Search
Close this search box.
  • ThePlus Audio
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

بحث حول النفس اللوامة والمطمئنة

بسم الله الرحمن الرحيم

لا أقسم..!

لقد تحدث القرآن الكريم عن النفس اللوامة في سورة القيامة. يقول سبحانه: (لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ)[١]. تصور إنسانا دخل إلى المحكمة ومثل أمام القاضي؛ ثم بعد اللتيا واللتي يطلب منه أن يقسم فلم يفعل وقال: إنني لا أقسم أن فلانا بريء. وهنا ألا يقال له: ما الذي جاء بك ما دمت لا تريد أن تقسم؟ فبقوله سبحانه: لا أقسم قد انتفى الغرض. فلماذا يقول سبحانه لا أقسم ومن المفروض أن يقول: أقسم بيوم القيامة؟ إن لهذا القسم نظير في القرآن الكريم كقوله سبحانه: (لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ)[٢] وما شابه ذلك والجواب على ذلك: أن الأمر الذي يقسم من أجله القرآن هو من البداهة بمكان لا يحتاج فيه إلى قسم. وقد تذهب إلى المنزل وتقول لزوجتك: لقد ارتكبت اليوم حراما مع أجنبية. فتقول لك: أقسم. فتقول لها: لا أقسم لأن الأمر واضح لا يحتاج إلى قسم.

النفس اللوامة

وقد يكون المراد من لا أقسم أنه يقسم؛ أي أقسم بيوم القيامة على أنها واقعة والأمر بخلاف ما يظن البعض: (أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ)[٣]، وهل رأيت من يقسم على الشيء نفسه؟ ثم يقول سبحانه: (وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) لينبهنا على وجود العلاقة بين هذه النفس وبين قيامة مميزة؛ فبهذه النفس اللوامة يحصل الإنسان على الأمان يوم القيامة. وكم من الجميل أن يعيش الإنسان هذه الحالة وهي أن تلومه نفسه على أصغر الأخطاء التي تصدر منه لا الذنوب الكبرى. فقد نرى من يتفوه بكلمة لا يفهمها منه الطرف المقابل فينكسر قلبه؛ فلا ينام الليل لما يعيش من تأنيب الضمير ويقول: أينام فلان مسهدا وأنام قرير العين؟ إنه لم يرتكب خطأ أو إثما لا صغيرا ولا كبيرا ولكن نفسه اللوامة تحرمه من النوم في ليلته.

لا تقتل النفس اللوامة في داخلك

وقد ترى بعض المؤمنين يصدم قطة في الطريق ولا يدري أنها جرحت أم ماتت فيظل أياما يعيش وخز الضمير ولوم النفس والبعض يرتكب المجاز العظيمة بدم بارد من دون أن تهتز له قصبة..! والنفس اللوامة من النعم الكبرى على الإنسان. وقد يعد أحدهم المنبه للقيام إلى صلاة الليل ثم يسكته مرة ومرتين حتى يعود إلى النوم وهو غير مكترث للقيام وهذه هي النفس اللوامة والذي يخشى من موت القط في يوم من الأيام يصل به الأمر في بعض الأيام أن يذبح بريئا بدم بارد وهكذا هم الطغاة فأول أمرهم لم يكونوا كذلك وإنما يصل الأمر بهذه النفس اللوامة أن تقف عن العمل ويصل الإنسان إلى درجة يتجلى الشيطان في من خلال وجوده وتصبح نفسه كالشيطان.

النفس المطمئنة وكيفية الوصول إليها

ولكن ما هي النفس المطئنة التي ذكرها القرآن الكريم مرة واحدة في سورة الفجر حيث قال: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي)[٤]. وينبغي أن نعبر النفس الأمارة وبعدها النفس اللوامة ونصل إلى النفس المطئمنة ولو قبل أسبوع من موتنا؛ فالإنسان يحشر على آخر درجة حازها لا أول درجة. إن النفس المطمئنة هي النفس التي لا يعتريها قلق ولا اضطراب.

