الخطبة التاسعة والتسعون من خطب أميرالمؤمنين عليه السلام المذكورة في كتاب نهج البلاغة يحمد فيها الله (تعالى) ويحذر فيها الدنيا المبلية للأجسام والتركة لمن تعلق بها ويذم التنافس فيها والركون إلى زينتها ونعيمها فكل شيء فيها آيل إلى الفناء والزوال ثم في نهايتها يأمر بتذكر الموت على كل حال فهو المعين على الانقطاع عن الدنيا وترك ما فيها.
فهرس نهج البلاغة
فهرس الخطب نهجالبلاغة
فهرس الكتب نهجالبلاغة
- نهج البلاغة
- » الخطب »
- الخطبة ٩٩
من خطبة له عليه السلام في التزهيد من الدنيا
في التزهيد من الدنيا
نَحْمَدُهُ عَلَى مَا كَانَ وَنَسْتَعِينُهُ مِنْ أَمْرِنَا عَلَى مَا يَكُونُ وَنَسْأَلُهُ الْمُعَافَاةَ فِي الْأَدْيَانِ كَمَا نَسْأَلُهُ الْمُعَافَاةَ فِي الْأَبْدَانِ.
عِبَادَ اللَّهِ، أُوصِيكُمْ بِالرَّفْضِ لِهَذِهِ الدُّنْيَا التَّارِكَةِ لَكُمْ وَإِنْ لَمْ تُحِبُّوا تَرْكَهَا، وَالْمُبْلِيَةِ لِأَجْسَامِكُمْ [أجسادكم] وَإِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ تَجْدِيدَهَا، فَإِنَّمَا مَثَلُكُمْ وَمَثَلُهَا كَسَفْرٍ سَلَكُوا سَبِيلًا فَكَأَنَّهُمْ قَدْ قَطَعُوهُ وَأَمُّوا عَلَماً فَكَأَنَّهُمْ قَدْ بَلَغُوهُ وَكَمْ عَسَى الْمُجْرِي إِلَى الْغَايَةِ أَنْ يَجْرِيَ إِلَيْهَا حَتَّى يَبْلُغَهَا وَمَا عَسَى أَنْ يَكُونَ بَقَاءُ مَنْ لَهُ يَوْمٌ لَا يَعْدُوهُ وَطَالِبٌ حَثِيثٌ مِنَ الْمَوْتِ يَحْدُوهُ وَمُزْعِجٌ فِي الدُّنْيَا حَتَّى يُفَارِقَهَا رَغْماً. فَلَا تَنَافَسُوا فِي عِزِّ الدُّنْيَا وَفَخْرِهَا وَلَا تَعْجَبُوا بِزِينَتِهَا وَنَعِيمِهَا وَلَا تَجْزَعُوا مِنْ ضَرَّائِهَا وَبُؤْسِهَا، فَإِنَّ عِزَّهَا وَفَخْرَهَا إِلَى انْقِطَاعٍ وَإِنَّ زِينَتَهَا وَنَعِيمَهَا إِلَى زَوَالٍ وَضَرَّاءَهَا وَبُؤْسَهَا إِلَى نَفَادٍ، وَكُلُّ مُدَّةٍ فِيهَا إِلَى انْتِهَاءٍ وَكُلُّ حَيٍّ فِيهَا إِلَى فَنَاءٍ. أَوَ لَيْسَ لَكُمْ فِي آثَارِ الْأَوَّلِينَ مُزْدَجَرٌ وَفِي آبَائِكُمُ الْمَاضِينَ تَبْصِرَةٌ وَمُعْتَبَرٌ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ، أَوَ لَمْ تَرَوْا إِلَى الْمَاضِينَ مِنْكُمْ لَا يَرْجِعُونَ وَإِلَى الْخَلَفِ الْبَاقِينَ لَا يَبْقَوْنَ، أَوَ لَسْتُمْ تَرَوْنَ أَهْلَ الدُّنْيَا يُصْبِحُونَ وَيُمْسُونَ عَلَى أَحْوَالٍ شَتَّى، فَمَيِّتٌ يُبْكَى وَآخَرُ يُعَزَّى وَصَرِيعٌ مُبْتَلًى وَعَائِدٌ يَعُودُ وَآخَرُ بِنَفْسِهِ يَجُودُ، وَطَالِبٌ لِلدُّنْيَا وَالْمَوْتُ يَطْلُبُهُ وَغَافِلٌ وَ لَيْسَ بِمَغْفُولٍ عَنْهُ وَعَلَى أَثَرِ الْمَاضِي [الماضيين] مَا يَمْضِي الْبَاقِي!
أَلَا فَاذْكُرُوا هَاذِمَ اللَّذَّاتِ وَمُنَغِّصَ الشَّهَوَاتِ وَقَاطِعَ الْأُمْنِيَاتِ عِنْدَ الْمُسَاوَرَةِ [المشاورة] لِلْأَعْمَالِ الْقَبِيحَةِ، وَاسْتَعِينُوا اللَّهَ عَلَى أَدَاءِ وَاجِبِ حَقِّهِ وَمَا لَا يُحْصَى مِنْ أَعْدَادِ نِعَمِهِ وَإِحْسَانِهِ.