Search
Close this search box.
  • لماذا ينبغي لي أن أهتم بليلة القدر؟ – إحياء ليلة القدر الثانية ودعاء رفع المصاحف – ليلة ٢١ رمضان الكريم ١٤٤٥
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

لماذا ينبغي لي أن أهتم بليلة القدر؟ – إحياء ليلة القدر الثانية ودعاء رفع المصاحف – ليلة ٢١ رمضان الكريم ١٤٤٥

بسم الله الرحمن الرحيم

الاستعداد ليلة القدر الكبرى قبل ليلة القدر الكبرى

إن الليلتين اللتان تسبقان ليلة القدر الأخيرة؛ هما بمثابة شهري رجب وشعبان بالنسبة إلى شهر رمضان. حيث يستعد المؤمن في تلك الليلتين ويبذل قصارى جهده ليحصدها في الليلة الأخيرة حيث يتوقع منه التميز. فكما أن الذي لا يتهيأ في شهري رجب وشعبان ويقول: إن شهر رمضان على الأبواب، وسنفعل ما نفعل في شهر رمضان، لا يتميز في شهر رمضان؛ فكذلك الذي لا يتهيأ لهذه الليلة، لا نرجو أن يصل إلى ما يُتوقع لمثله الوصول إليه. هذا وفي هاتين الليلتين تُكتب المقدرات، وفي ليلة القدر الكبرى يكون الإبرام والختم النهائي، وكما قال سبحانه: (يَمۡحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثۡبِتُۖ وَعِندَهُۥٓ أُمُّ ٱلۡكِتَٰبِ)[١].

هنالك مزية لليلة القدر الثانية، الليلة الحادي والعشرين، وهي: حزن المؤمنين فيها وحدادهم على فراق أمير المؤمنين (ع). لو أننا ذهبنا في وفد إلى فاتحة رجل بيننا وبينه مشكلة مالية أو غير مالية لتشييع جنازة والده أو لتقديم العزاء له، فهل تظن أنه سيقول: يا فلان أعطني مالي أو أعطني ديني؟ وهل سيقول لمن حوله: ألقوا القبض عليه، فقد جاء برجليه؟ هل يليق هذا بمقام الكريم؟ إن ذلك لا يليق بمقام شيخ العشيرة؛ فكيف بمقام إمامنا صاحب الأمر والزمان (عج)؟

خصوصية الليلة الحادية والعشرين

إننا في الليلة الحادية والعشرين نكون لإمامنا (عج) معزين، ونقول: يا رب، اقبلنا على ما نحن فيه من المعاصي والذنوب.  إننا في ليلة التاسع عشر، نحيي ليلة القدر التي هي ليلة الجرح، وفي الليلة الحادية والعشرين نحيي الليلة ونحن مفجوعون بأمير المؤمنين (ع). إنك لو بكيت في هذه الليلة على مصيبة أمير المؤمنين (ع) من غير أن تكون ناعيا؛ كأن تذكر ظلامته، وقوله: (فَصَبَرْتُ وَ فِي اَلْعَيْنِ قَذًى وَ فِي اَلْحَلْقِ شَجًا)[٢]، وأحسست بفقد الأمير (ع)؛ فأنت ابن الأمير حتى لو لم تكن علوياً. إن الذي يعيش هذه الليلة فقد الأب ويرى نفسه يتيماً، وبكى على يتمه فهو مع الأمير (ع) وسيقول له الأمير (ع) ليلة الوحشة: السلام عليك يا ولدي، لقد كنت في دار الدنيا ممن يبكي على مصيبتي، وهذا أمر واقع لا محالة لقوله (ع):

يا حار همدان من يمت يرني

إن أكثر الناس بكاءً في هذه الليلة على فقد أمير المؤمنين (ع) هو ولده (عج). إنه في هذه الليلة مفجوع، وإن كان مشغولا بالعبادة؛ فهذه الحرقة التي في قلبه على جده أمير المؤمنين (ع) لا تشغله عن عبادة ربه.

