Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

لن تخمد حرارة هذه الثورة إلى قيام القائم (عجل الله تعالى له الفرج)

بسم الله الرحمن الرحيم

مهما درست التاريخ لا تصل إلى حقيقة هذه الواقعة

لو أن المؤمن أمضى عمره في دراسة ما جرى على سيد الشهداء (ع)، وما قام به في يوم عاشوراء لا يستطيع أن يحيط علماً بعمق المصاب، وحقيقة ما جرى في ذلك اليوم. إن ما وصل إلينا من خلال بعض الروايات لا يعدو كونه جزءا من الأحداث لا جميعها، وإلا فهذه المصيبة – كما نقرأ في زيارة عاشوراء – عظمت في السماوات والأرض؛ لأن صاحب المصيبة هو الحسين (ع) الذي هو في السماء أكبر منه في الأرض. فإذا كان الحسين (ع) معروفاً في السماء أكثر من الأرض؛ فالمصيبة على أهل السماوات أعظم من المصيبة على أهل الأرض.

هذه هي مصيبتي أيضا

ثم إن المؤمن في الزيارة المعهودة ينسب المصيبة إلى نفسه أيضا، فيقول: عظم مصابي بك. إن من استشعر هذه الحالة في قلبه في أيام عاشوراء وفي زيارة الحسين (ع) زماناً ومكاناً لا يذكر شيئا غير المصيبة. هب أن المقتول أبوك أو عزيز عليك قد قُتل بهذه الكيفية وقُطع رأسه؛ فهل تذكر شيئا عندما تزور قبره، أم  تنسى كل شيء عندما تتذكر المصيبة التي جرت عليه.

عطاء الحسين (عليه السلام) لا يتوقف إلى يوم القيامة

إن عين المؤمن على المصيبة ذاتها؛ وكلما كثر تفاعله واشتد بكائه كان ذلك كاشفا عن حالة من التعلق بذلك الوجود الطاهر. وكما روي: (إِنَّ لِقَتْلِ الحسين (ع) حَرَارَةً فِي قُلُوبِ اَلْمُؤْمِنِينَ لاَ تَبْرُدُ أَبَداً)[١]. والعطاء الحسين (ع) مستمر قبل استشهاده، وحين استشهاده، وبعد استشهاده. فمن كان في زمانه في المدينة حتى أيام إمامة أخيه الحسن المجتبى (ع)؛ كان يستمتع بنواله المادي والمعنوي. فقد كان يأتيه بعض الفقراء، ولا يرجع إلا وهو مليئ بالرضى. لقد بكى أحد هؤلاء السائلين عندما أعطاه الحسين (ع) شيئا، فقال له الحسين (ع) لعل البكاء من قلة ما أعطيت؟ فقال: إن بكائي على صاحب هذا العطاء كيف يوارى في الثرى؟ أما العطاء المعنوي فلم ينقل لنا التأريخ شيئا كثيرا، ولكن لو عاش عالم في بلد عشرين سنة؛ لاجتمع حوله قوم مؤمنون، وقال الناس: هؤلاء تربية العالم الفلاني. فما بالك بالإمام الحسين (ع) إمام زمانه؟

هل كان هم الإمام (ع) العبادة فقط؟ أم هل كان همه العطاء المادي فقط؟ إن التأريخ قد ظلم أهل البيت (ع) كثيرا. إن الأقلام كانت مأجورة تعمل لصالح السلطان؛ فلم يصلنا إلا القليل. إن إمامنا (ع) من حين استشهاد أخيه المجتبى (ع) إلى خروجه من المدينة؛ كم ربى ممن حوله؟ وهذا العطاء الحسين (ع)ي يشملك أنت أيضا، وإن لم تره بعينك. إن روح المعصوم هي الروح ذاتها بجميع قابلياتها قبل الشهادة وبعد الشهادة. إنما الفرق هو كالفرق بين الراجل والراكب ليس إلا. هل يتغير في الإنسان شيء إذا نزل عن الدابة وترجل؟ هو هو. إن أبداننا مطايا أو دواب لأرواحنا.

سفينة النجاة هي التي تبحث عن الغرقى…!

إن الحسين (ع) قد انفصل في السنة الواحدة والستين من الهجرة عن بدنه، وترجل. وهذه الحقيقة ثابتة باقية في مقعد صدق عند مليك مقتدر. وإننا نقرأ في أواخر سورة الفجر المفسرة بالحسين (ع): (يَـٰٓأَيَّتُهَا ٱلنَّفۡسُ ٱلۡمُطۡمَئِنَّةُ * ٱرۡجِعِيٓ إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةٗ مَّرۡضِيَّةٗ)[٢]، وإذا كان الكلام عن الأرواح والأنفس، فما هو الفرق بين الشهادة وبعد الشهاده؟ إنها هي ذاتها. لم يكن الحسين (ع) مصباح هدى وسفينة نجاة ببدنه، حتى ترتفع هذه المزية بعد استشهاده.

