فَرَجَعَتْ إِذْ جُبِهَتْ مُعْتَرِفَةً بِأَنَّهُ لَا يُنَالُ بِجَوْرِ الِاعْتِسَافِ كُنْهُ مَعْرِفَتِهِ وَلَا تَخْطُرُ بِبَالِ أُولِي الرَّوِيَّاتِ خَاطِرَةٌ مِنْ تَقْدِيرِ جَلَالِ عِزَّتِه. الَّذِي ابْتَدَعَ الْخَلْقَ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ امْتَثَلَهُ وَلَا مِقْدَارٍ احْتَذَى عَلَيْهِ مِنْ خَالِقٍ مَعْبُودٍ كَانَ قَبْلَهُ وَأَرَانَا مِنْ مَلَكُوتِ قُدْرَتِهِ وَعَجَائِبِ مَا نَطَقَتْ بِهِ آثَارُ حِكْمَتِهِ وَاعْتِرَافِ الْحَاجَةِ مِنَ الْخَلْقِ إِلَى أَنْ يُقِيمَهَا بِمِسَاكِ قُوَّتِهِ مَا دَلَّنَا بِاضْطِرَارِ قِيَامِ الْحُجَّةِ لَهُ عَلَى مَعْرِفَتِهِ فَظَهَرَتِ الْبَدَائِعُ الَّتِي أَحْدَثَتْهَا آثَارُ صَنْعَتِهِ وَأَعْلَامُ حِكْمَتِهِ فَصَارَ كُلُّ مَا خَلَقَ حُجَّةً لَهُ وَدَلِيلًا عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ خَلْقاً صَامِتاً فَحُجَّتُهُ بِالتَّدْبِيرِ نَاطِقَةٌ وَدَلَالَتُهُ عَلَى الْمُبْدِعِ قَائِمَةٌ. فَأَشْهَدُ أَنَّ مَنْ شَبَّهَكَ بِتَبَايُنِ أَعْضَاءِ خَلْقِكَ وَتَلَاحُمِ حِقَاقِ مَفَاصِلِهِمُ الْمُحْتَجِبَةِ لِتَدْبِيرِ حِكْمَتِكَ لَمْ يَعْقِدْ غَيْبَ ضَمِيرِهِ عَلَى مَعْرِفَتِكَ وَلَمْ يُبَاشِرْ قَلْبَهُ الْيَقِينُ بِأَنَّهُ لَا نِدَّ لَكَ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ تَبَرُّؤَ التَّابِعِينَ مِنَ الْمَتْبُوعِينَ إِذْ يَقُولُونَ تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ كَذَبَ الْعَادِلُونَ بِكَ إِذْ شَبَّهُوكَ بِأَصْنَامِهِمْ وَنَحَلُوكَ حِلْيَةَ الْمَخْلُوقِينَ بِأَوْهَامِهِمْ وَجَزَّءُوكَ تَجْزِئَةَ الْمُجَسَّمَاتِ بِخَوَاطِرِهِمْ وَقَدَّرُوكَ عَلَى الْخِلْقَةِ الْمُخْتَلِفَةِ الْقُوَى بِقَرَائِحِ عُقُولِهِمْ وَأَشْهَدُ أَنَّ مَنْ سَاوَاكَ بِشَيْءٍ مِنْ خَلْقِكَ فَقَدْ عَدَلَ بِكَ وَالْعَادِلُ بِكَ كَافِرٌ بِمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ مُحْكَمَاتُ آيَاتِكَ وَنَطَقَتْ عَنْهُ شَوَاهِدُ حُجَجِ بَيِّنَاتِكَ وَإِنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ الَّذِي لَمْ تَتَنَاهَ فِي الْعُقُولِ فَتَكُونَ فِي مَهَبِّ فِكْرِهَا مُكَيَّفاً وَلَا فِي رَوِيَّاتِ خَوَاطِرِهَا فَتَكُونَ مَحْدُوداً مُصَرَّفاً.
