الخطبة الحادية والخمسون بعد المائة من خطب أميرالمؤمنين عليه السلام المذكورة في كتاب نهج البلاغة يستعيذ فيها (صلوات الله عليه) من الشيطان وأدواته وكمائنه ثم يبين فضل النبي (صلى الله عليه وآله) على الأمم وإخراجه لها من ظلماتها وتعديها على حدود الله (تعالى) ثم يحذرهم من الفتن المقبلة التي لا تبقي ولا تذر وقد تكون فيها إشارة إلى الإبادة الشاملة والمجزرة التي ارتكبها المغول والتتار ثم في نهايتها سبيل الخروج من الفتن.
فهرس نهج البلاغة
فهرس الخطب نهجالبلاغة
فهرس الكتب نهجالبلاغة
- نهج البلاغة
- » الخطب »
- الخطبة ١٥١
من خطبة له عليه السلام يحذر من الفتن
يحذر من الفتن
اللّه و رسولُه
وَأَحْمَدُ اللَّهَ وَأَسْتَعِينُهُ عَلَى مَدَاحِرِ الشَّيْطَانِ وَمَزَاجِرِهِ وَالِاعْتِصَامِ مِنْ حَبَائِلِهِ وَمَخَاتِلِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَ نَجِيبُهُ وَصَفْوَتُهُ، لَا يُؤَازَى فَضْلُهُ وَلَا يُجْبَرُ فَقْدُهُ، أَضَاءَتْ بِهِ الْبِلَادُ بَعْدَ الضَّلَالَةِ الْمُظْلِمَةِ وَالْجَهَالَةِ الْغَالِبَةِ وَالْجَفْوَةِ الْجَافِيَةِ، وَالنَّاسُ يَسْتَحِلُّونَ الْحَرِيمَ وَيَسْتَذِلُّونَ الْحَكِيمَ، يَحْيَوْنَ عَلَى فَتْرَةٍ وَيَمُوتُونَ عَلَى كَفْرَةٍ.
التحذير من الفتن
ثُمَّ إِنَّكُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ أَغْرَاضُ بَلَايَا قَدِ اقْتَرَبَتْ، فَاتَّقُوا سَكَرَاتِ النِّعْمَةِ وَاحْذَرُوا بَوَائِقَ النِّقْمَةِ وَتَثَبَّتُوا فِي قَتَامِ الْعِشْوَةِ وَاعْوِجَاجِ الْفِتْنَةِ عِنْدَ طُلُوعِ جَنِينِهَا وَظُهُورِ كَمِينِهَا وَانْتِصَابِ قُطْبِهَا وَمَدَارِ رَحَاهَا، تَبْدَأُ فِي مَدَارِجَ خَفِيَّةٍ وَتَئُولُ إِلَى فَظَاعَةٍ جَلِيَّةٍ، شِبَابُهَا كَشِبَابِ الْغُلَامِ وَآثَارُهَا كَآثَارِ السِّلَامِ يَتَوَارَثُهَا الظَّلَمَةُ بِالْعُهُودِ أَوَّلُهُمْ قَائِدٌ لِآخِرِهِمْ وَآخِرُهُمْ مُقْتَدٍ بِأَوَّلِهِمْ، يَتَنَافَسُونَ فِي دُنْيَا دَنِيَّةٍ وَيَتَكَالَبُونَ عَلَى جِيفَةٍ مُرِيحَةٍ، وَعَنْ قَلِيلٍ يَتَبَرَّأُ التَّابِعُ مِنَ الْمَتْبُوعِ وَالْقَائِدُ مِنَ الْمَقُودِ فَيَتَزَايَلُونَ بِالْبَغْضَاءِ وَيَتَلَاعَنُونَ عِنْدَ اللِّقَاءِ. ثُمَّ يَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ طَالِعُ الْفِتْنَةِ الرَّجُوفِ وَالْقَاصِمَةِ الزَّحُوفِ، فَتَزِيغُ قُلُوبٌ بَعْدَ اسْتِقَامَةٍ وَتَضِلُّ رِجَالٌ بَعْدَ سَلَامَةٍ وَتَخْتَلِفُ الْأَهْوَاءُ عِنْدَ هُجُومِهَا وَتَلْتَبِسُ الْآرَاءُ عِنْدَ نُجُومِهَا. مَنْ أَشْرَفَ لَهَا قَصَمَتْهُ وَمَنْ سَعَى فِيهَا حَطَمَتْهُ، يَتَكَادَمُونَ فِيهَا تَكَادُمَ الْحُمُرِ فِي الْعَانَةِ قَدِ اضْطَرَبَ مَعْقُودُ الْحَبْلِ وَعَمِيَ وَجْهُ الْأَمْرِ. تَغِيضُ فِيهَا الْحِكْمَةُ وَتَنْطِقُ فِيهَا الظَّلَمَةُ وَتَدُقُّ أَهْلَ الْبَدْوِ بِمِسْحَلِهَا وَتَرُضُّهُمْ بِكَلْكَلِهَا. يَضِيعُ فِي غُبَارِهَا الْوُحْدَانُ وَيَهْلِكُ فِي طَرِيقِهَا الرُّكْبَانُ، تَرِدُ بِمُرِّ الْقَضَاءِ وَتَحْلُبُ عَبِيطَ الدِّمَاءِ وَتَثْلِمُ مَنَارَ الدِّينِ وَتَنْقُضُ عَقْدَ الْيَقِينِ. يَهْرُبُ مِنْهَا الْأَكْيَاسُ وَيُدَبِّرُهَا الْأَرْجَاسُ، مِرْعَادٌ مِبْرَاقٌ كَاشِفَةٌ عَنْ سَاقٍ. تُقْطَعُ فِيهَا الْأَرْحَامُ وَيُفَارَقُ عَلَيْهَا الْإِسْلَامُ. بَرِيئُهَا سَقِيمٌ وَظَاعِنُهَا مُقِيمٌ.
منها: بَيْنَ قَتِيلٍ مَطْلُولٍ وَخَائِفٍ مُسْتَجِيرٍ، يَخْتِلُونَ بِعَقْدِ الْأَيْمَانِ وَبِغُرُورِ الْإِيمَانِ؛ فَلَا تَكُونُوا أَنْصَابَ الْفِتَنِ وَأَعْلَامَ الْبِدَعِ وَالْزَمُوا مَا عُقِدَ عَلَيْهِ حَبْلُ الْجَمَاعَةِ وَبُنِيَتْ عَلَيْهِ أَرْكَانُ الطَّاعَةِ، وَاقْدَمُوا عَلَى اللَّهِ مَظْلُومِينَ وَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ ظَالِمِينَ، وَاتَّقُوا مَدَارِجَ الشَّيْطَانِ وَمَهَابِطَ الْعُدْوَانِ، وَلَا تُدْخِلُوا بُطُونَكُمْ لُعَقَ الْحَرَامِ، فَإِنَّكُمْ بِعَيْنِ مَنْ حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَعْصِيَةَ وَسَهَّلَ لَكُمْ سُبُلَ الطَّاعَة.