وهناك تعبير جميل في تفسير سفينة النجاة. يقال: إن الإنسان الغارق ينتقل بعد لحظات إلى قاع البحر ميتاً، وقد تأتيه في الأثناء سفينة النجاة ولا تنتظر هذه السفينة أن يقدم الغارق طلب استغاثة، وإنما وظيفتها استنقاذ الغرقى. تارة تمر سفينة تجارية وهناك غرقى؛ فمع الاستغاثة قد يستجيبوا ويُنقذوهم. ولكن سفينة النجاة هي التي تبحث عن الغرقى لا الغريق يبحث عن السفينة. إن إمامنا (ع) هو الذي يبحث عن الغرقى. ولكن ليس كل غريق وإنما الغريق الذي يعترف به، والذي له القابلية والسنخية. أما من لا يعترف به، ومن هو بعيد عنه قد ينتشله الإمام (ع)، ولكن المتيقن أنه سفينة نجاة لمن له رابطة الولاء.

ما معنى أن يكون الحسين (عليه السلام) مصباح هدى؟

ومن التعابير: مصباح هدى. يجدر بك عندما تقف أمام الضريح أن تتذكر هذا التعبير. إن الحسين (ع) هو مصباح هدى للعصاة ولغيرهم. فلا تقل: إنني رجعت من الحج ومن رجع من الحج خرج من الذنوب كيوم ولدته أمه، ولذلك أنا لا ذنب لي مثلا، ولا أحتاج إلى هذه الهداية. فماذا تصنع بساعات غفلاتك الكثيرة؟ فحتى في الحج وأثناء الطواف وفي عصر عرفة ينشغل الكثير من الحجاج بلقيل والقال والشرود الذهني.

ثم أنت بحاجة إلى نجاة ومصباح هدى دائما وفي كل آن. أنت تخاطب الحسين (ع) قائلا: يا مولاي، إن لي باطن مظلم؛ ولا يُمكنني العيش في هذه الدنيا من دون بصيرة. إن هذا البصر الظاهري يريك الحفر الظاهرية؛ ولكن ماذا عن الحفر الباطنية؟ طالما أخطئنا وندمنا نحن المؤمنون، وأخذنا قرارات تبين لنا خطأها لاحقا.  أو قلنا كلمة اكتشفنا في نهاية المطاف أنها كانت كلمة مهلكة، ولم نلتفت إلى ظلمة الباطن أو عمى الباطن حين العمل. لو أشرق سيد الشهداء (ع) بأنواره على قلب محب زائر، أو باك أو مقيم لعزائه؛ لاستنقذته هذه المصباحية من ظلماته.

ماذا فعله الحسين (ع) لهذه الأمة؟

ثم إن إمامنا (ع) له حق عظيم على الأمة بأنه كان سبب نجاتها، وإن أساءت إليه؛ فالغريق عندما يصعد سفينة النجاة قد لا يحسن الأدب مع الذي أنقذه، ولا ضير في ذلك. لقد عبر سبحانه عن قتل قابيل لهابيل؛ بأنه قتل لجميع الناس، والحال أنها قتلة واحدة، وقد ذكر القرآن الكريم هذه القصة ثم عقب عليها بقوله: (مِنۡ أَجۡلِ ذَٰلِكَ كَتَبۡنَا عَلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ أَنَّهُۥ مَن قَتَلَ نَفۡسَۢا بِغَيۡرِ نَفۡسٍ أَوۡ فَسَادٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعٗا)[٣]. ولكن كيف تعدل قتلة واحدة؛ قتل الناس جميعا؟ لقد اختلفت آراء المفسرين حول هذه الآية، إلا أن هناك رأي من الآراء لفتني كثيرا، وهو: أن الذي تجرأ على قتل إنسان لديه ملكة باطنية خبيثة تجعله يتجرأ على قتل الثاني والثالث إن أتيحت له الفرصة.

