- ThePlus Audio
علامات اليقين والمستيقنين
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وأفضل الصلاة وأتم السلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين.
إن نعمة اليقين هي من أعظم نعم الله عز وجل على عبده؛ وهي أن يعيش الإنسان اليقين بعالم الغيب، ولذلك قال سبحانه في سورة البقرة: (الم * ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ)[١]، وأول سمة من سمات المتقين هي: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)[٢]، ومع ذلك يقول في نهاية الآية: (وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ)[٣].
الصحابي الذي وصل إلى مرحلة اليقين..!
وهناك نماذج من صحابة النبي (ص) من الذين وصلوا إلى اليقين في حياتهم، وحقيقةً يهتز قلبي كلما تمر عليَّ هذه الرواية، وهي قصة صحابي من أصحاب النبي (ص) الذين بلغوا القمة في معارج التكامل، وهي رواية عن الإمام الصادق (ع) يقول: (إِنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ صَلَّى بِالنَّاسِ اَلصُّبْحَ فَنَظَرَ إِلَى شَابٍّ فِي اَلْمَسْجِدِ وَ هُوَ يَخْفِقُ وَ يَهْوِي بِرَأْسِهِ مُصْفَرّاً لَوْنُهُ قَدْ نَحِفَ جِسْمُهُ وَ غَارَتْ عَيْنَاهُ فِي رَأْسِهِ)[٤]، وصلاة الفجر جماعة وفي المسجد من اعظم القرب إلى الله عز وجل، وهنالك بعض الجوائز لا تعطى إلا في صلاة الفجر.
(فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا فُلاَنُ؟)[٥]، وعادةً يجيب الناس أننا أصبحنا بخير وعافية والحمدلله، وإذا كان كثير الشكوى يقول: أصحب مريضا متعللا أو متؤلما، ولكن هذا الشاب المتربي في مدرسة النبي الأكرم (ص) قال: (أَصْبَحْتُ يَا رَسُولَ اَللَّهِ مُوقِناً)[٦]؛ أي قد استفتحت صباحي باليقين، (فَعَجِبَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ مِنْ قَوْلِهِ وَقَالَ إِنَّ لِكُلِّ يَقِينٍ حَقِيقَةً فَمَا حَقِيقَةُ يَقِينِكَ؟)[٧]؛ أي لقد ادعيت عظيما بأن أصبحت بالله موقنا فهات دليلك.
(فَقَالَ إِنَّ يَقِينِي يَا رَسُولَ اَللَّهِ هُوَ اَلَّذِي أَحْزَنَنِي وَأَسْهَرَ لَيْلِي وَأَظْمَأَ هَوَاجِرِي فَعَزَفَتْ نَفْسِي عَنِ اَلدُّنْيَا وَمَا فِيهَا حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي وَقَدْ نُصِبَ لِلْحِسَابِ)[٨]، هو في الدنيا ويشرح ما يحدث في القيامة من الأهوال والأحداث: (وحُشِرَ اَلْخَلاَئِقُ لِذَلِكَ وَ أَنَا فِيهِمْ وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ اَلْجَنَّةِ يَتَنَعَّمُونَ فِي اَلْجَنَّةِ وَ يَتَعَارَفُونَ وَعَلَى اَلْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ اَلنَّارِ وَهُمْ فِيهَا مُعَذَّبُونَ مُصْطَرِخُونَ وَكَأَنِّي اَلْآنَ أَسْمَعُ زَفِيرَ اَلنَّارِ يَدُورُ فِي مَسَامِعِي)[٩].
وانظروا إلى هذا اليقين الذي تجاوز الاعتقاد في القلب، والاقرار باللسان، ووصل إلى مشاهدة الحقيقة؛ يراها رأي العيان، (فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ لِأَصْحَابِهِ هَذَا عَبْدٌ نَوَّرَ اَللَّهُ قَلْبَهُ بِالْإِيمَانِ)[١٠]، وإن كانت هناك هبات فهي من الله عز وجل، وقد رأى رب العالمين أن الأرضية مهيئة ومستعدة لتلقي هذه الجوهرة؛ فقذفها في قلب هذا الشاب.
(ثُمَّ قَالَ لَهُ اِلْزَمْ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ)[١١]، طلب منه النبي (ص) أن لا يفرط في هذه الهبة الإلهية، ولكنَّ هذا الشاب المتربي في مدرسة النبي (ص) لم يكتفي بذلك؛ إذ تقول الرواية: (فَقَالَ اَلشَّابُّ اُدْعُ اَللَّهَ لِي يَا رَسُولَ اَللَّهِ أَنْ أُرْزَقَ اَلشَّهَادَةَ مَعَكَ)[١٢]، فهو مع حسن يقينه لا يرضى إلا أن يثبته في مقام العمل؛ وقد ورد: (فَوْقَ كُلِّ ذِي بِرٍّ بَرٌّ حَتَّى يُقْتَلَ اَلرَّجُلُ فِي سَبِيلِ اَللَّهِ)[١٣]، وهذا الشاب قد اغتنم الفرصة ليطلب من النبي (ص) أن يدعو الله له بالشهادة، (فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ خَرَجَ فِي بَعْضِ غَزَوَاتِ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَاسْتُشْهِدَ بَعْدَ تِسْعَةِ نَفَرٍ وَ كَانَ هُوَ اَلْعَاشِرَ)، وهذه الرواية مذكورة في كتاب الكافي، كما هي مذكورة في كتاب أسد الغابة، وقيل: أن اسمه حارثة بن سراقة.