Search
Close this search box.
  • لمحات من سيرة الإمام الجواد (ع)
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

لمحات من سيرة الإمام الجواد (ع)

بسم الله الرحمن الرحيم

إمامة الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السلام) في سن مبكرة

من المحطات البارزة في سيرة الإمام محمد بن علي الجواد (ع)؛ تصديه للإمامة في سن مبكرة. فقد كان أول الأئمة تصديا لمقام الإمام في هذا العمر. وقد أصبح بعد أبيه الرضا (ع) إماما للمؤمنين من دون منازع، إذ لم نجد في السيرة والتاريخ خلافا يعتد به ولا انشقاقا في صفوف الموالين لخط أهل البيت (ع) حول إمامته الشريفة. ولكن الإمام الرضا (ع) بما أوتي من صفات وملكات لم يمنع ذلك من أن ينكر بعض الشيعة إمامته وقد عرفوا بالواقفية، لأنهم وقفوا على إمامة الإمام موسى بن جعفر (ع) ولم يقبلوا إمامة الرضا (ع).

دور النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) في تثبيت الإمامة

ويمكن القول أن ثبات خط الإمامة بعد رسول الله (ص) يرجع إلى النبي (ص) نفسه حيث كان في قمة هذا الهرم، وقد بلغ الإسلام بشتى أبعاده، من التوحيد والعدل والنبوة والإمامة والمعاد. فهو دين كامل لا يتجزأ، والذي يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض هو بعيد عن خط الإسلام وعن خط أهل البيت (ع). إن الذي ينكر واجبا كالوضوء عن وعي والتفات وهو جزء من الأحكام الشرعية يخرج بذلك من الدين، فكيف بالذي ينكر أصلا من أصوله، ويجعل الخط الرسالي بعد النبي (ص) منفصلا عما قبله، والحال أن حاجة الأمة للقائد في زمن النبي (ص) لا تختلف عن حاجتها فيما بعد رحيل النبي (ص).

وكان لكل إمام دور في تثبيت خط الإمامة واستمراره. فقد قام الحسين (ع) بتثبيت هذا الخط بدمه وثورته، وقام علي بن الحسين (ع) من بعده بالدعاء والمناجاة بتثبيت الإمامة وأما الباقر والصادق (ع) فقد أثبتوا هذا الخط بالكلمة، والإمام موسى بن جعفر (ع) بتحمل الظلم والسجن، ولذلك قد أصبحت الإمامة خطا واضحا في حياة الأمة؛ إذ لم يعارض الإمام الرضا (ع) أحد عندما نص على إمامة الجواد من بعده. وقد كانت إمامة الإمام الجواد (ع) بداية لعصر جديد وهو عصر غيبة المعصوم، فقد استشهد الإمام الجواد والأئمة من بعده (ع) في سن مبكرة، وأصبحت الأمة على استعداد لزمان الغيبة بعد إرساء الأسس من قبل المعصومين قبل ذلك.

وقد أصبح لهذا الخط إلى يومنا هذا منهجه وسلوكه الخاص به، وقد نضج فقهه إلى أكبر حد ممكن، بالإضافة إلى أصوله وتاريخه ورجاله وفلسفته، وكلامه، ولذلك لا نواجه مشاكل كبيرة في زمن غيبة إمامنا (عج) في هذه المجالات والفقهاء يكملون مسيرة الإمام (عج).

الدليل القرآني لاستلام الإمام الجواد (ع) الإمامة في سن مبكرة

ولم ينفرد الإمام الجواد (ع) باستلام الإمامة وقيادة الأمة في سن مبكرة؛ فقد ذكر القرآن الكريم العناية الإلهية بصبيين تسلما منذ نعومة الأظفار الرسالة الإلهية، فقد قال سبحانه عن النبي يحيى (ع): (وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا)[١]. وعندما قال القوم لمريم (ع): (كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا)[٢]. أجابهم النبي عيسى في المهد وقال: (إنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا)[٣].

ومن الصفات التي اشتهر بها الإمام الجواد (ع) صفة الكرم والجود، حتى بقب بجواد الأئمة، وقد كان باب المراد والحوائج طيلة القرون المتمادية. والكرم من الصفات التي لا ينفك عنها المؤمن، ولو وجدت مؤمنا بخيلا ممسكا فاعلم أن هناك خلل في إيمانه. إن المؤمن يتعامل بالأموال على أنها أمانة بيده لا مالكا لها. وكيف يملك موارد الطبيعة من لا يملك نفسه وروحه؟ وهل تملك رصيدا في البنك وأنت مستخلف على المال وأمين عليه ليس إلا؟

