Search
Close this search box.
  • فضل يوم عرفة وآدابه
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

فضل يوم عرفة وآدابه

بسم الله الرحمن الرحيم

نشكر الله عز وجل أولا أن جعلنا في هذا الموقف الشريف في يوم عرفة؛ فمن أدرك عرفة عند الحسين (ع) وأقام عنده إلى العيد وقي شر سنته كما في بعض الروايات. لا بمعنى الآفات وحوادث السير مثلا وإنما شر السنة قد ينطبق على الانحراف الفكري والأخلاقي.

من أعمال يوم عرفة

البعض يكتفي بدعاء عرفة وهذا أمر جيد ولكن من الأعمال المستحبة؛ أعمال أم داوود التي ذكرتها كتب الأدعية. وكذلك صلاة أربع ركعات يقرأ في كل ركعة خمسون مرة سورة التوحيد، وهنالك أدعية كثيرة تقريبا من بعد الزوال إلى المغرب بإمكان أحدنا أن يعيش جو الدعاء كليلة القدر. وإحياء يوم غد كإحياء ليلة القدر. ونركز ونكرر على الاهتمام بالكيف. وهناك ركعتان في يوم غد؛ أحس ركوعهما وأتقنهما تحت السماء وكيفيتهما بعد الحمد التوحيد في الأولى وبعد الحمد الكافرون في الثانية. وهاتان الركعتان إن صليتهما تحت القبة أو عند الضريح بتوجه حيث لا يذهب ذهنك يميناً ولا شمالاً قدر الإمكان لحصلت على خير كثير. إنك مأمور بالصلاة أول الوقت طوال السنة؛ ولكن اجعل أفضل صلاة لك في ليلة القدر. اجعل أفضل صلاة عشائين في ليلة القدر التي هي خير من الف شهر. أي كأنك صليت صلاة خاشعة ثمانين سنة وأكثر. وفي يوم عرفة اجعل صلاة الظهرين أفضل الصلوات، ولا تنسى هذه التوصية أن البعض يقرأ دعاء عرفة بتوجه ويبكي وهو أمر جيد؛ ولكننه يصلي صلاة الظهر بلا توجه وهذا نقيصة.

ليلة المناجاة والتوبة

كذلك من التوصيات في هذه الليلة التي لا يعلم البعض قدرها أنها ليلة المناجاة والتوبة. إن الأعمال العبادية مترابطة. قد لا يتقن البعض ليلة التاسع عشر أو الواحدة والعشرين الإحياء، ويقول: ليلة الجهني هي الثالث والعشرون؛ ولكن لا تنسى أنك إن أتقنت الليلتين فستوفق لإتقان الليلة الثالثة والعشرين. إن الذي يمضي وقته بالغفلة والسهو أمام التلفاز قد لا يوفق ليوم عرفة توفيقاً مميزاً.

إن هذه الليلة هي ليلة الدعاء، ومن باب العينة ومن الأدعية التي تعجبني دعاء كميل لأمير المؤمنين (ع): إنه يقول فيه: اللهم اغفر لي الذنوب التي تهتك العصم، وتغير النعم وتنزل النقم وتحبس الدعاء. إن علمائنا يقولون: إن أئمة أهل البيت (ع) يذكرون المفاهيم من خلال الدعاء؛ فتارة يلقي أحدهم خطبة عن آثار الذنب وتارة يذكر ذلك في صيغة الدعاء. فاقرأ آثار الذنوب في هذا الدعاء والتي منها: اللهم اغفر لي الذنوب التي تورث الندم. إن البعض في ليلة حمراء يقوم بفعل يبقى يتذكره إلى آخر العمر، ويقول: يا ليتني مت قبل هذا. إنها لحظات من الغفلة والشهوة تورث الندامة إلى آخر العمر، وتورث السقم كذلك. صحيح أن الأمراض تابعة للجراثيم وغيرها ولكن رب العالمين يسلط رسله على من يشاء، وكما قال سبحانه: (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)[1].

وهذه الجائحة الأخيرة هي من جنود الله عز وجل؛ فقد أصيب البعض وسلم وأصيب آخرون فلم يسلموا. ولا تنسى أن بعض الأمراض عقوبة إلهية. فإن أذنبت ذنباً وأصبت بعده بمرض لا تقل: هذا وباء وقد عداني فلان أو فلان. كلا، إن رب العالمين وجه لك الجراثيم، ولله جنود السماوات والأرض. وقد تهتك الذنوب العصم. كان أحدهم يتستر في معاصيه ورآه أحدهم في ساحل بحر بعيد مع امرأة كذائية فهتكت حرمته؛ فكيف في هذه الأيام وهذه أجهزة التصوير في جيوبكم وفي أي لحظة تلتقط صورة منك فتُنشر. بالطبع إن البعض لا يراعي الحرمة، وليس لك الحق أن تهتك الإنسان ولكن البعض قد يهتكه الرب.

