- ThePlus Audio
في رحاب السيدة فاطمة المعصومة (ع)
بسم الله الرحمن الرحيم
من زارها عارفا بحقها
حديثنا حول سيدة من سيدات أهل بيت النبوة، والتي قلما يُذكر اسمها، وإن كان البعض يكثر من زيارتها؛ ألا وهي السيدة فاطمة بنت موسى بن جعفر (ع). ومن المهم أن نجمع بين الزيارة والمعرفة، وكلمة عارفاً بحقها الواردة بشأنها جملة متكررة في زيارات أهل البيت (ع). ولهذه السيدة من المزايا ما يثير التعجب. فأولا: هذه السيدة كأمها فاطمة (ع) قد توفيت في ريعان شبابها شوقاً لزيارة أخيها الرضا (ع). لقد خرجت من المدينة وقطعت الفيافي والقفار ولكن الله عز وجل شاء أن يجعل لها محطة ثابتة إلى يوم القيامة.
إن الإمام الرضا (ع) لم يقل هذه الرواية من منطلق عاطفي لأنها مثلا أخته، حاشا. إنه لا ينظر بهذه النظرة، يقول: (يَا سَعْدُ مَنْ زَارَهَا فَلَهُ اَلْجَنَّةُ)[١]. وليست هذه الزيارة كزيارات الميت أو الميتة، وإنما هذه المرأة لها ما لها من الشأن. إن بعض الروايات كاشفة عن مقام عظيم وإن لم نكن مطلعين على أقوالها وما صدر عنها. فلا ننسى أن هذه السيدة هي تربية أبيها موسى بن جعفر (ع)، وهذه السيدة كانت تعيش مع أخيها علي بن موسى (ع). وماذا ستكون النتيجة إذا اهتم معصومان بإنسان؟
حياتها في كنف المعصومين
لقد نظر أمير المؤمنين (ع) وفاطمة إلى خادمتهما فضة نظرة الكرامة فكان لها فضلها وتاريخها الذي لا ينكر؛ فكيف بمن هي ابنة معصوم وأخت معصوم وعمة معصوم؟ إن الأبدان هي التي تذكر وتؤنث؛ فنقول هذا جسم رجل وهذا جسم أنثى ولكن في عالم الأرواح الأمر يختلف؛ فلا ذكورة ولا تأنيث. إن الأرواح لطيفة ربانية، وكما قال الشاعر:
هبطت إليك من المحل الأرفع
ورقاء ذات تعزز وتمنع
الدرجات العلى متاحة للجميع
إن البعض من النساء تلقن نفسها أنها معفية عن الدرجات العليا ولا يمكنها الوصول إليها والحال أن ذلك غير صحيح. انظروا إلى زكريا وهو رجل ونبي من أنبياء الله العظام ماذا تقول عنه الآية عن دخوله على مريم (س): (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا)[٢]، وهو عندما رأى مريم (س) تمنى الذرية وهو قوله تعالى: (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ)[٣]. وينقل التاريخ أن هذه السيدة أيضا عندما وردت إلى قم اتخذت لنفسها محرابا للعبادة وهو موجود إلى الآن في دار موسى بن الخزرج كما يذكر ذلك المؤرخون. ويبدو أن هذه السيدة هي كنظيرتها مريم وغيرها من النساء المتميزات، وقد كانت منقطعة إلى الله عز وجل. وعلى ما نعلم أنها لم تقترن برجل حتى وفاتها كمريم (ع).
تعويضنا بقبر المعصومة (عليها السلام)
لبعض المحققين كلمة جميلة يقول فيها: إن رب العالمين عوضنا عن خفاء قبر فاطمة الزهراء (ع) بجلاء قبر فاطمة بنت موسى بن جعفر (ع). فما المانع عندما تأتي إلى مقامها أن تتوجه لزيارة فاطمة (ع)؟ إن رب العالمين شاء أن يكون هذا القبر معلوماً. ولمدينة قم قصة في التاريخ؛ فعندما أسري بالنبي (ص) في عالم المعراج تدل بعض الروايات أنه نظر إلى هذه البقعة وعلم أن فيها سراً من أسرار الله عز وجل؛ بالإضافة إلى ذلك؛ إن هذا السر ضارباً جذوره في أعماق التاريخ، ومجيء فاطمة (س) أيضا إلى هذه البقعة زادها شرافةً، وثالثا: وجود المدارس العلمية والرواة الذين جاءوا إلى هذه البلدة الطيبة أيضا أكسبتها شرافة.
فضل مدينة قم المقدسة
والروايات كثيرة في فضل الالتجاء والذهاب إلى هذه المنطقة المباركة. ويبدو من سياق الأحداث في زماننا هذا أن هذه البلدة آمنة علمياً ومن البلايا أيضا. منها: (اذا إِذَا عَمَّتِ اَلْبُلْدَانَ اَلْفِتَنُ فَعَلَيْكُمْ بِقُمَّ وَحَوَالَيْهَا وَنَوَاحِيهَا فَإِنَّ اَلْبَلاَءَ مَرْفُوعٌ عَنْهَا)[٤]. فهناك مديح لهذه البقعة الطاهرة من الأرض. والرواية صادقية، فهي صادرة عنه قبل ميلاد مولاتنا؛ وهو جد هذه السيدة. وكذلك له كلمة عن قم، وهي: (تُرْبَةُ قُمَّ مُقَدَّسَةٌ وأَهْلُهَا مِنَّا وَنَحْنُ مِنْهُمْ لاَ يُرِيدُهُمْ جَبَّارٌ بِسُوءٍ إِلاَّ عُجِّلَتْ عُقُوبَتُهُ)[٥].
وبحسب ما نقرأ في التاريخ؛ لا نشاهد أن قم – مثلا – حكمها جبار من الجبابرة، ومعروف قديما وحديثا أنها عش أهل البيت (ع). ثم يقول (ع): (أَمَا إِنَّهُمْ أَنْصَارُ قَائِمِنَا وَدُعَاةُ حَقِّنَا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى اَلسَّمَاءِ وَقَالَ اَللَّهُمَّ اِعْصِمْهُمْ مِنْ كُلِّ فِتْنَةٍ وَنَجِّهِمْ مِنْ كُلِّ هَلَكَةٍ).
لقاء أهل قم بالرضا (عليه السلام)
وكان الرضا (ع) في مواقف متعددة يبين فضل هذه البقعة؛ فيروى أن جماعة من أهل قم زاروا الرضا (ع) وسلموا عليه فرد عليهم وقربهم ثم قال لهم: (مَرْحَباً بِكُمْ وَأَهْلاً فَأَنْتُمْ شِيعَتُنَا حَقّاً)[٦]؛ أي أن هذه البلدة بالإضافة إلى تربتها المقدسة كما ورد ذلك في الرواية الصادقية؛ هناك مديح لمن يسكن فيها. ثم قال: (وَسَيَأْتِي عَلَيْكُمْ يَوْمٌ تَزُورُونِي فِيهِ تُرْبَتِي بِطُوسَ أَلاَ فَمَنْ زَارَنِي وَهُوَ عَلَى غُسْلٍ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ)[٧]. ما هذه الكرامة العظمى التي جعلها الله في هذه البقاع؟ لقد شاء رب العالمين أن يجعل لولدين من نسل موسى بن جعفر (ع) هذه المكانة كتعويض عن هذا السجن الطويل في أرض بغداد. لقد جعل علمين من أعلام الهداية؛ أحدهما إمامنا الرضا (ع) والآخر فاطمة بنت موسى بن جعفر (ع) من نسله.
خلود ذكر فاطمة المعصومة (عليها السلام)
إن رب العالمين شكور، وهو أوفى الأوفياء؛ فقد بنى إبراهيم الخليل له بيتاً لم يكلفه شيئا حيث جلب الحجارة من جبال مكة وجعلها على بعضها البعض، ولكن الله خلد ذكر هذه العائلة حيث قال: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[٨] . إن فاطمة بنت موسى بن جعفر (ع) قد خرجت من المدينة، وتغربت وأوذيت في هذا السفر إلى أرض قم؛ ولكن الله عز وجل خلد ذكرها أيضا فهو شكور وفيٌ، ومن قدم له قرباناً ومن عمل له فعلاً أو صنيعا يخلد ذكره في الدنيا قبل الآخرة.
خلاصة المحاضرة
- لبعض المحققين كلمة جميلة يقول فيها: إن رب العالمين عوضنا عن خفاء قبر فاطمة الزهراء (ع) بجلاء قبر فاطمة بنت موسى بن جعفر (ع). فما المانع عندما تأتي إلى مقامها أن تتوجه لزيارة فاطمة (ع)؟ إن رب العالمين شاء أن يكون هذا القبر معلوماً.