Search
Close this search box.
  • قبسات من حياة أمير المؤمنين (ع)
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

قبسات من حياة أمير المؤمنين (ع)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام) مفرح ومحزن

إن الحديث عن علي (ع) حديث ذو شجون؛ إنه حديث مفرح ومحزن في الوقت نفسه. أما الفرح في الحديث عن علي (ع) فلأنه ذكر الحبيب. لقد رأيتم بعض الآباء يدخل المجلس فيمدح ولده بلا مناسبة ويذكر أنه – مثلا – نجح في الامتحان الفلاني، وتفوق في الدراسة، أو ما شابه ذلك. إنه لم يُسئل، والذي يسمع لا يعنيه الأمر، ولكن حبه لولده يجعله ينفجر هكذا بمديحه.

ذكر علي عبادة

هذا وذكر علي (ع) عبادة، ومدحه عبادة. وفي الحقيقة إن من ألذ المجالس وأقربها إلى الله عز وجل؛ المجالس التي تذكر فيها فضائله وظلامته وحكمه. وأما وجه الحزن في الحديث عنه فتجده في الخطبة الشقشقية. إن الشقشقة آه يخرج من الصدر، وقد اجتمعت الآلام في صدر علي (ع) ففجرها من خلال الشقشقية. إنه توقف عن الكلام قليلاً، فقال له ابن عباس: أكمل يا أمير المؤمنين. فقال الإمام: (هَيْهَاتَ يَا اِبْنَ عَبَّاسٍ تِلْكَ شِقْشِقَةٌ هَدَرَتْ ثُمَّ قَرَّتْ)[١]. فقال ابن عباس معلقا: (مَا أَسَفْتُ عَلَى كَلاَمٍ قَطُّ أَسَفِي عَلَى كَلاَمِ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ)[٢]؛ أي أنه لم يرضى أن يكمل خطبته. بقيت الخطبة مبتورة وكأن ما في قلب علي (ع) من الآهات، هي مما لا تتحملها الكلمات.

ما تعرض له أمير المؤمنين (عليه السلام) من الأذى

وهنا إشارة عابرة إلى أن النبي (ص) أوذي أذى بليغاً، ولم يوجد في الأرض من أوذي كالنبي (ص). وإننا نعتقد أن علياً (ع) هو التالي للنبي (ص) في شدة ما تعرض له من الأذى. بالطبع إننا نتحدث عن الأذى الباطني والأذى النفسي. فأين من تدخل شوكة في بدنه فيدمى، وأين من يرى زوجته تهتك؟ إنه بالتأكيد لا قياس بينهما. إن الأذى الباطني هو مما لا يقاس بالأذى البدني.

إن زماننا هذا ليس زمان القراءة والمطالعة للأسف الشديد. اذهبوا إلى دور الكتب هذه الأيام لتروا أنها أصبحت من أكسد الأسواق. لقد أصبح لا يقرأ من الناس إلا القليلون. وسائر الناس يلتهون بالأباطيل وبالمشغلات وبالألعاب الكذائية، إلى آخره، وقد أصبح في جيب كل واحد منا ما يلهيه.

الحث على قراءة حكم أمير المؤمنين (عليه السلام) وكلماته القصيرة

ولذلك فإن البعض من المؤمنين لا يتحمل المطولات من الخطب والكلمات؛ فإذا لم يكن له مزاج لقراءة شرح ابن أبي الحديد لنهج البلاغة مثلا، أو الصحيح من سيرة أمير المؤمنين (ع)، أو كتاب البحار؛ فعلى أقل التقادير ليقتني غرر الحكم لأمير المؤمنين (ع). إن الكلمات الحكمية لأمير المؤمنين (ع) تفتح لك الآفاق. ومن هذه الكلمات، قوله: (مَنْ غَضَّ طَرْفَهُ أَرَاحَ قَلْبَهُ)[٣]، وهذه الجملة كافية لكي تردعك عن الحرام.

وإنني أقترح أنك إذا ذهبت لزيارة الأمير (ع) أن تأخذ معك الكتاب وتجلس في زاوية من الحرم بعد الصلاة والزيارة، فتتأمل في هذه الكلمات، وقل: يا أبا الحسن، ألهمني معاني هذه الجمل والكلمات. إن ابن أبي الحديد شرح كلمات أمير المؤمنين (ع) وهو لم يكن بحسب الظاهر من شيعته؛ وإنما كان معتزلياًز ولكنك أنت من شيعته؛ فخذ زاوية في الحرم وقل: يا مولاي، علمني ذلك، وألهمني المعاني. أو سله أن  يعينك على العمل بهذه المضامين، والتي منها ما ذكرت آنفا: (مَنْ غَضَّ طَرْفَهُ أَرَاحَ قَلْبَهُ). فقد تويغ عينك قهراً، وأعني شهوة. فسل مولاك أن يخلصك مما أنت فيه.

