- ThePlus Audio
شرح دعاء اليوم الرابع عشر من شهر رمضان
بسم الله الرحمن الرحيم
وأفضل الصلاة وأتم الصلاة على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين
شرح الدعاء الرابع عشر من أدعية شهر رمضان المبارك
(اَللّهُمَّ لا تُؤاخِذْني فيهِ بِالْعَثَراتِ وَأقِلْني فيهِ مِنَ الْخَطايا وَالْهَفَواتِ، وَلا تَجْعَلْني فيهِ غَرَضاً لِلْبَلايا وَالْآفاتِ، بِعِزَّتِكَ يا عِزَّ الْمُسْلِمينَ)[١]
تأثير المعاصي على العوالم الثلاث
لا شك في أن المعصية كبيرة كانت أو صغيرة لها تأثير في عوالم ثلاث: عالم الدنيا، وعالم البرزخ وعالم القيامة. ففي عالم الدنيا يعيش الضيق والضنك والحرمان من الرزق أو قساوة في القلب أو سقما في البدن وما إلى ذلك، وأما في عالم البرزخ فيلازمه الضيق إلى يوم يبعثون، فهو رهين عمله وإن كان لا يحاسب ولا يعاقب فتلك خصوصية القيامة، ولا يعمل ولا يعوض فتلك خصوصية الدنيا، ولكنه يعيش حالة موحشة لمئات أو آلاف السنين مع ذاته وعمله، ولذلك قد أوصانا النبي (ص) والأئمة (ع) أن نقدم الأعمال التي تريحنا في البرزخ، فهناك تتقطع العلاقات الاجتماعية والأسرية ولا تبقى وجاهة ولا مال، فعيش هناك مع ذاته وربه، وإن كانت الذات غير مهذبة والعلاقة بالله غير وطيدة، فبماذا يستعين الإنسان على طول الأيام في البرزخ وما يجري فيها؟
دور الاستغفار في تخفيف تبعات الذنوب أو محوها
وينبغي للمؤمن أن يستغفر الله عز وجل باستمرار لئلا يبتلى بتبعات الذنوب في تلك العوالم، وقد لا تستبع الذنوب العقوبات الصارمة والمعجلة ولكنها قد تسلب من الإنسان توفيقه. لقد كان النبي يوسف (ع) من أنبياء الله العظام ولقد كابد في سبيل الله عز وجل وذاق مرارة السجن وفضل السجن على منادمة النساء، وموقفه من امرأة العزيز غني عن البيان، وبالرغم من ذلك، فقد أُخرج من يده نور النبوة لتقصيره في احترام أبيه يعقوب (ع) عندما جاء مصر بعد أن أصبح على خزائنها، ولم يكن هذا التقصير بالذي يخرجه من العصمة والعدالة، ولم يكن عملا محرما، ولكن التفضل الإلهي بأن يكون من ذريته أنبياء قد سلب بعمله هذا.
ولهذا المؤمن يراقب سلوكه وأعماله حتى لا يبتلى بالعقوبة الإلهية والحرمان من التوفيق، ومن مظاهر سلب التوفيق حرمان الإنسان من قيام الليل، وقد ورد عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (إِنَّ اَلرَّجُلَ لَيَكْذِبُ اَلْكَذِبَةَ فَيُحْرَمُ بِهَا صَلاَةَ اَللَّيْلِ فَإِذَا حُرِمَ صَلاَةَ اَللَّيْلِ حُرِمَ بِهَا اَلرِّزْقَ)[٢].
البلاء الذي لا يؤجر عليه الإنسان..!
ثم يذكر الدعاء: (وَأقِلْني فيهِ مِنَ الْخَطايا وَالْهَفَواتِ، وَلا تَجْعَلْني فيهِ غَرَضاً لِلْبَلايا وَالْآفاتِ)، وتختلف البلايا؛ فمنها ما يؤجر عليه الإنسان وهي البلايا التي تكون بمحض قضاء الله وقدره، كهدم الدار والغرق والموت الفجأة والمرض وما شابه ذلك، لقوله سبحانه: (ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.. إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ)[٣]، ومنها ما يكون نتيجة لعمل العبد وتقصيره، كالزوجة التي تنفصل عن زوجها أو تشب بينهما النزاعات الزوجية لسوء خلق الرجل، أو الذي يرتكب الفواحش ويبتلى بالحرام؛ فيعيش الضيق والتبرم وقد ينهي حياته بيده وهذا كله مما جنته عليه يده، فلا يثاب على ذلك ولا يعوض.
حذار من أن يفيض عليك سد البلاء أو يتحطم..!
ولابد من أن يحذر المؤمن من الذنوب التي تهتك الستر بينه وبين ربه، وقد نمثلها بالماء الذي يختزنه السد إلى حد معين؛ فإذا ارتفع منسوب المياه يتحطم السد ويأتي السيل الجارف ليحطم كل ما يمر به في طريقه، وقد يوقف سبحانه مجموعة من البلايا لحسن سريرة العبد أو لعمل من أعماله الحسنة؛ فإذا عمل عملا هتك به الستر، يتحطم سد البلايا لتنزل عليه من كل حدب وصوب، فقد يبتلى الإنسان بين عشية وضحاها بسقم في جسمه وأذى في نفسه وذلا بين الناس وحرام في الرزق وفقد للأمن والاستقرار، فليحذر المؤمن من هتك هذا الستر الذي يستتبع البلاء ويجعل الإنسان غرضا لها وقد يهوي إلى أسفل السافلين وكما قال سبحانه: (فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ)[٤].
خلاصة المحاضرة
- إن المعصية تؤثر على عوالم ثلاث: الدنيا، والبرزخ والقيامة، ففي الدنيا حيث الضيق والضنك وقلة الرزق وسقم الأبدان، وفي البرزخ الضيق والتيه والخوف، وفي القيامة سوء الحساب، فاحذر من مغبة المعاصي وتبعاتها وأكثر من الاستغفار علك تمحي بعض الآثار..!
- ليس كل البلايا يؤجر عليها الإنسان، فمن البلاء ما يكون ناتج عن سوء تصرف العبد مع أهله وعياله ومجتمعه ونفسه، كالسيء الخلق الذي تنفصل عنه زوجته وتتشتت بذلك عائلته، أو الذي يتركب بعض المعاصي فيحرم بها رزقه ويسلب منه توفيقه.