بركات المساجد..
إن من بركات المساجد والمجالس أنّها قاعات للتزود والتعلُم والتثقف وزيادة الوعي في كُلِّ المجالات، هذا المعنى لا نجدهُ في دُور العِبادة بالنسبة إلى الديانات الأخرى، أما المساجد فهي مَحل للعبادة ومحلٌ لزيادة المعرفة.. هذهِ المعرفة أيضاً على قسمين:
أولاً: المعرفة الأخروية.. وذلك عندما يكونُ الحديث عمّا يكون زاداً للآخرة، كتناول خُطبة أمير المؤمنين (عليه السلام) حولَ المُتقين -مَثلاً- فهذه خُطبةٌ أخرويّة.
ثانياً: المعرفة االدنيوية.. وذلك عندما يكون الحديث حولَ أُسس الحياة الزوجيّة السعيدة، هذا البحث الذي ينبغي أن يُطرَح في السَنة مَرة أو مرتين للاطمئنان على السير في الاتجاه الصحيح.
البنيان المقدس..
إن العائلة والأسرة هي أقدسُ بُنيانٍ على وجه الأرض!.. فمن يملك عشرات الأبراج أو ناطحات السحاب، ولا يمتلك أسرة مُستقرة: لا زوجة مُطيعة، ولا ذُريّة صالحة؛ فهذا مستثمر غير ناجح في هذهِ الدُنيا؛ لأن هذهِ العُلقة تنتهي بمجرد الموت.. أما الأسرة السعيدة في الدنيا؛ فهي الأسرة السعيدة في الجنة أيضاً، إذ إن رب العالمين يَلمُ شَمل الأسرة المؤمنة!.. هُناك اصطلاح هذه الأيام يسمى بـ”لَم الشَمل”، وذلك عندما يذهب الأب إلى بلاد أجنبية، وبَعد سنوات يحوزُ على الإقامة أو على جنسية ذلكَ البَلَد، فيُلحق عائلتهُ به!.. كذلك الأمر بالنسبة إلى المؤمن الذي يدخل الجنة؛ فإنه يُلحقُ ذُريتهُ به؛ ولكن بقيد ﴿وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ﴾.
أسس بناء الأسرة الإيمانية..
إن الإنسان الذي يشتري بقالة صغيرة؛ يجعل فيها قوانين حتى يربح في عمله؛ فكيف بالحياة الزوجية التي هي أكبرُ استثمار في حياة الإنسان؟!.. لذا لابُد من وضع الأُسس لهذه الشركة المُقدَسة، إذ ليس هُنالكَ شركة على وجه الأرض إلا ولها أُسس وقوانين، ومن تلك القوانين:
-عنصر التفاهم والمناقشة الهادفة..
إن كل إنسان هو مشروعٌ مستقل عن الآخر؛ فهذه البصمات التي هي عبارة عن مساحة صغيرة جداً على رأس الأصبع لا تتشابه فيما بينها، ولهذا هي مُعتمدة عالمياً لتشخيص الهويّة.. أيضاً بؤبؤ العين له خاصية، لذا هناك نظام جديد للتعرف على هوية الأشخاص هذه الأيام في المطارات عبر بصمة العين.. فبؤبؤ العين، وبصمةُ اليد، تعكسُ هوية الإنسان، ولا تكرارَ فيها؛ فكيفَ بالأفكار؟.. وكيف بالرؤى؟.. وكيفَ بالأمزجة؟.. إن المزاج يختلف من إنسان لآخر؛ إذ هُناكَ: أمزجة حارة، وأمزجة باردة، وهُناكَ إنسان سوداوي المزاج، وإنسان سيءُ الظَن، وإنسان حَسن الظَن!.. فالإنسان الذي تربى في بيئة مُشاكسة بينَ أبوين مختلفين أو منفصلين، يختلف عن وَلَدٍ تربى في أحضانٍ هادئة ودافئة.. وبما أن لكل من الزوجين كياناً مستقلاً عن الآخر فإن لهما أمزجة مختلفة، وإذا لم يتمَ التعايش بينهما داخل نِطاق الأسرة، فإن الحياة الزوجية تصبح مُهددة بالانفصال.. والتعايش لا يكون بالتعامل مع العائلة بإحدى الطرق التالية:
أ- المعسكر: إن بعض الرجال يديرون الأسرة وكأنها مُعسكر، أي يصدرون أوامرهم وعلى الجميع تنفيذها، كما يحدث في المعسكرات عندما يُصبح هناك اختلاف، يأتي قائد المُعسكر أو قائد الجيش بأمر إداري، وعلى الجميع الالتزام دون أي اعتراض!.. ولكن العائلة التي تدار بهذه الطريقة، هي ليست بالأسرة المثاليّة.