ويذكر في دعاء كميل: اللهم اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء، ويذكر في دعاء هذه الليلة: (اللهم اغفر لنا الذنوب التي ترد الدعاء). ففي دعاء كميل يتحدث عن الذنوب التي تحبس، وفي دعاء اليوم الذنوب التي ترد الدعاء. أي الدعاء لا يستجاب. وفي الدعاء: (اللهم اغفر لي الذنوب التي تحبس قطر السماء). إننا في بعض الأيام قد نعيش الجفاف فلا تمطر السماء. إن القضية هي خارج الأنواء وإنما هي مرتبطة بمعاصي العباد.

وفي الدعاء: (اللهم اغفر لي الذنوب التي تعجل الفناء). والفناء هو الموت. إن رب العالمين كتب لك سبعين سنة في خير؛ فإن أذنبت ذنباً صار ستون؛ فإن استمريت في الذنب صار خمسون. ولأن الذنوب كثرت بين الشباب هذه الأيام كثر بينهم الموت الفجأة.

ثم ورد في الدعاء: (اللهم اغفر لي الذنوب التي تظلم الهواء). إن هذه الفضائيات هذه الأيام قد أظلمت الفضاء بما فيها من أمواج القنوات الكذائية. وكلما وصلت إلى فقرة من فقرات دعاء هذه الليلة، قل: استغفر الله. نعود إلى موضوع حديثنا يعز علي أن نهمل ذكره (ع). نكمل الحديث حول إمام زماننا الذي نعتقد أن جده الحسين (ع) يفرح بذكره.

لماذا لا نتعلق بإمام زماننا؟

لأننا أهل المادة المستلذون بالشهوات العاجلة؛ فلا يُفتح لهم الباب. انظروا للصلاة ففيها مبطلات، والصوم فيه مفطرات، وإحرام الحج فيه تروك في الحج كترك النساء في نهار شهر رمضان وفي كل ذلك تمرين للتعالي. من وصل إلى مرحلة التعالي عن الشهوات سهل عليه التوجه إلى الله عز وجل. إن القضية بحاجة إلى جذبة إلهية في العبادة. إن التوجه إلى إمام زمانك بحاجة إلى جذبة مهدوية. ومن طرق جلب الالتفاتة المهدوية الالتفات إلى جده والإكثار من زيارته والتعلق به. إن زرت الحسين (ع) أو زرت أمير المؤمنين (ع) أو أي واحد من الأئمة أو النبي الأعظم (ص)؛ الهج بهذا الدعاء، وقل: يا مولاي، إن زارك ولدك المهدي (عج) أوصه بنا خيراً.

استجداء الدعاء المهدوي

إنك تدخل على الحسين (ع) زائرا في أيام الأربعين وقد ورمت رجلك وأنت أشعث أغبر؛ فيستقبلك الإمام (ع) ويحبك في ذلك اليوم على الأقل، فعندها قل: يا أبا عبدالله، في أول فرصة يزورك فيها ولدك أوصه بنا خيراً. ولا تنسى هذا الدعاء: صيرني من همكم. إن أحدكم إذا صار من هم إمام زمانه لا يبالي بشيء. لقد رأيت في الخبر القدسي ما فيه بشارة لكم جميعا، فقد تقول: نحن في زمان الشهوات والشبهات وقلة الأستاذ والمربي، ولكن ورد في الحديث القدسي: (فَأَرَادَ أَنْ يَسْهُوَ حُلْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَسْهُوَ). إن عينه عليك ويحفظك في كل الأحوال. فإن كنت تريد أن تذهب إلى بلاد الغرب ويعلم رب العالمين أنك ستعصيه في هذه السفرة أصابك بحادث يمنعك من السفر. أو تريد أن تتزوج امرأة لا تناسبك فتنصرف عنك. وقد يحزن لشباب ويقول: إن المرأة رفضتني ولا يدري أن رب العالمين هو الذي رفضها وصرفها عنه، وهو القائل عن يوسف (ع): (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ)[2].

ويقول أمير المؤمنين (ع) في جواب من سأله: كيف عرفت ربك: (بِفَسْخِ اَلْعَزْمِ وَنَقْضِ اَلْهَمم)[3]؛ فطالما نويت شيئاً صرفك عنه. إن مواسم الطاعة هي من مواسم الجذب المهدوية. فإذا دعوت له في يوم عرفة تحت القبة – وإن كان لا قيمة لدعائي ودعاء أمثالي –  فإن دعائك يصل إليه، فحرك شفتيك. وقد روي أن الإمام كريم يرد الإحسان بأضعافه. إن دعى لك إمام زمانك في العمر مرة فأنت بألف خير.