ولذلك إن المؤمن يدفع الخمس من ملايين الدراهم لا يشعر بشيء من العجب والرياء. فإذا كان لديك شريك وقد أعطاك ملايين الدراهم ثم طلب منك خمس هذه الأموال تدفعها إلي الفقراء هل كنت تتلكأ في دفعها إليه وهل كنت تمن على الله عز وجل في دفعك الملايين؟ وينبغي أن يعتقد المؤمن أن المال ينتقل من إنسان لآخر، وأن المال سينتقل بعده إلى ذريته وفيهم الفاسق فلا يحق له أن يطالب بشيء من هذه الأموال، إذ كان بإمكانه وهو في الدنيا أن يصرفها في وجوه الخير وفيما يكسبه الخلود في الدنيا. وإذا تصفحنا القرآن استيقنا بفناء كل شيء إلا وجه الله سبحانه، فقد قال تعالى: (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ)[٤]. ويبقى من الأعمال ما كانت لوجه الله سبحانه وتعالى.

الإنفاقات الخالدة في القرآن الكريم

وقد خلد القرآن الكريم إنفاقات ثلاثة كانت لوجهه وهي أمور بسيطة لم تكلف فاعلها شيئا. أولها، القربان الذي قربه هابيل لله سبحانه، وثانيها، الإنفاق الذي قام به كل من أمير المؤمنين (ع) والزهراء (س) والحسنين (ع)، والذي ذكر الله سبحانه ذلك في سورة الدهر وهو الطعام الذي قدموه للمسكين واليتيم والأسير: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا)[٥]. وثالثها، التصدق بالخاتم أثناء الصلاة وفي الركوع من قبل أمير المؤمنين (ع)، وهذه أمور خلدت لأنها كانت لوجهه سبحانه، ولا زال الطريق مفتوحا أمام المؤمنين.

السؤال ذل ولو أين الطريق..!

والمؤمن بصورة عامة لا يطلب من الناس شيئا، ولا يسأل إلا عند الحاجة الشديدة، وقد روي أن أصحاب رسول الله (ص) كان يقع من يد أحدهم السوط وهو على دابته لا يطلب من أحد أن يناوله السوط، فينزل بنفسه من على دابته – وهي عملية ليست بالسهلة – ويتناول سوطه، لأن رسول الله (ص) أدبهم بذلك. فلا يحسن بالمؤمن أن يريق ماء وجهه لكل صغيرة وكبيرة، وقد قرأنا في سيرة كبار العلماء أنهم كانوا يباشرون أحيانا الأعمال المنزلية بأنفسهم ولا يتخذون من زوجاتهم جوار يتأمرون عليهن وإذا اضطروا للطلب، يعتذرون منهم سلفن قبل الطلب، كما يقال: أن السؤال ذل ولو أين الطريق؟! فخذ بيدك خريطة أو بوصلة ولا تطلب من أحد أن يدلك على الطريق، خصوصا من غير المسلمين.

السعي في قضاء الحوائج

يقول الإمام السجاد (ع) في دعاء مكارم الأخلاق: (وَأَجْرِ لِلنَّاسِ عَلَى يَدِيَ اَلْخَيْرَ)[٦]، وهكذا هو المؤمن يطلب من الله سبحانه أن يكون سببا في نجاح الحوائج والتفريج عن كرب المؤمنين. ولذلك ورد عن الإمام الحسين (ع) أنه قال: (اِعْلَمُوا أَنَّ حَوَائِجَ اَلنَّاسِ إِلَيْكُمْ مِنْ نِعَمِ اَللَّهِ عَلَيْكُمْ فَلاَ تَمَلُّوا اَلنِّعَمَ فَتَتَحَوَّلُ إِلَى غَيْرِكُمْ)[٧]، فإذا جاءك المؤمن في حاجة اشكر الله عز وجل أن جعلك وسيلة في إنجاحها، ولا تتذمر فقد تحول عنك إلى غيرك. فإذا كان بإمكانك أن تسعى في حاجة أخيك ولو بكلمة تتوسط له بها عند أحدهم فافعل ذلك، ولا تنتظر النتيجة، فما عليك إلا السعي قضيت حاجته أم لم تقضى، فقد روي عن النبي الأكرم (ص): (مَنْ سَعَى لِمَرِيضٍ فِي حَاجَةٍ قَضَاهَا أَوْ لَمْ يَقْضِهَا خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ)[٨]

