- ThePlus Audio
لمحات من سيرة السجاد (ع) وأهمية الدعاء في حياته الشريفة
بسم الله الرحمن الرحيم
الصورة الحقيقية للإمام زين العابدين (عليه السلام)
عندما نذكر الإمام السجاد زين العابدين (ع) يتبادر إلى ذهن الكثير ما حدث معه في كربلاء ويتصوره الإمام العليل والإمام السير التي كانت الجامعة[١] في عنقه وهو ذليل يساق إلى الشام. والحال أن هذه الحالة لم تدم إلا شهرين على أكثر التقادير من أول محرم وحتى آخر شهر صفر وهي بلا شك ليست الحالة الغالبة على حياته الشريفة. فقد شاء الله عز وجل أن يبتلى الإمام (ع) في مرحلة من مراحل حياته بالأسر والمرض ولكنه سبحانه آلى على نفسه التعويض لأوليائه، فكما نقرأ في زيارة الحسين (ع): (اَلْمُعَوَّضِ مِنْ قَتْلِهِ أَنَّ اَلْأَئِمَّةَ مِنْ نَسْلِهِ وَاَلشِّفَاءَ فِي تُرْبَتِهِ وَاَلْفَوْزَ مَعَهُ فِي أَوْبَتِهِ وَاَلْأَوْصِيَاءَ مِنْ عِتْرَتِهِ)[٢]، وقد عوض الحسين (ع) بما لم يعوض الإمام الحسن (ع) مع أنه سيد شباب أهل الجنة وإمام قام أو قعد وذلك لعظم ما وقع على الحسين (ع) من المصائب ولذلك لا يجوز أكل شيء من تراب البقيع وإنما هذه الخصوصية انفرد بها الحسين (ع).
زبور آل محمد (عليهم السلام)
وقد عوض سبحانه الإمام زين العابدين (ع) لتحمله مرارة الأسر وصبره على البلاء العظيم أن جعلنا في كل شهر رمضان لا نستغني عن أدعيته الشريفة وإنما نحن عيال عليها وجلاس على مائدتها. فينبغي للمؤمن كما يهتم لقراءة الصحف والمجلات النافعة وغير النافعة أن يقضي شطرا من وقته في قراءة الصحيفة السجادية ليرى ما كان يدعو به إمامه وما كان يشغله وهي صحيفة تنعت بزبور آل محمد (ع). فلا يكفي أن نبكي عليه من دون أن نعلم من هو زين العابدين وقرة عين الساجدين.
سنة الابتلاء في الأولياء
وينبغي للمؤمنين في يوم عرفة أن يتذكروا في ذلك اليوم أن صاحب المعارف السامية في دعاء عرفة والصحيفة السجادية هو صاحب عاشوراء وصاحب الأسر والجامعة وصاحب تلك المصائب العظيمة. وهي بلا شك لا تتنافى مع مقام الإمامة. ويبكي المؤمن على الإمام السجاد (ع) ويتذكر دعاء أبي حمزة ودعاء الإمام في الأسحار ودعاء مكارم الأخلاق ثم يشعر بالأسف والأسى من حلم الله عز وجل على من جعل وليه في هذه الحالة المؤسفة وهو ينقل من بلد إلى بلد بين يدي طواغيت زمانه. ثم يتبين لنا من ذلك أن الله عز وجل قدر المصائب العظام في أوليائه عبرة لنا ولكي نعلم أن البلاء لا يخشى منه فهو الذي أعطي للأولياء والمقربين عظيمة وشديدة.