ب- التحكم: إن هناك رجالاً يُسيئون الاستفادة من قولهِ تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء﴾؛ فالقيمومة هنا لا بمعنى الربوبية، إذ إن الرجُل في بعض الأوقات يجعل قوانين من تِلقاءِ نفسه: كأن يطلب كُلَّ راتب زوجته الموظفة مقابل الإحسان إليها، ومقابل أن يكون زوجاً صالحاً وفيّاً باراً.. هِيَّ من الصباحِ إلى الليل تَكدُ وتتعب، وإذا بالرجل يُصدرُ قراراً بمصادرة الأموال، ويتحكَمُ في جزئيات حياتها، حتى أنَّ بعضَ الرجال لا يسمح لزوجته أن تَذهَبَ للَحج الواجب، رغم أنها مستطيعة ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾.. هذهِ الحالة التحكمية في الرجُل حالة باطلة لا يقبلها دِينٌ ولا شرع.
فإذن، ليسَ الحَل هو في التحكم، فالإنسان: له فِكر، ولَهُ عواطف، وله بَدَن!.. والذي يريد أن يقود إنساناً بكلِ وجوده، ويجعله مُطيعاً له؛ لا داعيَ للبحث عَن أدواتِ السحرِ والشعوذة كما يفعل البعض، فالدِخول إلى القَلب يكون عن طريق:
١. المفتاح: إن المفتاح الذي تفتح بهِ الخزائن الكُبرى هو عبارة عَن أسنان صغيرة، هذا السن إذا دَخَلَ في ثُقب الباب وتطابقَ مَعَ الفراغات، فبمجرد تحريك المفتاح وإذا ببابٍ حديدي مهما كان وزنه يفتح مرة واحدة.. أما إذا كانَ هناك سِنٌ زائد أو سِنٌ ناقص؛ فإنه لا يمكن أن يفتحه بسبب هذا الخلل البسيط.. كذلك الأمر بالنسبة إلى: الزوجة، والولد، والمجتمع، والزميل، والصديق، والرَحِم، والأبوين، والعامل؛ إذا أردتَ أن تستولي على قلوبهم فعليكَ بالبحثِ عَن المفتاح المُناسب؛ ولكُلٍّ مفتاحه!.. وكما أن الأبواب لَها مفاتيح مختلفة، أيضاً لكل من: الأبِ، والأُمِ، والأختِ، والزوجة، والأولاد؛ مفتاح مختلف عن الآخر.. والإنسان الذَكي اللَبِق الكَيس الفَطِن؛ هو الذي يعلَم كيفَ يفتَحُ قِلوبَ الآخرين!.. ومن المفاتيح المهمة هذه الرواية عَن النبي الأكرم (صلی الله عليه): (قَولُ الرَّجل للمرأة: إنِّي أُحِبُّكِ، لا يَذْهَبُ مِن قَلْبِهَا أبَداً).. إذا أراد الرجل مناقشة زوجته في أمرٍ، ولكنه يرى بوادرَ الاختلاف والصد والاعتراض؛ فليستعمل هذهِ الرواية.. الزوج الذي يريد أن يتكلم مع عقلِ زوجته فليدخل إلى قلبِها بمفتاح المحبة، وليقل لها: إني أُحبُكِ!.. لا بنحو المُجاملة والتملُق والتمثيل؛ لأن المرأة بإمكانها اكتشاف الكلام الصادق من غيره!.. فإن كان صادقاً فيما يقول؛ القَلبُ يُفتَح، وإذا فُتِحَ القلب؛ فُتِحَ العقل وانقادت الجوارح.
