من مزايا وصفات السيدة زينب الكبرى (ع)

بسم الله الرحمن الرحيم

زينب الكبرى (سلام الله عليها)

حديثنا هو حول شخصية متميزة من نساء أهل البيت (ع) تعتبر بحق وارثة أمها فاطمة (س). إنها هذه السيدة هي زينب الكبرى (س) بنت أمير المؤمنين (ع). إننا نريد أن نحوم حول بعض مزاياها وأنى لنا الإحاطة بها وبمزاياها.

تقدير المعصومين لغير المعصومين

هناك شخصيتان في سلسلة أهل البيت (ع) هما من غير الأئمة (ع)، ومن غير المعصومين المصطلحين؛ فالمعصومون الأربعة عشر هم النبي والأئمة (ع) والزهراء (س). ولكن خارج دائرة العصمة والإمامة؛ هناك شخصيتان ملحقتان بالمعصومين. إن المعصوم عندما يقدر شخصيةً من غير الأئمة (ع) فإن تقديره يكشف عن سمو المقام.

الشخصية الأولى هي هذه السيدة الوارثة لآلام أمها، والصابرة على ما شهدت من مصائب أخيها الحسين (ع). والشخصية الثانية هي شخصية قمر العشيرة أبي الفضل العباس (ع). ولقد مدحه المعصوم بقوله: (كان عمنا العباس بن علي نافذ البصيرة صلب الإيمان‏)[١]. وهذه التعابير لم تأت من فراغ؛ فإن المعصوم عندما يعطي هذا الوسام ويذكر عمه، يعني ذلك: أن هذه الشخصية بلغت الأوج.

عظمة ذرية أمير المؤمنين (عليه السلام)

وهنيئاً لأمير المؤمنين (ع) على ما أنجب. فمن النساء زينب (س) ومن غير المعصومين العباس (ع)، ومن الأئمة (ع) الحسن والحسين والتسعة المعصومين من ذريته. إن أمير المؤمنين (ع) قد تحمل وعانى كثيراً في دار الدنيا ولكنه سيأتي يوم القيامة وفاطمة (س) زوجته، والنبي ابن عمه وأخوه والأئمة (ع) حوله، ويا له من منظر رهيب في عرصات القيامة.

وأنبتناها نباتا حسنا

إن هذه السيدة التي هي محور حديثنا؛ قد شملتها عناية الخمسة من أهل الكساء. قد يدخل أحدنا دورة ثقافية أو يذهب إلى حوزة علمية فيعاشر فيها فقيهاً عالماً عارفاً، فتظهر عليه بعد فترة بعض الآثار؛ بالطبع إن كان قابلاً. فالقابل مع الفاعل يعطي الأثر، وكلما عظمت قابلية القابل وفاعلية الفاعل ازداد التفاعل. فكيف بهذه السيدة التي شملتها ألطاف النبي (ص). إنها ولدت في زمان جدها (ص) وترعرت في أحضان أبوين كعلي وفاطمة (ع)، وشملتها عناية الحسنين (ع) لسنوات طويلة بعد استشهاد أمها. لقد كانت زينب (س) تنتهل من نمير ثلاثة من المعصومين في بيت أمير المؤمنين (ع). ولقد كان لأخيها العباس (ع)؛ ذلك الرجل العظيم أيضا عناية بأخته وإن كان هو أصغر منها سناً. وكم كانت تعول عليه زينب (س) في طريقهم إلى كربلاء، وعندما سمعت باستشهاده نادت: وا ضيعتاه بعدك يا أبا الفضل.

مقام الصبر والجهاد

من مزايا إمام زماننا؛ عبادته الطويلة. فهو منذ أن ولد إلى يومنا هذا – أكثر من ألف عام – والإمام في حالة عبادة مستمرة، من صلاة ومن صوم وحج إلى آخره. وهذه العبادة الطويلة قد أكسبت الإمام مزية. ولهذا يعبر عنه بأنه طاووس أهل الجنة. إن للطاووس بين الطيور جمال متميز لا يرقى إلى جماله طير. والإمام في الجنة له هذا المقام.

إن هذا المقام قد أصبح لهذه السيدة الجليلة، وذلك من خلال المجاهدة والصبر. إننا لا نعتقد على وجه الأرض وجود سيدة شهدت المصائب كهذه السيدة. إننا لا نعلم ما وراء الكواليس. فأولا: فقدت هذه السيدة النبي (ص). ونحن نقرأ في زيارة يوم السبت: (أُصِبْنَا بِكَ يَا حَبِيبَ قُلُوبِنَا فَمَا أَعْظَمَ اَلْمُصِيبَةَ بِكَ حَيْثُ اِنْقَطَعَ عَنَّا اَلْوَحْيُ وَ حَيْثُ فَقَدْنَاكَ)[٢] إننا نقول هذه العبارة ونحن في هذا الزمان البعيد عن تلك المصيبة، ولكن زينب (س) عندما تقول: انقطع عني الوحي وفقدتك يا رسول الله، يا جداه، بأي حال تكون؟

إنها شهدت أمها على المغتسل، ورأت أباها وهو يأتي من المسجد وقد شج رأسه بسيف ذلك اللعين، ورأت أخاها المجتبى (ع) وهو يجود بنفسه ويلقي بما في جوفه دماً عبيطا، ورأت أخيراً إمام زمانها والعدو على صدره. ما هذه المصائب؟! ثم ما لا قت في طريق الأسر، وهي ابنة أمير المؤمنين (ع).

دعاء الحسين (عليه السلام) لها بالصبر

إن هذه السيدة كانت تمشي في الكوفة في زمان خلافة أمير المؤمنين (ع) – طبعا لم يكن يرى خيالها وشخصها، ولم تكن تظهر بذلك المعنى – وكل من كان يراها من النساء يعبر عنها بالتعبير الطبيعي أنها ابنة خليفة المسلمين وابنة أمير المؤمنين (ع). فمن يعتقده إماماً يقول: بنت الإمام، من يعتقد بأمير المؤمنين (ع) خليفة: يقول بنت الخليفة. ولكنها هي نفسها تدخل الكوفة والمنادي ينادي هذه خارجية. فماذا كان يجري عليها؟ وهل كان الأمر يقتصر على الشماتة؟ أبداً.

إنها  تنظر أمامها فترى رأس أخيها على رمح طويل، ثم تلتفت يميناً وشمالاً لترى الهاشيمات وإمامنا زين العابدين (ع) مربط بالحبال. إنني أحتمل احتمالا قوياً أن هذا الصبر كان من ملكاتها ومجاهداتها، ولكنني لا أستبعد أن الحسين (ع) عندما وضع يده على صدرها، وعانقها وودعها كأنه سأل الله عز وجل أن يفرغ عليها صبراً، فصبرها لم يكن صبراً بشرياً متعارفاً.

كأنها تفرغ عن لسان أبيها

ولذلك عند الأزمات، وعند الأمور الضاغطة لو سألت الله بحقها ففرج الله عنك لا تستغرب. وخطبتها في الشام وفي الكوفة في مجلس الطاغية؛ قرينة لخطب فاطمة (س) في مسجد أبيها. إن البعض عندما سمع خطبة زينب (س) قال: كأن علياً (ع) قد خرج من قبره فهذا هو منطق أمير المؤمنين (ع).

محافظتها على الصلاة

وهذه المفجوعة في ليلة الحادي عشر من محرم وهي تشم رائحة الشهداء في المقتل؛ ما نسيت أن تقف بين يدي ربها عابدة بصلاة الليل وهي جالسة لأنه ما بقي فيها من الرمق شيء.