Search
Close this search box.
  • مناقب الإمام علي بن أبي طالب (ع) وصفاته
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

مناقب الإمام علي بن أبي طالب (ع) وصفاته

بسم الله الرحمن الرحيم

الاطلاع على سيرة أهل البيت (عليهم السلام) ضرورة إنسانية

من المناسب أن يطلع المؤمن الموالي على سيرة مواليه في مناسبات مواليدهم واستشهادهم. وجدير بكل مؤمن في هاتين المناسبتين أن يقرأ شيئا من سيرتهم وأن يطلع على شيء من أخلاقهم ليتأسى بهم. وهذا الأمر يجعل أحدنا متثقفا بالثقافة الولائية. وأما الكتب المرتبطة بأئمة أهل البيت (ع)؛ فمنها كتب روائية ومنها كتب تحليلية. فإن أردت الروايات المجردة؛ فعليك بموسوعة بحار الأنوار مثلا إذ أن لكل إمام جزء من هذا الكتاب يتناول سيرته. وإن أردت الكتب التحليلية التي تتناول سيرهم بشيء من التحليل والنقاش وما شاب ذلك؛ فالكتب كذلك في هذا المجال كثيرة بشرط أن يكون المؤلف والقائل ممن أعطي شيئا من النور؛ فليس كل تحليل يؤخذ به.

التخصص في دراسة حياة أمير المؤمنين (عليه السلام)

من المناسب من الليلة التاسعة عشر – ليلة الضربة – إلى ليلة الشهادة أن يتخصص أحدنا في دراسة سيرته، وهذه من العبادة. إن من أفضل الأعمال في ليلة  القدر طلب العلم؛ فما المانع من أن تجعل شطرا من أعمال ليلة القدر؛ الاطلاع على سيرة هذه الذوات الطاهرة، وكذلك في ميلاده في الليلة الثالثة عشر من شهر رجب. إن شهر رجب هو شهر الله عز وجل وكذلك هو شهر علي (ع)، وكذلك في مناسبة الغدير وأسبوع الولاية والمباهلة والتصدق وإلى آخره. إن الموالي المحب الذي يريد أن يجعل ولائه لأمير المؤمنين (ع) عن وعي وفهم وشعور؛ فعليه أن يغتنم هذه الفرص الثلاث.

المحطات الأربع في حياة أمير المؤمنين (عليه السلام)

إن لأمير المؤمنين (ع) أربع محطات في حياته نود الحديث عنها. لقد جعلت حديثي في مربع ذات أربعة أضلاع. أولا: علاقة علي (ع) بربه، ثم علاقة علي (ع) بنبيه (ص)، ثم علاقة علي (ع) بشيعته، وأخيرا علاقة علي (ع) بهذه الدنيا برمتها. سنتناول كل ضلع من هذه الأضلاع الأربع لنرى ما هو موقع علي (ع) منها.

إلا أخذ بأشدهما على بدنه..!

إننا لا نريد ذكر منقبة لا يمكن التأسي بها؛ فهيهات أن يكون أحدنا كعلي (ع) في حروبه أو في شجاعته، ولكن سأذكر هذه الصفة العلوية لتتأملوا فيها جيدا، وكم هذه الصفة جميلة في علي (ع)؟ إن أئمتنا كانوا يلهجون بذكر علي (ع) ووصفه، وأصدق الأوصاف هي التي تأخذها من ذريته. وهذه الصفة ينقلها لنا الإمام الباقر الذي تفصله عن أمير المؤمنين (ع) مدة زمنية طويلة، ولكنه يصف علياً (ع) كأنه يراه أمامه وكأنه عاشره معاشرة الحسنين (ع)، يقول: (مَا وَرَدَ عَلَيْهِ أَمْرَانِ كِلاَهُمَا لِلَّهِ رِضًا إِلاَّ أَخَذَ بِأَشَدِّهِمَا عَلَى بَدَنِهِ)[١].

