قواعد المدح والذم
بسم الله الرحمن الرحيم
هل هناك ضوابط لذم الأشخاص ومدحهم؟
تستخدم وسائل الأعلام هذه الأيام المدح و الذم – للأشخاص والأفكار على السواء – سلاحاً خطيراً في التأثير على آراء الناس وخاصة من لا يمتلك قدرة على التعقل، وذلك لأن طبيعة النفس الإنسانية تميل إلى تصديق ما تسمع، وتعتبره كاشفاً عن الواقع، والحال أن المدح والذم يصف عادة صورة الواقع في أذهاننا، وليس الواقع كما هو. وقلما تكون هذه الصورة الذهنية مطابقة للواقع إلا فى موارد نادرة ممن أراهم الله تعالى الاشياء كما هى، وهم المؤمنون الذين أشرقت أنوار المولى فى نفوسهم، فقد ورد في الخبر: (اتَّقُوا فِرَاسَةَ اَلْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اَللَّهِ اَلَّذِي خُلِقَ مِنْهُ)[١].
من هم الذين لا يعبأ بمدحهم وذمهم؟
ينبغي للعاقل أن لا يرتب أثرا على مدح فئة من الناس أو ذمهم، فمثلا لا ينبغى الاعتناء بذم المبغض والحاسد، كما لا يعتنى بمدح المحب ووصفه، ولا بقول المتذبذب المتلون، الذي يمدحك فى يوم و يذمك في يوم آخر، ولا برأي الذي ليس له علم ودراية بالممدوح أو المذموم عن تجربة ومعاشرة، ولا بقول السفيه أو الأحمق الذي ليس له قدرة تحليلية للتمييز بين الأشخاص، وأخيراً لا ينبغي الأخذ برأي الشخص المتعصب ذي النظرة المسبقة تجاه فئة من الناس، فهو يرفض سلفاً كل من انتسب إلى هذه الفئة من دون استثناء.
من أهم قواعد المدح والذم
من أهم قواعد المدح والذم: هو عدم اللجوء إليهما من دون مناسبة، فإن أقوال المرء من جمله أفعاله التى يحاسب عليها، فإذا رأى خيرا فى الكلام تكلم، وإلا فالسكوت خيرله؛ إذ من الواضح أن السكوت هو الأصل وهى الحالة الطبيعية للإنسان، في حين نرى أن البعض يختلق الأعذار للتكلم مع الآخرين وإعادة سرد الأمور المعلومة التى لا تنفع الدنيا ولا الآخرة وقد أكدت الأحاديث على التزام الصمت، وجعلته من علامات الحكمة: (إِذَا رَأَيْتُمُ اَلْمُؤْمِنَ صَمُوتاً فَادْنُوا مِنْهُ فَإِنَّهُ يُلْقِي اَلْحِكْمَةَ)[٢] ، وقد كان الصمت الصفة الغالبة على الأنبياء والأوصياء والصالحين.
المبالغة في المدح والذم
و من القواعد المهمة: عدم المبالغة في المدح والذم، وترك استخدام عبارات أفعل التفضيل والمبالغة، مثل: ما أحسن خلق فلان، أو ما رأيت مثله..! بل يكتفى بالتقييم الموضوعي المناسب للمقام. وقد رأينا بعض المتشرعين يتوقفون عن استخدام مثل هذه التعابير، لاحتمال وجود شبهة الكذب فيها .
التزكية المطلقة
ومن القواعد: الابتعاد عن التزكية المطلقة للأفراد؛ أي عدم إعطاء ضمانة أبدية وثقة مطلقة للشخص الذي نود تزكيته، لزواجٍ أو عملٍ مثلا، بل يمكن الاكتفاء بالقول أنه(ثقة إلى الآن) أو (بحسب الظاهر) أو (هكذا أعرف عنه)، إذ كيف يستطيع أحدنا – وهو لا يملك ضمانة لنفسه ولعاقبتها – أن يضمن عاقبة غيره؟
الموازنة بين المدح والذم
من القواعد: الموازنة بين مدح الشخص، وإظهار عيوبه بهدف إصلاحها، فأنت حين تثني على شخص لبشاشته ومرحه مثلاً، ينبغي أن تحذره في الوقت نفسه من التمادي في المزاح، أو اللجوء إلى الكذب لإضحاك الآخرين، وهو من الأمور المحرمة، وبذلك يتحول الثناء إلى عملية هادفة تمنعه من التمادي فى باطله، كما تستطيع أن تقدم له برنامجاً للعمل بما مدحته فيه؛ فحينما تمدح كرم شخص مثلا، يمكنك توجيهه إلى موارد الإنفاق الذى يرضي المولى عز وجل، وتذكره بمستحباته المسنونة، من: تصغيره وتعجيله وكتمانه.
العدول عن المدح أو الذم
ومن القواعد المهمة: العدول عن المدح والذم إذا اتضح فيما بعد خطأ رأيك فيه وأنه لم يكن أهلا للمدح أو الذم. ولا بد من تحذير الشخص الذي قمت بتزكيته – لشراكةٍ أو زواج – إذا أتضح لك أنه لم يكن أهلاً للتزكية، أو إعادة كرامة من أسقطت كرامته بعدما تبين لك الخطأ فى ذلك.
استفزاز الآخرين بالمدح
ان من المهم أيضاً أن نلاحظ عدم إيذاء الآخرين بمدح من يثير مدحه الغيرة أو الحسد عندهم، فإن تجاهلك من أعرضت عنه مدحه وهو برتبة الممدوح قد يثير حزنه أو غيرته أو حسده. ومن هنا أيضاً يجب علينا مراعاة العدل وعدم التمييز بين الأقران في المدح، تأسياً بالرسول (ص) الذي دعا إلى المساواة حتى في تقبيل الأبناء .
فلا تزكوا أنفسكم…!
والقاعدة الأخيرة: عدم مدح النفس التى هى فى معرض الزلل دائما، فإن الآية القرآنية صريحة في النهي عن ذلك: (فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى). فإن تزكية النفس من علامات وهن العقل، إلا في حالات معينة منها: تبرئة النفس، أو دفع التهمة، أو تثبيت الموقع المهني والاجتماعي، أو أية مصلحة راجحة أخرى. والشاهد على ذلك أن النبى (ص) غضب عندما رأى أحد أصحابه مغرما بأحاديث اليهود، فقال (ص): (لَوْ كَانَ مُوسَى حَيّاً مَا وَسِعَهُ إِلاَّ اِتِّبَاعِي)[٣].
وطبيعة الإنسان أنه يحب أن يمدح، ويكره أن يذم. ومن الملفت حقا أنه كثيرا ما يصدق ما يقال فيه من المدح، حتى لو علم أنه مديح لا أصل له..! وقد دعت الأحاديث الى عدم الفرح بالمدح والحزن على الذم، حتى لو أجمع عليه الناس، بل ينبغي التفكير فيه وعرضه على كتاب الله تعالى، لمعرفة ما إذا كان ما يقال فينا من مدح هل هى فضيلة لكي نبشر أنفسنا بها، أو ما هي رذيلة لكي نصلح أنفسنا. ويستحب أن تقول إذا مدحك مادح: (اَللَّهُمَّ إِنَّكَ أَعْلَمُ بِي مِنْ نَفْسِي وَأَنَا أَعْلَمُ بِنَفْسِي مِنْهُمْ اَللَّهُمَّ اِجْعَلْنَا خَيْراً مِمَّا يَظُنُّونَ وَاِغْفِرْ لَنَا مَا لاَ يَعْلَمُونَ)[٤].