عبادة الإمام السجاد (عليه السلام)
ولقد كان الإمام (ع) شديد الخشية من الله عز وجل في صلاته وفي عبادته، فقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (كَانَ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ إِذَا حَضَرَتِ اَلصَّلاَةُ اِقْشَعَرَّ جِلْدُهُ وَاِصْفَرَّ لَوْنُهُ وَاِرْتَعَدَ كَالسَّعَفَةِ)[٣]. وفي رواية أخرى: (كَانَ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ إِذَا قَامَ فِي صَلاَتِهِ غَشِيَ لَوْنَهُ لَوْنٌ آخَرُ)[٤]. ولم يكن هذا حال الإمام في أخريات حياته الشريفة وإنما هذا ديدنه وحاله في كل فترات حياته، فهذه الحالات لازمة المعرفة وهو يعرف الله حق معرفته سواء كان في الأسر والجامعة أو في السفر والحضر. وقد روي عن الصادق (ع) أنه قال: (إِنَّ عَلِيَّ بْنَ اَلْحُسَيْنِ كَانَ يَعْرِفُ اَلَّذِي يَقُومُ بَيْنَ يَدَيْهِ)[٥]، وهذا من آثار التوجه لرب العالمين. وقد روي عنه أيضا: (كَانَ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ إِذَا قَامَ فِي اَلصَّلاَةِ كَأَنَّهُ سَاقُ شَجَرَةٍ لاَ يَتَحَرَّكُ مِنْهُ شَيْءٌ إِلاَّ مَا حَرَّكَتِ اَلرِّيحُ مِنْهُ)[٦]. وعنه أيضا: (إِذَا قَامَ إِلَى اَلصَّلاَةِ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ فَإِذَا سَجَدَ لَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ حَتَّى يَرْفَضَّ عَرَقاً)[٧]. وينبغي للمؤمن أن يكون جادا في التأسي بالإمام (ع) في هذا المجال.
إن الدعاء بعبارة مبسطة هو الأنس بين العبد وربه. قد يتحدث الحبيب إلى حبيبه عبر الهاتف في زماننا هذا لساعات فلا يهمه التكاليف لما يتلذذ بالحديث معه ويأنس به. ولقد أجاب موسى (ع) ربه بكلمات طويلة عندما قال له: (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى)[٨]، وهو بخلاف ما يعتقده الأدباء؛ من أن خير الكلام ما قل ودل. والإنسان مع العظيم والسلطان والرب يتحدث بحديث دبلوماسي مركز ولكن يبدو أن موسى (ع) اغتنم فرصة الحديث مع الرب فقال وأطال: (قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى)[٩]، وكأن رب العزة لا يعلم أن العصا يتوكئ عليها، ثم يذكر أنه يهش بها على غنمه وهي معلومة لا قيمة لها عند الله عز وجل، ولكن الخط قد فتح لموسى (ع) فأخذ يسترسل بالكلام.
الدعاء عند الحاجة
وللأسف الشديد إن سفارتنا مع الله عز وجل معطلة ولا نذكره إلا عند الوقوع في أزمة مالية أو على فراش المستشفى أو على فراش الموت، عندها يتحدث الإنسان مع ربه ودموعه جارية على خديه. ولذلك لا ينبغي أن يغتر المؤمن بخشوع في عبادات ليلة القدر والحج والعمرة وفي زياراته للمشاهد المشرفة؛ فحتى اليهودي والنصراني ولعل الكافر في بعض الأحيان يقف أمام الصنم ودموعه تجري على خديه، فهي دموع طمع، وقد يؤجر المؤمن عليها وينال بها حاجاته ولكنها لا تدل على التكامل. وإنما تكتسب تلك الدموع قيمتها إذا كانت التجارة ميسرة والأحوال هادئة ويكون على سبيل المثال مسترخيا على شاطئ البحر أو حديث عهد بزواج ثم يأتي بعد ذلك إلى المسجد ويرق قلبه وتجري دموعه من خشية الله عز وجل.