٢. التواضع: إن من العناصر المؤثرة مسألة التعالي، إذ لا ينبغي للإنسان عند تقديم النصحية اتخاذ موقع الواعظ المتعالي.. إذا أراد الأب أن يعظ ابنه أو زوجته، أو أي إنسان آخر؛ عليه أن لا يفترض نفسه إماماً للمسجد، فهو ليس بخطيب الجُمعة في تلك اللحظة، عليه أن لا يرفع صوته كما يفعل البعض في خطبته، وكأنّهُ في معركة يُريد أن يُصدر أوامر عسكريّة للناس قائلاً: أفعل كذا، لا تفعل كذا، هذا لا يجوز، هذا إلى النار، ..الخ؛ هذا الأسلوب أسلوبٌ بائد أكلَ عليه الدَهرُ وشَرِب!.. إذا أراد أن يكون مؤثراً في القلوب عليه بالتواضع، يقول تعالى: ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ﴾، والنَبي الأكرم (صلی الله عليه) من أعظم الناس تطبيقاً لهذا القانون؛ لأنه كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ﴾!.. البعض يشتكي من هروب الناسِ منه، رغم أنه هو السبب؛ لأنّهُ فَظ غليظ القلب، ومن يملك هكذا صفات لا يُتحمَل حتى لو كانَ للهِ رسولاً؛ هكذا تقول الآية!.. فإذن، يجب الحذر من التعالي في الكلام؛ لأنَّ هذا العلو يُشعرُ الطرف الآخر بالانتقاص.. وعليه، فإن مبدأُ الشفقة والرِفق هو الذي ينفَعُ في هذا المقام.
٣. التخصص العلمي: نَحنُ لا ننتقصُ أتعابَ الغَير، هُناكَ قَومٌ حتى من غير المُسلمين لهم دراسات علميّة في عالم الأنفس، تتحدث عن قواعد التعامل الاجتماعي، مثل: كيفَ تكتسبُ الأصدقاء؟.. كيفَ تُعامل الزوجة؟.. كيفَ تتعامل مع الوَلَدِ؟.. هذه علوم، والحكمة ضالة المؤمن بغض النظر عن مؤلف هذه الكتب؛ ما له ودينه، هو ليس في مقام أخذ الفتوى؟!.. فقواعد التعامُل معَ الغَير هذا عِلم، وهذا العِلم من المُمكن أن يُبدَعَ فيه غَيرَ المُسلمِ أيضاً.. وعليه، فإن الاهتمام بالبحث العِلمي واقتناء الكتب أمر مهم!.. فالمرأة التي تقتني في منزلها كُتِبَ الطَبخِ وغيره؛ لماذا لا تقتني كتبَ تربية الأطفال؟.. فتربية الطفل فَنٌ من الفنون، والتعامُل مَعَ الزَوج أيضاً فَنٌ من الفنون!.. إن المرأة -في بعض الأوقات- قد يكون لها تخصص جامعي نادر في قضية لا تُسمن ولا تُغني من جوع، ولكن في التعامل مع الزوج والأولاد كأنّها أُميّة تماماً، لا تفقهُ شيئاً!.. ومن المُلفِت أيضاً أنها قَد تكون مُدرّسة ناجحة في المَدرسة، تُربي أولاد الناس تربية جيدة، ولكن في المنزل لا تُتقن تربيةَ أولادِها!.. وهكذا العكس أيضاً: الرجُل قَد يكون أُستاذاً في الجامعة، في مادة التربية، أو في عِلم النفس، أو عِلم الاجتماع، أو الإدارة؛ ولكن لا يستطيع أن يُديرُ زوجته.. فإذن، لا بأس من البحث الأكاديمي، والتخصص العِلمي في هذا المجال.