ومنها: قَدَّرَ مَا خَلَقَ فَأَحْكَمَ تَقْدِيرَهُ وَدَبَّرَهُ فَأَلْطَفَ تَدْبِيرَهُ وَوَجَّهَهُ لِوِجْهَتِهِ فَلَمْ يَتَعَدَّ حُدُودَ مَنْزِلَتِهِ وَلَمْ يَقْصُرْ دُونَ الِانْتِهَاءِ إِلَى غَايَتِهِ وَلَمْ يَسْتَصْعِبْ إِذْ أُمِرَ بِالْمُضِيِّ عَلَى إِرَادَتِهِ فَكَيْفَ وَإِنَّمَا صَدَرَتِ الْأُمُورُ عَنْ مَشِيئَتِهِ الْمُنْشِئُ أَصْنَافَ الْأَشْيَاءِ بِلَا رَوِيَّةِ فِكْرٍ آلَ إِلَيْهَا وَلَا قَرِيحَةِ غَرِيزَةٍ أَضْمَرَ عَلَيْهَا وَلَا تَجْرِبَةٍ أَفَادَهَا مِنْ حَوَادِثِ الدُّهُورِ وَلَا شَرِيكٍ أَعَانَهُ عَلَى ابْتِدَاعِ عَجَائِبِ الْأُمُورِ فَتَمَّ خَلْقُهُ بِأَمْرِهِ وَأَذْعَنَ لِطَاعَتِهِ وَأَجَابَ إِلَى دَعْوَتِهِ لَمْ يَعْتَرِضْ دُونَهُ رَيْثُ الْمُبْطِئِ وَلَا أَنَاةُ الْمُتَلَكِّئِ فَأَقَامَ مِنَ الْأَشْيَاءِ أَوَدَهَا وَنَهَجَ حُدُودَهَا وَلَاءَمَ بِقُدْرَتِهِ بَيْنَ مُتَضَادِّهَا وَوَصَلَ أَسْبَابَ قَرَائِنِهَا وَفَرَّقَهَا أَجْنَاساً مُخْتَلِفَاتٍ فِي الْحُدُودِ وَالْأَقْدَارِ وَالْغَرَائِزِ وَالْهَيْئَاتِ بَدَايَا خَلَائِقَ أَحْكَمَ صُنْعَهَا وَفَطَرَهَا عَلَى مَا أَرَادَ وَابْتَدَعَهَا.
ومنها في صفة السماء
وَنَظَمَ بِلَا تَعْلِيقٍ رَهَوَاتِ فُرَجِهَا وَلَاحَمَ صُدُوعَ انْفِرَاجِهَا وَوَشَّجَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَزْوَاجِهَا وَذَلَّلَ لِلْهَابِطِينَ بِأَمْرِهِ وَالصَّاعِدِينَ بِأَعْمَالِ خَلْقِهِ حُزُونَةَ مِعْرَاجِهَا وَنَادَاهَا بَعْدَ إِذْ هِيَ دُخَانٌ فَالْتَحَمَتْ عُرَى أَشْرَاجِهَا وَفَتَقَ بَعْدَ الِارْتِتَاقِ صَوَامِتَ أَبْوَابِهَا وَأَقَامَ رَصَداً مِنَ الشُّهُبِ الثَّوَاقِبِ عَلَى نِقَابِهَا وَأَمْسَكَهَا مِنْ أَنْ تُمُورَ فِي خَرْقِ الْهَوَاءِ بِأَيْدِهِ وَأَمَرَهَا أَنْ تَقِفَ مُسْتَسْلِمَةً لِأَمْرِهِ وَجَعَلَ شَمْسَهَا آيَةً مُبْصِرَةً لِنَهَارِهَا وَقَمَرَهَا آيَةً مَمْحُوَّةً مِنْ لَيْلِهَا وَأَجْرَاهُمَا فِي مَنَاقِلِ مَجْرَاهُمَا وَقَدَّرَ سَيْرَهُمَا [مسيرهما] فِي مَدَارِجِ دَرَجِهِمَا لِيُمَيِّزَ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ بِهِمَا وَلِيُعْلَمَ عَدَدُ السِّنِينَ وَالْحِسَابُ بِمَقَادِيرِهِمَا ثُمَّ عَلَّقَ فِي جَوِّهَا فَلَكَهَا وَنَاطَ بِهَا زِينَتَهَا مِنْ خَفِيَّاتِ دَرَارِيِّهَا وَمَصَابِيحِ كَوَاكِبِهَا وَرَمَى مُسْتَرِقِي السَّمْعِ بِثَوَاقِبِ شُهُبِهَا وَأَجْرَاهَا عَلَى أَذْلَالِ تَسْخِيرِهَا مِنْ ثَبَاتِ ثَابِتِهَا وَمَسِيرِ سَائِرِهَا وَهُبُوطِهَا وَصُعُودِهَا وَنُحُوسِهَا وَسُعُودِهَا.
