- ThePlus Audio
فضائل الأشهر الثلاثة
بسم الله الرحمن الرحيم
فضائل الأشهر الثلاثة وارتباطها بالعشر الأولى من ذي الحجة
إن الله سبحانه جعل محطات للعباد يتوجهون فيها إليه، واختصها ببعض الأعمال دون غيرها. ومن هذه المحطات، الأشهر الثلاثة؛ شهر رجب وشهر شعبان وشهر رمضان. ولكن كيف ينبغي لنا أن نتعامل مع هذه الأشهر الثلاثة؟ وما هي فلسفة جعل أشهر ثلاثة من قبل الله عز وجل لتكون منطلقا لسمو الإنسان وتكامله؟ وقد اختصت هذه الأشهر بأعمال منها الغسل وزيارة الحسين (ع) وكثرة الصلاة والصيام. وهناك شبه وترابط بين هذه الأشهر الثلاثة وبين العشر الأولى من شهر ذي الحجة.
الأشهر الثلاثة والعشر الأوائل من ذي الحجة
إن الله سبحانه قد جعل محطتين في السنة، إحداهما طويلة تبدأ من شهر رجب إلى آخر شهر رمضان المبارك. والأخرى محطة قصيرة وهي الأيام العشر الأوائل من شهر ذي الحجة. أما المحطة الأولى أو الموسم العبادي الأول هو موسم طويل فهو قرابة مائة وعشرين يوما، وفيها متسع للعمل بصورة تدريجية، وهو موسم زماني لا مكاني كالعشر الأولائل من ذي الحجة التي تختص بالحجاج ولا تكون متاحة للجميع، وهي أيام معدودة. وقد جعل سبحانه في هذه الأشهر الثلاثة؛ دورة تدريبية لجميع المؤمنين والمؤمنات الذين شهدوا هلال رجب الذي يهل على جميع أهل الأرض ولا يختص بإنسان دون آخر.
الدورة التدريبية في هذه الأشهر الثلاثة
وقد جعل سبحانه في هذه الأشهر الثلاثة محطات متميزة مركزة لمن لا ينشط في العبادة ولا يستطيع صيام جميع أيام هذه الشهور، منها ليلة الجمعة الأولى من شهر رجب، ومولد أمير المؤمنين (ع)، والمبعث النبوي الشريف في ختام هذا الشهر. وكذلك المنتصف من شهر شعبان، وغيرها من المحطات المهمة في هذه الشهور. وإذا أردنا أن نقطف ثمار هذه الأشهر الثلاثة، ينبغي أن نتصور أنفسنا أننا في دورة تدريبية متكاملة وفي مدرسة تربوية لمدة ثلاثة أشهر. إن أحدنا قد يذهب إلى أقصى البلاد للدخول في بعض الدورات التخصصية من تعلم العمل على الكمبيوتر أو ما يشبه ذلك من الدورات؛ ولكنها لا يُدخل نفسه في هذه الدورة التي يتوقف عليها مصيره، وففي هذه الأشهر الثلاثة ليلة القدر التي فيها تقدر المقدرات وهي ليلة الفوز. والفائز هو الذي اكتسب ثمرات الشهرين الماضيين واجتاز كل المحطات في هذه الأشهر الثلاثة وجللها بليلة القدر المباركة. وكما نقول: اللهم اجعله خير شهر رمضان مر علينا، لا بأس أن نقول قياسا: اللهم اجعله خير شهر رجب وخير شهر رمضان مر علينا.
الأجر العظيم على العمل الصغير
إننا في حركتنا إلى الله عز وجل قوم كسالى. وقد سجل لنا القرآن الكريم هذه الحقيقة حيث وصف الإنسان ب: (إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)[١]، ولو لم يذكر القرآن الكريم هذه الصفات لكان في التعبير عن الإنسان بهذه الصفات سوء أدب، ولكنها حقيقة بينها سبحانه أننا متقاعسون في حركتنا إليه ولولا فضله ورحمته لم يجعل لنا هذه الأشهر الثلاثات لفيض فيها علينا من رحمته ويعطينا ما لا نستحقه من المواهب والعطايا.
