Search
Close this search box.
  • في رحاب الإمام محمد الجواد (ع)
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

في رحاب الإمام محمد الجواد (ع)

بسم الله الرحمن الرحيم

التفاعل العاطفي في مناسبات أهل البيت (عليهم السلام)

عندما تمر علينا مناسبات أهل البيت (ع) فرحاً وسروراً من الخطوات المطلوبة منا؛ هو التفاعل العاطفي. نحن عادة رثائنا وعزائنا وبكائنا على مصيبة الحسين (ع)؛ مع أن مصائب أئمة أهل البيت (ع) جميعها هي مصائب مبكية. ومن ذلك ما حل بالرضا (ع) في أرض طوس، وما حل بالإمام الجواد (ع) الذي كان أول إمام يقتل في ريعان شبابه، ومنها مصيبة الإمام الهادي (ع) ومصيبة الإمام العسكري (ع). إن هذه مصائب لو تأملها المؤمن وخاصة في مناسبة استشهاد ذلك الإمام؛ تجري عبرته. وهذا أمر من لوازم الولاية. والرواية المعروفة التي تقول: (خُلِقُوا مِنْ فَاضِلِ طِينَتِنَا)[١] خير دليل على ذلك.

الأجر على قدر المعرفة..!

ثم بالإضافة إلى لتفاعل العاطفي؛ ينبغي دراسة حياة ذلك المعصوم. فلو أن أحدنا في مناسبة كل معصوم – استشهاداً وميلاداً – صرف من عمره ساعتين أو ثلاث أو أربع لدراسة حياة ذلك المعصوم ثم تكررت هذه العملية في كل عام لرأى نفسه بعد خمس سنوات خبيراً بسيرة أهل البيت (ع). فهو يدرس في كل عام مرتين سيرة المعصوم ويدرس كلماته الحكمية؛ فإذا زار الإمام الهادي (ع) في سامراء أو الإمام العسكري (ع) زاره عن معرفة. ولهذا ذكر علمائنا علة اختلاف الروايات في ثواب زيارة أهل البيت (ع). فهناك رواية تذكر ثواب حجة ورواية أخرى تذكر عشر حجج ورواية تقول: ألف حجة، وما هذا الاختلاف إلا لاختلاف درجات معرفة الزائر. فليس الثواب بطاقة ثابتة تعطى للزائر وإنما الثواب بمقدار المعرفة. وكلما زادت معرفتك؛ كلما زاد العطاء في زيارة ذلك المعصوم.

فلا يكن اهتمامك بالشكليات فقط. تقول: إنني قد زرت الحسين عشرات المرات؛ ولكن اجعل زيارتك هذه في تكامل، وازدد في كل زيارة معرفة بمقام المعصوم. لقد رأينا أحد المؤمنين عند قبر الحسين (ع) فقال: إنني عندما أحدث الإمام تحت القبة؛ أتكلم معه  على اعتبار أنه حي، وإنني لأستشعر حياة الإمام. ولا يهمني إن أعطاني الإمام (ع) الحاجة أو لم يعطني؛ فيكفي أنني وقفت بين يدي المولى وأذن لي بمخاطبته، وهذه من أعظم الجوائز.

المولد الأعظم بركة على الشيعة

إن حديثنا هو عن الإمام الجواد (ع). إن حياة إمامنا الجواد (ع) هي من أشجى الحيوات التي عاشها أئمة أهل البيت (ع). لقد رُزق الرضا (ع) بعد فترة طويلة وعلى كبر سن بهذا الولد. حتى لقد اختلفت الشيعة في الرضا (ع)؛ لأنه قد بلغ من العمر ما بلغ ولم يكن له عقب. فقالوا: كيف يكون إمام وهو لا ذرية له؟ فإن كان الإمام الثامن فأين التاسع؟ إننا موعودون بالأئمة الاثني عشر، والإمام لم يولد له بعد. ولهذا عندما وُلد الجواد (ع) سُر به الإمام أيما سرور، وقال: (هَذَا اَلْمَوْلُودُ اَلَّذِي لَمْ يُولَدْ فِي اَلْإِسْلاَمِ مِثْلُهُ مَوْلُودٌ أَعْظَمُ بَرَكَةً عَلَى شِيعَتِنَا مِنْهُ)[٢]؛ أي أنه رفع الاختلاف بين الشيعة.