فيكون هذا البكاء لأسباب منها: الذنوب السالفة. فمن الذي أعطى للإنسان صك العفو والغفران؟ ومن أين علم أن الله استجاب له طلب العفو عن جميع ذنوبه؟ ثانيا: من الذي ضمن له حسن العاقبة وأنه سيبقى على ما هو عليه آخر دهره؟ ولذلك يقول سبحانه عن المنفقين والذين يؤتون الزكاة والخمس في سبيل الله: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ)[١٠]؛ فهم ينفقون بقلب مضطرب، لأنهم – واللام هنا للتقدير – إلى ربهم راجعون، فلا يعلمون كيف سيحاسبهم وهل قبل إنفاقهم وهل كان من حل ما أنفقوه وهل أتبعوه منا أو أذى؟ فإذا كان هذا اضطرابهم في فعل الخيرات فكيف اضطرابهم عند ارتكاب المعاصي الموبقات؟
وثالثا وما أدراك ما الثالثة: هب أن الله أعطاه صك الغفران على ما ارتكب في الماضي وصك حسن العاقبة فيما سيأتي ولكن كيف يعوض الساعات التي قضاها في اللهو والسهو عن الله عز وجل وأحاديث الباطل والنوم الزائد والمطالعة غير الهادفة والنظرات اللاهية وما شابه ذلك من الأمور التي تجعل الإنسان خجلا وجلا من ربه في آن واحد؟
طلب العظائم من الحاجات وعدم الاكتفاء بصغارها
فالدعاء ذريعة للحديث مع الله عز وجل. وإذا وقع المؤمن في أزمة خانقة ورق قلبه وجرت دموعه فلا يكتفي بالدعاء للخلاص من تلك الأزمة فحسب، بل ليتجاوز الأزمة إلى غيرها من عظائم الأمور التي ابتلي بها ولا يكتفي بالدعاء لأزمة مالية ولبعضعة ألوف من الدراهم، وكما روي عن الإمام الصادق (ع): (إِذَا اِقْشَعَرَّ جِلْدُكَ وَدَمَعَتْ عَيْنَاكَ وَوَجِلَ قَلْبُكَ فَدُونَكَ دُونَكَ فَقَدْ قُصِدَ قَصْدُكَ)[١١]. وقد يذهب المؤمن إلى المشاهد المشرفة وتنتابه حالة الرقة والتفاعل حتى لينسى حاجته التي ذهب من أجلها أو يتناساها حيث يراها عند ذلك تافهة ومتناهية في الضآلة والصغر.
وقد يستهين المؤمن بساعات الاستجابة في أعقاب المجالس الحسينية حيث يقول: آمين وهو ذاهل شار الذهن، والحال أنه يجدر به الاستمرار في البكاء والطلب أعقاب هذه المجالس ويزيد من توجهه إلى ربه.
لماذا لا يستجيب الله عز وجل لنا؟
ولا بد من مراجعة الروايات الشريفة للوقوف على أسباب عدم الاستجابة وموقف الإنسان عند الإكثار من الدعاء وامتناع السماء عن الاستجابة. لقد روي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: (أَنَّهُ خَطَبَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ خُطْبَةً بَلِيغَةً فَقَالَ فِي آخِرِهَا أَيُّهَا اَلنَّاسُ سَبْعُ مَصَائِبَ عِظَامٌ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْهَا عَالِمٌ زَلَّ وَعَابِدٌ مَلَّ وَمُؤْمِنٌ ضَلَّ وَمُؤْتَمَنٌ غَلَّ وَغَنِيٌّ أَقَلَّ وَعَزِيزٌ ذَلَّ وَفَقِيرٌ اِعْتَلَّ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ صَدَقْتَ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ أَنْتَ اَلْقِبْلَةُ إِذَا مَا ضَلَلْنَا وَاَلنُّورُ إِذَا مَا أَظْلَمْنَاَ ولَكِنْ نَسْأَلُكَ عَنْ قَوْلِ اَللَّهِ تَعَالَى اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ فَمَا بَالُنَا نَدْعُو فَلاَ يُجَابُ)[١٢]. ولا أدري إن كان الرجل قام أثناء الخطبة أو بعدها وسأل الإمام سؤاله، ولكن إذا كان أثناء الخطبة قيامه فيدل ذلك على أريحية الإمام (ع) في التعامل مع الناس حيث يقاطعه رجل فيجيب الإمام على سؤاله وكأنه في ندوة مفتوحة، وهذا دليل على شدة الألفة بين الناس وإمام المسلمين.
