- ThePlus Audio
خدمة الحسين (عليه السلام) خدمة لا يغتنهما إلا الكيسون
بسم الله الرحمن الرحيم
سر عظمة العباس (عليه السلام)
لا شك أن العباس (ع) هي الشخصية التالية للمعصومين (ع) من بين الرجال، وإن كنا نعتقد أن سلمان المحمدي رضوان الله عليه، كان يحمل الاسم الأعظم وكان له عند الله وعند أهل البيت (ع) مكانة كبيرة ومقام عظيم؛ إلا أن العباس (ع) قد ختم حياته بشهادة لا نظير لها ولذلك أصبح له مقام يغبطه عليه جميع الشهداء يوم القيامة.
إننا عندما نرى أحد المؤمنين المتميزين في إيمانه نبحث عمن عاشرهم هذا المؤمن وتعلم منهم من العلماء والأولياء. إن العباس (ع) هو من صلب أمير المؤمنين (ع) وتربية السيدة أم البنين (س) التي نقدمها بين يدي حوائجنا. وقد نشأ وترعرع في أحضان الحسنين (ع) وكانت لهما عناية خاصة بهذا العبد الصالح مع علمهما بدوره الذي سيقوم به في المستقبل. لقد كان ميثم التمار يعلم علم البلايا والمنايا؛ فكيف بالحسين (ع)؟
إنه يعلم أن العباس (ع) هو عضيده وهو الذي ستُقطع يداه في سبيله ولذلك حظي منه برعاية خاصة. ولا شك في أنه حظي بنظرة الإمام زين العابدين (ع)، ليكون بذلك قد حظي برعاية أربعة من المعصومين (ع). وهذه العناية تكفي في بيان عظيمة شخصية ولا حاجة لنا إلى المؤلفات الكثيرة حتى نعلم من هو العباس (ع)؛ ذلك الرجل الذي يخاطبه المعصوم بالعم، ويفتخر به.
والدة العباس (عليه السلام) وسر هذا التميز
لقد اختار أمير المؤمنين (ع) سيدة ولدتها الفحول من العرب، لتلد له من يعين ولده الحسين (ع). إنني باعتقادي أن الإمام (ع) ومن خلال العلم بالغيب استطاع أن يعرف من هي المرأة المثلى في زمانها. إن السيدة أم البنين (س) كانت سيدة نساء زمانها بعد الزهراء (س) التي هي سيدة نساء العالمين، ولم تكن امرأة أفضل منها تستطيع أن تكون لأمير المؤمنين (ع) زوجة وللعباس (ع) أما.
جائزة أمير المؤمنين (عليه السلام) لأخيه عقيل
والمعروف تاريخيا؛ أن الإمام (ع) وكل أمر هذا الاختيار إلى عقيل وجعله مستشارا له وهو في غنى عن ذلك؛ إلا أنني أعتقد أنه فعل ذلك ليُحتف عقيل بهذه التحفة ليكون ذلك جزاء مسبقا لابنه مسلم (ع). وكأن الله سبحانه أراد أن يكافئ عقيل بولده مسلم (ع) من خلال هذا التفويض. وبعبارة أخرى نستيطع القول: أن لعقيل عند الله مزيتان: ولده مسلم والعباس (ع) لأنه هو الذي رشح أم البنين لتكون زوج الأمير (ع).
لقد ذابت في حب الحسنين (عليهما السلام)
وبحسب القرائن التاريخية؛ إن هذه السيدة (س) ذابت في حب الحسنين (ع). لقد ورد عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (لاَ يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ وَ أَهْلِي إِلَيْهِ أَحَبَّ مِنْ أَهْلِهِ وَ عِتْرَتِي أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ عِتْرَتِهِ وَ ذَاتِي أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ ذَاتِهِ)[١].وهذه الرواية لا يعمل بها إلا القلة القليلة ممن بلغ أعلى مراتب الإيمان. هل تجد من الناس أحدا يقول: إن ذرية النبي (ص) أحب إلي من ذريتي؟
لقد وصلت أم البنين (س) إلى هذه المرحلة، فقد كان الحسنان أحب إليها من ولدها العباس (ع) لأنهما ذرية رسول الله (ص) ولم يكن ذلك مجاملة منها وإنما اعتقادها. لقد كانت بمستوى السيدة زينب (س) عالمة غير معلمة. وكان اسمها فاطة ولكنها لم ترضى أن يناديها أحد بهذا الاسم رقة وحنانا منها على أبناء فاطمة (س). لقد جربنا والتجربة خير برهان؛ أن التوسل بها يفتح الآفاق، والظاهر أن لهذه السيدة خصوصية خافية لا تنكشف إلا في عرصات القيامة.
