Search
Close this search box.
  • الحب الإلهي
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

الحب الإلهي

بسم الله الرحمن الرحيم

الرعاية المهدوية

حديثنا حول إمامنا الذي وفقنا الله سبحانه في هذا الموسم أن نكثر من ذكره والتركيز عليه. إن الحجاج الملتفتون والولائيون عينهم على أمير الحج في الموسم، وقد يتمنى البعض أن يلتقي به وإن لم نكن من دعاة اللقاء الحسي. لأن الأهم من اللقاء الحسي والتماس البدني هي الرعاية. فلو رأيت الإمام وسلمت عليه وقبلت جبينه ويديه ثم ودعته فهذا فوز عظيم؛ ولكن إذا كان الإمام عينه عليك دائما وأبداً وارتضاك له ولياً واصطنعك على عيني كان ذلك فوزا أعظم.

إن هذه العبارة القرآنية: (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي)[1] هي ليست من حديثنا، ولكن هذه العبارة هي أرقى دعاء تدعو به في ساعة الاستجابة في ليلة القدر أو في الروضة تحت القبة أو ما شابه ذلك من الأزمنة والأمكنة. قد يقول البعض أنني لست أهلاً لها، والحال أن عليه أن يكون أهلاً لها. وسع الإناء ثم اطلب الماء المعين؛ فالقلوب أوعية وأحسنها أوعاها. إن أفضل مقام تصل إليه هو مقام (ولتصنع على عيني). إن رب العالمين سيعطيك الأجر والثواب كالحور العين والغلمان وهذا أمر عام، ولكن الذي اختص به رب العالمين موسى (ع) هو أن جعله كليمه وقال له: (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي).

والأرقى من ذلك قوله تعالى: (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي)[2]. إن هذه هي درجات القرب من الله عز وجل. لا تفكر بالحور والقصور ولا بالمزايا العاجلة. هل تريد كشفاً أو تريد شهوداً أو تريد مناماً؟ ما قيمة هذه الأمور في مقابل ما ذكرنا؟

ذكرى استشهاد إمامنا الباقر (عليه السلام)

إن اليوم هو يوم استشهاد إمامنا الباقر (ع)، وقطعا يرضى أن نذكر حفيده. لقد رأيتم بعض الآباء قد يحب حفيده أكثر من ولده. إن الإمام الباقر (ع) هو حفيد الحسين (ع) ويقال: أنه أدرك خمس سنوات من عمر جده وعاش بجواره. ونقل أيضا أنه كان في يوم عاشوراء في هذه البقعة. تخيل طفلاً صغيرا في هذا العمر ويرى المآسي وما جرى على أهل البيت (ع). وقد بقيت هذه الأحداث في ذاكرته.

هناك محطات مهمة في حياة الإمام الباقر (ع)؛ منها أن الإمام بكلمة واحدة علمنا كيف نعاشر الناس. هناك الكثير من الكتب المؤلفة في كيفية التعامل مع الناس، وهناك علم النفس وعلم الاجتماع وآداب المعاشرة، ولكن أئمتنا (ع) لخصوا كل ذلك بكلمة واحدة حتى قال الجاحظ وهو أديب من العامة: أن محمد بن علي الباقر جمع صلاح الناس ومعاش الناس في كلمة، وهو قوله (ع): (صَلاَحُ شَأْنِ اَلتَّعَايُشِ وَاَلتَّعَاشُرِ مِثْلُ مِكْيَالٍ ثُلُثَاهُ فَطَنٌ وَثُلُثُهُ تَغَافُلٌ). كن فطناً ذكياً؛ فقد يكون الإنسان أستاذاً في الجامعة ومع ذلك لا يعلم كيف يتعامل مع زوجته وأولاده وفي المقابل ترى قروياً فلاحاً بسيطاً تنجذب إليه عائلته بأسلوبه. والفطنة قسم منها مكتسب وقسم منها موهبة. إن البعض بطبعه حكيم.

