Search
Close this search box.
  • أهم أعمال يوم عرفة
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

أهم أعمال يوم عرفة

بسم الله الرحمن الرحيم

الاستعداد ليوم عرفة وأهمل الأعمال في هذا اليوم

لا بأس أن نتناول قبل أيام عرفة مضامين هذا الدعاء الشريف؛ دعاء الإمام الحسين (ع) في يوم عرفة. إن يوم عرفة هو يوم قراءة الدعاء وهو يوم التفاعل، والتأمل والتدبر. إن أحدنا يقرأ الدعاء حتى يتفاعل ويذرف دمعة. وإن علامة التفاعل هي العين. والعين لا تكذب. ادفع الملايين لأحدهم لكي يبكي فلا يستطيع؛ بلى قد يصرخ ويتباكى ولكن عينه لا تذرف. إن أصدق شيء العين والدمعة وسواها تكلف. قد يأتي الكثير إلى كربلاء من أول ذي الحجة على أمل أن يدرك يوم عرفة، فلا بأس أن يهيئ الإنسان نفسه، ويحاول أن يقرأ دعاء عرفة تمريناً؛ وأعني بعض فقرات هذا الدعاء.

دوام ذكر الإمام المنتظر (عجل الله فرجه)

رأيت أن اسم الإمام (عج) أعظم من أن نكتفي في الحديث عنه بيوم واحد. ولهذا اليوم[1] نكمل الحديث عن المولى (عج)، ونجدد العهد به في كل موسم كالنصف من شعبان أو آخر شهر رمضان. لو أن الوعاظ والخطباء والشعراء يذكرون الناس بإمام زمانهم في السنة في عدة محطات؛ لما كنا في هذه الغفلة. ولا أخفيكم سرا؛ أن علاقتنا به ليست على ما يرام؛ أي ذكر الحسين (ع) – إلى حد ما – موجود على المنابر، وكذلك ذكر أخيه وأخته ولكن الإمام قل من يبكي لفقده. ألسنا نبكي على الحسين (ع) لأننا فقدناه؟ إن الإمام في زمان الغيبة قد فقدناه أيضا. فكما أننا لا نرى الحسين (ع)؛ لا نرى إمام زماننا، والأمر واحد.

مصائب الإمام صاحب العصر والزمان

قد تقول: إن الإمام الحسين (ع) حلت عليه المصائب العظام، وأقول: نعم، لقد حلت عليه المصائب ولكنهاذ أياما معدودة منذ أن ورد أرض كربلاء وقمة المصائب يوم عاشوراء، ولكن إمامنا لأكثر من ألف وأربعمائة عام وهو يعيش المصائب.

لقد كنت أقرأ ذات يوم عن بعض المجازر التي وقعت على المسلمين في الأزمنة القريبة، كأيام الحكم البائد من أنواع التعذيب والأذى وهتك الحرمات وهتك الأعراض وما شابه ذلك. وهذه عينة نحن نسمعها ونقرأها ولكن الإمام رآها بعينه. كم هم السجناء الذين كانوا يقولون: يا أبا صالح المهدي أدركنا، والإمام في زمان الغيبة ويده مغلولة ويتألم. أضف إلى أن الإمام الحسين (ع) شهد قتل العباس والأكبر ولكن ما شهد قتله بنفسه أي بعد ما جرى عليه؛ بينما الإمام يعيش هذه الحرقة، ويقول: (فَلَئِنْ أَخَّرَتْنِي اَلدُّهُورُ وَعَاقَنِي عَنْ نَصْرِكَ اَلْمَقْدُورُ وَلَمْ أَكُنْ لِمَنْ حَارَبَكَ مُحَارِباً وَلِمَنْ نَصَبَ لَكَ اَلْعَدَاوَةَ مُنَاصِباً فَلَأَنْدُبَنَّكَ صَبَاحاً وَمَسَاءً)[2]؛ أضف إليها مصائب جدته ومصائب أمير المؤمنين (ع) فكل هذه المصائب قد وردت على قلبه الشريف وهو لا ينساها.