ومنها في صفة الملائكة
ثُمَّ خَلَقَ سُبْحَانَهُ لِإِسْكَانِ سَمَاوَاتِهِ وَعِمَارَةِ الصَّفِيحِ الْأَعْلَى مِنْ مَلَكُوتِهِ خَلْقاً بَدِيعاً مِنْ مَلَائِكَتِهِ وَمَلَأَ بِهِمْ فُرُوجَ فِجَاجِهَا وَحَشَا بِهِمْ فُتُوقَ أَجْوَائِهَا [أجوابها]، وَبَيْنَ فَجَوَاتِ تِلْكَ الْفُرُوجِ زَجَلُ الْمُسَبِّحِينَ مِنْهُمْ فِي حَظَائِرِ الْقُدُسِ وَسُتُرَاتِ الْحُجُبِ وَسُرَادِقَاتِ الْمَجْدِ وَوَرَاءَ ذَلِكَ الرَّجِيجِ [الزّجيج] الَّذِي تَسْتَكُّ مِنْهُ الْأَسْمَاعُ سُبُحَاتُ نُورٍ تَرْدَعُ الْأَبْصَارَ عَنْ بُلُوغِهَا فَتَقِفُ خَاسِئَةً عَلَى حُدُودِهَا. وَأَنْشَأَهُمْ عَلَى صُوَرٍ مُخْتَلِفَاتٍ وَأَقْدَارٍ مُتَفَاوِتَاتٍ [مؤتلفات]، "أُولِي أَجْنِحَةٍ" تُسَبِّحُ جَلَالَ عِزَّتِهِ لَا يَنْتَحِلُونَ مَا ظَهَرَ فِي الْخَلْقِ مِنْ صُنْعِهِ وَلَا يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يَخْلُقُونَ شَيْئاً مَعَهُ مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ "بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ" جَعَلَهُمُ اللَّهُ فِيمَا هُنَالِكَ أَهْلَ الْأَمَانَةِ عَلَى وَحْيِهِ وَحَمَّلَهُمْ إِلَى الْمُرْسَلِينَ وَدَائِعَ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَعَصَمَهُمْ مِنْ رَيْبِ الشُّبُهَاتِ فَمَا مِنْهُمْ زَائِغٌ عَنْ سَبِيلِ مَرْضَاتِهِ وَأَمَدَّهُمْ بِفَوَائِدِ الْمَعُونَةِ وَأَشْعَرَ قُلُوبَهُمْ تَوَاضُعَ إِخْبَاتِ السَّكِينَةِ وَفَتَحَ لَهُمْ أَبْوَاباً ذُلُلًا إِلَى تَمَاجِيدِهِ وَنَصَبَ لَهُمْ مَنَاراً وَاضِحَةً عَلَى أَعْلَامِ تَوْحِيدِهِ. لَمْ تُثْقِلْهُمْ مُؤْصِرَاتُ الْآثَامِ وَلَمْ تَرْتَحِلْهُمْ [تحلّهم] عُقَبُ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ وَلَمْ تَرْمِ الشُّكُوكُ بِنَوَازِعِهَا [نوازغها] عَزِيمَةَ إِيمَانِهِمْ وَلَمْ تَعْتَرِكِ الظُّنُونُ عَلَى مَعَاقِدِ يَقِينِهِمْ وَلَا قَدَحَتْ قَادِحَةُ الْإِحَنِ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَلَا سَلَبَتْهُمُ الْحَيْرَةُ مَا لَاقَ مِنْ مَعْرِفَتِهِ بِضَمَائِرِهِمْ وَمَا سَكَنَ مِنْ عَظَمَتِهِ وَهَيْبَةِ جَلَالَتِهِ فِي أَثْنَاءِ صُدُورِهِمْ وَلَمْ تَطْمَعْ فِيهِمُ الْوَسَاوِسُ فَتَقْتَرِعَ بِرَيْنِهَا عَلَى فِكْرِهِمْ. وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ فِي خَلْقِ الْغَمَامِ الدُّلَّحِ وَفِي عِظَمِ الْجِبَالِ الشُّمَّخِ وَفِي قَتْرَةِ الظَّلَامِ الْأَيْهَمِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَدْ خَرَقَتْ أَقْدَامُهُمْ تُخُومَ الْأَرْضِ السُّفْلَى فَهِيَ كَرَايَاتٍ بِيضٍ قَدْ نَفَذَتْ فِي مَخَارِقِ الْهَوَاءِ وَتَحْتَهَا رِيحٌ هَفَّافَةٌ تَحْبِسُهَا عَلَى حَيْثُ انْتَهَتْ مِنَ الْحُدُودِ الْمُتَنَاهِيَةِ، قَدِ اسْتَفْرَغَتْهُمْ أَشْغَالُ عِبَادَتِهِ وَوَصَلَتْ [وسلّت - مثلّت] حَقَائِقُ الْإِيمَانِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَعْرِفَتِهِ وَقَطَعَهُمُ الْإِيقَانُ بِهِ إِلَى الْوَلَهِ إِلَيْهِ وَلَمْ تُجَاوِزْ رَغَبَاتُهُمْ مَا عِنْدَهُ إِلَى مَا عِنْدَ غَيْرِهِ قَدْ ذَاقُوا حَلَاوَةَ مَعْرِفَتِهِ وَشَرِبُوا بِالْكَأْسِ الرَّوِيَّةِ مِنْ مَحَبَّتِهِ وَتَمَكَّنَتْ مِنْ سُوَيْدَاءِ قُلُوبِهِمْ وَشِيجَةُ خِيفَتِهِ فَحَنَوْا بِطُولِ الطَّاعَةِ اعْتِدَالَ ظُهُورِهِمْ وَلَمْ يُنْفِدْ طُولُ الرَّغْبَةِ إِلَيْهِ مَادَّةَ تَضَرُّعِهِمْ وَلَا أَطْلَقَ عَنْهُمْ عَظِيمُ الزُّلْفَةِ رِبَقَ خُشُوعِهِمْ وَلَمْ يَتَوَلَّهُمُ الْإِعْجَابُ فَيَسْتَكْثِرُوا مَا سَلَفَ مِنْهُمْ وَلَا تَرَكَتْ لَهُمُ اسْتِكَانَةُ الْإِجْلَالِ نَصِيباً فِي تَعْظِيمِ حَسَنَاتِهِمْ وَلَمْ تَجْرِ الْفَتَرَاتُ فِيهِمْ عَلَى طُولِ دُءُوبِهِمْ وَلَمْ تَغِضْ رَغَبَاتُهُمْ فَيُخَالِفُوا عَنْ رَجَاءِ رَبِّهِمْ وَلَمْ تَجِفَّ لِطُولِ الْمُنَاجَاةِ أَسَلَاتُ أَلْسِنَتِهِمْ وَلَا مَلَكَتْهُمُ الْأَشْغَالُ فَتَنْقَطِعَ بِهَمْسِ الْجُؤَارِ إِلَيْهِ أَصْوَاتُهُمْ وَلَمْ تَخْتَلِفْ فِي مَقَاوِمِ [مقادم] الطَّاعَةِ مَنَاكِبُهُمْ وَلَمْ يَثْنُوا إِلَى رَاحَةِ التَّقْصِيرِ فِي أَمْرِهِ رِقَابَهُمْ. وَلَا تَعْدُو عَلَى عَزِيمَةِ جِدِّهِمْ بَلَادَةُ الْغَفَلَاتِ وَلَا تَنْتَضِلُ فِي هِمَمِهِمْ خَدَائِعُ الشَّهَوَاتِ. قَدِ اتَّخَذُوا ذَا الْعَرْشِ ذَخِيرَةً لِيَوْمِ فَاقَتِهِمْ وَيَمَّمُوهُ عِنْدَ انْقِطَاعِ الْخَلْقِ إِلَى الْمَخْلُوقِينَ بِرَغْبَتِهِمْ لَا يَقْطَعُونَ أَمَدَ غَايَةِ عِبَادَتِهِ وَلَا يَرْجِعُ بِهِمُ الِاسْتِهْتَارُ بِلُزُومِ طَاعَتِهِ إِلَّا إِلَى مَوَادَّ مِنْ قُلُوبِهِمْ غَيْرِ مُنْقَطِعَةٍ مِنْ رَجَائِهِ وَمَخَافَتِهِ لَمْ تَنْقَطِعْ أَسْبَابُ الشَّفَقَةِ مِنْهُمْ فَيَنُوا فِي جِدِّهِمْ وَلَمْ تَأْسِرْهُمُ الْأَطْمَاعُ فَيُؤْثِرُوا وَشِيكَ السَّعْيِ عَلَى اجْتِهَادِهِمْ لَمْ يَسْتَعْظِمُوا مَا مَضَى مِنْ أَعْمَالِهِمْ وَلَوِ اسْتَعْظَمُوا ذَلِكَ لَنَسَخَ الرَّجَاءُ مِنْهُمْ شَفَقَاتِ وَجَلِهِمْ، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي رَبِّهِمْ بِاسْتِحْوَاذِ الشَّيْطَانِ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُفَرِّقْهُمْ سُوءُ التَّقَاطُعِ وَلَا تَوَلَّاهُمْ غِلُّ التَّحَاسُدِ وَلَا تَشَعَّبَتْهُمْ مَصَارِفُ الرِّيَبِ وَلَا اقْتَسَمَتْهُمْ أَخْيَافُ الْهِمَمِ فَهُمْ أُسَرَاءُ إِيمَانٍ لَمْ يَفُكَّهُمْ مِنْ رِبْقَتِهِ زَيْغٌ وَلَا عُدُولٌ وَلَا وَنًى وَلَا فُتُورٌ وَلَيْسَ فِي أَطْبَاقِ السَّمَاءِ مَوْضِعُ إِهَابٍ إِلَّا وَعَلَيْهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ أَوْ سَاعٍ حَافِدٌ يَزْدَادُونَ عَلَى طُولِ الطَّاعَةِ بِرَبِّهِمْ عِلْماً وَتَزْدَادُ عِزَّةُ رَبِّهِمْ فِي قُلُوبِهِمْ عِظَماً.
ومنها في صفة الأرض و دَحوُها على الماء
كَبَسَ الْأَرْضَ عَلَى مَوْرِ أَمْوَاجٍ مُسْتَفْحِلَةٍ وَلُجَجِ بِحَارٍ زَاخِرَةٍ تَلْتَطِمُ أَوَاذِيُّ أَمْوَاجِهَا وَتَصْطَفِقُ مُتَقَاذِفَاتُ أَثْبَاجِهَا وَتَرْغُو زَبَداً كَالْفُحُولِ عِنْدَ هِيَاجِهَا فَخَضَعَ جِمَاحُ الْمَاءِ الْمُتَلَاطِمِ لِثِقَلِ حَمْلِهَا وَسَكَنَ هَيْجُ ارْتِمَائِهِ إِذْ وَطِئَتْهُ بِكَلْكَلِهَا وَذَلَّ مُسْتَخْذِياً إِذْ تَمَعَّكَتْ عَلَيْهِ بِكَوَاهِلِهَا فَأَصْبَحَ بَعْدَ اصْطِخَابِ أَمْوَاجِهِ سَاجِياً مَقْهُوراً وَفِي حَكَمَةِ الذُّلِّ مُنْقَاداً أَسِيراً وَسَكَنَتِ الْأَرْضُ مَدْحُوَّةً فِي لُجَّةِ تَيَّارِهِ وَرَدَّتْ مِنْ نَخْوَةِ بَأْوِهِ وَاعْتِلَائِهِ وَشُمُوخِ أَنْفِهِ وَسُمُوِّ [سموف] غُلَوَائِهِ وَكَعَمَتْهُ عَلَى كِظَّةِ جَرْيَتِهِ فَهَمَدَ بَعْدَ نَزَقَاتِهِ وَلَبَدَ بَعْدَ زَيَفَانِ وَثَبَاتِهِ.
فَلَمَّا سَكَنَ هَيْجُ الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ أَكْنَافِهَا وَحَمَلَ شَوَاهِقَ الْجِبَالِ الشُّمَّخِ الْبُذَّخِ عَلَى أَكْتَافِهَا فَجَّرَ يَنَابِيعَ الْعُيُونِ مِنْ عَرَانِينِ أُنُوفِهَا وَفَرَّقَهَا فِي سُهُوبِ بِيدِهَا وَأَخَادِيدِهَا وَعَدَّلَ حَرَكَاتِهَا بِالرَّاسِيَاتِ مِنْ جَلَامِيدِهَا وَذَوَاتِ الشَّنَاخِيبِ الشُّمِّ [الصُمّ] مِنْ صيَاخِيدِهَا فَسَكَنَتْ مِنَ الْمَيَدَانِ لِرُسُوبِ الْجِبَالِ فِي قِطَعِ أَدِيمِهَا وَتَغَلْغُلِهَا مُتَسَرِّبَةً فِي جَوْبَاتِ خَيَاشِيمِهَا وَرُكُوبِهَا أَعْنَاقَ سُهُولِ الْأَرَضِينَ وَجَرَاثِيمِهَا، وَفَسَحَ بَيْنَ الْجَوِّ وَبَيْنَهَا وَأَعَدَّ الْهَوَاءَ مُتَنَسَّماً لِسَاكِنِهَا وَأَخْرَجَ إِلَيْهَا أَهْلَهَا عَلَى تَمَامِ مَرَافِقِهَا.