كيف نأخذ الحوائج من أم البنين (عليها السلام)؟
إنني أعتقد بأن الإطعام تحت عنوان: سفرة أم البنين (س) وقراءة الفاتحة والصلوات على النبي وآله (ص) هي من الأمور الحسنة؛ ولكن الصدقة الجارية هي مما تفرح بها هذه السيدة الجليلة كثيرا. ومن هذه الصدقات الجارية تأسيس موكب أو حسينية باسم أم البنين (س). وبصورة عامة؛ فإن القيام بالأعمال الحسنة وإهداءها إلى هذه السيدة (س) هي من موجبات جلب رضاها وتيسير الأمور.
أفضل اسم عندي بعد اسم الزهراء (عليها السلام)
إن أفضل اسم عندي بعد اسم الزهراء (ع) هو هذا الاسم الشريف. ما أجمل أن ينادي الرجل ابنته بأم البنين أو بفاطمة. لقد كثرت التسميات التي لا معنى لها في زماننا هذا والأولى بالمؤمنين التسمية بهذه الأسماء الشريفة التي لها أثرها يوم القيامة. إننا قد نسأل البعض عن معنى اسمه فلا يعرف معناه ويقول: إن والدي هو الذي سماني به. تصور يوم القيامة أن تأتي أم البنين (س) وأن تشفع لكل من تسمت باسمها حبا لها. ما الفائدة في أسماء كالثريا والنجمة وما شابه ذلك؟ قد يؤاخذ الإنسان يوم القيامة إذا لم يُحسن تسمية أبنائه. قد يُقال له: لماذا تركت هذه الأسماء المباركة والتجأت إلى الأسماء الأجنبية التي لا يمكن التلفظ بها؟
صلاة للحسن (عليه السلام)
ومما يُتقرب به إلى هذه السيدة (س) إهداء صلاة الزيارة لها في مرقد الحسين (ع). كنت ذات يوم في حرم سيد الشهداء (ع) فقال لي أحدهم: إنني ملتزم في كل زيارة إلى الحسين (ع) أن أصلي ركعتين وأهديهما إلى الإمام الحسن (ع) بدل أن أهديهما إلى الحسين (ع). فقلت في نفسي: يا له من ابتكار جميل في التقرب إلى هذا الإمام المظلوم قليل الزائر والذاكر. إن كل ما ورد في حق الحسين (ع) قد ورد مثله في حق الحسن (ع) فهما إمامان وريحانتا رسول الله (ص) بل كانت للحسن (ع) مزية وهي: أنه كان له مأموم كالحسين (ع). ولو أن كل زائر زار الحسين (ع) ثم أهدى الصلاة للإمام الحسن (ع) لكان عدد زوارهما واحد.
إن هذه الشعائر الحسينية وهذه المواكب هي التي تُمهد الطريق للزائرين والعالم مذهول بهؤلاء. إن الشاب قد يقرأ كتابا في سيرتهم وقد يتأثر به وقد لا يتأثر وكذلك الأمر في المحاضرات التي يسمعهما ولكنه عندما يشارك في هذه المسيرة فإنه يمارس هذه المحبة في طريق الحسين (ع) وهي بالتأكيد تؤثر عليه تأثيرا كبيرا. لقد قال عز وجل: (قُل لَّآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ أَجۡرًا إِلَّا ٱلۡمَوَدَّةَ فِي ٱلۡقُرۡبَىٰۗ)[٢]، والفرق بين المحبة والمودة؛ أن الأولى في القلب والأخيرة ممارسة عملية لهذه المحبة. إن السير إلى الحسين (ع) هو المصداق العملي لهذه المودة.
