Search
Close this search box.
  • ليلة القدر الأخيرة؛ فرصة قد لا تعود- إحياء ليلة القدر الثالثة ودعاء رفع المصاحف – ليلة ٢٣ رمضان الكريم ١٤٤٥
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

ليلة القدر الأخيرة؛ فرصة قد لا تعود- إحياء ليلة القدر الثالثة ودعاء رفع المصاحف – ليلة ٢٣ رمضان الكريم ١٤٤٥

بسم الله الرحمن الرحيم

مهما عبدت الله فلا تحصل على ما تحصل عليه هذه الليلة

إن ليلة القدر هي ليلة العمر، وهي تختزن في طياتها أكثر من ألف شهر أو ثمانين عام. إنني أظن لو أن الله سبحانه كشف لأحدنا الغطاء هذه الليلة؛ لما شعر بالراحة في هذه الليلة. إنها ثمانون سنة من الأعمال المقبولة بليلها ونهارها، هذا ونحن إن كنا من أهل العبادة نعبد الله فيما عدا ساعات النوم؛ ولكننا في هذه الليلة في عبادة متواصلة تفوق عبادة ألف شهر بلياليها وأيامها.

لقد أخطأ البعض في الفهم وقال: إن ليلة القدر تساوي ألف شهر، والحال أن الآية لم تقل ذلك. لقد قال سبحانه: إنها خيرٌ؛ أي قد تكون أكثر من ألف شهر بكثير، وقد تكون ألفين أو ثلاثة آلاف شهر. وما يبدو من هذه الآية أنها تذكر الحد الأدنى. فقد تكون هذه الليلة للبعض خير من عشرة آلاف شهر؛ أي ثمان مئة سنة.

ابدأ سيرك في هذه الليلة وستصل قبل غيرك…!

إن أي عمل نقوم به في ليالي القدر يكون أفضل من أن نقوم به في أكثر من ألف شهر. فلو صلينا في هذه الليلة؛ فكأنما صلينا في ثمانين سنة، وهذا المعنى يعرفه المؤمنون جميعهم. ولكن هناك معنى آخر قد يغفل عنه الكثير ولا يعلمه إلا الخواص، وهو: أن الكمال الروحي الذي يُكتسب في هذه الليلة؛ قد لا تكتسبه في أكثر من ثمانين سنة من المجاهدة. هل تريد المقامات من خلال الأربعينيات؟

إن البعض يتقرب إلى الله روحياً ويطوي مدارج الكمال أكثر ما يتقرب من خلال الرياضات الشاقة في ثمانين سنة. إننا سنلتقي بالحور والغلمان إن شاء الله، ولكن ما علينا فعله وطلبه هو هذه المقامات العليا. إن راحة النفس وهدوء البال، هو يبحث عنه الناس شرقاً وغرباً وهذا ما يُمكن كسبه في هذه الليلة. لماذا يعصي العصاة؟ لماذا يشربون المسكر؟ لماذا ينتهي بهم الحال إلى الإدمان؟ لماذا يقيمون تلك الليالي الحمراء؟ إنهم يريدون الراحة والأنس، وهذا ما يُمكننا كسبه في هذه الليلة التي هي بحق ليلة كسب الكمالات الباطنية.

يا حبيب الباكين

هناك فقرة في دعاء الجوشن الكبير لفتت إنتباهي وهي: يا حبيب الباكين. إنك إذا بكيت في هذه الليلة، فأنت حبيب الله. فهل تريد مقاماً أعظم من هذا المقام؟ إن عدم ذرف دمعة واحدة إلى مطلع الفجر بشارة غير طيبة، وأمارة مخيفة. قل: يا رب، يعز علي أن ألقاك بوجه ناشف. إذا لم تبك في الليالي التي سبقت هذه الليلة فلا بأس في ذلك، ولكن القسوة في هذه الليلة أمر مخيف. إننا نرى الرجل يوفقه الله بعد سنوات من التمني للحج؛ فيذهب إلى الحج ويسعى ويطوف ثم في يوم عرفة تنشف دمعته. أليست هذه خسارة عظيمة؟ وقد نكون من البطائين في طوال العام في المشاهد وتحت القبب الشريفة وهعذا أمر جيد؛ ولكن هذه الليلة إن كان القلب مقفلا، فهذه كارثة، وهذا مرض هو أصعب من مرض القلب. فلو بكيت الليلة ثم أحسست صباحاً بمرض في قلبك، فهذا هين. قل: يا رب، المهم عندي بكائي في ليلة القدر فبلاء البدن هين…!