٤. الاستشارة: إن المؤمن لا يستنكف عَن استشارة الغَير، هذا الغَير قد يكون: عالماً، أو طبيباً، أو أخصائياً نفسياً، أو إنساناً كَبيرا في السن لَهُ تجارب في الحياة.. فرَبُ العالمين أمرِ نبيه (صلی الله عليه) بذلك عندما قال تعالى: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾، رغم أن عقل النَبي (صلی الله عليه) لا يُقاس بعَقل الصحابة، و﴿شَاوِرْهُمْ﴾، لا يعني بذلك غَير المُسلمين، بل شاور الصحابة!.. وفي آية أخرى يقول تعالى: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾!.. فالمؤمن يستشير، ولكنه غَير مُلزَم باتباع الغَير، عليه بأخذ آراء الرجال، وجمع أقوالهم إلى قوله الباطني ليخرج بحصيلة.. ولكن يجب الحذر من استشارة منْ لا عَقلَ له، فعند مراجعة وجيه باعتباره كبير العائلة أو العشيرة، هذا لا يعني أنّهُ إنسان عاقِل!.. فإن كان حاد المزاج، أو لديه مشكلة مع النساء وقد قام بتطليق زوجته مثلاً، فإن راجعه أحد عنده مُشكلة مع زوجته، فإنه يعطيه نصيحة مباشرة بالطلاق، هذا الإنسان مُستشار غَير أمين، هو طَلَقَ زوجتهُ يريد من كُل الناس أن يطلقوا زوجاتهم، هكذا مزاجه!.. لذا يجب عدم مراجعة هكذا إنسان!..
فإذن، يجب البحث عن أهل الحَلِ والعقد، وعَن إنسانٍ نَورَ اللهُ تعالى قلبه، فالإنسان الذي لَهُ نورٌ في الباطن، بنور اللهِ عَزَّ وجل يَضَعُ يَدَهُ على المشكلة، مثلاً: قد يأتيه إنسان بخيل عنده مشكلة مع زوجته، هذا الذي يرى بنور اللهِ عَزَّ وجل يعلَم أن كُل المُشكلة في بُخله، ولو أغدق عليها بالمعقول هذهِ المرأة تَلينُ له.. صاحب المشكلة لم يذكر له مسألة البخل؛ ولكنَ اللهَ عَزَّ وجل ألقى على لِسانهِ الخَير، فيقول له: بُخلُكَ سَببُ المُشكلة!.. هناكَ خيرة من الخِير غَير الخِير المُتعارفة، وهي أن يقول الإنسان: يا رَب، توكلتُ عليك، واستشرتك؛ وهذا إنسانٌ مؤمن، فألهمه وأجري على لسانه الخير الذي يصلحُني.
٥. الاعتدال: إن المؤمن له أولويات في حياته، فلا يجعل حَجمَ المُشكلة أكبر من واقعِها!.. كأن يذهب الزوج إلى عالم يشكو زوجته التي لا تستيقظ لصلاة الفجر -مثلاً- وكأنها كافِرة وفاسقة!.. ربما هذه المرأة تعبت في الليل لسهرها على الرضيع، فغلب عليها النَوم!.. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الولد الذي يؤخر صلاته عن أول الوقت؛ فهؤلاء لا يعاملون معاملة تارك الصلاة!..