ثُمَّ لَمْ يَدَعْ جُرُزَ الْأَرْضِ الَّتِي تَقْصُرُ مِيَاهُ الْعُيُونِ عَنْ رَوَابِيهَا وَلَا تَجِدُ جَدَاوِلُ الْأَنْهَارِ [الارض] ذَرِيعَةً إِلَى بُلُوغِهَا حَتَّى أَنْشَأَ لَهَا نَاشِئَةَ سَحَابٍ تُحْيِي مَوَاتَهَا وَتَسْتَخْرِجُ نَبَاتَهَا أَلَّفَ غَمَامَهَا بَعْدَ افْتِرَاقِ لُمَعِهِ وَتَبَايُنِ قَزَعِهِ.
حَتَّى إِذَا تَمَخَّضَتْ لُجَّةُ الْمُزْنِ فِيهِ وَالْتَمَعَ بَرْقُهُ فِي كُفَفِهِ وَلَمْ يَنَمْ وَمِيضُهُ فِي كَنَهْوَرِ رَبَابِهِ وَمُتَرَاكِمِ سَحَابِهِ أَرْسَلَهُ سَحّاً [شمحاً] مُتَدَارِكاً قَدْ أَسَفَّ هَيْدَبُهُ تَمْرِيهِ الْجَنُوبُ دِرَرَ أَهَاضِيبِهِ وَدُفَعَ شَآبِيبِهِ.
فَلَمَّا أَلْقَتِ السَّحَابُ بَرْكَ بِوَانَيْهَا وَبَعَاعَ مَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ مِنَ الْعِبْءِ الْمَحْمُولِ [الثقيل] عَلَيْهَا أَخْرَجَ بِهِ مِنْ هَوَامِدِ الْأَرْضِ النَّبَاتَ وَمِنْ زُعْرِ [زعن] الْجِبَالِ الْأَعْشَابَ، فَهِيَ تَبْهَجُ بِزِينَةِ رِيَاضِهَا وَتَزْدَهِي بِمَا أُلْبِسَتْهُ مِنْ رَيْطِ أَزَاهِيرِهَا وَحِلْيَةِ مَا سُمِطَتْ [شمّطت] بِهِ مِنْ نَاضِرِ أَنْوَارِهَا وَجَعَلَ ذَلِكَ بَلَاغاً لِلْأَنَامِ وَرِزْقاً لِلْأَنْعَامِ وَخَرَقَ الْفِجَاجَ فِي آفَاقِهَا وَأَقَامَ الْمَنَارَ لِلسَّالِكِينَ عَلَى جَوَادِّ طُرُقِهَا. فَلَمَّا مَهَدَ أَرْضَهُ وَأَنْفَذَ أَمْرَهُ اخْتَارَ آدَمَ (علیه السلام) خِيرَةً مِنْ خَلْقِهِ وَجَعَلَهُ أَوَّلَ جِبِلَّتِهِ وَأَسْكَنَهُ جَنَّتَهُ وَأَرْغَدَ فِيهَا أُكُلَهُ وَأَوْعَزَ إِلَيْهِ فِيمَا نَهَاهُ عَنْهُ وَأَعْلَمَهُ أَنَّ فِي الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ التَّعَرُّضَ لِمَعْصِيَتِهِ وَالْمُخَاطَرَةَ بِمَنْزِلَتِهِ فَأَقْدَمَ عَلَى مَا نَهَاهُ عَنْهُ مُوَافَاةً [موافقة] لِسَابِقِ عِلْمِهِ فَأَهْبَطَهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ لِيَعْمُرَ أَرْضَهُ بِنَسْلِهِ وَلِيُقِيمَ الْحُجَّةَ بِهِ عَلَى عِبَادِهِ وَلَمْ يُخْلِهِمْ بَعْدَ أَنْ قَبَضَهُ مِمَّا يُؤَكِّدُ عَلَيْهِمْ حُجَّةَ رُبُوبِيَّتِهِ وَيَصِلُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَعْرِفَتِهِ بَلْ تَعَاهَدَهُمْ بِالْحُجَجِ عَلَى أَلْسُنِ الْخِيَرَةِ مِنْ أَنْبِيَائِهِ وَمُتَحَمِّلِي وَدَائِعِ رِسَالاتِهِ قَرْناً فَقَرْناً حَتَّى تَمَّتْ بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ (صلی الله علیه وآله) حُجَّتُهُ وَبَلَغَ الْمَقْطَعَ عُذْرُهُ وَنُذُرُهُ، وَقَدَّرَ الْأَرْزَاقَ فَكَثَّرَهَا وَقَلَّلَهَا وَقَسَّمَهَا عَلَى الضِّيقِ وَالسَّعَةِ فَعَدَلَ فِيهَا لِيَبْتَلِيَ مَنْ أَرَادَ بِمَيْسُورِهَا وَمَعْسُورِهَا وَلِيَخْتَبِرَ بِذَلِكَ الشُّكْرَ وَالصَّبْرَ مِنْ غَنِيِّهَا وَفَقِيرِهَا. ثُمَّ قَرَنَ بِسَعَتِهَا عَقَابِيلَ فَاقَتِهَا وَبِسَلَامَتِهَا طَوَارِقَ آفَاتِهَا وَبِفُرَجِ أَفْرَاحِهَا غُصَصَ أَتْرَاحِهَا [أبزاحها].
وَخَلَقَ الْآجَالَ فَأَطَالَهَا وَقَصَّرَهَا وَقَدَّمَهَا وَأَخَّرَهَا وَوَصَلَ بِالْمَوْتِ أَسْبَابَهَا وَجَعَلَهُ خَالِجاً لِأَشْطَانِهَا وَقَاطِعاً لِمَرَائِرِ أَقْرَانِهَا. عَالِمُ السِّرِّ مِنْ ضَمَائِرِ الْمُضْمِرِينَ وَنَجْوَى الْمُتَخَافِتِينَ وَخَوَاطِرِ رَجْمِ الظُّنُونِ وَعُقَدِ عَزِيمَاتِ الْيَقِينِ وَمَسَارِقِ إِيمَاضِ الْجُفُونِ وَمَا ضَمِنَتْهُ أَكْنَانُ الْقُلُوبِ وَغَيَابَاتُ الْغُيُوبِ وَمَا أَصْغَتْ لِاسْتِرَاقِهِ مَصَائِخُ الْأَسْمَاعِ وَمَصَايِفُ الذَّرِّ وَمَشَاتِي الْهَوَامِّ وَرَجْعِ الْحَنِينِ مِنَ الْمُولَهَاتِ وَهَمْسِ الْأَقْدَامِ وَمُنْفَسَحِ الثَّمَرَةِ مِنْ وَلَائِجِ غُلُفِ الْأَكْمَامِ وَمُنْقَمَعِ الْوُحُوشِ مِنْ غِيرَانِ الْجِبَالِ وَأَوْدِيَتِهَا وَمُخْتَبَإِ الْبَعُوضِ بَيْنَ سُوقِ الْأَشْجَارِ وَأَلْحِيَتِهَا وَمَغْرِزِ الْأَوْرَاقِ مِنَ الْأَفْنَانِ وَمَحَطِّ الْأَمْشَاجِ مِنْ مَسَارِبِ الْأَصْلَابِ وَنَاشِئَةِ الْغُيُومِ وَمُتَلَاحِمِهَا وَدُرُورِ قَطْرِ السَّحَابِ فِي مُتَرَاكِمِهَا وَمَا تَسْفِي الْأَعَاصِيرُ بِذُيُولِهَا وَتَعْفُو الْأَمْطَارُ بِسُيُولِهَا وَعَوْمِ [غموم] بَنَاتِ الْأَرْضِ فِي كُثْبَانِ الرِّمَالِ وَمُسْتَقَرِّ ذَوَاتِ الْأَجْنِحَةِ بِذُرَا شَنَاخِيبِ الْجِبَالِ وَتَغْرِيدِ ذَوَاتِ الْمَنْطِقِ فِي دَيَاجِيرِ الْأَوْكَارِ وَمَا أَوْعَبَتْهُ [اوعته-اودعته] الْأَصْدَافُ وَحَضَنَتْ عَلَيْهِ أَمْوَاجُ الْبِحَارِ وَمَا غَشِيَتْهُ سُدْفَةُ لَيْلٍ أَوْ ذَرَّ عَلَيْهِ شَارِقُ نَهَارٍ وَمَا اعْتَقَبَتْ [احتقبت] عَلَيْهِ أَطْبَاقُ الدَّيَاجِيرِ وَسُبُحَاتُ النُّورِ وَأَثَرِ كُلِّ خَطْوَةٍ وَحِسِّ كُلِّ حَرَكَةٍ وَرَجْعِ كُلِّ كَلِمَةٍ وَتَحْرِيكِ كُلِّ شَفَةٍ وَمُسْتَقَرِّ كُلِّ نَسَمَةٍ وَ مِثْقَالِ كُلِّ ذَرَّةٍ وَهَمَاهِمِ كُلِّ نَفْسٍ هَامَّةٍ وَمَا عَلَيْهَا مِنْ ثَمَرِ شَجَرَةٍ أَوْ سَاقِطِ وَرَقَةٍ أَوْ قَرَارَةِ نُطْفَةٍ أَوْ نُقَاعَةِ دَمٍ وَمُضْغَةٍ أَوْ نَاشِئَةِ خَلْقٍ وَسُلَالَةٍ لَمْ يَلْحَقْهُ فِي ذَلِكَ كُلْفَةٌ وَلَا اعْتَرَضَتْهُ فِي حِفْظِ مَا ابْتَدَعَ مِنْ خَلْقِهِ عَارِضَةٌ وَلَا اعْتَوَرَتْهُ فِي تَنْفِيذِ الْأُمُورِ وَتَدَابِيرِ الْمَخْلُوقِينَ مَلَالَةٌ وَلَا فَتْرَةٌ بَلْ نَفَذَهُمْ عِلْمُهُ وَأَحْصَاهُمْ عَدَدُهُ وَوَسِعَهُمْ عَدْلُهُ وَغَمَرَهُمْ فَضْلُهُ مَعَ تَقْصِيرِهِمْ عَنْ كُنْهِ مَا هُوَ أَهْلُهُ.
دعاء
اللَّهُمَّ أَنْتَ أَهْلُ الْوَصْفِ الْجَمِيلِ وَالتَّعْدَادِ الْكَثِيرِ إِنْ تُؤَمَّلْ فَخَيْرُ مَأْمُولٍ وَإِنْ تُرْجَ فَخَيْرُ مَرْجُوٍّ اللَّهُمَّ وَقَدْ بَسَطْتَ لِي فِيمَا لَا أَمْدَحُ بِهِ غَيْرَكَ وَلَا أُثْنِي بِهِ عَلَى أَحَدٍ سِوَاكَ وَلَا أُوَجِّهُهُ إِلَى مَعَادِنِ الْخَيْبَةِ وَمَوَاضِعِ الرِّيبَةِ وَعَدَلْتَ بِلِسَانِي عَنْ مَدَائِحِ الْآدَمِيِّينَ وَالثَّنَاءِ عَلَى الْمَرْبُوبِينَ الْمَخْلُوقِينَ اللَّهُمَّ وَلِكُلِّ مُثْنٍ عَلَى مَنْ أَثْنَى عَلَيْهِ مَثُوبَةٌ مِنْ جَزَاءٍ أَوْ عَارِفَةٌ مِنْ عَطَاءٍ وَقَدْ رَجَوْتُكَ دَلِيلًا عَلَى ذَخَائِرِ الرَّحْمَةِ وَكُنُوزِ الْمَغْفِرَةِ اللَّهُمَّ وَهَذَا مَقَامُ مَنْ أَفْرَدَكَ بِالتَّوْحِيدِ الَّذِي هُوَ لَكَ وَلَمْ يَرَ مُسْتَحِقّاً لِهَذِهِ الْمَحَامِدِ وَالْمَمَادِحِ غَيْرَكَ وَبِي فَاقَةٌ إِلَيْكَ لَا يَجْبُرُ مَسْكَنَتَهَا إِلَّا فَضْلُكَ وَلَا يَنْعَشُ مِنْ خَلَّتِهَا إِلَّا مَنُّكَ وَجُودُكَ فَهَبْ لَنَا فِي هَذَا الْمَقَامِ رِضَاكَ وَأَغْنِنَا عَنْ مَدِّ الْأَيْدِي إِلَى سِوَاكَ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير!.