فقال له الإمام (ع): (إِنَّ قُلُوبَكُمْ خَانَتْ بِثَمَانِ خِصَالٍ)[١٣]؛ ومحل الدعاء القلب لا اللسان، فما قيمة اللسان إذا لم يوافقه القلب.
ثم يبدأ (ع) بذكر هذه الخصال، فيقول: (أَوَّلُهَا أَنَّكُمْ عَرَفْتُمُ اَللَّهَ فَلَمْ تُؤَدُّوا حَقَّهُ كَمَا أَوْجَبَ عَلَيْكُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْكُمْ مَعْرِفَتُكُمْ شَيْئاً)[١٤]، فقد عرفتم الله معرفة إجمالية لم يكن لها أثر في حياتكم.
ثم قال: (وَاَلثَّانِيَةُ أَنَّكُمْ آمَنْتُمْ بِرَسُولِهِ ثُمَّ خَالَفْتُمْ سُنَّتَهُ وَأَمَتُّمْ شَرِيعَتَهُ فَأَيْنَ ثَمَرَةُ إِيمَانِكُمْ)[١٥]، فأنتم تصلون على النبي (ص) وتحبونه وتزورونه وتبكون عليه ولكن أين هذا من اتباع السنة واجبها ومندوبها وترك حرامها ومكروها، وأما قوله: أمتم شريعته فهو خطاب لطواغيت العصور.
ثم قال: (اَلثَّالِثَةُ أَنَّكُمْ قَرَأْتُمْ كِتَابَهُ اَلْمُنْزَلَ عَلَيْكُمْ فَلَمْ تَعْمَلُوا بِهِ وَقُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ثُمَّ خَالَفْتُمْ)[١٦]. ولو نظر كل واحد منا إلى نفسه لرأى أنه كاذب بينه وبين ربه. نقول للرب: إياك نستعين، ونستعين بكل أحد إلا الله سبحانه. ولذلك ورد في بعض الروايات أن العبد إذا قرأ قوله تعالى: (إياك نعبد وإياك نستعين) نودي أن تكذب علينا في خطابك هذا؟
ثم قال: (وَاَلرَّابِعَةُ أَنَّكُمْ قُلْتُمْ إِنَّكُمْ تَخَافُونَ مِنَ اَلنَّارِ وَأَنْتُمْ فِي كُلِّ وَقْتٍ تَقْدَمُونَ إِلَيْهَا بِمَعَاصِيكُمْ فَأَيْنَ خَوْفُكُمْ)[١٧]، والحقيقة أننا ندعو كثيرا في دعاء كميل وغيره من الأدعية الشريفة أن يصرف عنا عذاب جهنم ويقينا حرها ومقطعاتها وسرابيلها ونقرأ الآيات القرآنية التي تتحدث عنها ولكننا في نهاية المطاف نقدم إليها بالمعاصي.
ثم قال: (وَاَلْخَامِسَةُ أَنَّكُمْ قُلْتُمْ إِنَّكُمْ تَرْغَبُونَ فِي اَلْجَنَّةِ وَأَنْتُمْ فِي كُلِّ وَقْتٍ تَفْعَلُونَ مَا يُبَاعِدُكُمْ مِنْهَا فَأَيْنَ رَغْبَتُكُمْ فِيهَا)[١٨]، فيسيل لعابنا عند قولنا: اللهم زوجنا من حور العين ولكننا لا نصدق الله في العمل، بل نفعل ما يباعدنا عنهن، ولا نصدق الله في الإيمان به ولا برسوله ولا بالكتاب ولا بالجنة والنار.
ثم قال: (وَاَلسَّادِسَةُ أَنَّكُمْ أَكَلْتُمْ نِعْمَةَ اَلْمَوْلَى وَلَمْ تَشْكُرُوا عَلَيْهَا)[١٩]. والحال أن المؤمن يشكر أخيه المؤمن على طعام يقدمه له ويبالغ في مدحه والثناء عليه والدعاء له ولوالديه ولكل مقربيه ثم هو يعرض عن شكر ربه شكرا عميقا.