فإذن، يجب إعطاء المُشكلة حَجمها الطبيعي: فلا يجعل المكروه في حكم الحرام، ولا يجعل المُستحب في حُكم الواجب.. إحدى الأمهات تنهَرُ طِفلاً دُون الثالثة من عُمره؛ لأنّه شرب الماء واقفاً في الليل، الكِبار لا يعرفون مسألة استحباب شرب الماء ليلاً من جلوس؛ فكيفَ بالطفل؟!.. لذا، لابد أن يكون معتدلاً في نهيّه وفي أمره.
٦. الثقافة الدينية: إن المؤمن الحريص على بناء أسرة سعيدة، يقرأ روايات أهل البيت (عليهم السلام) في مجال التربية، هذهِ الروايات مجموعة في كُتب، فالأئمة (عليهم السلام) لم يتركوا شيئاً في هذا المجال أو غيره إلا وتطرقوا له، فمثلاً:
أ- الطفل الصغير بعضُ الأوقات يتشبثُ بلحية أبيه، وقد يقوم بصفعه على وجهه، وإذا بالأب يضحك!.. ولكن الإمام العسكري (عليه السلام) يقول: (جُرأة الولَدِ على والده في صغره؛ تدعو إلى العقوق في كِبره)، أي لا تجعَل هيبتكَ تزول حتى معَ الطِفل الصغير، عليك بوضع بعضَ الحدود!..
ب- إذا غضبَ الزوج على الزوجة عليه أن يغير الجَو وذلك بالخروج من المنزل، فهذا أمير المؤمنين (عليه السلام) عندما أرادَ أن يقتل ذلكَ الكافِر وأهانَ الإمام، قامَ من على صدره أخذَ جولة ثُمَّ جاءَ ليقتلهُ، لا غَضباً لنفسه بل للهِ عز وجل، تقول الرواية: (وما انجلت الغبرة إلا والإمام علي (عليه السلام) جالساً على صدر عمرو، فاستبطأ الإمام علي (عليه السلام) قتل عمرو، فقال أحد المسلمين للرسول: قل لعلي أن يعجل على عمرو، فقال النبي: هو أعرف بموقفه، وبعد فترة وجيزة قطع الإمام (عليه السلام) رأس عمرو وجاء إلى الرسول، فسأله الرسول: لماذا تباطئت عن قتله؟.. فرد الإمام (عليه السلام): لأنه بصق في وجهي وشتمني، وما أردت أن أقطع رأسه تشفياً لقيضي، وإنما أحببت أن يسكن الغضب عني فأقطع رأسه قربة إلى الله خالصة).. هناك نهيٌّ في رواياتِ أهلِ البيت (عليهم السلام) عَن الحَديثِ في حال الغضب، لذا عليه أن يذهب ويتوضأ ويغتسل ويصلي ركعتين، ثُمَّ يتكلم مَعَ الزوجة أو معَ مَن يحب.
٧. الدعاء: يقول تعالى: ﴿إِن يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا﴾؛ إن هذهِ من أعظم الآيات الاجتماعيّة، لذا يجب على الإنسان أن يتعامل معها كما يتعامل مع قوانين الفيزياء والكيمياء، في تلك القوانين إذا اجتمع الهيدروجين والأوكسجين؛ فإن النتيجة الحتمية التي لا تقبل الشك هِيَّ الماء، وهذه الآية الكريمة تقول: ﴿إِن يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا﴾ لذا قبل الذهاب إلى المحاكم أو إلى أهل الزوجين، فليصلّ الزوج للهِ تعالى ركعتين، ثم يقول: يا رَب ألّف بيني وبينَ زوجتي، يا مَن يحولُ بينَ المَرءِ وقلبه حُل بينها وبينَ قلبِها -أو قلبَ ولده لا فَرق-!.. إذا أراد الإنسان أن يدخل في نقاش أو في موعظة أو في كلام يخشى فيه الرد، فليقدم لله تعالى ركعتين وخاصة في المسجد، وفي وقتٍ مُبارك؛ فإن رَب العالمين يُلين له القلوب. وأقسى قلبٍ لانَ لقلب؛ هو قَلب فرعون الطاغية الذي لانَ لموسى (عليهِ السلام)، رغم أنه كان يُذبح الأولاد؛ ولكن عندما رأى موسى (عليه السلام) اتخذهُ ولداً، فحتى قلب الكافر يلينُ للمؤمن.
