نحن رفعنا في هذه السنة شعاراً مهماً، لو التفتنا إلى هذا الشعار لغيّر مجرى شهر رمضان: وهو أن نحول هذا الشهر إلى أفضل شهر رمضان مر علينا.. إن طبيعة الإنسان طبيعة استصحابية، فمن اعتاد على نمط معين من العبادة: من كيفية الصيام، ومن كيفية الصلاة، ومن كيفية الحج؛ فإنه يميل إلى المألوف الذي اعتاده.. فإذا لم يُحدث بنفسه انقلابا جوهرياً وتغييراً ماهوياً، فسيبقى على ما هو عليه.. ونحن نلاحظ أنه منذ أن كُلفنا إلى يومنا هذا، أن معالم شهر رمضان في حياتنا معالم ثابتة: طريقة معينة في تلاوة القرآن، وطريقة معينة في إحياء الليل، وطريقة معينة في عملية الإفطار وما شابه ذلك؛ فإذا لم نوجد بأنفسنا تغييراً؛ سنبقى على حالنا.
يقول علي (ع): (المغبون من تساوى يوماه)، ونحن نقول قياساً على ذلك: المغبون من تساوت رماضانيتاه.. فهذه الرمضانية إذا كانت على أحسن التقادير مساوية للرمضانية الماضية، فنحن مغبونون!.. إذن، ماذا نعمل لنحقق هذا الشعار؟..
توصيات رمضانية:
– الالتزام بالتلاوة القرآنية الهادفة: نحن ندعو دائماً بأن تكون التلاوة في شهر رمضان على قسمين: ختمة تلاوية، وختمة تدبرية؛ ليجمع الإنسان بين أن يقرأ أكبر كم ممكن من الأجزاء تحصيلاً للثواب، مع شيء من الالتفات إلى المعاني.. ولا نعني بالتلاوة الثوابية بمعنى التلاوة الخالية من أي تفكر، بل التلاوة ولو بأدنى درجات التدبر.. ويا حبذا لو قرأنا ذلك من خلال تفسير بسيط كهذه التفاسير المحشاة هذه الأيام في زوايا الصفحة، لنحاول أن نلم إلمامة سريعة بالألفاظ المشكلة، وبالكلمات الغامضة، كقوله تعالى: {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا}، و{تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى}.. فهذه العبارات المبهمة، علينا أن نحاول أن نصل إلى مغازيها.. وأما التلاوة التدبرية لتكن ختمة واحدة، يقرأها الإنسان بتأن، وقد لا يكثر من الأجزاء في اليوم الواحد، بغرض تصيد المعاني.
قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}.. إن شهر رمضان هو ربيع القرآن ؛ ومعنى ذلك أن الله عزوجل يمنّ عليك ببعض الفتوحات القرآنية في شهر رمضان، لو جلست على مائدته، ما لا يتفضل عليك في غيره من الشهور.. فإن الجامعة القرآنية هي في شهر رمضان.. والتلميذ الأول لهذه الجامعة هو من أنزل عليه القرآن النبي المصطفى (ص).. فأنت أيضاً تدخل هذه الجامعة مع الصائمين، فحاول أن تسأل الله عزوجل في دعواتك أن يفتح عليك شيئاً من أسرار القرآن الكريم.. هناك بعض من المؤمنين من يفهم من أسرار القرآن ما لم يمر بخاطر مفسر؛ لأن الله عزوجل هو الملهم.. ولهذا يستحب أن نقرأ عند المطالعة هذا الدعاء: (اللهم افتح علينا أبواب رحمتك، وانشر علينا خزائن علومك!).. هكذا أمرنا أن نطلب من الله عزوجل فتح الأبواب المغلقة.
– حلية المأكل والمشرب: إن الطعام الذي يأكله الإنسان ينمو به جسمه، ويتحول إلى طاقة، ولكن الجسم الذي ينمو على السحت، لا يرجى منه خيراً، وكذلك هذه الطاقة المنبعثة من الطعام الحرام، لا يتوقع أن تتحول إلى ما يرضي الله عزوجل، وأن تتحول إلى دعاء ومناجاة وصلاة وتلاوة للقرآن الكريم.. قال تعالى: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا}.. إن الذي يأكل طعاماً محرماً، والطعام لازال في معدته وفي جوفه، ويقوم بين يدي الله عزوجل، هو بمثابة إنسان يحمل أداة الجريمة.. مثله كمثل إنسان قتل إنساناً، وبيده سكينة ملطخة بالدماء، ويذهب لمقابلة عظيم، فمن الطبيعي أن هذا الإنسان لا يُلتفت إليه.. الذي يأكل الحرام يحمل في طيات أمعائه أداة الجريمة، ألا وهو الأكل المحرم.. فعلينا أن لا نستهين بهذا الأمر.