وقد جعل سبحانه ثوابا عظيما على عمل صغير فيه كالغسل في أول الشهر وفي المنتصف منه وفي آخره. فلا يحتاج إلى جهد جهيد ولا هو بالعمل القاسي والشاق على الإنسان وإنما يكفي أحدنا أن يدخل الحمام الساخن في منزله بنية الغسل. والثواب العظيم على هذا العمل الصغير يشبه الأرقام التي تختارها الشركات الكبرى لتجعل لها جوائز كبيرة؛ فعلى سبيل المثال تجعل شركة ما رقم الخمسين هو الرقم الفائز لديها، وتعطي للفائز الملايين من الدراهم أو الدولارات. وعطاء الله سبحانه وجوائزه على هذه الأعمال الصغيرة إنما هو من فضل الله ومنه على المؤمنين لا لاستحقاقهم ذلك، ونحن نقرأ في نافلة الليل: (وَ لَكَ فِي هَذَا اَللَّيْلِ نَفَحَاتٌ وَ جَوَائِزُ وَ عَطَايَا وَ مَوَاهِبُ تَمُنُّ بِهَا عَلَى مَنْ تَشَاءُ مِنْ عِبَادِكَ)[٢].
فضل ليلة القدر المباركة
إذا نظر أحدنا إلى أيام عمره؛ لا يكاد يرى محطة ملفتة وعمل عظيما قام به في حياته من جهاد في سبيل الله أو عطاء متميز أو تحصيل علم نافع أو ما شابه ذلك مما يثلج الفؤاد، والله سبحانه لعلمه بذلك ولمنه على المؤمنين يجعل ليلة واحدة أفضل من ألف شهر، ولم يقل سبحانه عن هذه الليلة أنها تعادل ألف شهر بل هي خير من ألف شهر، فإذا قامت القيامة وكشف الغطاء قد نرى أن هذه الليلة كانت خيرا من ملايين الشهور ولا عجب في ذلك، وقد اختار سبحانه كلمة كلمة فضفاضة واسعة تشمل هذه المعاني.
أهمية الغسل في العبادات
لقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال عن أمير المؤمنين (ع): (كَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ يُفَرِّغَ نَفْسَهُ أَرْبَعَ لَيَالٍ فِي اَلسَّنَةِ وَهِيَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَجَبٍ وَلَيْلَةُ اَلنِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ وَلَيْلَةُ اَلْفِطْرِ وَلَيْلَةُ اَلنَّحْرِ)[٣]. وهناك ثلاثة أعمال مستحبة متشابهة في هذه الأشهر الثلاثة المباركة، الغسل، وزيارة الحسين (ع) وإقامة الصلاة بين يدي الله عز وجل.
أما الغسل فهو كناية عن الطهارة الباطنية، فإذا أردت زيارة الحسين (ع) والوقوف بين يدي الله عز وجل في صلاة خاشعة ينبغي أن تطهر بدنك ليكون ذلك رمزا لطهارة الباطن. وموقع الرموز والأسرار في العبادات كموقع الطواف والسعي ورمي الجمرات والإحرام في الحج فهي سر من الأسرار، وكذلك الغسل الذي تقف فيه أمام الله عز وجل وتصب الماء على بدنك وتنتقل فيه من حركة مادية إلى حركة روحية فتتوجه إلى الله وتقول: يا رب، أنا عبد وواجبي أن أصب الماء على رأسي حتى قدمي، وأنت في مقابل ذلك جازني بأن تصب الرحمة على رأسي حتى قدمي. ولذلك يشعر المؤمن بحالة من الرقة والطهارة والاستعداد للعبادة بعد الغسل وخصوصا غسل يوم الجمعة المؤكد عليه كثيرا في الروايات وهو كفارة الذنوب من الجمعة إلى الجمعة.