الكرم من منظار سلمان الفارسي رحمه الله

والكرم تارة يقابل البخل وتارة يقابل اللئم. وهناك من هو كريم في بذل مال ولكنه ليس كريم الطبع؛ فهو إنسان حسود، يقابل الإساءة بأضعافها ويحفظ سلبيات الآخرين لعشرات السنين، ولا ينظر إلى الحياة إلا من منظار الأخذ لا العطاء. واللئم من الصفات النفسية القبيحة، فقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (وَقَعَ بَيْنَ سَلْمَانَ اَلْفَارِسِيِّ رَحِمَهُ اَللَّهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ كَلاَمٌ وَخُصُومَةٌ فَقَالَ لَهُ اَلرَّجُلُ مَنْ أَنْتَ يَا سَلْمَانُ فَقَالَ سَلْمَانُ أَمَّا أَوَّلِي وَأَوَّلُكَ فَنُطْفَةٌ قَذِرَةٌ وَأَمَّا آخِرِي وَآخِرُكَ فَجِيفَةٌ مُنْتِنَةٌ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ اَلْقِيَامَةِ وَوُضِعَتِ اَلْمَوَازِينُ فَمَنْ ثَقُلَ مِيزَانُهُ فَهُوَ اَلْكَرِيمُ وَمَنْ خَفَّ مِيزَانُهُ فَهُوَ اَللَّئِيمُ)[٩].

ومن المؤلم ومن مصاديق اللؤم أن يتم تصنيف الأفراد بحسب المواطنة أو الجنس واللون وما شابه ذلك، وهي أمور لا قيمة لها بالمقياس القرآني فقد قال سبحانه: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)[١٠]. وقد كان سلمان الفارسي من بلاد غير عربية فكانوا يعيرونه بأصله فوصفه النبي (ص) بسلمان المحمدي، وقد بين رحمه الله من خلال كلامه هذا أن قيمة الإنسان الذي بدايته نطفة قذرة ونهايته جيفة منتنة لا ينبغي له التفاخر. إن الإنسان لو ترك ليوم واحد بعد الموت لتحاشاه الناس من شدة نتنه، حتى وإن كان الميت أجمل نساء العالم، وإنك لترى الذين يحملون جنازته يحملونها بأطراف أصابعهم ويلبسون الكمامات تقززا منه.

ولا بد أن ينتبه الإنسان في إنفاقه إلى الفقراء الذين فاجأهم الفقر، فقد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (اِرْحَمُوا ثَلاَثاً: عَزِيزَ قَوْمٍ ذَلَّ، وَغَنِيَّ قَوْمٍ اِفْتَقَرَ، وَعَالِماً تَتَلاَعَبُ بِهِ اَلْجُهَّالُ)[١١]. فقد يكون في الفقراء من يتكسب بذلك ولكن هناك من افتقر في سبيل الله أو هاجر في سبيل الله فهو عظيما عند الله ولا بد أن يكرم ويحترم. وقد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (رُدُّوا اَلسَّائِلَ بِبَذْلٍ يَسِيرٍ وَبِلِينٍ وَرَحْمَةٍ)[١٢]. وللأسف الشديد هناك من يعامل الفقراء أو يواجههم بمواجهة غير لائقة ويزيده حرقة وذلة إلى ذلته وخاصة أمام الآخرين، بل ينبغي أنن يدعو له بالفرج إن لم يكن عنده ما يعطيه، وقد أخفى الله عز وجل أوليائه بين عباده فلا يحتقر عبدا فيكون ولي من أولياء الله فيصيبه ما أصاب آل يعقوب.

[١] سورة مريم: ١٢.
[٢] سورة مريم: ٢٩.
[٣] سورة مريم: ٣٠.
[٤] سورة القصص: ٨٨.
[٥] سورة الدهر: ٩.
[٦] الصحیفة السجادیة  ج١ ص٩٢.
[٧] مستدرك الوسائل  ج١٢ ص٣٦٩.
[٨] وسائل الشیعة  ج٢ ص٤٢٧.
[٩] بحار الأنوار  ج٢٢ ص٣٥٥.
[١٠] سورة الحجرات: ١٣.
[١١] بحار الأنوار  ج٢ ص٤٤.
[١٢] وسائل الشیعة  ج٩ ص٤٢٠.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • لا بد أن ينتبه المؤمن في إنفاقه إلى الفقراء الذين فاجأهم الفقر، فقد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (اِرْحَمُوا ثَلاَثاً: عَزِيزَ قَوْمٍ ذَلَّ، وَغَنِيَّ قَوْمٍ اِفْتَقَرَ، وَعَالِماً تَتَلاَعَبُ بِهِ اَلْجُهَّالُ) .
  • المؤمن بصورة عامة لا يطلب من الناس شيئا، ولا يسأل إلا عند الحاجة الشديدة، وقد روي أن أصحاب رسول الله (ص) كان يقع من يد أحدهم السوط وهو على دابته لا يطلب من أحد أن يناوله السوط، فينزل بنفسه من على دابته – وهي عملية ليست بالسهلة – ويتناول سوطه، لأن رسول الله (ص) أدبهم بذلك.
Layer-5.png