Search
Close this search box.
الكلمة:١
إن الانتقال من هذه الدنيا هو عبارة عن سفرة، وانتقال من محطة إلى محطة.. فالأمر ليس بمخيف أبداً!.. إنما الخوف، لأن المحطة الأخرى محطة مجهولة، فإذا عُرفت المعالم، وتزود الإنسان لذلك العالم، فإن الأمر يصبح غير مخيف.. فهذا الستار عندما يزاح، يلتقي الإنسان مع من يهوى، وهذا غاية المنى.
الكلمة:٢
إن مسألة الموت تُعد من أعقد المسائل، التي واجهت الفكر الإنساني في مختلف مراحله، حيث كانت ولاتزال مثيرة للقلق والحيرة لدى الفلاسفة والمفكرين، لما فيها من الغموض والإبهام.. وقد اتجهت التيارات الفكرية بشكل عام في اتجاهين متعاكسين وهما: الفكر المادي الجاهلي، الذي يرى أن الموت هو الفناء الأبدي، ولاشيء بعده.. أما الفكر الآخر، فهو الفكر الرسالي الإلهي، الذي يرى أن الموت هو امتداد لحياة الإنسان، وبداية لعالم جديد.. إنه غاية الحياة، وكمال نظامها، وهو من مصاديق العدل الإلهي.. إنه نهاية لمرحلة معينة من حياة الإنسان، وبداية لمرحلة أخرى لها قوانينها الخاصة.
الكلمة:٣
إن الموت يمثل نهاية الحياة الدنيا بكل آمالها وطموحاتها، لذا يثير حالة الرعب لدى الإنسان، خوفاً من أن يفقد كل ما يملكه.. سئل الإمام الحسن (ع): يا بن رسول الله!.. ما بالنا نكره الموت، ولا نحبه؟.. قال الحسن (ع): (إنكم أخربتم آخرتكم وعمّرتم دنياك..، فأنتم تكرهون النقلة من العمران إلى الخراب).
الكلمة:٤
إن في خلق الموت حث على حسن العمل، وحتى تهون علينا مصائب الدنيا {لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ}، الله -تعالى- هو أرحم الراحمين وأجود الأجودين، وقد اختار لنا الرجوع إليه بعد رحلة الحياة، وهو سبحانه الذي سيتناول هذه الأنفس وافية تامة، ويحيطها برعايته.
الكلمة:٥
ينبغي أن يكون هناك وعي دائم للغاية الحقيقية من الموت: وهي الاختبار والابتلاء.. فمن علم أن هناك نهاية لا مفر منها، وحساباً وجزاء على الأعمال، فإن عليه أن يستعد لذلك، ويعمل بجد لآخرته، ولا يغتر بالدنيا، ولا يركن إليها، فهي زائلة لا محالة.. وليعلم أن البلاء له في الدنيا أفضل من الحساب في الآخرة، وأنه مقياس لدرجة إيمانه (أشد الناس بلاء أهل الخير والصلاح، بعد الأنبياء والرسل).
الكلمة:٦
إن فلسفة الموت: هو عبارة عن قطف لثمار متاعب الإنسان في الحياة الدنيا، ولولا هذه الثمرة اللذيذة -الموت وما بعده من الجزاء الإلهي- لما تحمل المتحملون مشقة العبادة والمجاهدة..
الكلمة:٧
إن الذي يكشف عن مدى قرب العبد من ربه هي: نظرته إلى الموت.. فالذي يخاف من الموت، إنما يخاف مما بعد الموت من العالم المجهول، ولهذا جعل القرآن الكريم تمني الموت، علامة لمن يزعم أنه ولي لله -تعالى- كما زعمت اليهود.. وقد حبب الله -تعالى- إبراهيم الخليل إلى لقائه، عندما أرسل إليه ملك الموت قائلا: هل رأيت حبيبا يكره لقاء حبيبه؟!.. في جواب إبراهيم (ع) عندما قال: فهل رأيت خليلا يميت خليله؟!..
الكلمة:٨
إن بعض ما يواجه الإنسان عند الموت، إنما هو تمحيص للذنوب التي لم يكفر عنها بالتوبة، أيام غفلته في الدنيا.. ومن هنا فإن من كان حريصا دائما على تصفية حسابه مع الخلق والخالق، فمن الطبيعي أن يعفى من تلك الأهوال والآلام، لعدم وجود ما يقتضيه.. ولو ابتلى بذلك عند الموت اتفاقا، فإنما هو رفع لدرجة، لا كفارة لسيئة.