ثم إن القرآن الكريم يحذرنا من تجاوز الحدود، كما في قوله تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا}.. فإن الحلال والحرام حدود الله عزوجل.. ولا فرق في تجاوز الحد بين صغيرة وكبيرة: سواءً كان هذا الحد في عالم الزنا، أو في عالم أكل الحرام، أو في عالم النظر المحرم.. الشخص الذي يقتحم بلداً متسللاً؛ هو متسلل سواء تسلل من نقطة حدودية مهمة، أو تسلل من نقطة حدودية غير مهمة.. والذي يدخل بلداً متسللاً من خلال ثكنة عسكرية، أو من خلال صحراء قاحلة؛ فإنه يحاكم محاكمة المتسللين، لأنه تجاوز الحد.. وكذلك فإن الإنسان العاصي هو متجاوز للحدود الإلهية، سواء كان بقتل، أو بزنا، أو بطعام محرم.
فإذن، علينا الاهتمام بحلية المأكل والمشرب.. والمقصود بالحلية درجتان: الدرجة الأولى: مراعاة الحلية الفقهية.. والثانية: مراعاة الحلية التكاملية الأخلاقية السلوكية.. قال النبي (ص): (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإنك لن تجد فقد شيء تركته لله عزوجل).. إذا كان هناك نوعان من الطعام وكلاهما محلل بحسب سوق المسلمين، ولكن أحدهما أقرب للحرام بحسب الاحتمالات.. فمثلاً: هذا لحم مذكى في بلاد المسلمين، وهذا لحم يقال بأنه مذكى في بلاد الكفر، فمن الطبيعي أن الإنسان يرتاح إلى القسم الأول، أكثر من الثاني.. أو طعام تركيبه معلوم، وآخر تركيبه مجهول، لماذا تقدم المجهول على المعلوم؟.. إن هذه الحالة من توقي المشتبهات، حالة من حالات الورع، ومن موجبات التوفيق قطعاً.
– الزيارات الهادفة: إن من الظواهر الجميلة في بلاد المسلمين، هي كثرة الزيارات في شهر رمضان، وأن من أكثر الشهور زيارةً وصلةً للأرحام وتفقداً للشؤون هو شهر رمضان المبارك، وخاصة في الليل.. ولكن ليُعلم أن هذه الزيارة اقتطاع فترة من أغلى ساعات العمر، فإن شهر رمضان ساعاته ولحظاته لا تقدر بثمن، فالأنفاس فيه تسبيح، والنوم فيه عبادة، والآية القرآنية بمثابة ختمة.. عليك أن تتعامل مع الوقت في شهر رمضان بحرص شديد.. فعندما تذهب إلى إنسان لمدة ساعة، فقد أخذت من وقت تلاوة القرآن بمقدار جزءين على الأقل.. فالنصف ساعة يعني جزء، والجزء مكون من مئات الآيات، يعني مئات الختمات.. فإذن، حاول أن لا تظهر المنة على الشخص، ولكن عش حالة المنة!.. أنت عندما تزور أخاك أو رحمك أو صديقك، فإنك تعطيهم أغلى ساعات عمرك في شهر رمضان.. وخاصة إذا كان يصادف في ساعة السحر، في ما بعد منتصف الليل، وفي ليلة الجمعة؛ فإن هذه ساعة لا تقدر بثمن.. حاول أيضاً أن تعرف هذا المعنى.
ولهذا لتكن زيارة هادفة، واجعل أولويات في الزيارة.. لك صديق مهتدٍ وصديق منحرف، وعندما تزور المنحرف من الممكن أن تهديه للهدى، فهذه زيارة مقدمة على ما هو تحصيل حاصل.. هناك رحم كاشح وهناك رحم محب، والرحم الكاشح يزار قبل المحب لما في ذلك من العمل بما أمرنا به: (صل من قطعك، وأعط من حرمك، واعف عمن ظلمك، وأحسن إلى من أساء إليك).. هناك إنسان ترتاح من زيارته، وإنسان لا ترتاح من زيارته، ولكن في ذلك قربة إلى الله عزوجل؛ قضاءً لحاجة مؤمن، أو تفريجاً لكربة عنه.. وعليه، فإن علينا أن نجعل المقياس في هذه الحركة هو رضا الله عزوجل، بل دائماً زر من يقربك إلى الله عزوجل.. فهذا علي (ع) كان ما يُخيّر بين أمرين إلا واختار أبعدهما عن الهوى، وما هو أقرب إلى مخالفة النفس، وما هو أشق على النفس.
ولتكن الزيارة فيها هدف تبليغي وإرشادي.. مع الأسف نلاحظ أن البعض يرى التبليغ وإيصال كلمة الهدى، من شؤون المبلغين ورجال الدين.. والحال أن هنالك زوايا في المجتمع لا يصل إليها النور، زوايا مظلمة لا يمكن لأحدنا أن يزور تلك الزوايا، كبيوت الفساد، والعوائل المنحرفة.. وأنت باعتبار أنك من عامة الخلق، بإمكانك أن تزور هذه الزوايا المظلمة.. فلماذا لا تحمل شعلة الهدى، بكلمة طيبة، أو حديثاً نبوياً، أو حديثاً من أئمة أهل البيت (ع)، أو آية من القرآن مذكرة؟.. ولا مانع من أن يُعد الإنسان موضوعاً للحديث قبل الذهاب إلى هذه الأماكن.. لا ينبغي أن يكتفي الإنسان فقط بالضيافة، بطبق من الحلوى وحسوة من الشراب أو ما شابه ذلك، فيخرج وهو صفر اليدين.. وقد ورد في الحديث: (ما من قومٍ اجتمعوا في مجلسٍ فلم يذكروا الله ولم يصلّوا على نبيهم، إلا كان ذلك المجلس حسرةً ووبالاً عليهم).. من مجالس الوبال على الإنسان، أن يذهب إلى مجلس لا يذكر فيه اسم الله.. بل إن بعض المؤمنين وجود منفعل، بدلاً من أن يكون وجوداً فاعلاً.. إذ يذهب إلى مجالس البطالين، فيسمع للغوهم، بل ويشارك في لغوهم؛ مجاملة اجتماعية، وبالتالي خرج عن ذلك الهدف الذي طُلب منه!..
– الإطعام قربة لله تعالى: إن من المظاهر المتعارفة في شهر رمضان هو كثرة الولائم والإطعام، ومن المعلوم أن ذلك من المستحب شرعاً.. وقد ورد عن النبي (ص): (اتقوا النار ولو بشق تمرة، اتقوا النار ولو بشربة من ماء)، مبالغة في الحث على إطعام الصائمين.. والنصيحة هنا: أن المؤمن عليه أن يحاول أن يتخير الجهات التي يدعوها، مراعيا قضاء حاجة لأخيه المؤمن، بقصد القربة لله عزوجل.. فالإنسان عندما يريد الإطعام؛ عليه أن يختار من يطعمهم في شهر رمضان: فإن كان هنالك إنسان منقطع، أو إنسان أعزب، أو إنسان في ضيق ويحتاج إلى من يدخل عليه السرور، فهذا مقدم على من لا يحتاج إلى مثل هذه المجالس، بل يمن عليك بالحضور.. إذن، كذلك حاول أن تعمل بهذا الأمر، ومراعاة لجميع الجهات.. فما قيمة الإطعام الذي يراد به المباهاة والتفاخر وإظهار الفخر.. فمثلاُ: بعض النساء -مع الأسف- تتعب من الصباح إلى الليل، وفي باطنها إظهار القدرة على الطبخ -مثلاً- أمام زميلاتها.. فما قيمة هذا التعب؟.. هي تطعم الناس، وفي باطنها أن تظهر قدراتها في هذا العالم، ما قيمة هذا الأمر؟.. ما قيمة هذا الخيال والوهم، لتحرم ذلك الأجر؟… وقد ورد: أخلص العمل، فإن الناقد بصير!..
– تجنب الإكثار من الطعام: ينبغي للمؤمن عدم التخمة، وخاصة عند الإفطار؛ فإن التخمة في أول الليل من موجبات التثاقل، والحرمان من بركات القيام آخر الليل لصلاة الليل.. فمادام هنالك محطة أخرى متمثلة بالسحور؛ ينبغي توزيع الطعام في فترتين إفطاراً وسحورا.. فإن التخمة في أول الليل تحرم الإنسان من ثواب التسحر، وهذا خلاف المصلحة الطبية وخلاف المصلحة الروحية.. حيث أن الإنسان عندما يأكل قليلاً في أول الليل، فإنه يجوع في آخر الليل، فيستيقظ رغم أنفه ولو طلباً للدنيا، لأن يأكل؛ فيأكل قبيل السحر، وإذا به يرى أن هنالك نصف ساعة لوقت آذان الفجر، فينشغل بصلاة الليل والتسبيح والمناجاة.. وهكذا، فإنه قد جمع بين خير الدنيا وخير الآخرة.. ومن المعلوم أن الله عزوجل يبارك ويصلي على المتسحرين في شهر رمضان؛ لأنه يتزود لعبادة النهار، فهو أمر مأجور فيه.