سبب ثلاثة أرباع مشاكلنا الاجتماعية

إن ثلاثة أرباع مشاكلنا الاجتماعية هي من كلام الناس؛ فلان قال عني كذا أو فلان ذكرني بكذا. دعه يفعل ذلك. إنه لم يضربك ولم يحرمك من شيء وإنما هي مجرد كلمات يتفوه بها وهو في المنزل يكسبك بها الدرجات. لقد رأى أحدهم من اغتابه فقال له: شكراً، لقد أحسنت إلي. لأنك بذلك أعطيتني من حسناتك. ولهذا يقول أحدهم: لو أردت اغتياب أحد لكان أولى بذلك أبواي؛ بمعنى أن الله سيعطيهم من حسناتي يوم القيامة. فهل من العقل أن يعطي الإنسان حسناته لغيره؟

ثم إن كلام الناس هواء وأمواج صوتية تتلاشى. إن أحد المراجع السلف كان يقول: إنني لا أبالي بكلام الناس فهو هواءٌ يخرج من الفم – تارة تتنفس من دون كلام فلا تتحرك الأوتار الصوتية وتارة هنالك صوت يرتفع – ولكن إياكم والضرب. فإن الذي يؤلمني هو الضرب فحسب. إن بعض كبار الحلماء عندما يتكلم عليه أحدهم ويهينه يرد عليه هذه الإهانة بآية من القرآن تكون عليه أشد من الضرب، وهي: سلاماً سلاما؛ وهو يعني  قوله تعالى: (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا)[3]. فإن أردت أن تعذب أحداً عذاباً نفسياً فليقل ما يقل بصوت مرتفع وبأوداج منتفخة وبوجه محمر، وبعين تكاد تخرج من مقلتيها؛ فلا تزد على أن تقول له: سلاماً سلاما، فهو بذلك يموت قهراً؛ أي أنت لست في المستوى الذي أتحدث فيه معك، وإنما شغلي مع الجهات العليا. ولهذا لو أن انساناً في الطريق هجمت عليه هرة فدخل معها في معركة؛ يقال له: أ أنت مجنون لتصارع قطة؟ ما وزنها؟ ولذلك لا يقيم المؤمن وزنا لغير الله.

وصية الإمام الباقر (عليه السلام) لإحياء ذكره في منى

لقد أوصى الإمام الباقر (ع) الإمام الصادق أن يندب في منى عشر سنوات. إن أئمتنا (ع) يحبون ذكر مصائبهم. إن الإمام الباقر وإن كان قد قتل مسموماً إلا أنه لم يعش آلام جده الحسين (ع) ولكن مع ذلك يوصي أن تقام له مجالس العزاء ويذكر في موسم الحج وفي منى. ولهذا لو عقد أحدهم مجلساً في منى هذه الأيام على الحسين (ع) لما كان الأمر مستغربا لأن في القضية إحياء ذكرهم. نكتفي بهذا المقدار وفاء لذكر إمامنا الباقر (ع).

الحب هو محرك الإنسان

والآن ننتقل للحديث عن إمام زماننا. هل الأمر بحاجة إلى توصية أن تذكر إمام زمانك؟ إن من بيمنه رزق الورى ومن بوجوده ثبتت الأرض والسماء لا يحتاج إلى توصية؛ بل العجب في عدم ذكره لا العجب في ذكره. وحديثنا هو حول كيف نحبه؟ إن الحب هو الجهاز المحرك. إن الدابة التي لا محرك لها لا تسير أبدا. قد يدفع السيارة أربعة أو خمسة من الأقوياء فتمشي خطوات ولكنها سرعان ما تتوقف، لعدم وجود محرك ذاتي فيها، وإنما تتحرك بحسب الدفع. إن موسم الحج والعمرة والأربعين وأيام عرفة هي دفعة إلى الأمام، ولكن بعد عرفة ينتهي كل شيء. إنني عندما أذهب للحج والعمرة أوصي من في الحملة وأقول لهم: إياكم والانتكاسة بعد الزيارة. إن معظم الذين يرجعون ينتكسون، وهذه دفعة الحج والعمرة وليست بمحرك. إن المحرك هو الحب.