ماذا تقرأ في زيارة عاشوراء؟ إنك تطلب من الله أن يرزقك طلب ثأره مع إمام منصور؛ يعني قبل خروج الإمام لن يؤخذ هذا الثأر. فهل الذي قتل أبوه ولم يقتل قاتل أبيه ولم يأخذ الدية منه وقد هرب القاتل يبقى قرير العين؟ إن إمامنا في زمن الغيبة له هذه الحالة. فهو يرى امتداد الدولة الأموية، وعز عليه استمرارها بعد يزيد ثم مجيء الدولة العباسية وبناء حضارة من قبل هارون والرشيد وغيرهم. فلا بد أن يقوي المؤمن هذه الجهة.

لماذا تثقل الصلاة على البعض؟

وهنا اسمحوا لي بلفتة دقيقة، وهذه اللفتة بحاجة إلى تأمل. لماذا قال القرآن عن الصلاة: (وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ)[3]؟ إن من الشباب ما لو خيرته  بصعود جبل شاهق أو الصلاة لله ركعتين لاختار صعود الجبل. ولو كانت له سفرة سياحية فسوف لن ينام طول الليل وإذا نام قبل الإقلاع بساعات يقفز من فراشه؛ أما صلاة الفجر فلا وزن لها عنده، وهي ثقيلة عليه.

فلماذا تثقل الصلاة عليه؟ أ لأن زمانها طويل؟ أليست هي دقائق؟ أم البدن لا يتحمل؟ إنما هي ركعات رياضية؛ أي جوهر الصلاة بدنياً حركات وعمل رياضي. فلو كان الوقت قصير والبدن يتحمل؛ فلماذا البعض ممن قد يكون بطلا في رفع الأثقال فيرفع المائة والمائتين من الكيلوات تثقل عليه الصلاة؟ لقد فكرت في هذا السبب وكأن الله عز وجل لا يقبل على غير الخاشع، فإذا لم يقبل عليه ثقلت عليه. قد تذهب إلى زيارة إنسان لا يحب أن يلتقي بك؛ فلا يفتح لك الباب. ولكنه كريم لا يردك؛ يقول للخادم: خذ مبلغاً من المال وأعطه ليذهب، ولا تطرده. فهو لن يفتح الباب له وإنما يفتح الباب لخواصه ولأحبته ولقرابته، وأنت انسان أجنبي خذ المقسوم واذهب.

زيارة الحسين (عليه السلام) التجارية

سمعت نجل أحد المراجع العظام يقول: كان أبي يصلي في المشهد في كربلاء، وكان الناس يصلون خلفه بكثرة ويتزاحمون عليه لا حباً فيه، وإنما يريدون مساعدة أو توقيعاً ما. وهذا الذي خلف المرجع كان بيده مبلغا من المال، وكلما جاء احدهم يقول: خذ المال واذهب. لماذا تزاحم المرجع؟ إن علاقتنا بالله هي هكذا. إننا نريد شيئا من الحسين (ع) ولذلك نأتي لزيارته، وإنما تقول الرواية: (من أتاه شوقا إليه وحبا)[4]؛ لا معاملة تجارية في باله ولا حوائج إن قضيت فرح بها وأتاه ثانية أو لم تقضى يقاطع، ويقول: هذه آخر زيارة. لقد زرت الحسين (ع) عشرات المرات فما أعطاني الحاجة. وهل لإمام للحاجة فحسب؟ إن الإمام (ع) هو لاستنقاذ العباد من الجهالة وحيرة الضلالة؛ لا لشفاء المرضى، وهذا الأمر هين عليه.