وداع الإمام الرضا (عليه السلام) للبيت وحزن الجواد (عليه السلام) عليه

ولكن قد فُرق بعد سنوات قصيرةً بين الإمام الرضا (ع) وبين ولده الجواد (ع). ضع نفسك مكان الإمام الرضا (ع) وهو أن تعطى وليداً بسيماء الجواد وتعطى ولداً هو حجة الله على الخلق ثم يفرق بينك وبينه، فكم هذا ثقيل على الإمام الرضا (ع)؟ انظروا إلى الكارثة وهي أن يسافر الإمام الرضا (ع) إلى أرض طوس ولا يصطحب معه قرة عينه. يقول الراوي: (كُنْتُ مَعَ أَبِي اَلْحَسَنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بِمَكَّةَ فِي اَلسَّنَةِ اَلَّتِي قَدْ حَجَّ فِيهَا، ثُمَّ صَارَ إِلَى خُرَاسَانَ، ومَعَهُ أَبُو جَعْفَرٍ وأَبُو اَلْحَسَنِ يُوَدِّعُ اَلْبَيْتَ فَلَمَّا قَضَى طَوَافَهُ عَدَلَ إِلَى اَلْمَقَامِ فَصَلَّى عِنْدَهُ، فَصَارَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَى عُنُقِ مُوَفَّقٍ يَطُوفُ فَصَارَ إِلَى اَلْحِجْرِ فَجَلَسَ فِيهِ فَأَطَالَ، فَقَالَ لَهُ مُوَفَّقٌ: قُمْ جُعِلْتُ فِدَاكَ فَقَالَ: مَا أُرِيدُ أَنْ أَبْرَحَ مِنْ مَكَانِي هَذَا إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اَللَّهُ واِسْتَبَانَ فِي وَجْهِهِ اَلْغَمُّ فَأَتَى مُوَفَّقٌ أَبَا اَلْحَسَنِ فَقَالَ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ قَدْ جَلَسَ أَبُو جَعْفَرٍ فِي اَلْحِجْرِ وهُويَأْبَى أَنْ يَقُومُ فَقَامَ أَبُو اَلْحَسَنِ فَأَتَى أَبَا جَعْفَرٍ فَقَالَ قُمْ يَا حَبِيبِي فَقَالَ مَا أُرِيدُ أَنْ أَبْرَحَ مِنْ مَكَانِي هَذَا قَالَ بَلَى يَا حَبِيبِي ثُمَّ قَالَ كَيْفَ أَقُومُ وقَدْ وَدَّعْتُ اَلْبَيْتَ وَدَاعاً لاَ تَرْجِعُ إِلَيْهِ)[٣].

إنه صبي محمول على عنق موفق؛ ولكن الله عز وجل قد جعل في هذا الوجود علماً بما سيأتي في مستقبل الأيام، وقد ضرب لنا رب العالمين مثلا في من أوتي الحكم صبيا. إن عيسى روح الله كان يكلم الناس في المهد، وهذا ابن رسول الله (ص) وابن الرضا (ع) فلماذا نستغرب منه هذا المعنى؟

عدم اختلاف الشيعة على إمامة الجواد (عليه السلام)

والملفت للنظر؛ أن البعض لم يعترف بإمامة الإمام موسى بن جعفر (ع) وهم الإسماعيلية عندما اتبعوا إسماعيل بن الإمام الصادق (ع). والبعض لم يعترف بإمامة الإمام الرضا (ع) وهم الواقفية الذين وقفوا على الإمام موسى بن جعفر (ع). والبعض لم يعترف بإمامة الإمامين الباقرين (ع) وهم الزيدية الذين وقفوا على الإمام زين العابدين (ع)؛ ولكن التاريخ لم ينقل خلافاً يعتد به وإنكارا من الشيعة لإمامة الجواد (ع)؛ بل اتفقت الشيعة عليه رغم صغر سنه.