إدمان قراءة سورة إنا أنزلناه

إن من الأمور التي ينبغي أن يهتم بها المؤمن طوال العام وقبل حلول ليالي القدر هو الأنس بسورة القدر والإدمان عليها. ومن المواضع التي ورد استحباب قراءة هذه السورة بعد فريضة العصر عشر مرات. فقد روي عن الإمام الجواد (ع) أنه قال: (مَنْ قَرَأَ إِنّٰا أَنْزَلْنٰاهُ فِي لَيْلَةِ اَلْقَدْرِ بَعْدَ اَلْعَصْرِ عَشْرَ مَرَّاتٍ مَرَّتْ لَهُ عَلَى مِثْلِ أَعْمَالِ اَلْخَلاَئِقِ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ)[١]. ومن لهج بهذه السورة عشر مرات طوال العام بعد كل فريضة عصر؛ يُصبح له أنس بهذه السورة ومن الممكن أن يرى في ليلة القدر ملكوت هذه الليلة، وحقيقتها. ويُقال: أن حقيقة هذه الليلة هي الزهراء (س). ما العلاقة بين ليلة القدر وبين الزهراء (س)؟ إنها علاقة يعرفها أهلها؟ لقد أنجبت الزهراء (س) الحسنين والأئمة المعصومين من ذرية الحسين (ع) فهل هذا هين؟ إن هذا خير من ألف شهر.

أين أنت عن الاستحلال؟

ومن الأمور المهمة التي لا يغفل عنها المؤمن في ليلة القدر طلب الحلية أو الاستحلال. لنبرئ ذمة الناس في غير الأمور المالية، وإن كانت هناك حقوق مالية عاجز عن تسديدها؛ فاطلب العون من الله سبحانه في هذه الليلة. إذا نويت الليلة أن تدفع ما عليك من الأخماس وأن ترد المظالم ومجهول المالك وديون الناس؛ سيفتح لك رب العالمين أبواب الرزق. ثم لا تحمل الحقد على أحد من الناس في هذه الليلة، واعف واصفح كي يغفر لك الله ويصفح عنك وقل: (رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لَنَا وَلِإِخۡوَٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلۡإِيمَٰنِ وَلَا تَجۡعَلۡ فِي قُلُوبِنَا غِلّٗا لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ)[٢].

علاج القسوة في ليلة القدر

قد يسأل سائل فيقول: ذكرت لنا قسوة القلب؛ فهل من علاج لمن يعاني منها؟ أولا: خذ جولة سريعة في ما جرى عليك من المصائب في العام الذي مضى؟ إنني لا أظن أن أحد يخلو من البلاء إما في بدنه أو في ماله أو في أسرته أو في عمله، ولعله لو دعا ربه في ليالي القدر التي مضت لما وقع في تلك البلايا. إن الخوف من البلاء محفز للدعاء والتضرع والبكاء. إنك لا تدري ماذا سيجري عليك في السنة القادمة، والدعاء المكثف المصحوب بالتضرع والبكاء يوفر عليك البلاء. ثم سل الله السعادة والتوفيق. قد لا يمر الرجل في عامه ببلاء ولكنه لم يوفق في دنياه ولا في آخرته. وهذا محفز آخر على الدعاء والبكاء من أجل كسب هذه التوفيقات.