ولكن كيف نصل الى الحب؟

أولا: نحن مشكلتنا في حب المحسوسات. لقد رأيت شابا كان يصلي خلفنا؛ فدخل في حب فتاة كانت تصلي خلفنا أيضاً. فقال لي يوما: جئت أصلي خلفك لعلي أصل إليها. قلت له: ما الذي أعجبك فيها؟ قال رأيتها في مكان ما فدخل حبها في قلبي وفي ضمن الكلام كان يهدد ألو لم يصل إليها سوف ينتحر. كلمنا والد الفتاة فقال: لا يمكن هذا، إنه لا يصلح وذهب، ولعله انتحر. فلا أدري ماذا صنع بعد ذلك.

إن لقاء في مكان هكذا أدخل الحب في قلبه إلى درجة لم يطق العيش. يقول العاشق: إنني أذهب ليلاً إلى عمارتها وأقف بالليل انظر إلى الشباك لتزيح الستار وتلقي نظرة علي فيرتاح قلبي ثم أذهب. وهذا صلاة ليله. هل يصل العشق بالإنسان إلى هذه الدرجة؟ لماذا؟ لأن الجمال البشري يُرى ولكننا في علاقتنا مع رب العالمين لا نرى شيئا يجذبنا؛ فما هي إلا نقل في القرآن أو في الحديث. والنقل لا يغريك. فلو قيل لشاب: عقدنا لك فتاة في قمة الجمال والكمال في قارة بعيدة، فهل هذا سيوجب وقوعه في الحب؟ إنما يقول: أريد أن أراها أمامي.

ليس الكلام في حب الإمام؛ فالإمام الغائب يرى ولكنه غائب؛ ألا تريد أن تكون من محبي رب العالمين؟ درجات القرب في الجنة بمقدار هذا الحب. يقول سبحانه: (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ)[4]. ونقرأ في المناجاة: (أَنَا مِنْ حُبِّكَ جَائِعٌ لاَ أَشْبَعُ أَنَا مِنْ حُبِّكَ ظَمْآنُ لاَ أَرْوَى)[5]. ويقال: أن موسى (ع) في الميقات ما أكل ولا شرب؛ فقد كان على موعد مع الله عز وجل وهو قوله: (وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً)[6].

وينبغي أن نجتاز هذه العقبة مع الله عز وجل. أولا: إذا صرت محباً لغيب الغيوب؛ فإن حبك لإمام زمانك تبعٌ سهلٌ ما أسهله. إن الحب الإلهي أساسه الجذب والجاذبية. إنه ينظر للعباد ويقلبهم وهو أدرى بهم وينظر للقلوب المنكسرة وللقلوب النقية. إنه يقلب العباد ظهراً لبطن فيختار منهم من يشاء. في قضية موسى (ع) لم يرى أكثر تواضعاً منه. إن الله لا يخفى عليه شيء؛ فلا يغرنك مديح الناس. كن حديداً ليجذبك المغناطيس. إن هناك مغناطيس عملاق في موانئ الحديد يسلطونه على طن من الحديد يرفعه في الجو. ورب العالمين هو الذي يختار من يحبه ولأنه حكيم فاختياره يتم بحسب ضوابط. تقول الرواية: (إِنَّ اَللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ وَإِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ ونِيَّاتِكُمْ)[7]. ولهذا فإن مريم (س) كانت طفلة صغيرة في بطن الأم فنذرت ما في بطنها محرراً فتقبلها وأنبتها وطهرها واصطفاها رب العالمين وحملت روح الله عيسى (ع) نبي الله، وذلك من خلال الجاذبية التي جذبها الله بها.

كيف نتعرض لهذه الجاذبية؟

إن الأمر إليك؛ ولكن قوام الجذب أمران. أولا: التضرع المستمر، وثاني: الإحساس بالنقص. الإنسان الذي ليس عنده هذا الهاجس لا يتضرع. وأحسن وقت للتضرع هو جوف الليل. لقد روي في الحديث القدسي: (كَذَبَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُحِبُّنِي فَإِذَا جَنَّهُ اَللَّيْلُ نَامَ عَنِّي)[8]. هل الذي يحب العروس ينام إلى الصباح؟ ألا تطلب الطلاق في الغد وتقول لأبيها: إن هذا الزوج لا يحبني في الليل نام عني، هل هذا هو الحب؟ وهذا التضرع المستمر رفع عن قوم يونس (ع) العذاب وينزل العذاب على يونس في بطن الحوت. إنه في بطن الحوت وفي ظلمة الليل في قاع البحر وهو ينادي في الظلمات؛ وقوم يونس يسرحون ويمرحون. لم؟ لأنهم تضرعوا فنفعهم إيمانهم.