الطواف نيابة عن المعصومين (عليهم السلام)

إننا في الحقيقة عندما نقرأ حياة المعصوم نعيش طرباً باطنياً. إنك إن قرأت هذه المعاني ثم زرت المعصوم فسوف تنتفع كثيرا بتلك الزيارة. إن من الزيارات النادرة في سيرة الإمام الجواد (ع) التي ينقلها الكليني رحمه الله في كتابه الكافي الشريف هي أن أحدهم جاء إلى الإمام الجواد (ع) وقال له: (إِنِّي كُنْتُ اِسْتَأْذَنْتُكَ فِي اَلطَّوَافِ عَنْكَ وعَنْ أَبِيكَ فَأَذِنْتَ لِي فِي ذَلِكَ فَطُفْتُ عَنْكُمَا مَا شَاءَ اَللَّهُ ثُمَّ وَقَعَ فِي قَلْبِي شَيْءٌ فَعَمِلْتُ بِهِ)[٤].لا مانع من أن يطوف أحدنا نيابة عن المعصوم. إن بعض المؤمنين في مسجد الشجرة عندما يعقد نية الإحرام مثلا يقول: أحج هذه الحجة نيابة عن سيدي ومولاي صاحب الأمر؛ فيعيش هيبة ورجفة باطنية، ويقول في نفسه: من أنا لأكون نائبا عنه؟ ولكن تخيل إنسانا يطوف ويقول: أطوف نيابة عن إمام زماني، ويسعى ويرمي ويذبح ويقف بالنيابة عنه؛ فثق أن هذه الحركة لا يمكن أن تبقى من دون جواب.

اهتمام الإمام الجواد (عليه السلام) بأمه الزهراء (سلام الله عليها)

ثم قال الرجل: (طُفْتُ يَوْماً عَنْ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ)[٥]، ثم بدأ بالطوف عن الأئمة (ع). فسأل الإمام عن رأيه بذلك؟ فقال له: (إِذَنْ واَللَّهِ تَدِينَ اَللَّهَ بِالدِّينِ اَلَّذِي لاَ يَقْبَلُ مِنَ اَلْعِبَادِ غَيْرَهُ)[٦]؛ أي أحسنت صنعاً. وإلى هنا الرواية متعارفة؛  ثم قال الرواي: (ورُبَّمَا طُفْتُ عَنْ أُمِّكَ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ ورُبَّمَا لَمْ أَطُفْ فَقَالَ اِسْتَكْثِرْ مِنْ هَذَا فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مَا أَنْتَ عَامِلُهُ إِنْ شَاءَ اَللَّهُ)[٧]. ما هذه العلاقة الوطيدة بين أئمتنا (ع) وبين أمهم الزهراء (ع)؟

وبهذا السياق روي عن زَكَرِيَّا بْنِ آدَمَ قَالَ: (إِنِّي لَعِنْدَ اَلرِّضَا إِذْ جِيءَ بِأَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وسِنُّهُ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ فَضَرَبَ بِيَدِهِ إِلَى اَلْأَرْضِ ورَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى اَلسَّمَاءِ فَأَطَالَ اَلْفِكْرَ فَقَالَ لَهُ اَلرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِنَفْسِي فَلِمَ طَالَ فِكْرُكَ فَقَالَ فِيمَا صُنِعَ بِأُمِّي فَاطِمَةَ)[٨]. إن فاطمة (ع) هي محور اهتمام أئمة أهل البيت (ع) جميعهم.