إننا عادة إذا كان أمامنا سبيلان؛ نختار أحبهما إلى أنفسنا. فمثلاً لو خيرنا بين سفرة إلى أحد المشاهد المشرفة أو رعاية أم مريضة في المنزل تقول: يا ولدي، كن معي في أيام مرضي، لاختارنا الزيارة على هذه. لأن خدمة الوالدة تثقل عليك. بل قل: يا رب، إني أتقرب إليك بخدمتها. إن عليا (ع) بحسب المنقول؛ كان يرجح البقاء في المسجد وكان ذلك – من بعض الجهات أحب إليه من البقاء في الجنة؛ لأن في المسجد رضا ربه وفي الجنة رضا نفسه.

مجاهدة النفس عند أمير المؤمنين (عليه السلام)

من الروايات البديعة في جهاد علي مع نفسه – ونحن مطالبون بهذه المجاهدة –  ما روي عن أنه: (وُضِعَ خِوَانٌ مِنْ فَالُوذَجٍ بَيْنَ يَدَيْهِ فَوَجَا بِإِصْبَعِهِ حَتَّى بَلَغَ أَسْفَلَهُ ثُمَّ سَلَّهَا وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئاً وَتَلَمَّظَ بِإِصْبَعِهِ وَقَالَ طَيِّبٌ طَيِّبٌ وَمَا هُوَ بِحَرَامٍ)[٢]؛ والفالوذج نوع من الحلوى وضع بين يديه ووضع الإمام إصبعه فيه كما يلعب الأطفال ثم ذاق شيئا يسيرا وقال إنه طيب ولكنه لم يأكل منه. لماذا؟ تقول الرواية: (ذَكَرْتُ رَسُولَ اَللَّهِ أَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْهُ قَطُّ فَكَرِهْتُ أَنْ آكُلَهُ). أ رأيتم العلاقة المتميزة الرقيقة بين علي (ع) والنبي (ص)؟ هذه علاقته بالله عز وجل ومجاهدته لنفسه.

اما علاقته بالنبي (ص) مما ينتعش الإنسان عند قراءة الرويات المرتبطة بذلك. إن حب علي (ع) هو متغلغل في لبن الأم ونحن أطفال صغار. إن البعض من الأطفال عندما يتكلم يبتدأ كلامه بذكر علي (ع). لقد جرى ذكر علي (ع) على ألسنتنا منذ الولادة. تقول الرواية: أن النبي الأكرم (ص) أنفذ جيشاً – بعث جيشا – ومعهم علي (ع)، وتلك الأيام – بحسب الظاهر – لم تكن أدوات للتواصل؛ فأبطأ علي (ع). بالطبع إن النبي (ص) يعلم بالعلم الإلهي أين علي، ومتى يرجع، ولكن أرادها فرصة.

حب النبي (صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين (عليه السلام)

بدأ القلق ينتاب النبي (ص)؛ فحبيبه أمير المؤمنين (ع) غاب وتأخر مجيئه. أو تعلم ماذا فعل النبي (ص)؟ لقد رفع يديه إلى السماء وقال: (اَللَّهُمَّ لاَ تُمِتْنِي حَتَّى تُرِيَنِي وَجْهَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ)[٣]. إن النبي (ص) مصداق ولي الله الذي قرأتم في سورة الجمعة أنه يتمنى الموت ولا يخافه، ولكن النبي (ص) يريد من الله أن يمهله – وإن كان الموت خير للمؤمن لما أعد الله له – حتى يذهب من هذه الدنيا ووجهه في وجه علي (ع).

وأما الضلع الآخر؛ علاقته بشيعته. مما رواه ابن مسعود رضي الله عنه قال: (دَخَلْتُ يَوْماً عَلَى رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اَللَّهِ أَرِنِي اَلْحَقَّ لِأَتَّصِلَ بِهِ فَقَالَ يَا عَبْدَ اَللَّهِ لِجِ اَلْمُخْدَعَ قَالَ فَوَلَجْتُ اَلْمُخْدَعَ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يُصَلِّي وَهُوَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ اَللَّهُمَّ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ اِغْفِرْ لِلْخَاطِئِينَ مِنْ شِيعَتِي)[٤]. يعني: إن كان الحق متمثلاً في رجل فهذا هو الحق. وعلي (ع) يصلي دائما.  وبالمناسبة؛ هناك صلاة تسمى صلاة التوبة وهي صلاة أمير المؤمنين (ع)، وهي أربع ركعات، في كل ركعة بعد الحمد خمسين مرة يقرأ سورة التوحيد؛ يفعل ذلك في الركعات الأربع؛ فتُكمل التوحيد مائتي مرة، فبحسب الرواية لا يقوم المصلي من مقامه أو ينفتل من صلاته إلا وقد غفر الله له ذنبه. فإذا أردت أن تصلي صلاة علي (ع) فهي على ما ذكرنا.