إن الله يستحي أن..!

إن التضرع يفتح الأبواب المغلقة. إن الله يقول في القرآن: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً)[9]، ولكن هذه الرواية تقول عكس ذلك، وهو: (إِنَّ اَللَّهَ يَسْتَحِي إِذَا رَفَعَ إِلَيْهِ اَلْعَبْدُ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْراً مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ)[10]. إن الله يقول: أنا رب الأرباب وقد طلب مني هذا المسكين، فهل أرده؟ ويتأكد التضرع في مواطن الاستجابة ثم التوسل. إن الإمام الحسين (ع) نعم الشفيع لهذا المقام. إن أئمتنا (ع) قد بلغوا الأوج. ماذا تقرأ في الجامعة؟ (واَلتَّامِّينَ فِي مَحَبَّةِ اَلله)[11]. إن هذا الحب هو الذي جعل الحسين (ع) يأتي الى كربلاء، وهذا الحب هو الذي جعل الأئمة يعملون ما يعملون.

دعاء الغريق

ولكن إذا نسيت كل حديثي هذا فلا تنسى هذا الدعاء المعروف بدعاء الغريق. حيث ورد في الرواية: (كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا صِرْتُمْ فِي حَالٍ لاَ تَرَوْنَ فِيهَا إِمَامَ هُدًى وَلاَ عَلَماً يُرَى وَلاَ يَنْجُو مِنْهَا إِلاَّ مَنْ دَعَا دُعَاءَ اَلْغَرِيقِ)[12]. وأقول: من دعى وليس من قرأ الدعاء. لعلك قرأت دعاء كميل عمراً ولكن ما دعوت به. إن الدعاء تضرع.

ما هو دعاء الغريق؟ (يَا اَللَّهُ يَا رَحْمَنُ يَا رَحِيمُ يَا مُقَلِّبَ اَلْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ)[13] فالهج به. وسأعلمكم موضعاً مناسبا لا تنساه أبداً. ادع به في سجدة الشكر. اختر مجموعة من الأدعية منها هذا الدعاء، ولا تنسى كلما صليت وسجدت ذكرت دعاء الغريق. فقد تدعو به يوما أو يومين ثم تنساه، ولكن إن جعلته من ضمن سجدة الشكر أو في قنوت الصلاة؛ فسوف لا تنساه. ويصل الأمر عند البعض ألو أقمت له ألف دليل على الإلحاد أو على خلاف حقانية أهل البيت (ع) يقول: قلبي مستقر، وهو قولك: ثبت قلبي على دينك.

[1] سورة طه: ٣٩.
[2] سورة طه: ٤١.
[3] سورة الفرقان: ٦٣.
[4] سورة البقرة: ١٦٥.
[5] بحار الأنوار  ج٩٤ ص٣٢٦.
[6] سورة الأعراف: ١٤٢.
[7] جامع الأخبار  ج١ ص١٠٠.
[8] الأمالی (للصدوق)  ج١ ص٣٥٦.
[9] سورة البقرة: ٢٦.
[10] مستدرك الوسائل  ج٥ ص١٨٦.
[11] بحار الأنوار  ج٩٩ ص١٢٧.
[12] اثبات الهداة  ج٥ ص٩٠.
[13] اثبات الهداة  ج٥ ص٩٠.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • وقد يتمنى البعض أن يلتقي به وإن لم نكن من دعاة اللقاء الحسي. لأن الأهم من اللقاء الحسي والتماس البدني هي الرعاية. فلو رأيت الإمام وسلمت عليه وقبلت جبينه ويديه ثم ودعته فهذا فوز عظيم؛ ولكن إذا كان الإمام عينه عليك دائما وأبداً وارتضاك له ولياً واصطنعك على عيني كان ذلك فوزا أعظم.
  • إن التضرع يفتح الأبواب المغلقة. إن الله يقول في القرآن: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً)، ولكن هذه الرواية تقول عكس ذلك، وهو: (إن الله يستحي إذا رفع إليه العبد يديه أن يردهما صفرا من غير شيء).
Layer-5.png