ما هو أجر المشاية؟
إن الحسين (ع) هو أتم مصداق لقوله تعالى: (وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةࣲ فَحَيُّواْ بِأَحۡسَنَ مِنۡهَآ أَوۡ رُدُّوهَآۗ)[٣]؛ وقد أعتق جارية لأنها أهدت له طاقة ريحان؛ فهل سيرك على الأقدام من المسافات البعيدة إلى حرمه الشريف أقل من هذه الطاقة؟ فقل: يا مولاي، أعتقت الجارية بطاقة ريحان، ألا تعتقني من النار بمسيري إليك وبنصبي في هذا المسير؟ إن الجارية كانت أمة وأنا عبد ولكن للهوى وللذات؛ فاعتقني من أسر هذه العبودية. والجارية فرحت بعتقها، وأنا أفرح بأن تجعلني عبداً لكم، لا حرا؛ فالانتقال من العبودية إلى الحرية نقلة كبيرة لا أستطيعها. إن فخر أمير المؤمنين (ع) أنه كان عبد من عبيد محمد (ص) حسب تعبيره الشريف.
إن ما نقوم به من الأعمال وما نهديه للحسين (ع) يعود علينا أضعاف مضاعفة. ولو كشف الغطاء عما يلقاه الزائرون؛ لوجدت نصف الموالين في العالم في كربلاء؛ ولكن المكان لا يسع لهذه الحشود الكبيرة ولذلك خفي ما خفي من الأجر والثواب. وإن لم يستطع الزائر الوصول إلى كربلاء في يوم الأربعين وشعر لذلك بالحسرة؛ فإن حسرته تلك دليل على القبول.
ثم إن الحضور في هذه المجالس وإحياء مناسباتهم والسير إليهم في أيام الأربعين، خير حافظ للإنسان من الانحراف. لقد رأيت ذات يوم شابا كان الحرام متيسرا له، فقلت له: إنك شاب مستقيم مع ما تيسر لك من الحرام فما علة ذلك؟ فقال لي: حب الحسين (ع) وحب هذه المجالس والقيام عليها والخدمة.
عين رعاية الأئمة (عليهم السلام) لا تخلو منها الأرض
إننا نعتقد أن يد الإمام (ع) مبسوطة وليس استشهاده قبل أكثر من ألف عام يعني أن عين رعايته وعينه التربوية قد خليت منها هذه الدنيا. إن العباس (ع) هو العباس، والحسين (ع) هو الحسين. إن الفرق بين العباس (ع) في يوم عاشوراء في الواحد والستين من الهجرة والعباس (ع) عام ألف وأربعمئة وستة وأربعين للهجرة؛ كالفرق بين الراجل والراكب؛ فقد ترجل العباس (ع) في يوم عاشوراء عن بدنه وانتقل إلى عالم آخر ولكن لم تتغير ماهيته؛ بل قد تزداد قدراته وإمكانااته. لو أتى أحدهم إلى العباس (ع) مستشفيا ورأى (ع) أن هذه الحاجة لا تنسخ القضاء، لكان من الممكن أن يطلب من أبيه أمير المؤمنين (ع) ذلك وإن كنا نعتقد أن شفاعته كافية. ومع ذلك فهو بجوار المعصومين (ع) وبإمكانه أن يستشفعم في نجاح الحوائج التي تُعرض عليه.
لماذا لا تطلب هذه الحوائج من الإمام (عليه السلام)؟
ولكن لا تجعلوا أئمتكم (ع) جسراً للحوائج البسيطة كالزواج والتعيين والوظيفة والإنجاب التي لا تتجاوز الحياة الدنيا. قد يتوظف الرجل من جانب فيأتيه الموت من جانب بعد يوم واحد فقط، فما الفائدة من هذه الوظيفة؟ وكذلك الأمر في الذرية والبيت وما شابه ذلك. فاطلب منهم المقامات العليا، ومنها: أن تكون معهم في زمرتهم وأن تحشر معهم. إن من القمامات يوم القيامة أن يكون المؤمنون حداث الحسين (ع)؛ وشتان بين هذا المقام وبين مجالسة الحور في القصور. لقد طلب أحدهم حاجة من الحسين (ع) فلم يأخذها وأخذها من العباس (ع) وكانت حاجته أن ينظر إليه نظرة ولائية، وخرج من الحرم وقد أصبح إنسانا آخر وإلى اليوم ينشر تلامذته الهدى بين الناس.