ثم قال: (وَاَلسَّابِعَةُ أَنَّ اَللَّهَ أَمَرَكُمْ بِعَدَاوَةِ اَلشَّيْطَانِ وَقَالَ إِنَّ اَلشَّيْطٰانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا فَعَادَيْتُمُوهُ بِلاَ قَوْلٍ وَوَالَيْتُمُوهُ بِلاَ مُخَالَفَةٍ)[٢٠].
ثم قال: (واَلثَّامِنَةُ أَنَّكُمْ جَعَلْتُمْ عُيُوبَ اَلنَّاسِ نُصْبَ عُيُونِكُمْ وَعُيُوبَكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ تَلُومُونَ مَنْ أَنْتُمْ أَحَقُّ باللَّوْمِ مِنْهُ فَأَيُّ دُعَاءٍ يُسْتَجَابُ لَكُمْ مَعَ هَذَا وَقَدْ سَدَدْتُمْ أَبْوَابَهُ وَطُرُقَهُ)[٢١]. وكذلك الأمر في قضاء الحوائج في هذه الدنيا؛ حيث لو وضع الرجل معاملته أمام الوزير ثم لم ينظر الوزير في هذه المعاملة ولم يكتب عليها: لا مانع من تنفيذها، لا يتم تنفيذها ولو بقيت على طاولته عشرات السنين.
من أسباب تأخير الإجابة
وليس الدعاء مجرد كلمات ينطق بها الداعي وإنما هي حالة يعيشها وارتباط بينه وبين ربه. ولذلك قد يدعو الإنسان ربه ولا تهمه الاستجابة لأنسه بربه وأنس الرب به. فقد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (إِنَّ اَلْعَبْدَ لَيَدْعُو الله وَهُوَ يُحِبُّهُ فَيَقُولُ يَا جَبْرَائِيلُ اِقْضِ لِعَبْدِي هَذَا حَاجَتَهُ وَأَخِّرْهَا فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ لاَ أَزَالَ أَسْمَعُ صَوْتَهُ)[٢٢]. وقد روي عن الإمام الصادق أنه قال: (إِنَّ اَلْمُؤْمِنَ لَيَدْعُو اَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي حَاجَتِهِ فَيَقُولُ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَخِّرُوا إِجَابَتَهُ شَوْقاً إِلَى صَوْتِهِ وَدُعَائِهِ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ اَلْقِيَامَةِ قَالَ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: عَبْدِي! دَعَوْتَنِي فَأَخَّرْتُ إِجَابَتَكَ وَثَوَابُكَ كَذَا وَكَذَا، دَعَوْتَنِي فِي كَذَا وَكَذَا فَأَخَّرْتُ إِجَابَتَكَ وَثَوَابُكَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: فَيَتَمَنَّى اَلْمُؤْمِنُ أَنَّهُ لَمْ يُسْتَجَبْ لَهُ دَعْوَةٌ فِي اَلدُّنْيَا مِمَّا يَرَى مِنْ حُسْنِ اَلثَّوَابِ)[٢٣].