اليقين أفضل رزق تخرج به من هذه الليالي

وعندما نقول: إن الأرزاق تُكتب في هذه الليلة؛ لا يخطر على بال الشباب إلا التعيين أو الزوجة أو المنزل وما شابه ذلك من الأرزاق التي هي في أدنى درجات الرزق. إن أعظم الرزق الراحة والطمأنينة واليقين، وأن نعلم: (لَّن يُصِيبَنَآ إِلَّا مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَوۡلَىٰنَا)[٣]. إن الذي يعتقد أن الذي أبطأ عنه هو خير له؛ هل يستعجل، وهل يكون متوترا عصبيا؟ أم انه يكون هادئا باردة أعصابه؟ هل كان أمير المؤمنين (ع) مضربا في ليلة المبيت؟ حيث كان الأعداء يحومون حول البيت ويظنون أن في الفراش النبي (ص)؟ بل لعله كان في نوم عميق أو تظاهر بالنوم لا أدري. إنه (ع) يعلم أن الأمر بيد الله عز وجل.

ما ينبغي أن تطلبه في ليلة القدر

ومن الرزق الذرية الصالحة. إنني اجلس مع الآباء هذه الأيام وأيديهم على قلوبهم. يذهب الشاب أو الشابة إلى الجامعة؛ فلا يعلم الوالد من تعاشر. ولقد سمعت أن الإدمان قد انتشر في معاهدنا العلمية، والأعداء لا يغفلون عنا وهذا من أسلحتهم. ولذلك ما أعظم نعمة الذرية الصالحة. أنت في القبر تحتاج إلى كلمة لا إله إلا الله، وولدك في هذه الليلة يبكي ويقول: اللهم ارحم والدي. إن هذا الولد البار هو أغلى من الذهب؛ فهو يرفع رأسك أمام الأموات. بعض الموتى في المنام يقولون: نحن فقراء في عالم البرزخ، وأحدهم يفتخر ويقول: لي ولد في دار الدنيا يرسل لي الهدايا الكثيرة. قيل له ما هديته القيمة؟ قال: يكثر من الصلاة على محمد وآل محمد، ويهديها لي.

التوجه إلى الناحية المقدسة

إن أكثر القلوب تألماً هذه الليلة هو قلب إمام زمانك (عج) ومن أفضل الأعمال التوجه إليه. كم هي الأخبار المزعجة التي يراها كل ليلة من موت فلان وقتل فلان وذهاب العلماء وأذى الأمة وإذلالها وسيطرة الأعداء وشماتتهم. إن كل هذه المصائب تجتمع في قلب واحد، ويعلمها إمام زمانك (عج). إنك تحل هما واحدا أو تكون لك مصيبة واحدة، فتدعو وقلبك منكسر كأن تكون عندك مشكلة مع الزوجة أو مع الأولاد.

أما الإمام (عج) فترد عليه الليلة آلام الأمة، وهو أبو هذه الأمة. ادع الليلة بلهفة، وابك لفقده، ولما هو فيه. إذا رق قلبك لفقد إمام زمانك (عج) فأنت مشمول بدعوته؛ فاذهب ونم قرير العين. هل تُرد دعوة الإمام (عج) لك؟ حاشا لله…! قد تعطي لليتيم طعاما أو تشتريه له في اليوم التالي ثوبا ولكن اليتيم هذا لا يشعر بالأمان إلا إذا تبينته، وألحقته بأسرتك. قل: يا أبا صالح المهدي، لا أريد عطاءً الليلة وإنما أريد أن تجعلني على عينك، وأن تربيني بنظرتك. إن الإمام (عج) له دائرة لصيقة به من الأولياء بعدد من كان في بدر، وهو يقضي حوائج الناس من خلال أنصاره. البعض يتيه في صحراء قاحلة فيأتي بعد أن يستغيث من يأخذ بيده وهو يقول: إن الإمام ((عج) أخذ بيدي. ليس بالضرورة أن يكون الإمام (عج) هو نفسه فله من يقضي مآربه، وقد يكون منهم الخضر. إن مع إمامنا (عج) نبيين هما الخضر وعيسى (ع) ويظهران معه في زمان الظهور. وكما أن البعض هم لصيقين به، يفطر معهم، ولعله يحج معهم؛ هناك دائرة أوسع، وهم المنتظرون لدولته، والممهدون الباكون على فقده، والمجاهدون تحت لوائه. إن هؤلاء أيضا بعينه المباركة وإن لم يشعروا بذلك.