إذا كان عفريت من الجن يستطيع أن يخرق القوانين الفيزيائية وقوانين الجاذبية ويجلب عرش بلقيس قبل أن يقوم سليمان (ع) من مقامه؛ فكيف نستبعد ذلك من العباس (ع)؟ وكما نُقل عرش بلقيس من سبأ إلى أرض فلسطين؛ فبإمكانه أن ينقل قلبك من عالم الفساد إلى عالم الألوهية. ما المانع وأنت في الحرم قبل أن تقوم من مقامك أن ترى نفسك قد تغيرت وأصبحت في عالم آخر؟
حذار من أن تشوب نية الخدمة شائبة من هذه الشوائب
وكما يهتم القائمين على المواكب خدمة الزائرين بإتقان الضيافة والاهتمام بها والحرص على تقديمها في أحسن طريقة ممكنة؛ فلابد من أن يحرصوا على سلامة النية؛ فكل عمل في معرض الشوائب. فلا تكن النية مثلا: مناسفة الموكب الذي يجانبه يطلب بذلك الثناء من الناس. ولذلك نؤكد على أن تكون أسماء المواكب بأسماء الذوات الطاهرة بدل أن تكن بأسماء الأشخاص أحياء كانوا أم موتى، وليهدوا ثوابها إلى الميت أو الحي.
لا تجعل للموكب عنوانا شخصيا أو عشائريا؛ فكلما كان العنوان أقرب إلى هذه الذوات؛ كان العمل أقرب إلى الإخلاص. إن الشيطان قد يقول لك: إن الموكب موكب حسيني ولكن ما الضير في أن يرتفع بهذا الموكب اسم الجهة الفلانية أو العشيرة الفلانية؟
لقد رأيت لأحد كبار القوم خدمة جليلة وموكب عظيم، ومكان مخصص لخدمة الزائرين قل نظيره، ولكنه لم يكن يتواجد في ذلك الموكب، فقلت له يوما: ما لي أطلبك في الموكب فلا أجدك؟ فقال لي: إنني أخدم في المواكب التي لا يعرفني أصحابها وأعمل هناك منظفا أو ما شابه ذلك مع أنه كان من كبار التجار كل ذلك تقرباً إلى المولى، وشد ما أفرحني بكلامه حتى وددت احتضانه وتقبيله.
خلاصة المحاضرة
- وكما يهتم القائمين على المواكب خدمة الزائرين بإتقان الضيافة والاهتمام بها والحرص على تقديمها في أحسن طريقة ممكنة؛ فلابد من أن يحرصوا على سلامة النية؛ فكل عمل في معرض الشوائب. فلا تكن النية مثلا: مناسفة الموكب الذي يجانبه يطلب بذلك الثناء من الناس.
- لقد رأيت لأحد كبار القوم خدمة جليلة وموكب عظيم، ولكنه لم يكن يتواجد في ذلك الموكب، فقلت له يوما: ما لي أطلبك في الموكب فلا أجدك؟ فقال لي: إنني أخدم في المواكب التي لا يعرفني أصحابها وأعمل هناك منظفا أو ما شابه ذلك مع أنه كان من كبار التجار كل ذلك تقرباً إلى المولى
- إذا كان عفريت من الجن يستطيع أن يخرق القوانين الفيزيائية وقوانين الجاذبية ويجلب عرش بلقيس قبل أن يقوم سليمان (ع) من مقامه؛ فكيف نستبعد ذلك من العباس (ع)؟ وكما نُقل عرش بلقيس من سبأ إلى أرض فلسطين؛ فبإمكانه أن ينقل قلبك من عالم الفساد إلى عالم الألوهية.
- إن ما نقوم به من الأعمال وما نهديه للحسين (ع) يعود علينا أضعاف مضاعفة. ولو كشف الغطاء عما يلقاه الزائرون؛ لوجدت نصف الموالين في العالم في كربلاء؛ ولكن المكان لا يسع لهذه الحشود الكبيرة ولذلك خفي ما خفي من الأجر والثواب.