٨. الصبر: إن المؤمن قد يُبتلى بزوجة مثل زوجتي نبي اللهِ نوح ولوط (عليهما السلام) اللتين فضحهما رَب العالمين في القرآن الكريم، والعكسُ أيضاً: كأن تكون المرأة هي المبتلية بزوج ذي وجه مكفهر دائماً، حيث إن البعض أمامَ ضريح المعصوم يتكلم كلاماً قاسياً على ولده أو حتى على زوجته، لا يرعى حُرمَة المعصوم والمشاهد المُشرفة.. فإذا ابتلي الإنسان بهكذا عيشة عليه بالصبر!.. فلعل هذا هو سُلّمه إلى اللهِ عَزَّ وجل وإلى الفَوز، فرَب العالمين ما ابتلاه بهكذا حالة إلا ليأخذَ وسامَ كظم الغيظ!.. إذ إن التراجع في أول أيام العقد ممكن، فمن يجد في قلبه نفوراً من خطيبته عليه أن لا يكمل المشوار، مادام في أول الطريق الأمرُ أسهل!.. أما الإنسان الذي بَلَغَ من العُمر ما بَلَغ، وأمامهُ جَيشٌ من الأولاد، كيف يمكن أن يُفكر في الانفصال؟!.. لذا ليس هناك سبيل إلا الصبر: فمَن صَبَرَ على سُوءِ خُلقِ زوجته؛ كانَ في زُمرةِ أيوب الصابر، ومَن صَبَرَت على سوءِ خُلق زوجها؛ فهيَّ في زمرةِ آسيا التي هي من النساء المُتميزاتِ في التأريخ. روي عن النبي الأكرم (صلی الله عليه) أنه قال: (مَن صَبَرَ عَلى سُوءِ خُلُقِ امرَأتِهِ واحتَسَبَهُ؛ أعطاهُ اللّهُ تعالى بكُلِّ مرة يَصبِرُ علَيها مِنَ الثَّوابِ، ما أعطى أيُّوبَ (عليه السلام) عَلى بَلائهِ.. وكانَ علَيها مِنَ الوِزْرِ في كُلِّ يَومٍ ولَيلةٍ؛ مِثلُ رَمْلٍ عالِجٍ).. وفي رواية أخرى عنه (صلی الله عليه) أنه قال: (مَن صَبَرَت عَلى سوءِ خُلُقِ زَوجِها؛ أعطاها مِثلَ ثَوابِ آسِيَةَ بِنتِ مُزاحِمٍ).
وعليه، يجب استعمال كُل هذهِ الأدوية وكُل هذهِ الأساليب، ولكن إن كانَ البَلاء بلاءً مُحكماً لا يرتفع فليقل: يا رَب، أنا أتقربُ إليكَ بالصبَرِ عليها. بعض المتميزين من الرجال رَبُ العالمين أنعمَ عليه نِعماً لا تُعدُ ولا تُحصى؛ لأن لَهُ زوجة سيئة الخلق وقد صَبَرَ على أذاها، ففتح له رَبُ العالمين أبواب الخَيرِ، والعكسُ أيضاً هو الصحيح. فإذن، قَبلَ أن نصبر نحاول أن نُعالج الأمر، وإذا لم يتعالج نتأسى بالصالحين بالصَبرِ على ما ابتلاهم الله عز وجل في هذهِ الدُنيا، فعن النبي (صلی الله عليه) أنه قال: (الناس يطلبون الراحة في الدنيا، وقد جعلتها في الآخرة).
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.