ولكن كيف يمكن ذلك؟ يقول سبحانه: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)[٥]؛ فكن لله وليا وارتبط بالمطلق لتحصل على هذه النفس وقد قال سبحانه: (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)[٦] وأهل البلاغة يعلمون ما في هذه الآية من صنوف التأكيد الذي قل نظيره. إن (ألا) هي أداة تنبيه؛ أي انتبه وهي تشبه جرس المطار عند الإعلان عن أي شيء. وذكر الله جار ومجرور وقد قدم سبحانه الجار والمجرور وتقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر. والقلوب جمع و(ال) يفيدان العموم؛ أي ليس هنالك قلب يطمئن بغير الذكر.

إن أحد المؤمنين اشتغل ببناء ما يشبه القصر لنفسه وقد طلب مني بعد أن سكن فيه أن أزوره وقد كان رجلا صالحا فقلت له كيف حالك؟ قال: لقد أصابتني كآبة في هذا القصر، وهكذا الأمر في شهر العسل أو عند الزواج أو عند شراء دابة حديثة أو عند تغيير الأثاث في المنزل حيث يظن البعض أنهم بذلك يحصلون على الاطمئنان القلبي ولكن القرآن الكريم يقول: (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ). فلا تبحث عن السراب وكن واقعيا فلن تجد الاطمئنان إلا عند صاحب الاطمئنان.

ولكن كيف أصل إلى هذه النفس المطمئنة؟ إن الطريق إليها ذكر الله عز وجل وعلى رأسه الصلاة. فإن أتقنت هذه الصلوات اليومية التي هي من أمتع مواقف الوجود والتي لا نعرف حقيقتها إلا في القبر والقيامة ثم نتحسر بعد ذلك على الصلوات التي صليناها بغفلة أو لم نصلها في مسجد وجماعة؛ بل صليناها في غرفة النوم فرادى مثلا؛ فإنك بهذه الصلوات تصل إلى مبتغاك.

ثم يقول سبحانه: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ)؛ ولم يقل سبحانه في البدء: ارجعي إلى جنتي وإنما قال: ارجعي إلى ربك الذي كنت تعشقينه وكنت تطلبينه فقد وصلت الآن. ثم يقول: (فادخلي في عبادي)؛ والآن تنعمي بلقاء أوليائي ومرافقة النبي محمد وآله (ع) ثم يقول سبحانه بعد ذلك: (فادخلي جنتبي) أي انشغلي الآن أيتها النفس بالحور والغلمان. والطريق هو ما ذكره سبحانه في قوله: (راضية مرضية)؛ أي أن السبيل إلى ذلك رضوان الله عز وجل والتسليم لقضائه وقدره.

المصداق الأتم للنفس المطمئنة

وأتم مصداق لهذه الآية هو سيد الشهداء (ع)؛ فهو صاحب الذكر المتميز في ميدان القتات حيث ما فتأ لسانه لهجا بذكر الله عز وجل حتى قال قاتله: (وَلَقَدْ شَغَلَنِي نُورُ وَجْهِهِ وَجَمَالُ هَيْئَتِهِ عَنِ اَلْفِكْرَةِ فِي قَتْلِهِ)[٧]؛ ألم يأت هذا النور من الذكر ومن الرضا بما جرى عليه حيث كان يرى كلما وقع عليه جميلا؟

[١] سورة القيامة: ١-٢.
[٢] سورة البلد: ١.
[٣] سورة القيامة: ٣.
[٤] سورة الفجر: ٢٧-٣٠.
[٥] سورة يونس: ٦٢.
[٦] سورة الرعد: ٢٨.
[٧] اللهوف  ج١ ص١٢٨.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • لم يقل سبحانه في البدء: ارجعي إلى جنتي وإنما قال: ارجعي إلى ربك الذي كنت تعشقينه وكنت تطلبينه فقد وصلت الآن. ثم يقول: (فادخلي في عبادي)؛ والآن تنعمي بلقاء أوليائي ومرافقة النبي محمد وآله (ع) ثم يقول سبحانه بعد ذلك: (فادخلي جنتي) أي انشغلي الآن أيتها النفس بالحور والغلمان.
Layer-5.png