ليست العبرة بالصفحات التي تتصفحها في المفاتيح

وليس العبرة هذه الليلة بالكم وبعدد الصفحات التي تقرأها من كتاب مفاتيح الجنان وإنما العبرة بحرقة القلب. فكما روي: (إِذَا اِقْشَعَرَّ جِلْدُكَ وَ دَمَعَتْ عَيْنَاكَ وَ وَجِلَ قَلْبُكَ فَدُونَكَ دُونَكَ فَقَدْ قُصِدَ قَصْدُكَ)[٣]. أتعلم ما هو معنى دونك؟ عندما تُشعل التنور ويُصبح حارا ومناسبا للخبز، تقول لزوجتك: دونك الخبز؛ أي الآن وقت الخبز. إن أغلب تنانيرنا خامدة ليس فيها نار الحرقة. فإذا اشتعل قلبك الليلة بنار الحب الإلهي أو بنار الحب العلوي أو بنار الحب الفاطمي أو بنار الحب الحسيني؛ فتكفيك تلك اللحظة، حتى لو غلب عليك النوم. لا ضير بعد أن خبزت خبزتك أن ينطفئ التنور. فابحث عن ساعة الرقة في هذه الليلة. وقد يسأل سائل فيقول: إن قلبي قاس؛ فماذا أصنع؟

لتكن هذه الحاجة على رأس حوائجك

إنه سؤال مهم ينبغي أن يسأله كل واحد منا نفسه. إنه ينبغي للمؤمن أن تكون الرقة مما يبحث عنها في مشاهد الأئمة (ع). هنيئا لمن يأتيني باب الحرم، ويقول: أشكو إليك قلبي. إن البعض يشكو ماله أو الدراسة أو العزوبية، ولكن يأتي البعض ويقول: إن أموري كلها مستتبة، ولكن لي قلب قاس؛ فمن أول شهر رمضان وحتى ليالي القدر لم تجر لي دمعة من خشية الله ولا في مصيبة أهل البيت (ع). إن القلب الذي لا يرق؛ فيه تصلب لشرايين الباطن، وصماماته مغلقة. إن القسوة مرض من امراض القلب وهو أهم من أي مرض من أمراض القلب الظاهري.

لماذا نعاني من قسوة القلب؟

أولا: لماذا يعاني البعض من قسوة القلب؟ لأنه بعيد عن ثقافة التضرع والبكاء. إن الذي له علاقة مع الله عز وجل طوال العام، في ليالي الجمعة وفي عرفة وفي زيارة أمير المؤمنين والأئمة (ع)، تكون دمعته بيده ويتفوق في هذه الليالي ويُحلق في الأجواء العليا. ثانيا: إن موجبات قسوة القلب؛ الطعام الحرام. لقد استشرى الحرام في حياتنا. إن هذا الطعام يتحول إلى طاقة غذائية في العضلات وفي العين وفي اللسان، وهذه الطاقة منشأها طعام حرام. فهل تتوقع البركة في هذه الطاقة؟

لمثل هذه الحاجة فليكن إلحاحك

قد تكون قلوب الشباب في هذه الليلة مضطربة بأنواع الحوائج؛ فهو يبحث عن العمل وعن المسكن وعن الزوجة التي يسكن إليها، ولكنني أقول: هنيئا لشاب لا تتوقف سعادته على هذه الأمور ويكون دائما في حالة من السعادة لا توصف وهي إذا اعتقد بما نقرأه في الدعاء: يا خير من خلا به وحيد. إن كل هذه الحوائج أمور ضرورية في الحياة ولكن لا يعني عدم الحصول عليها؛ أن نعيش حالة من حالات الكبت والاكتئاب والانغلاق على الذات.

يصل الإنسان إلى درجة يقول فيها: الله أكبر، ويسجد بين يدي الله أو يزور المشاهد المشرفة؛ فيعيش أنساً لا يجده في الحياة الزوجية. جربوها مرة تحبونها كل مرة…! حاول أن تستذكر هذا المعنى وما شابهه من المعاني الواردة في المناجات الخمس عشرة. ألسنا نقرأ فيها: (جُرْحِي لاَ يُبْرِئُهُ إِلاَّ صَفْحُكَ وَ رَيْنُ قَلْبِي لاَ يَجْلُوهُ إِلاَّ عَفْوُكَ)[٤]؟ ألسنا نقول فيها: (أَسْتَغْفِرُكَ مِنْ كُلِّ لَذَّةٍ بِغَيْرِ ذِكْرِكَ، وَ مِنْ كُلِّ رَاحَةٍ بِغَيْرِ أُنْسِكَ، وَ مِنْ كُلِّ سُرُورٍ بِغَيْرِ قُرْبِكَ، وَ مِنْ كُلِّ شُغُلٍ بِغَيْرِ طَاعَتِكَ)[٥].