وهو لم يقصد شيعته في زمانه، وإنما يقصد شيعته في كل الأزمنة وفي زمان البرزخ. إنه (ع) يدعوا للخاطئين من أمثالنا. ألا يوجب لك ذلك التعلق بإمامك (ع)؟ إنني عندما قرأت هذه الرواية انتابني شيء من الخجل من مولانا علي (ع).

وأما عن علاقته بهذه الدنيا فنقول: إننا كم نأكل في السنة من اللحم الطيب ومن الثريد وغيره؟ ولكن يقول علي (ع): (إِنَّ إِمَامَكَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَدِ اِقْتَنَعَ مِنْ دُنْيَاهُ بِطِمْرَيْهِ وَيَسُدُّ فَوْرَةَ جُوعِهِ بِقُرْصَيْهِ وَلاَ يَطْعَمُ اَلْفِلْذَةَ – الكبد – إِلاَّ فِي سُنَّةِ أُضْحِيَّةٍ وَلَنْ تَقْدِرُوا عَلَى ذَلِكَ فَأَعِينُونِي بِوَرَعٍ وَاِجْتِهَادٍ)[٥] .ولكن عليا (ع) يقول: (ي بِقَائِلِكُمْ يَقُولُ إِذَا كَانَ قُوتُ اِبْنِ أَبِي طَالِبٍ هَذَا قَعَدَ بِهِ اَلضَّعْفُ عَنْ مُبَارَزَةِ اَلْأَقْرَانِ وَ مُنَازَعَةِ اَلشُّجْعَانِ وَ اَللَّهِ مَا قَلَعْتُ بَابَ خَيْبَرَ بِقُوَّةٍ جَسَدَانِيَّةٍ وَ لاَ بِحَرَكَةٍ غِذَائِيَّةٍ وَ لَكِنِّي أُيِّدْتُ بِقُوَّةٍ مَلَكِيَّةٍ وَ نَفْسٍ بِنُورِ بَارِئِهَا مُضِيئَة)[٦].

وإنني أختم حديثي هذا بما قاله أحد علمائنا عن علي (ع)، يقول: عندما نسمع مواعظه نتخيل أنه زاهد فقط، ولكن عندما نرى عمله وشجاعته في الحروب وقضائه في دكة القضاء وخطبه في المسجد؛ نتعجب من هذا الرجل الذي جمع الأضداد.

جمعت في صفاتك الأضداد
ولهذا عزت لك الأنداد

[١] وسائل الشیعة  ج١ ص٨٨.
[٢] المناقب  ج٢ ص٩٩
[٣] بحار الأنوار  ج٤٠ ص٤٣.
[٤] الفضائل  ج١ ص١٢٨.
[٥] مجموعة ورّام  ج١ ص١٥٤.
[٦] بحار الأنوار  ج٤٠ ص٣١٨.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • إننا عادة إذا كان أمامنا سبيلان؛ نختار أحبهما إلى أنفسنا. فمثلاً لو خيرنا بين سفرة إلى أحد المشاهد المشرفة أو رعاية أم مريضة في المنزل تقول: يا ولدي، كن معي في أيام مرضي، لاختارنا الزيارة على هذه. لأن خدمة الوالدة تثقل عليك. بل قل: يا رب، إني أتقرب إليك بخدمتها.
  • من المناسب من الليلة التاسعة عشر – ليلة الضربة – إلى ليلة الشهادة أن يتخصص أحدنا في دراسة سيرته، وهذه من العبادة. إن من أفضل الأعمال في ليلة القدر طلب العلم؛ فما المانع من أن تجعل شطرا من أعمال ليلة القدر؛ الاطلاع على سيرة هذه الذوات الطاهرة.
Layer-5.png