علي بن جعفر الصادق والإمام الجواد (عليه السلام)

ولكم هذه الروايةالتي تبين لنا قمة الأدب في التعامل مع المعصوم. هنيئا لهذا الذي أدرك الإمام الجواد (ع)؛ أعني: علي بن جعفر الصادق، أخو الإمام موسى بن جعفر. إنه قد أدرك الإمام الجواد (ع) وقد كان عم الرضا (ع).  تقول الرواية: (دَنَا اَلطَّبِيبُ لِيَقْطَعَ لَهُ اَلْعِرْقَ فَقَامَ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ فَقَالَ يَا سَيِّدِي تَبْدَأُ بِي لِتَكُونَ حِدَّةُ اَلْحَدِيدِ فِيَّ قَبْلَكَ قَالَ قُلْتُ يَهْنِئُكَ هَذَا عَمُّ أَبِيهِ قَالَ وقَطَعَ لَهُ اَلْعِرْقَ ثُمَّ أَرَادَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ اَلنُّهُوضَ فَقَامَ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَسَوَّى لَهُ نَعْلَيْهِ حَتَّى يَلْبَسَهُمَا)[٩]؛ ما هذه العاطفة الجياشة من رجل كبير في السن تجاه الإمام في صغر سنه. ثم هو قد قدم نعلي الإمام؛ احتراماً وتقديراً له.

حمله لهموم الأمة والشيعة

إن الإمام الجواد (ع) كعادة آبائه كان يحمل هم الأمة وخصوصا من يحمل في قلبه حب أمير المؤمنين (ع). فهذا القلب قلب مقدس وموحد ومؤمن بالنبي (ص) ومؤمن بأمير المؤمنين (ع)؛ فكيف إذا أضيف إلى ذلك العمل بالصالحات؟ إن هذا كالإكسير الأحمر. إن الإمام كتب كتاباً لأحد الولاة وأرسله بيد من كانت له عند الوالي حاجة، قال فيه: (فَأَحْسِنْ إِلَى إِخْوَانِكَ واِعْلَمْ أَنَّ اَللَّهَ عَزَّ وجَلَّ سَائِلُكَ عَنْ مَثَاقِيلِ اَلذَّرِّ واَلْخَرْدَلِ قَالَ فَلَمَّا وَرَدْتُ سِجِسْتَانَ سَبَقَ اَلْخَبَرُ إِلَى اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ اَلنَّيْشَابُورِيِّ وهُواَلْوَالِي فَاسْتَقْبَلَنِي عَلَى فَرْسَخَيْنِ مِنَ اَلْمَدِينَةِ فَدَفَعْتُ إِلَيْهِ اَلْكِتَابَ فَقَبَّلَهُ ووَضَعَهُ عَلَى عَيْنَيْهِ)[١٠].

[١] إرشاد القلوب  ج٢ ص٤٢٣.
[٢] الکافي  ج٦ ص٣٦٠.
[٣] كشف الغمة  ج٢ ص٣٦٢.
[٤] الکافي  ج٤ ص٣١٤.
[٥] الإستبصار  ,  ج٢  ,  ص٢٣٦.
[٦] روضة المتقین ج ١٢  ص ٢٦٠.
[٧] روضة المتقین  ج ١٢  ص ٢٦٠.
[٨] بحار الأنوار  ج٥٠ ص٥٩.
[٩] بحار الأنوار  ج٤٧ ص٢٦٤.
[١٠] بحار الأنوار ج٤٦ ص٣٣٩.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • لو أن أحدنا في مناسبة كل معصوم – استشهاداً وميلاداً – صرف من عمره ساعتين أو ثلاث أو أربع لدراسة حياة ذلك المعصوم ثم تكررت هذه العملية في كل عام لرأى نفسه بعد خمس سنوات خبيراً بسيرة أهل البيت (ع).
  • لقد اختلفت الشيعة في الرضا (ع)؛ لأنه قد بلغ من العمر ما بلغ ولم يكن له عقب. فقالوا: كيف يكون إمام وهو لا ذرية له؟ فإن كان الإمام الثامن فأين التاسع؟ إننا موعودون بالأئمة الاثني عشر، والإمام لم يولد له بعد. ولهذا عندما وُلد الجواد (ع) سُر به الإمام أيما سرور.
Layer-5.png