من الأغسال التي ذكرها المرحوم العلامة اليزدي في العروة الوثقى، غسل النشاط للعبادة، وهو غسل لا يختص بزمان. فقد يستيقظ المرء لصلاة الليل وهو مرهق أو كسلان أو نعسان، فلا بأس أن يغتسل غسل النشاط للعبادة وليس ذلك بدعة، وإنما هو مما يتقرب به إلى الله عز وجل، وكذلك هو غسل التوبة الذي لا يختص بوقت ولا زمان. وبعد الغسل يتهيأ الإنسان لزيارة الحسين (ع).
سر التأكيد على زيارة الحسين (عليه السلام) في مختلف المناسبات
ولكن لماذا هذا التأكيد على زيارة الحسين (ع)؟ إن بقاء الشريعة بجميع عباداتها من صلاة أو صوم أو قيام أو شهر رمضان كانت ببركة دم الحسين (ع) وقد أراد سبحانه أن نكون شاكرين لحركة الحسين (ع)، فجعل من المستحبات في الحج وفي المدينة وزيارة المعصومين (ع) زيارة الحسين (ع)؛ لكي لا ننسى التضحية والفداء الذي قام به (ع). وهذه حركة مع أهل البيت (ع) لتقوية جانب الولاية في أعماق الوجود. وبعد ذلك تأتي هذه الوقفة الخاشعة المترددة بين تلاوة القرآن الكريم وبين دعاء بين يدي الله عز وجل وهي إقامة الصلوات في جميع المناسبات المهمة على مدار السنة.
التشبه بالهلال في الحركة والانتظام
ومن الأعمال الملفتة في أوائل الشهور، قراءة دعاء رؤية الهلال للإمام زين العابدين (ع)، والمؤمن بذلك يربط بين حركة الوجود وبين حركته هو. فيخاطب القمر في الدعاء: (أَيُّهَا اَلْخَلْقُ اَلْمُطِيعُ اَلدَّائِبُ اَلسَّرِيعُ)[٤]. وتمر السنوات والليالي والقمر مستمر في حركته الدائبة الرتيبة وهو مطيع لله عز وجل. ولماذا لا نتشبه بالهلال؟ دعنا عن الأولياء والأوصياء والأنبياء والمرسلين، فلنتشبه بهذه القطعة الكروية التي تشبه الأرض، فنكون دائبين في حركتنا، نسير سيرا منتظما في إقبالنا وإدبارنا، فإن الإدبار هو الذي يفوت على الإنسان الكثير من فرص التكامل.
والعالم كله يسبح لله عز وجل وإن كنا لا نفقه تسبيحه كما بين ذلك القرآن الكريم. وقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (لاَ تُغَنُّوا عَلَى ظُهُورِهَا أَ مَا يَسْتَحْيِي أَحَدُكُمْ أَنْ يُغَنِّيَ عَلَى ظَهْرِ دَابَّةٍ وَهِيَ تُسَبِّحُ)[٥]، وهي حركة سخيفة أن يغني الإنسان على ظهر الحمار فيكون الحمار خير منه حيث يسبح الله وهو غافل عنه.
هاشتاغ
خلاصة المحاضرة
- لقد جعل سبحانه في الأشهر الثلاثة محطات متميزة مركزة لمن لا ينشط في العبادة ولا يستطيع صيام جميع أيام هذه الشهور، منها ليلة الجمعة الأولى من شهر رجب، ومولد أمير المؤمنين (ع)، والمبعث النبوي الشريف. وكذلك المنتصف من شهر شعبان، وليلة القدر وغيرها من المحطات المهمة في هذه الشهور.
- إن بقاء الشريعة بجميع عباداتها من صلاة أو صوم أو قيام أو شهر رمضان كانت ببركة دم الحسين (ع) وقد أراد سبحانه أن نكون شاكرين لحركة الحسين (ع)، فجعل من المستحبات في الحج وفي المدينة وزيارة المعصومين (ع) زيارة الحسين (ع)؛ لكي لا ننسى التضحية والفداء الذي قام به (ع).