اغتنام الدقائق الأخيرة من ليلة الجهني

وإذا ما رأيت إلى آخر الليل إدباراً أو قسوة أو جفافاً في الدمع؛ قدم الشكوى. إذا وصل الإنسان الذي قد أصيب بجلطة في قلبه إلى باب الطوارئ في المستشفى، فهل يجلس على الباب أم أنه يذهب إلى الطبيب باكياً يا فلان، أسعفني هذه الليلة. اطلب الإسعاف بهذا المعنى، وإذا لم يفتح لك الباب قدم الشكوى إلى المولى (عج).

إننا في هذه الليلة في قاعة الامتحان الذي إذا نجح فيه أحدنا صعد إلى الدرجات العُلى، وأعفى من البلاء العظيم. إن الطالب في الدقائق الأولى للامتحان قد يكون هادئ البال ولكنه يضطرب في الدقائق الأخيرة. فأينما كنت في المنزل أو في غير المنزل عند الضريح أو ما شابه ذلك؛ لا تكن من الساهين في الدقائق الأخيرة وقُبيل ساعة الإمساك خصوصا في ليلة الجهني. إن أحد أصحاب النبي (ص) أراد أن يعرف ليلة القدر الواقعية؛ فأسر له النبي (ص) بأن يأتي في ليلة الثالث والعشرين، فُعرفت هذه الليلة بليلة الجهني. اغتنموا الفرصة اللحظات الأخيرة، وتصدقوا بما أمكنكم وإن لم تجدوا فقيرا هذه الليلة؛ اعزلوا المال في هذه الليلة لتتصدقوا به عند وجدانه بنية دفع البلاء.

من موانع الاستجابة التي ينبغي أن يحذر منها المؤمن هو الظلم. إن الظلم ظلمات، والذي له ظلم لأهل بيته (ع) أو لأبويه أو لجاره أو غيرهم؛ فليحاول أن يتخلص من التبعات هذه الليلة. وإذا استمر معك الإدبار أدمن زيارة المعصومين (ع) واحضر في مشاهدهم واطلب من الله سبحانه أن يعطيك النفحة التي حُرمتها في ليلة القدر؛ فإنك تنالها إن كنت مستجديا حق الاستجداء.

[١] مصباح المتهجد  ج١ ص٧٣.
[٢] سورة الحشر: ١٠.
[٣] سورة التوبة: ٥١.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • لقد أخطأ البعض في الفهم وقال: إن ليلة القدر تساوي ألف شهر، والحال أن الآية لم تقل ذلك. لقد قال سبحانه: إنها خيرٌ؛ أي قد تكون أكثر من ألف شهر بكثير، وقد تكون ألفين أو ثلاثة آلاف شهر. وما يبدو من هذه الآية أنها تذكر الحد الأدنى.
  • من موانع الاستجابة التي ينبغي أن يحذر منها المؤمن هو الظلم. إن الظلم ظلمات، والذي له ظلم لأهل بيته (ع) أو لأبويه أو لجاره أو غيرهم؛ فليحاول أن يتخلص من التبعات في ليلة القدر؛ فقد لا يرفع الله له دعاء ويخرج من هذه الليلة صفر اليدين.
  • إننا في ليلة القدر نكون في قاعة الامتحان الذي إذا نجح فيه أحدنا صعد إلى الدرجات العُلى، وأعفى من البلاء العظيم. إن الطالب في الدقائق الأولى للامتحان قد يكون هادئ البال ولكنه يضطرب في الدقائق الأخيرة. وكذلك كن أنت في اللحظات الأخيرة.
Layer-5.png