الدعاء مجلبة للسعادة
من بركات الدعاء أنه يدفع أمواج البلاء ويؤمن للإنسان السعادة التي يبحث عنها في هذه الدنيا والراحة التي يتمناها. والمؤمن معرض لكثير من الابتلاءات فهو يخرج من انتكاسة ليدخل في أخرى. فينتكس في صحته وفي ذريته وفي زوجته وفي وضعه المعيشي؛ فلا مفر من ذلك إلا التوسل بالذوات الطاهرة وقرع أبواب الدعاء. وقد روي عن الإمام الكاظم (ع) أنه قال: (اِدْفَعُوا اَلْبَلاَءَ بِالدُّعَاءِ فَإِنَّ اَلدُّعَاءَ جُنَّةٌ مُنْجِيَةٌ يَرُدُّ اَلْبَلاَءَ وَقَدْ أُبْرِمَ إِبْرَاماً)[٢٤]؛ أي أن المعاملة منتهية وقد دفعت لملائكة التنفيذ ولكن الدعاء يأتي ويؤخرها. وروي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: (اِدْفَعُوا أَمْوَاجَ اَلْبَلاَءِ عَنْكُمْ بِالدُّعَاءِ قَبْلَ وُرُودِ اَلْبَلاَءِ فَوَ اَلَّذِي فَلَقَ اَلْحَبَّةَ وَبَرَأَ اَلنَّسَمَةَ لَلْبَلاَءُ أَسْرَعُ إِلَى اَلْمُؤْمِنِ مِنِ اِنْحِدَارِ اَلسَّيْلِ مِنْ أَعْلَى اَلتَّلْعَةِ إِلَى أَسْفَلِهَا)[٢٥]. ويشبه الإمام البلاء بأمواج البحر العاتية وقد ذكرنا آنفا أن الله عز وجل لم يستثن أوليائه من البلاء كالإمام السجاد (ع) فكيف بنا نحن؟
لا تستقل دعاء العباد لك
ولا ينبغي للمؤمن أن يستقل دعوة العباد له؛ بل يجدر به أن يدفع مبلغا من المال لأحدهم ليدعو له في الحج والعمرة والمشاهد المشرفة، وروي عنهم (ع) أنه لا بأس بأن يعلم الرجل الفقير الذي يدفع إليه مبلغا من المال الدعاء له إن لم يعرف ما يدعو الفقير له به. وقد روي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: (لاَ تَسْتَحْقِرُوا دَعْوَةَ أَحَدٍ فَإِنَّهُ يُسْتَجَابُ لِلْيَهُودِيِّ فِيكُمْ وَلاَ يُسْتَجَابُ لَهُ فِي نَفْسِهِ)[٢٦]. إذا رأيت يهوديا أو نصرانيا في مستشفى وقدمت له باقة من الورد؛ فاطلب منه الدعاء لك.
دعاء الحيوانات
بل قد تقضى حاجة المؤمن بخدمة يسديها لحيوان. يقال: أن رجلا كانت له قدرة على المكاشفة عجيبة، فطلب من أحدهم مبلغا من المال فأبى أن يعطيه وقال له ليس عندي شيء أعطيه، فقال له: إني أعلم مقدار المال في جيبك وفي أي منها هو. فقال له: إن كنت صادقا أعطيتك المال كله، فعد الأموال فكانت كما أخبره بذلك. فقال له الرجل كيف عرفت مقدار المال في جيبي؟ قال: كنت ذات يوم أسير في الصحراء وإذا بكلب يتبعني وكأنه يريد مني شيئا. فتبعته حتى وصلنا إلى بئر فأشار إليها بحركات فرأيت في قعرها جراء لها تريد أن ترضعهم وقد ورم أثدائها. فنزلت إلى البئر وأخرجتهم منها. فاحتضنتهم وبدأت بإرضاعهم وبعد ذلك رفعت رأسها إلى السماء بحالة من حالات الارتياح، فمنذ ذلك الزمان وقد فتح الله قلبي. فإذا كان دعاء الحيوان له تأثره فكيف بدعاء المؤمن لأخيه المؤمن.
سيرة الإمام الباقر (عليه السلام) في الدعاء
وقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (كَانَ أَبِي إِذَا حَزَنَهُ أَمْرٌ جَمَعَ اَلنِّسَاءَ وَاَلصِّبْيَانَ ثُمَّ دَعَا وَأَمَّنُوا)[٢٧]، كان يفعل ذلك وهو إمام المذهب ومستجاب الدعوة ولكنه يعلمنا كيف ندعوا. وقد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (دُعَاءُ أَطْفَالِ أُمَّتِي مُسْتَجَابٌ مَا لَمْ يُقَارِفُوا اَلذُّنُوبَ)[٢٨]. ويبدو أن الطفل إذا ارتكب معصية سلب هذه الخاصية وقد يكون المراد بعد البلوغ.