الإقبال الشديد في الصلاة

لقد سقط لإمامنا زين العابدين (ع) طفل في البئر في أثناء صلاته فما انفتل عنها حتى عوتب على ذلك، فقال لهم: لو ملت بوجهي عنه لمال بوجهه عني. إنك قد تكبر ويكون لك إقبال إجمالاً وتقرأ الحمد مقبلا فتفكر في الأهل والعيال والطعام فيذهب عنك الإقبال، وفي هذه الحالة يقولون: هذه عقوبة. عادة يكون إقبالنا في صلواتنا في الركعة الأولى ممنها خير من الركعة الأخيرة؛ فتعاقب في الركعات اللاحقة، ويقال لك: أقبلنا عليك ولم تقبل، فطردناك من الباب. لقد صليت صلاة مجزية لا مقبولة؛ فالإجزاء شيءٌ والقبول شيء آخر. قد تعامل يوم القيامة معاملة المصلين ولكن هل تكون من المقبولين؟ أين المعراجية وأين القربانية؟ أليست الصلاة معراج المؤمن؟

من هو المفلح في القرآن الكريم؟

ومادام أن وصلنا إلى هذه الفقرة سأذكر لك أمرا لو تأملته لانتابك الحزن والأسف. من الفالح؟ راجع الكتاب، يقول تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ)[5]؛ إنه لم يقل: الذين يصلون، وإنما الذين هم في صلاتهم خاشعون. وإنني أتحدث مع نفسي لا أتجاسر على أحد. اعمل من الخيرات ما شئت فما لم تكن خاشعاً لا تكون فالحاً كما يبين لنا ذلك القرآن الكريم. يقول أخيرا: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ)[6] . ولهذا أقولها كفتوى أخلاقية، لا شرعية: إن تعلم الواجبات المبطلات للصلاة كالشكوك وغيرها لازم ولكن لا تنسى أن تأخذ دورة في الصلاة الخاشعة؛ فمن دون علم لا تخشع ومن دون قراءة سير الخاشعين من أئمة أهل البيت لا تخشع.

العلاقة بين الصلاة الخاشعة وبين الإمام المهدي (عجل الله فرجه)

قد يسأل سائل فيقول: لقد وعدتنا بالحديث المهدوي فما العلاقة بين الصلاة الخاشعة وبينه؟ والجواب غريب بعض الشيء. إنك إذا زرت الحسين (ع) تجري دمعتك وتتفاعل ولكن عندما تذكر إمام زمانك هل تتفاعل؟ إذا ذهبت إلى سامراء هل تسمع النحيب والبكاء عند قبر أمه أو قبر أبيه أو قبر جده أو عند قبر عمته؟ إنه ضريح واحد فيه معصومان وفيه أم الإمام، فيزورهم البعض و كأنه معلم سياحي أو قبر من القبور؟ فأين البكاء؟ إنه معدوم. بل إنك تجد عند العباس (ع) من التفاعل أضعاف ما عند قبر أبويه. وإذا ذهبتم إلى سرداب الغيبة صلوا ركعتين من الصلاة كيف ما صار؛ لأنه سكن الإمام بحسب الظاهر؛ وطالما صلى وأقام الليل في هذا المقام وهذا أمر مذكر.

وكأن الوصول إلى الساحة المهدوية كالوصول إلى الساحة الإلهية أمر غير ميسور لكل أحد. إن حياة الأئمة من آبائه مقترنة بالمآسي وبالكوارث؛ فقد سُجن موسى بن جعفر (ع) وحدث للحسين في كربلاء ما حدث، وجرى للزهراء (س) ما جرى ولكن الإمام لم يبكي؟ هل يبكي على مصيبته الظاهرية؟ إنه لم يقتل ولم يعذب ولم يسجن. إن المشكلة هي أننا لا نعيش عذاب الإمام في حياته الطويلة وما مرت عليه من المآسي. إن النبي (ص) كان يقول: (مَا أُوذِيَ نَبِيٌّ مِثْلَ مَا أُوذِيتُ)[7] إن النبي لم يقتل وعإن كانت تذكر بعض الروايات أنه سم مثلا ولكن ما قتل قتلاً، ولم يُنف كذلك وإنما خرج باختياره من مكة.[8] وقد كان في أواخر سنوات حضوره في المدينة حاكماً له جيشه وله منصبه.