إن يزيد علي اللعنة لو بقي في سدة الحكم لأنتج لنا ألف يزيد ولكن الله سبحانه أزاله ببركة ثورة سيد الشهداء (ع). فإن كان يزيد الذي هو قريب العهد بعصر النبوة، والذي كان والده بحسب الظاهر مع النبي (ص) فعل ما فعل؛ فكيف كانت يتصرف من سيأتي بعد يزيد؟ إن هذه القضية ليست قضية رتبطة بحقبة زمنية انتهت؛ فلولا ثورة الحسين (ع) لكان للتأريخ وجه آخر. فأي إسلام، وأي حج، وأي صلاة تبقى مع حكومة يزيد القائل:

لعبت هاشم بالملك فلا
خبر جاء ولا وحي نزل

كيف أيقظ الحسين (عليه السلام) هذه الأمة من سباتها؟

لقد قام الحسين (ع) في فترة مصيرية لم تعد تنفع فيها خطب أمير المؤمنين (ع) التي لم ينتفع بها إلا أمثال سلمان، وأبي ذر، والمقداد رضوان الله عليهم. وقد سبقه الإمام المجتبى (ع) الذي صاح في الأمة، وألقى الخطب والمواعظ التي لم تجدي مع هذه الأمة؛ فكانت بحاجة إلى هزة من الأعماق. لقد أصيبت الأمة بإغماء لا يصحيها إلا صدمة كصدمة التي أوردها الحسين (ع) على هذه الأمة. مما جعل بنو العباس بعد سنوات قليلة؛ يتبعون الأموي تحت كل حجر ومدر، وزال ملكهم إلى الأبد. وأصبحت كلمة الأموي وملك بني أمية إلى يومنا هذا؛ بالدم وبسفك الدماء وبالظلم، وكل ذلك بركات صدمة ثورة أبي عبدالله الحسين (ع).

ولذلك نشعر في كل موسم محرم بحرارة تلك الثورة حتى كأننا في السنة التي تلي تلك الثورة. فإننا نشعر أننا في السنة الثانية والستين من الهجرة، والمصيبة متجددة، والبكاء هو البكاء، والمجالس تقام في كل أصقاع الأرض شرقها وغربها، والفضائيات المباركة تنقل هذه المجالس بكثرة.

استمرار نهضة الحسين (عليه السلام) لحين قيام القائم (عجل الله فرجه)

لقد أراد رب العالمين لهذه النهضة الكبرى أن تبقى متجددة إلى ذلك اليوم الذي يخرج إمامنا المنتظر (عج) لإقامة العدل العالمي، وملأ الأرض قسطاً وعدلا. ولذلك ينادي في المسجد الحرام وقبل أن ينادي بالقسط: ألا يا أهل العالم إن جدي الحسين (ع) قتلوه عطشانا؛ فهذه المصيبة لا تفارق الإمام (عج) ولم تفارقه منذ أن ولد إلى يومنا هذا. إنه يبكي على مصيبة جده الشهيد. إنه ينادي في ذلك اليوم: (ألا يا أهل العالم أنا الإمام القائم، ألا يا أهل العالم أنا الصمصام المنتقم، ألا يا أهل العالم أن جدي الحسين قتلوه عطشانا، ألا يا أهل العالم إن جدي الحسين طرحوه عريانا، ألا يا أهل العالم إن جدي الحسين سحقوه عدوانا)[٤].

[١] مستدرك الوسائل ج١٠  ص٣١٨.
[٢] سورة الفجر: ٢٧-٢٨.
[٣] سورة المائدة: ٣٢.
[٤] إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب  ج ٢ ص ٢٤٣.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • إن يزيد علي اللعنة لو بقي في سدة الحكم لأنتج لنا ألف يزيد ولكن الله سبحانه أزاله ببركة ثورة سيد الشهداء (ع). فإن كان يزيد الذي هو قريب العهد بعصر النبوة، والذي كان والده بحسب الظاهر مع النبي (ص) فعل ما فعل؛ فكيف كانت يتصرف من سيأتي بعد يزيد؟
  • لقد قام الحسين (ع) في فترة مصيرية لم تعد تنفع فيها خطب أمير المؤمنين (ع) التي لم ينتفع بها إلا أمثال سلمان، وأبي ذر، والمقداد رضوان الله عليهم. وقد سبقه الإمام المجتبى (ع) الذي صاح في الأمة، وألقى الخطب والمواعظ التي لم تجدي مع هذه الأمة؛ فكانت بحاجة إلى هزة من الأعماق.
  • إن الحسين (ع) هو سفينة النجاة، وسفينة النجاة هي التي تبحث عن الغرقى لا الغريق يبحث عن السفينة. إن إمامنا (ع) هو الذي يبحث عن الغرقى؛ ولكن ليس كل غريق، وإنما الغريق الذي يعترف ويعتقد به، والذي له القابلية والسنخية.
Layer-5.png