لا تجد السعادة في غير هذا الطريق، فكما قال سبحانه: (وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكٗا)[٦]. ليس معنى الإعراض هنا الكفر والإلحاد، وإنما الذي لا يذكر الله عز وجل حق ذكره لا يتوقع السعادة في الدنيا. إن أحد لأطباء كان يقول: إن أغلب الناس مبتلون بمرض نفسي، ولكنهم يستحون من مراجعة الأطباء من الضيق والتبرم والعصبية وغير ذلك. ترى الرلجل كبرميل الباروت، لا يحتاج إلا إلى صاعق ليفجره. تجد أن المال في جيبه والزوجة بجنبه ومعاشه مستمر وأولاده وأحفاده حوله، وله بيت كالقصر؛ ولكنه سريع الغضب والتبرم ثم في آخر عمره يلجأ للعلاج، والسبب ما ذكرنا من بعده عن الله وعن الذكر.

لا تبحث عن السعادة إلا هنا

لقد ذكرلنا سبحانه العلاج. فإذا لا تريد أن تصدق الأنبياء والقرآن، فمن تصدق؟ لقد قال عز من قائل: (أَلَا بِذِكۡرِ ٱللَّهِ تَطۡمَئِنُّ ٱلۡقُلُوبُ)[٧]. إذا أراد الشخص أن يقول قولاً مهماً يبدأ قوله بألا. وهو يُشبه الموسيقى التي تصدر في المطار مثلا قبل أن يُخبروا عن الرحلة؛ أي انتبه. وهذه الآية تقول: انتبه إن الأمر مهم. وبذكر الله جار ومجرور، وتقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر كقولنا: إياك نعبد؛ فهو يختلف عن قولنا: نعبد إياك. أي حصراً لا تطمئن القلوب إلا بذكر الله. وتطمئن، فعل مضارع يدل على الاستمرار.

والقلوب جمع، والجمع المحلى بألف ولام يفيد الجمع؛ أي جميع صيغ التأكيد استعملها رب العالمين في هذه الآية الشريفة. وهو يعني: لا تبحث عن اطمئنان القلب في الطيب مثلا؛ فهذا الطيب يدخل الأنف ولا شأن له بالسعادة. ولا تذهب إلى المطاعم الفاخرة وتدفع مبلغاً كبيراً لكي يطمئن قلبك وتشعر بالسرور والسعادة. ما علاقة المعدة بالقلب؟ تريد أن تتزوج في ليلة كذائية، فما علاقة الفراش بالقلب؟

إن الأنف والمعدة والأذن التي تسمع الموسيقى؛ كلها جوارح لا شأن لها بالقلب. لقد أخطأ الغربيون الطريق، ولذلك أصبحوا في صدارة الدول التي يكثر فيها الانتحار كما تشير الإحصائيات. إن دولة كاليابان وغيرها قد بلغوا القمة في الرفاهية، ولكنهم وصلوا إلى طريق مسدود. إنهم استمتعوا بكل شيء، فما رأوا السعادة التي كانوا يبحثون عنها، فلجأوا إلى الانتحار.

ما الذي يأتي بك في ليالي القدر إلى مجالس الذكر؟

إن البعض من المؤمنين هم من المدمنين لهذه المجالس؛ فترى الرجل منهم قد حضر في هذه المجالس سنوات طويلة وهو ينتظرها في كل عام، وهو عندما يخرج منها، يشعر بلذة وراحة في قلبه، وهو ما نقرأه في الأدعية: (أَذِقْنِي بَرْدَ عَفْوِكَ وَحَلاَوَةَ ذِكْرِكَ)[٨]. كم يشعر العطشان بلذة الماء البارد؟ هكذا يكون الذكر للمؤمن. وهذا الاطمئنان تجده في زيارة الأربعين وفي العمرة والحج. لقد رأيت أحد الأخوة كاد يبكي وهو يصف لي شوقه إلى الحج مرة أخرى. أي لذة في الحج؟ هل اللذة هذه في رمي الجمرات مثلا؟ أين اللذية في أن ترجع وعلى رأسك آثار الجرح مثلا أو صوتك مبحوح، أو جسمك مريض من عناء السفر؟ سل ربك أن يذيقك شيئا من هذه الحلاوة.