مصيبة النبي (صلى الله عليه وآله) بأهل بيته

وبحسب هذه الرواية فحتى أيوب لم يؤذ مثل ما أوذي النبي (ص) ولا موسى الذي تعرض للأذى بمختلف أنواع وفعلوا به ما فعلوا. وإنما كانت حياة النبي (ص) عذاب لما كان يرى حوله من المصائب ولما كان يعلم ما سيحدث بعده من المصائب، وقد قال سبحانه: (أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ)[9]، وهذا الذي جرى. إن النبي يوم الغدير يرفع يد علي (ع) عالياً في الثامن عشر من هذا الشهر الكريم، ولكن بعد شهرين من مضي النبي (ص) يهتك باب فاطمة (س). إن النبي (ص) يعلم أن هذا الذي سيجري على أئمتنا (ع). إنه يعيش هذه المصائب.

تقوية العلاقة بالإمام المهدي (عليه السلام)

من الجيد أن يعد البعض نفسه لزيارة الأربعين وهو نعم العمل؛ ولكن بموازات علاقتك بآبائه اجعل علاقة مع ولدهم الإمام (عج). وقد كان الأئمة (ع) يذكرون ولدهم المهدي (عج) حتى قبل أن يولد. فهذا الإمام الصادق يقول: (سَيِّدِي غَيْبَتُكَ نَفَتْ رُقَادِي)[10]؛ أي أنا لا أنام الليل سيدي. إن الإمام يقول لولده سيدي، ولم يولد بعد. فكيف بزماننا هذا وقد ولد. ونقل عن الأميني محقق الغدير أنه قال: إن الزهراء (س) عندما وقع عليها خلف الباب ما وقع قالت: يا مهدي أدركني؛ أي يا ولدي يا مهدي، أنت المنتقم وأنت الآخذ لي بثأري.

[1] ليتم تحديد التاريخ.
[2] بحار الأنوار  ج٩٨ ص٣١٧.
[3] سورة البقرة: ٤٥.
[4] كامل الزيارات – جعفر بن محمد بن قولويه – الصفحة ٢٦٩.
[5] سورة المؤمنون: ١-٢.
[6] سورة المؤمنون: ٩.
[7] كشف الغمة  ج٢ ص٥٣٧.
[8] هل خرج النبي باختياره أم أنه خرج بأمر من الله بعد أن علم أن قريشا قد أرصدت لقتله أربعين رجلا من قبائل شتى؟
[9] سورة آل عمران: ١٤٤.
[10] اثبات الهداة  ج٥ ص٩٠.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  •  يوم عرفة هو يوم قراءة الدعاء وهو يوم التفاعل، والتأمل والتدبر. إن أحدنا يقرأ الدعاء حتى يتفاعل ويذرف دمعة. وإن علامة التفاعل هي العين. والعين لا تكذب. ادفع الملايين لأحدهم لكي يبكي فلا يستطيع؛ بلى قد يصرخ ويتباكى ولكن عينه لا تذرف. إن أصدق شيء العين والدمعة وسواها تكلف.
  • ماذا تقرأ في زيارة عاشوراء؟ إنك تطلب من الله أن يرزقك طلب ثأره مع إمام منصور؛ يعني قبل خروج الإمام لن يؤخذ هذا الثأر. فهل الذي قتل أبوه ولم يقتل قاتل أبيه ولم يأخذ الدية منه وقد هرب القاتل يبقى قرير العين؟ إن إمامنا في زمن الغيبة له هذه الحالة.
  • من الجيد أن يعد البعض نفسه لزيارة الأربعين وهو نعم العمل؛ ولكن بموازات علاقتك بآبائه اجعل علاقة مع ولدهم الإمام (عج). وقد كان الأئمة (ع) يذكرون ولدهم المهدي (عج) حتى قبل أن يولد. فهذا الإمام الصادق يقول: (سَيِّدِي غَيْبَتُكَ نَفَتْ رُقَادِي).
Layer-5.png