مراحل حياة أمير المؤمنين (عليه السلام)

إن حياة الإمام (ع) تتقسم إلى عدة مراحل. المرحلة الأولى: منذ ولادته إلى أول البعثة، بما فيها كفالة النبي (ص) له. المرحلة الثانية: من البعثة إلى الهجرة إلى المدينة. والمرحلة الثالثة: من الهجرة إلى وفاة النبي الأعظم (ص). والمرحلة الرابعة: من وفاة النبي (ص) إلى استلامه الحكم الظاهري – فهو كان إماماً واقعيا وإن لم يحكم – والمرحلة الأخيرة: من استلام الحكم إلى ساعة استشهاده. وسأحاول التركيز قليلا على هذه المراحل والمحطات في حياة الإمام (ع).

كفالة النبي (صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين (عليه السلام)

قلما تذكر المرحلة الأولى من حياة الإمام بتفاصيلها. إن هذا الإمام قد عني برعاية السماء والأرض من خلال نبيه الأكرم (ص). إن أبا طالب كان كافل النبي (ص)، وقصته معروفة؛ فهو عندما أراد أن يتكفل أحداً من أولاد أخيه؛ اختار النبي محمد (ص). وشاء الله عز وجل بحكمته أن يكفل النبي (ص) أمير المؤمنين (ع)، فكما تدين تدان.

فقد قال النبي (ص) للعباس عمه ذات يوم: إن أخاك كثير العيال، فانطلق بنا فلنخفف عنه من عياله؛ أي آخذ أنا واحداً من عيال أبي طالب وتأخذ أنت واحداً. فانطلق النبي (ص) مع عمه حتى أتيا أبا طالب وفاتحوه بالأمر، فوافق على الاقتراح حيث كان الزمان زمان قحط وشدة. فأخذ الرسول علياً فضمه إليه، وأخذ العباس جعفراً. وكأن النبي (ص) أراد أن يكافئ عمه على تربيته له أيام الشدة.  ثم إن النبي (ص) علق على هذه القضية؛ أي بعد أن أخذ علياً، قائلا: (قَدِ اِخْتَرْتُ مَنِ اِخْتَارَهُ الله لِي عَلَيْكُمْ عَلِيّاً)[٤]. وهذا الموقف يشبه موقف النبي (ص) في المؤاخاة؛ حيث اختاره الله له أخاً.

أمير المؤمنين (عليه السلام) يروي لنا علاقته برسول الله

قد يسأل سائل فيقول: من أي مصدر تثبت لنا علاقة النبي (ص) مع أمير المؤمنين (ع)؟ لقد نقل لنا التاريخ ذلك، ولكن خير راو لهذه العلاقة هو نفسه الشريفة. إن أمير المؤمنين (ع) يذكر أيام طفولته وأنه كان مع النبي في غار حراء عندما كان في سن العاشرة في اليوم الذي بُعث فيه. إنه يقول محتجا على من ينكر فضله: (وَ قَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ اَللَّهِ بِالْقَرَابَةِ اَلْقَرِيبَةِ وَاَلْمَنْزِلَةِ اَلْخَصِيصَةِ وَضَعَنِي فِي حَجْرِهِ وَأَنَا وَلِيدٌ يَضُمُّنِي إِلَى صَدْرِهِ وَيَلُفُّنِي فِي فِرَاشِهِ وَيُمِسُّنِي جَسَدَهُ وَيُشِمُّنِي عَرْفَهُ وَكَانَ يَمْضَغُ اَلشَّيْءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيهِ)[٥].عندما كان في مرحلة يحتاج فيها إلى رعاية الأم؛ كان النبي (ص) يعامله بهذه المعاملة حتى نبت جسمه من طعام مضغه رسول الله، واختلط بلعابه. فأي جسم يكون هذا الجسم؟

ثم يقول الإمام: (وَ لَقَدْ كُنْتُ أَتْبَعُهُ اِتِّبَاعَ اَلْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّهِ)[٦]. لقد رأيتم ابن الناقة كيف يتبع أمه أينما ذهبت؟ إنه هكذا كان في اتباعه لرسول الله. لا اتباعاً شكلياً، بل: (يَرْفَعُ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ عِلْماً مِنْ أَخْلاَقِهِ)[٧] وهذا اتباع ظاهري وباطني.

