- ThePlus Audio
كيف نحل الخلافات الزوجية؟
بسم الله الرحمن الرحيم
ضرورة الحديث عن الخلافات الزوجية
إن من الضروري تناول مسألة الخلافات الزوجية بين فترة وأخرى، لأنها من الملفات الساخنة في حياة المتزوجين، كما أن الانحرافات الأخلاقية هي من الملفات الساخنة في حياة غير المتزوجين. وذلك ليكون هذا الحديث بمثابة الصيانة لهذا البناء المقدس، إضافة الى أن هنالك مستجدات دائما في المشاكل والحلول. ونعتقد أن بذور الخلاف موجودة في كثير من الأسر، إلا انها تنتظر الأجواء الملائمة للاستنبات، وقديما قالوا: الوقاية خير من العلاج.
ونتمنى من كل من يستمع إلى هذا الحديث أو يصله بطريقة أو أخرى؛ أن لا يلتقط منه ما يدين به الطرف الآخر، وإلا سوف يصبح الحديث غير فاعل في تغيير الواقع الذي ينبغي تغييره، بل إننا نطرح نقاطا للتأمل بين الزوجين، ليكون التفكير منصبا على تغيير الواقع، لا أن نجعل الآخر في قفص الاتهام.
إن المصيبة الكبرى في الخلافات الزوجية، تكمن في الضمور التدريجي في الجانب الروحي لكلا الزوجين، إضافة إلى إصابة الجهاز العصبي بالخلل والاضطراب، وذلك لأن البال المشتت من مشاكل الحياة، لا يدع لصاحبه فرصة للتفكير في الأمور المرتبطة بالمبدأ والمعاد.
إن من الآثار المهلكة للخلافات الزوجية؛ تحقق أرضية خصبة للظلم والتعدي، وهي بدورها تحقق أرضية الطرد من الرحمة الإلهية، وقد قال سبحانه: (أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ)[١]فإن الله تعالى يمهل ولا يهمل، وقد يصل العبد بعد مرحلة من المعصية إلى هذه العاقبة الوخيمة التي وردت في قول المصطفى (ص): (يَهْوِي بِهَا أَبْعَدَ مِنَ اَلثُّرَيَّا)[٢].
إن الأولاد في السنين الأولى من أعمارهم ، ينظرون إلى الأبوين على أنهما القدوة في الحياة، فإذا اقترنت حياتهما بشيء من الظلم المتبادل، مع ما يصاحبه من المعاصي القولية والفعلية، فإنهم سيصابون بنكسة لا شعورية تجاه كل ما يرتبط بالدين وأهله ، وذلك عندما تتهاوى في نظرهم تلك الرموز التي تمثل عندهم الدين.
إن دائرة الخلاف الزوجي لا تنحصر بين الزوجين فحسب، بل تتعدى – ولو من دون قصد – الى عائلتيهما؛ مما يسبب شرخا واسعا في المجتمع، وهو بدوره يهيئ الأرضية لمختلف المفاسد الاجتماعية من: الغيبة، والنميمة، والتشهير، والتسقيط، وغير ذلك مما نحسبه هيناً، وهو عند الله عظيم.
إن العلاقة الزوجية ليست من قبيل المعاملة، لكي يتسلط أحدهما على الآخر تسلط المالك على بضاعته، وليست من قبيل العقود المؤقتة، كي يفكر أحدهما بالتخلص من الآخر متى شاء ذلك، بل تمثل قمة التمازج بين الروحين، وهو معنى وصفهما بـ (الزوجية)، فكما أن خصوصياتهما الفردية تنصهر في الخلية الأولى المخصبة، والتي هي مقدمة لكائن بشري آخر، فإنه ينبغي بموازاة ذلك ايضا، أن يتخليا عن الأنانية داخل العش الزوجي، وبذلك تتحول الأم – بروحها – إلى حاضنة لروح الولد، كما كانت – برحمها – في يوم من الأيام حاضنة لجسمه .
تتجلى أهمية هذا البحث عندما نعلم أن بركات الأسرة السعيدة، لا تنحصر في هذه الحياة الدنيا فحسب، بل تتعدى إلى الآخرة فقد قال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ)[٣] فهو استثمار لا يقاس به أي استثمار في هذه الدنيا. وقد أخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إذا دخل الرجل الجنة سأل عن أبويه وذريته وولده فيقال: إنهم لم يبلغوا درجتك وعملك فيقول: يا رب قد عملت لي ولهم فيؤمر بإلحاقهم به)[٤].