النضرة والسرور الباطني

إننا نقرأ في سورة هل أتى التي هي سورة أهل البيت (ع) أنهم (ع) كانوا يطعمون الطعام على حبه ولذلك جازاهم الله فيهما جازاهم: (وَلَقَّىٰهُمۡ نَضۡرَةٗ وَسُرُورٗا)[٩]، وهذه هي النضرة الباطنية والسرور. وبإمكانك أن تعيش مشاعر أهل الآخرة وأنت في الدنيا. فالذي يعيش السرور الباطني هو قد دخل الجنة ولا ينتظر الحور العين، ولا الموت ولا البرزخ ولا البعث. ألست تريد نضرة وسرورا؟ ابحث عن هذه اللذة الباطنية هنأ. إن كبار الأولياء من المراجع وغيرهم تجاوزت أعمارهم القرن. ولكن هل ذلك من اجل أن طعام طبي أم رعاية خاصة؟ كلا، إنها الأرواح المطمئنة. وأحدهم يُصدر الفتاوى حتى آخر لحظة في حياته. إن المتع المادية لا تدوم طويلا وهي إلى الستين؛ فما بعده أي متعة تبقى؟ أي متعة عندما تهجم عليك أمراض المعدة والضغط والسكر، وتتلاشى الشهوة الجنسية؟ بينما هذه اللذة الباطنية كلما تقدم بك العمر تشتد أكثر. هذا وعندما تُزوج أولادك تتفرغ للعبادة أكثر.

عندما تبدأ إحياء هذه الليلة حاول ألا تضغط على نفسك أو تُحملها ما لا طاقة لها به. لقد رأيت شابا عند الفجر يشتكي، فقلت له: هل أنت عاص؟ قال: لا. قلت له: هل أنت تارك الصلاة؟ قال: لا. قلت له: فما بك تشتكي؟ قال لي: إنني أريد الإقبال في كل لحظة وهذا ما لا أستطيع أن أصل إليه مهما حاولت. قلت له: مه، هذا شأن المعصوم لا شأنك. عليك أن تعمل وتبحث عن الإقبال في كل أيام السنة، فإن حصلت عليها، فذلك الذي نبغ وإلا فلا تيأس من روح الله عز وجل.

ابحث عن التغيير الجوهري في هذه الليلة

ثم ابحث عن تغيير جوهري في هذه الليلة. إن دعاء الجوشن ودعاء رفع المصاحف لا يسمى تغييراً جوهرياً، وإنما يساعد الدعاء على التغيير الجوهري، وكما قال سبحانه: (إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡ)[١٠]؛ فالحركة تبدأ منك. إن النظرة الولائية التي شملت الحر لم تشمل غيره؛ فلو أراد الإمام (ع) لشمل جيش يزيد كله بهذه النظرة ولكن كان للحر ما جعله يستحق تلك النظرة التي لم يستحقها غيره. اسعى سعيك، وجاهد نفسك، وهيئ الأرضية ثم قل: يا رب، أريد التغيير الجوهري.

لا تيأس مهما جنيت على نفسك

يأتيني إنسان قد ارتكب معصية قبل عشرين سنة وهو إلى الآن هو يشك في التوبة. ما الخبر؟ أليس الله هو أرحم الراحمين، وهو القائل: (قُلۡ يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسۡرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ لَا تَقۡنَطُواْ مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ)[١١]، إلا أن يشرك به. إن كل معاصيك بدمعة بمقدار جناح بعوضة مع كلمة العفو، تساوي صفر معاصي. فلماذا أنت يائس؟ ثق برحمة الله عز وجل في هذه الليلة التي تُمحى فيها المعاصي. فإن وجدت بعد الشهر إعراضا عن الشهوات المحرمة فأنت على خير. وإن كنت سريع الغضب ثم صرت بعد الشهر كالجبل الراسخ لا تزعزعك العواصف، ويتكلمون عليه ويضحكون ويستهزئون بك فلا تُبالي بهم فأنت بطل الأبطال.

[١] سورة الرعد: ٣٩.
[٢] الطرائف  ج٢ ص٤١٧.
[٣] الخصال  ج١ ص٨١.
[٤] زاد المعاد  ج١ ص٤١٤.
[٥] زاد المعاد  ج١ ص٤١٥.
[٦] سورة طه: ١٢٤.
[٧] سورة الرعد: ٢٨.
[٨] الصحیفة العلویّة  ج١ ص٥٦٠.
[٩] سورة الإنسان: ١١.
[١٠] سورة الرعد: ١١
[١١] سورة الزمر: ٥٣.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • قد تكون قلوب الشباب في هذه ليلة القدر مضطربة بأنواع الحوائج؛ فهو يبحث عن العمل وعن المسكن وعن الزوجة التي يسكن إليها، ولكنني أقول: هنيئا لشاب لا تتوقف سعادته على هذه الأمور ويكون دائما في حالة من السعادة لا توصف وهي إذا اعتقد بما نقرأه في الدعاء: يا خير من خلا به وحيد.
Layer-5.png