أمير المؤمنين (عليه السلام) يسمع ويرى ما يسمعه النبي ويراه

وماذا عن غار حراء وما جرى فيه؟ يقول الإمام: (وَلَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِحِرَاءَ فَأَرَاهُ وَلاَ يَرَاهُ غَيْرِي)[٨]. تأملوا هذه الجملة. إنه في العاشرة من عمره الشريف. وإننا نرى اليوم الطفل في العاشرة لا يفقه كثيرا، وهو دون سن البلوغ. يقول الإمام: (وَ لَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ اَلشَّيْطَانِ حِينَ نَزَلَ اَلْوَحْيُ عَلَيْهِ صلى الله عليه وآله فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اَللَّهِ مَا هَذِهِ اَلرَّنَّةُ فَقَالَ هَذَا اَلشَّيْطَانُ قَدْ أَيِسَ مِنْ عِبَادَتِهِ إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ وَ تَرَى مَا أَرَى)[٩]. ألا تدل هذه الجملة على أن علياً كان يسمع صوت جبرئيل وهو ينزل القرآن على النبي (ص)؟ من هو قائل هذه الجملة؟ إنه أمير المؤمنين (ع).

وقد قال له النبي (ص): (إِلاَّ أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ وَلَكِنَّكَ لَوَزِيرٌ وَإِنَّكَ لَعَلَى خَيْرٍ)[١٠]. وعندما يصل ابن أبي الحديد إلى هذه المرحلة من تاريخ أمير المؤمنين (ع) يقول: وقد ورد في كتب الصحاح – لا في كتبنا – أنه حينما أكرم الله محمداً بالرسالة وهبط عليه جبرئيل لأول مرة كان علي (ع) معه. إن هذا اعتراف عالم نحرير[١١] من العلماء.

أمير المؤمنين (عليه السلام)؛ ربيب رسول الله

وهكذا تربى أمير المؤمنين (ع) في الغار مع النبي (ص)، وقد كان يرى جبرئيل ويسمعه، وكان يتعامل النبي (ص) معه تعامل الأم مع ولدها، وقد ختم حياته المباركة بأي ختام؟ من الذي ولد في البيت وانتهت حياته في البيت؟ لقد ولد في البيت مطهر الأصنام ومن وجهه المبارك لم يسجد لصنم قط ولهذا يقول العامة عند ذكره: كرم الله وجهه.

وأخيرا يقف في محراب العبادة ليصلي. متى؟ في شهر حرام، وفي شهر عظيم كشهر رمضان، وفي ساعة السحر، وفي ليلة من ليالي القدر. شاء الله عز وجل أن يستل روح علي (ع) من بدنه وهو يهوي إلى السجود قائلا: فزت ورب الكعبة.

[١] الطرائف  ج٢ ص٤١٧.
[٢] الطرائف  ج٢ ص٤١٧.
[٣] غرر الحکم  ج١ ص٧٥٣.
[٤] بحار الأنوار  ج٣٨ ص٢٥٤.
[٥] المناقب  ج٢ ص١٨٠.
[٦] نهج البلاغة الخطبة ١٩٢.
[٧] نهج البلاغة الخطبة ١٩٢.
[٨] نهج البلاغة  ج١ ص٣٠٠.
[٩] نهج البلاغة الخطبة ١٩٢.
[١٠] نهج البلاغة ج۱ ص۲۸۵.
[١١] رَجُلٌ نَحْرِيرٌ : فَاطِنٌ، حَاذِقٌ، عَاقِلٌ.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • إن النبي (ص) قد أوذي أذى بليغاً، ولم يوجد في الأرض من أوذي كالنبي (ص). وإننا نعتقد أن علياً (ع) هو التالي للنبي (ص) في شدة ما تعرض له من الأذى. بالطبع إننا نتحدث عن الأذى الباطني والأذى النفسي. فأين من تدخل شوكة في بدنه فيدمى، وأين من يرى زوجته تهتك؟
  • إن البعض من المؤمنين لا يتحمل المطولات من الخطب والكلمات؛ فإذا لم يكن له مزاج لقراءة شرح ابن أبي الحديد لنهج البلاغة مثلا، أو الصحيح من سيرة أمير المؤمنين (ع)، أو كتاب البحار؛ فعلى أقل التقادير ليقتني غرر الحكم لأمير المؤمنين (ع). إنكلماته الحكمية تفتح لك الآفاق الواسعة.
Layer-5.png