لا تستحي من الطلب مهما صغر..!
ولا ينبغي أن يعرض المؤمن عن طلب صغار الأمور من ربه كما يهتم بطلب العظائم منها. فلا يقولن: عندي معاملة بسيطة أو حاجة صغيرة لا تستحق الدعاء. فقد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (لِيَسْأَلْ أَحَدُكُمْ رَبَّهُ حَاجَتَهُ كُلَّهَا حَتَّى يَسْأَلَهُ شِسْعَ نَعْلِهِ إِذَا اِنْقَطَعَ)[٢٩]. وروي في حديث آخر: (يَا مُوسَى سَلْنِي كُلَّ مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ حَتَّى عَلَفَ شَاتِكَ وَمِلْحَ عَجِينِكَ)[٣٠]، فالله سبحانه يحب أن يسأله العبد. وقد روي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: (وَاِعْلَمْ أَنَّ اَلَّذِي بِيَدِهِ خَزَائِنُ اَلسَّمَاوَاتِ وَاَلْأَرْضِ قَدْ أَذِنَ لَكَ فِي اَلدُّعَاءِ وَتَكَفَّلَ لَكَ بِالْإِجَابَةِ)[٣١]. فهل يبقى بعد ذلك عذر للعبد أن لا يدعو ربه؟
سر التأثير في أدعية الإمام زين العابدين (عليه السلام)
ومن أعظم الأدعية؛ أدعية الإمام زين العابدين وقرة عين الساجدين وهي أدعية تؤثر في النفوس كثيرا ويرق عند قراءة كثير من فقراته وكأن الله عز وجل قد جعل الأثر في هذه الأدعية لما عاش الإمام (ع) من المحن والمآسي.
حضور مأساة كربلاء عند الإمام زين العابدين (عليه السلام) وكثرة بكائه
لقد كان يوم عاشوراء ثقيلا على الإمام زين العابدين وقد ترك في نفسه أثرا بليغا. ولم يمنع الأعداء عن آل الرسول الماء فحسب بل منعوا عنهم الماء والطعام وكل شيء، ولذلك كان يقول علي الأكبر: يا أبتاه العطش قد قتلني وثقل الحديد أجهدني. ولذلك روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (بَكَى عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ عِشْرِينَ سَنَةً وَمَا وُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ طَعَامٌ إِلاَّ بَكَى حَتَّى قَالَ لَهُ مَوْلًى لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللَّهِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ مِنَ اَلْهٰالِكِينَ قٰالَ إِنَّمٰا أَشْكُوا بَثِّي وحُزْنِي إِلَى اَللّٰهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اَللّٰهِ مٰا لاٰ تَعْلَمُونَ إِنِّي لَمْ أَذْكُرْ مَصْرَعَ بَنِي فَاطِمَةَ إِلاَّ خَنَقَتْنِي اَلْعَبْرَةُ وفِي رِوَايَةٍ: أَ مَا آنَ لِحُزْنِكَ أَنْ يَنْقَضِيَ فَقَالَ لَهُ وَيْحَكَ إِنَّ يَعْقُوبَ اَلنَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَانَ لَهُ اِثْنَا عَشَرَ اِبْناً فَغَيَّبَ اَللَّهُ وَاحِداً مِنْهُمْ فَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنْ كَثْرَةِ بُكَائِهِ عَلَيْهِ وَاِحْدَوْدَبَ ظَهْرُهُ مِنَ اَلْغَمِّ وَكَانَ اِبْنُهُ حَيّاً فِي اَلدُّنْيَا وَأَنَا نَظَرْتُ إِلَى أَبِي وَأَخِي وَعَمِّي وَسَبْعَةَ عَشَرَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي مَقْتُولِينَ حَوْلِي فَكَيْفَ يَنْقَضِي حُزْنِي؟)[٣٢].