إن من أفضل أعمال يوم غد هو زيارة الحسين (ع). لقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (إِنَّ اَللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَتَجَلَّى لِزُوَّارِ قَبْرِ اَلْحُسَيْنِ صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ قَبْلَ أَهْلِ عَرَفَاتٍ)[4]؛ فليعرف زائر الحسين (ع) قدر نفسه في هذا اليوم، وهذه زيارة الجاذبية العظمى. ولو جذبك رب العالمين في يوم عرفة فقد انتهى الأمر. فيوم عرفة هو يوم الجاذبية؛ لا جاذبية الحسين (ع) فقط وإنما رب العالمين يتجلى كذلك. ولهذا البعض بعد الغروب له إحساس وقت طلوع الفجر من ليلة القدر حيث يرى نفسه نظيفاً خفيفاً؛ لأن الله نظر إليه.

يقول صاحب الغدير رحمه الله: إن رب العالمين تجلى لموسى في الجبل فجعله دكاً فما الفرق بين التجليين؟ يقول ذلك تجلي القهر حيث قال موسى (ع): (قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي … فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا)[5]، وأما تجلي الله لزوار الحسين (ع) هو تجلي اللطف والكرامة. ذاك فيه قهر وهذا فيه لطف. هل تريد المزيد؟ إن الخلق يوم القيامة في فزع وتذهل كل مرضعة عما أرضعت وترى الناس سكارى ولكن زوار الحسين في أي حال؟ تقول الرواية: (اَلْخَلْقُ يُعْرَضُونَ وَهُمْ حُدَّاثُ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ تَحْتَ اَلْعَرْشِ وَفِي ظِلِّ اَلْعَرْشِ لاَ يَخَافُونَ سُوءَ يَوْمِ اَلْحِسَابِ يُقَالُ لَهُمُ اُدْخُلُوا اَلْجَنَّةَ فَيَأْبَوْنَ وَيَخْتَارُونَ مَجْلِسَهُ وَحَدِيثَهُ وَإِنَّ اَلْحُورَ لَتُرْسِلُ إِلَيْهِمْ إِنَّا قَدِ اِشْتَقْنَاكُمْ مَعَ اَلْوِلْدَانِ اَلْمُخَلَّدِينَ فَمَا يَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ إِلَيْهِمْ لِمَا يَرَوْنَ فِي مَجْلِسِهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مِنَ اَلسُّرُورِ وَاَلْكَرَامَةِ)[6].

كلما زدت معرفة؛ زدت قرباً يوم القيامة من الحسين (ع). وكأنهم يقولون: يا رب، إن حديث الحسين (ع) لا يعوض وكذلك الجلوس معه وزيارته. أحدهم ليلة الزفاف جاءني إلى المنزل وقال لي: اعقد لي مجلسا حسينيا ليلة الزفاف، واعتقد أن تلك الليلة أنسه بالحسين (ع) كان أكثر من أنسه بزوجته ليلة الزفاف فكيف بعد ذلك؟  فابحثوا عن هذه اللذة. ولهذا بعض الناس لا يحتاج إلى حث لزيارة الحسين (ع)؛ فهو الحسين في عرفة وفي الشعبانية والرجبية وليلة الجمعة، ولابد أن يجدد العهد بالحسين (ع).

[1] سورة الفتح: ٧.
[2] سورة يوسف: ٢٤.
[3] الخصال  ج١ ص٣٣.
[4] الخصال  ج١ ص٣٣.
[5] سورة الأعراف: ١٤٣.
[6] مستدرك الوسائل  ج١٠ ص٣١٣.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • قد لا يتقن البعض ليلة التاسع عشر أو الواحدة والعشرين الإحياء، ويقول: ليلة الجهني هي الثالث والعشرون؛ ولكن اعلم؛ أنك إن أتقنت الليلتين فستوفق لإتقان الليلة الثالثة والعشرين. إن الذي يمضي وقته بالغفلة والسهو أمام التلفاز قد لا يوفق ليوم عرفة توفيقاً مميزا.
  • كلما زدت معرفة؛ زدت قرباً يوم القيامة من الحسين (ع). أحدهم ليلة الزفاف جاءني إلى المنزل وقال لي: اعقد لي مجلسا حسينيا ليلة الزفاف، واعتقد أن تلك الليلة أنسه بالحسين (ع) كان أكثر من أنسه بزوجته ليلة الزفاف.
  • إن مواسم الطاعة هي من مواسم الجذب المهدوية. فإذا دعوت له في يوم عرفة تحت القبة – وإن كان لا قيمة لدعائي ودعاء أمثالي – فإن دعائك يصل إليه، فحرك شفتيك. وقد روي أن الإمام كريم يرد الإحسان بأضعافه. إن دعى لك إمام زمانك في العمر مرة فأنت بألف خير.
Layer-5.png