الكلمة:٩
إن هنالك سفرا شاء العبد أم أبى، وإذا مات ابن آدم قامت قيامته.. فهو لا محالة صائر إلى لقاء الرب تعالى، سواءً في عالم البرزخ، أو في عرصات القيامة، أو في الجنة أو في النار.
الكلمة:١٠
لا شك في أن أمنية الأماني: أن يعمر الإنسان في هذه الحياة، ولا سيما إن كانت في طاعة الله تعالى.. قال الإمام الصادق (ع): (إن الله -تعالى- لم يجعل للمؤمن أجلا في الموت، يبقيه ما أحب البقاء.. فإذا علم منه أنه سيأتي ما فيه بوار دينه، قبضه إليه مكرما).. أي إن الله -تعالى- إن علم بأن في عبده خيراً، وأن في حياته مصلحة وخدمة للدين؛ أبقاه إلى ما شاء تعالى.. ولكن إذا ما رأى أنه سيودي بنفسه إلى التهلكة، قبضه إليه مكرماً ورأفة به.. ومن هنا كثر موت الفجأة إزاء انتشار الفساد -هذه الأيام- بكل صوره.. ولهذا من المناسب أن يدعو المؤمن ربه أن يجعل بقاءه في كل خير يحبه ويرضاه، وإلا فالموت خير من الحياة على المعصية!..
الكلمة:١١
إن الموت والحياة هما من خلق الله تعالى، مصداقا لقوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}.. ومن هنا علينا أن نعلم بأن الإنسان سواءً كان مؤمناً، أو كان فاسقاً؛ فإنه لا يموت موتاً حقيقياً.. حيث أنه لا معنى للفناء، وعندما نزور أهل القبور ونقول: (اللهم!.. رب هذه الأرواح الفانية، والأجساد البالية).. فإن الأجساد البالية، معنى حقيقي معقول.. وأما الأرواح الفانية، فقطعاً لا يراد منها المعنى الدقيق.. والمراد هنا بالأرواح الفانية، أي الأرواح التي فنت باعتبار الدنيا.. فهذه الروح عند ما تنتقل من الدنيا، فإن الدنيا تكون قد خليت منها؛ أي الدنيا ما قبل عالم البرزخ.. فإذن، الشهداء عند ربهم يرزقون، وكذلك غير الشهداء عند ربهم يحاسبون.
الكلمة:١٢
البعض يموت موتة سريعة، والموت السريع للبعض حالة جيدة، خاصة إذا لم يكن عليه حقوق.. قد يأتي بلا سكرات، بلا نزع، بلا شلل، بلا مستشفيات، بلا آلام؛ بالطبع هذه ميتة جيدة!.. والموت السريع للبعض الآخر حالة غير جيدة، وذلك للذي عليه حقوق!..
الكلمة:١٣
إن الموت حالة سرور أو ثبور، والإنسان بسلوكه في الدنيا هو الذي يختار!..
الكلمة:١٤
إن الإيمان بأن الموت انتقال من دار إلى دار: (لم تخلقوا للفناء، وأنما خلقتم للأبد والبقاء، وأنما تنقلون من دار إلى دار)، وأن هذه الدار ستكون للمؤمن المتقي خير دار صنعها بنفسه، بعيدة عن الظلم والعدوان، وكل أنواع الشرور؛ مما ينفي أو يخفف الخوف من الموت.
الكلمة:١٥
إن في خلق الموت حث على حسن العمل، وحتى تهون علينا مصائب الدنيا {لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ}، الله -تعالى- هو أرحم الراحمين وأجود الأجودين، وقد اختار لنا الرجوع إليه بعد رحلة الحياة، وهو سبحانه الذي سيتناول هذه الأنفس وافية تامة، ويحيطها برعايته.
الكلمة:١٦
إن مسألة الشعور بخطر الموت والخوف منه، هي من أكبر مسببات القلق والخوف في الحياة.. إلا أن إدراك حقيقة الموت، تقلل من ذلك القلق والشعور بعدمية معنى الحياة.. فالموت ما هو إلا محطة من المحطات العديدة في حياتنا، ولا يمثل النهاية الأبدية مطلقاً، وإنه من رحمة الله تعالى بالمؤمنين خاصة، ليجدوا ثمرة أتعابهم وجهودهم الخيرة (اجعل صومك الدنيا، وفطرك الموت).. وبذا يتحقق في نفس الإنسان الرضا والطمأنينة، ويحل محل الحزن والقلق.. لذا علينا أن نجهد أنفسنا، لنكون حقاً من المؤمنين الفائزين في الدنيا والآخرة {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}.