وقيل: (إِنَّهُ بَكَى حَتَّى خِيفَ عَلَى عَيْنَيْهِ. وَكَانَ إِذَا أَخَذَ إِنَاءً يَشْرَبُ مَاءً بَكَى حَتَّى يَمْلَأَهَا دَمْعاً فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ وَكَيْفَ لاَ أَبْكِي وَقَدْ مُنِعَ أَبِي مِنَ اَلْمَاءِ اَلَّذِي كَانَ مُطْلَقاً لِلسِّبَاعِ وَاَلْوُحُوشِ. وَقِيلَ لَهُ إِنَّكَ لَتَبْكِي دَهْرَكَ فَلَوْ قَتَلْتَ نَفْسَكَ لَمَا زِدْتَ عَلَى هَذَا فَقَالَ نَفْسِي قَتَلْتُهَا وَعَلَيْهَا أَبْكِي).
[٢] بحار الأنوار ج٩٨ ص٣٤٧.
[٣] بحار الأنوار ج٤٦ ص٥٥.
[٤] مستدرك الوسائل ج٣ ص٥٧.
[٥] بحار الأنوار ج٨١ ص٢٣٦.
[٦] الکافي ج٣ ص٣٠٠.
[٧] بحار الأنوار ج٨١ ص٢٦١.
[٨] سورة طه: ١٧.
[٩] سورة طه: ١٨.
[١٠] سورة المؤمنون: ٦٠.
[١١] الخصال ج١ ص٨١.
[١٢] بحار الأنوار ج٩٠ ص٣٧٦.
[١٣] بحار الأنوار ج٩٠ ص٣٧٦.
[١٤] بحار الأنوار ج٩٠ ص٣٧٦.
[١٥] بحار الأنوار ج٩٠ ص٣٧٦.
[١٦] بحار الأنوار ج٩٠ ص٣٧٦.
[١٧] بحار الأنوار ج٩٠ ص٣٧٦.
[١٨] بحار الأنوار ج٩٠ ص٣٧٦.
[١٩] بحار الأنوار ج٩٠ ص٣٧٦.
[٢٠] بحار الأنوار ج٩٠ ص٣٧٦.
[٢١] بحار الأنوار ج٩٠ ص٣٧٦.
[٢٢] جامع الأخبار ج١ ص١٣٣.
[٢٣] جامع الأخبار ج١ ص١٣٣.
[٢٤] بحار الأنوار ج٩١ ص٣١٧.
[٢٥] بحار الأنوار ج٩٠ ص٢٨٩.
[٢٦] بحار الأنوار ج٩٠ ص٢٩٤.
[٢٧] الکافي ج٢ ص٤٨٧.
[٢٨] بحار الأنوار ج٩٠ ص٣٥٧.
[٢٩] مکارم الأخلاق ج١ ص٢٧٠.
[٣٠] بحار الأنوار ج٩٠ ص٣٠٣.
[٣١] بحار الأنوار ج٩٠ ص٣٠١.
[٣٢] بحار الأنوار ج٤٦ ص١٠٨.
هاشتاغ
خلاصة المحاضرة
- لقد عوض سبحانه الإمام زين العابدين (ع) لتحمله مرارة الأسر وصبره على البلاء العظيم أن جعلنا في كل شهر رمضان لا نستغني عن أدعيته الشريفة وإنما نحن عيال عليها وجلاس على مائدتها. فينبغي للمؤمن كما يهتم لقراءة الصحف والمجلات النافعة وغير النافعة أن يقضي شطرا من وقته في قراءة الصحيفة السجادية.
- لا ينبغي للمؤمن أن يستقل دعوة العباد له؛ بل يجدر به أن يدفع مبلغا من المال لأحدهم ليدعو له في الحج والعمرة والمشاهد المشرفة، وروي عنهم (ع) أنه لا بأس بأن يعلم الرجل الفقير الذي يدفع إليه مبلغا من المال الدعاء له إن لم يعرف ما يدعو الفقير له به.