– مراعاة حرمة الشهر الكريم: إن من معالم شهر رمضان اليوم في إعلامنا الإسلامي-مع الأسف- هو التنافس في الإكثار من المسلسلات المزاحية، ومن المسلسلات التي لا تفيدك دنيا ولا آخرة، والتي تعرض فيها وجوه النساء بشكل مثير.. فمع الأسف أصبحت تلك الأباطيل من مميزات ومعالم هذا الشهر.. غير أن المؤمن من صفاته التي خصه بها القرآن الكريم أنه لا يشتغل باللغو، فقد قال تعالى: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا}.. وأي لغو أعظم من هذا اللغو؟!.. وترى البعض هو بيده يفتح التلفاز، ويعرض زوجته وأولاده لصور لا تحل، فيقع هو في الحرام، ويوقع غيره في الحرام.. ثم إذا وقعت الواقعة وخرج الأمر عن يده، يأتي إلى رجل الدين ويشتكي على زوجته وأولاده!.. والحال أنه كما يقول الشاعر:
ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له *** إياك إياك أن تبتل بالماء
فعلينا أن نسيطر على هذا الوضع قبل فوات الأوان.. وليعلم أن رب الأسرة يوم القيامة مسؤول عن ذلك، فإنه المالك للجهاز، وهو الذي اشتراه من السوق، وأحضره في متناول أفراد أسرته، سواء كان الجهاز التلفاز أو غيره كالإنترنت وما شابه ذلك.. فهو مسؤول يوم القيامة عن كل ما يجري في هذا الجهاز من حلال وحرام.. فالمستفيد خيراً أو شراً هم الزوجة والأولاد، وهو صاحب الوزر يوم القيامة.. فعلينا أن نقي أنفسنا من هذه البرامج التي لا تليق بشهر رمضان، ولا بروح شهر رمضان.. وهذه أيدي الاستعمار تدخل في كل زاوية من زوايا حياتنا، لتقلب الشهر إلى شهر حرمة.. ومع الأسف فإن بعض المحرمات تمارس في شهر رمضان، بما لا يمارس في غير هذا الشهر الكريم!..
– المصالحة والتسامح: إن من موانع المغفرة في شهر رمضان، وفي ليلة القدر، هي الشحناء بين المؤمنين.. إذا ذهبت لأخيك المؤمن، وكان بينك وبينه شحناء، وإن كان هو المقصر؛ عليك أن تبادره بالاعتذار، وهو يتقبل منك.. فهذا لا يُحمل على الذل، هذا لا يُحمل على التراجع.. قل: شهر رمضان شهر كريم، شهر التسامح، جئتك لأتسامح منك، وأطلب العفو، ولنفتح صفحة جديدة وننسى ما مضى.. دع عنك من هو الظالم، ومن هو المظلوم.. فإن رحمة الله عزوجل تشمل العافين في هذا الشهر الكريم.
ثم إن الذهن المشغول بالعداوات والاختلافات العائلية والاجتماعية؛ لا يصلح للتقرب إلى الله عزوجل.. {مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ}.. عندما تأتي للصلاة وقلبك مع الأهل إما حباً أو بغضاً، إما عشقاً أو غضباً؛ فإنه من الطبيعي أن هذا القلب لا يتوجه إلى رب العالمين.. في شهر شعبان دعونا في المناجاة الشعبانية: (إلهي!.. هب لي كمال الانقطاع إليك، وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك)؛ وشهر رمضان شهر قطف ثمار المناجاة الشعبانية.. هي مفاهيم غائمة، ومفاهيم في عالم المثل، ولكن في شهر رمضان لنجعل هذه المفاهيم في جزئيات حياتنا اليومية.
– الالتزام بحسن الخلق: إن مما نلاحظه في شهر رمضان هي حالة من سوء الخلق، وخاصة لدى موظفي الدوائر حيث تدخل على الموظف فلا يتكلم معك، وإذا تماديت معه في النقاش يغضب عليك؛ بدعوى أنه صائم!.. ولعمري هذا بعيد عن روح شهر رمضان!.. إن شهر رمضان شهر السيطرة على المشاعر، وعلى العضلات، وعلى الأعضاء، وعلى الكلام، وعلى النظر؛ لا فقط أن يكتفي بالصيام عن الطعام والشراب.. فكم من صائم ليس له من صيامه إلا الظمأ، وكم من قائم ليس له من قيامه إلا العناء!..
فعليه، لنحاول أن نحسن خلقنا، وخاصة في مواطن الإثارة.. وليكن معلوماً أنه من الطبيعي أن المؤمن لا يتمنى ساعة الإثارة الغضبية والشهوية، ولكنه إذا وقع في المحك؛ فإنه يفرح إذا نجح في الاختبار.. فإذا واجه امرأة مثيرة، أو واجه موقفاً مثيراً للغضب -من أقوى القوى في وجود الإنسان: القوة الغضبية، والشهوية دائماً- فإنه قبل أن يدخل مجال التأثر الشهوي والغضبي، يحاول أن يعد نفسه.. ويا لها من لذة عندما يتجاوز المحنة!.. كما عن الرسول (ص): (مَن كظم غيظاً، ملأ الله جوفه إيماناً).. ولك أن تجرب ذلك في موقف إثارة من الزوجة، أو من الصديق، أو من الموظف، أو من العامل؛ في هذه الساعة امتصْ الغضب قربة إلى الله عزوجل، ابتلعْ هذا الموجة الهائجة؛ لترى نفسك بطلاً بعد ثوان، وتعيش حالة القرب إلى الله عزوجل.. وعندئذ، فاغتنم الفرصة في المناجاة، وقل: يا ربي، عفوت عمن هو دوني، فاعفُ أنت عني كما عفوت عنه.. وإن هذا كان ديدن إمامنا السجاد (ع)، في عتق العبيد في شهر رمضان، والتجاوز عن سيئاتهم؛ ليكون أهلاً لتلقي المغفرة الإلهية.
– وقفة دعائية: إن هناك معلمين من معالم شهر رمضان في عالم الدعاء، هما:
الأول: دعاء أبي حمزة الثمالي.. وهو المناجاة التي كان يناجي بها علي بن الحسين (ع)، والذي رواه أبو حمزة الثمالي.. اقرأ في كل ليلة إن أمكن فقرات، ليس من الواجب أن تقرأ الدعاء من أوله إلى آخره قراءة الصحيفة، بل اقتطع في صلاة الليل في قنوت الوتر، أو في قنوت الشفع فقرات قصيرة من مناجاة أبي حمزة بتفاعل.
والثاني: دعاء الافتتاح.. وهو الدعاء الوارد عن بقية الماضين (ع).. ولعل كلمة الافتتاح تناسب أن نقرأ هذا الدعاء في أول الليل بعد الإفطار.. هي مناجاة تستشم منها رائحة الإمام الحجة (ص).. هذا الدعاء العظيم الذي يجعل الإنسان بحق ومن دون مجاملة، يعيش جواً متميزاً، لا يصل إلى هذا الجو بأي دعاء آخر!..
– التهيؤ للشهر الكريم بالاطلاع على أعماله: حاول أن تقرأ قراءة متدبرة مستطلعة لأعمال شهر رمضان من أوله إلى آخره؛ لئلا تمر الأيام، وتبتلى بالغبن.. فمثلاً: دعاء أول يوم من شهر رمضان -الذي روي عن الكاظم (ع)-، الإنسان بهذا الدعاء يحفظ في سنته من الآفات.. وكذلك صلاة اليوم الأول: في الركعة الأولى بعد الحمد إنا فتحنا، وفي الثانية سورة من القرآن؛ لتكون في حفظ الله وأمانه إلى سنة كاملة.. فماذا كان يكلفك ذلك، سوى دقائق من مطالعة أعمال اليوم الأول؟.. وعليه، قبل أن نخسر الأيام الأخرى، حيث هنالك منتصف الشهر، وهنالك ليالي الجمع، وهنالك دعوات الأسحار؛ فإن علينا أن نقرأ هذه الأدعية بشكل استطلاعي؛ لئلا نفاجئ بفوات العمل في حينه.
– الدعاء لصاحب الأمر (عج): علينا أن نكثر من الدعاء لفرج مولانا صاحب الأمر في ساعة الإفطار، وفي ساعة السحر، وفي قنوت صلواتنا؛ لكي يذكرنا الإمام في صلوات ليله، وعند إفطاره؛ وخاصة في ليلة القدر عندما تعرض عليه أعمالنا.. فمن كان وفياً له، كان الإمام وفياً له.. ولندعو بهذا الدعاء الشريف دائماً: (اللهم!.. لا تنسني ذكره، والدعاء له)؛ لنحظى بهذا الشرف العظيم في ذكره (عج).
إن هذه بعض التوصيات، ولكن الإنسان يستطيع أن يبتكر هو أيضاً نقاطاً أخرى، للوصول إلى هذا الهدف، ألا وهو: خير رمضان مر عليه!..
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.