الخطبة التاسعة والأربعون بعد المائة من خطب أميرالمؤمنين عليه السلام المذكورة في كتاب نهج البلاغة يبين فيها أنه لا مفر للموت وأنه ينتظر الشهادة بفارغ الصبر فقد وعده النبي (صلى الله عليه وآله) الشهادة وأخبره عن تفاصيل ذلك ثم يبين لهم أن في رحيله من العبر أكثر من وجوده بينهم وذلك بعد سكون أطرافه وصمته بعد بلاغته.
فهرس نهج البلاغة
فهرس الخطب نهجالبلاغة
فهرس الكتب نهجالبلاغة
- نهج البلاغة
- » الخطب »
- الخطبة ١٤٩
من كلامه عليه السلام قبل شهادته
قبل شهادته
أَيُّهَا النَّاسُ كُلُّ امْرِئٍ لَاقٍ مَا يَفِرُّ مِنْهُ فِي فِرَارِهِ، الْأَجَلُ مَسَاقُ النَّفْسِ وَالْهَرَبُ مِنْهُ مُوَافَاتُهُ. كَمْ أَطْرَدْتُ الْأَيَّامَ أَبْحَثُهَا عَنْ مَكْنُونِ هَذَا الْأَمْرِ، فَأَبَى اللَّهُ إِلَّا إِخْفَاءَهُ، هَيْهَاتَ عِلْمٌ مَخْزُونٌ. أَمَّا وَصِيَّتِي، فَاللَّهَ لَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَمُحَمَّداً صلی الله علیه وآله فَلَا تُضَيِّعُوا سُنَّتَهُ. أَقِيمُوا هَذَيْنِ الْعَمُودَيْنِ وَأَوْقِدُوا هَذَيْنِ الْمِصْبَاحَيْنِ وَخَلَاكُمْ ذَمٌّ مَا لَمْ تَشْرُدُوا. حُمِّلَ كُلُّ امْرِئٍ مِنْكُمْ مَجْهُودَهُ وَخُفِّفَ عَنِ الْجَهَلَةِ. رَبٌّ رَحِيمٌ وَدِينٌ قَوِيمٌ وَإِمَامٌ عَلِيمٌ. أَنَا بِالْأَمْسِ صَاحِبُكُمْ وَأَنَا الْيَوْمَ عِبْرَةٌ لَكُمْ وَغَداً مُفَارِقُكُمْ، غَفَرَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ. إِنْ تَثْبُتِ الْوَطْأَةُ فِي هَذِهِ الْمَزَلَّةِ فَذَاكَ، وَإِنْ تَدْحَضِ الْقَدَمُ فَإِنَّا كُنَّا فِي أَفْيَاءِ أَغْصَانٍ وَ[مَهَبِ] مَهَابِّ رِيَاحٍ وَ تَحْتَ ظِلِّ غَمَامٍ اضْمَحَلَّ فِي الْجَوِّ مُتَلَفَّقُهَا وَعَفَا فِي الْأَرْضِ مَخَطُّهَا. وَإِنَّمَا كُنْتُ جَاراً جَاوَرَكُمْ بَدَنِي أَيَّاماً وَسَتُعْقَبُونَ مِنِّي جُثَّةً خَلَاءً سَاكِنَةً بَعْدَ حَرَاكٍ وَصَامِتَةً بَعْدَ نُطْقٍ لِيَعِظْكُمْ هُدُوِّي وَخُفُوتُ إِطْرَاقِي وَسُكُونُ أَطْرَافِي، فَإِنَّهُ أَوْعَظُ لِلْمُعْتَبِرِينَ مِنَ الْمَنْطِقِ الْبَلِيغِ وَالْقَوْلِ الْمَسْمُوعِ. وَدَاعِي لَكُمْ وَدَاعُ امْرِئٍ مُرْصِدٍ لِلتَّلَاقِي. غَداً تَرَوْنَ أَيَّامِي وَيُكْشَفُ لَكُمْ عَنْ سَرَائِرِي وَتَعْرِفُونَنِي بَعْدَ خُلُوِّ مَكَانِي وَقِيَامِ غَيْرِي مَقَامِي.