- الآيات ٧ إلى ١٥
- من سورة الانشقاق
- تلاوة الآيات ٧ إلى ١٥
الأصناف الثلاثة
إن هذه الآية تبيّن صنفين من أهل المحشر ، وهم : المؤمنون الذين يأخذون كتبهم بأيمانهم ﴿أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ﴾ والكافرون غير المعترفين بالحشر الذين يأخذون كتبهم من وراء ظهورهم ﴿أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ﴾ إما من باب :
طمس الوجوه وإرجاعها إلى الخلف ﴿مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا﴾[١] .
إنهم يأخذون كتبهم بشمائلهم ثم يخفونها وراء ظهورهم ؛ فصدَق هذا العنوان عليهم .
ومن الممكن القول : بأن هناك صنفا ثالثا هم عصاة المؤمنين ، يأخذون كتبهم بشمائلهم ؛ فكانوا في قبال الصنفين الأولين .
معنى الحساب اليسير
إن الحساب اليسير في قوله تعالى ﴿فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً﴾ قد يكون :
بعرض الكتاب على صاحبه بما فيه من السيئات من دون مداقة فيه ؛ فيصدق عليه الحساب من جهة ، واليسر من جهة اُخرى .
وقد يكون من جهة التجاوز عن السيئات أو تبديلها إلى الحسنات إما : ببركة الشفاعة ، أو فعل ما يوجب التيسير في الحساب ، فقد جاء في الحديث الشريف : «ثلاث من كنّ فيه ؛ حاسبه اللّه حسابا يسيرا ، وأدخله الجنّة برحمته . . » قالوا : وما هي يا رسول الله؟! . . قال : «تعطي من حرمك ، وتصل من قطعك ، وتعفو عمّن ظلمك»[٢] .
أنواع الرجوع
إن هناك فرقا كبيرا بين رجوع المؤمن إلى أهله يوم القيامة وبين غيره ، فالمؤمن يرجع إلى أهله ليعيش معهم أبد الآبدين في سرور وحبور ﴿وَيَنْقَلِبُ إلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً﴾ سواء فسّرنا ذلك بأزواجه من الحور العين المنتظرات لقدومه ، أو بزوجته وأولاده الذين يلحقون به في الجنة ، أو بالمؤمنين الصالحين من قرنائه ، فإنهم في حكم أهله لسنخية الإيمان .
وهذا كله بخلاف سرور الكفار ، فإنه سرور تصرّم في الدنيا وأعقبه حزن دائم ، لمفارقته لمَن كان مسرورا فيهم حيث أسلموه لنفسه ، فما الفائدة في أنه ﴿كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً﴾ و﴿كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَق﴾[٣] بصيغة الماضي والحال أنه الآن ﴿يَصْلى سَعِيراً﴾ بصيغة المضارع داعيا على نفسه بالويل والهلاك ﴿فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً﴾ .
السرور بالفضل الإلهي
إن سرور المؤمن في الدنيا سرور له ما يبرّره صدقا وواقعا ، وذلك لأن ما يوجب له السرور هو فضل من الله ورحمة ، فسروره برضا الرب أكثر ممّا يكشف عنه من النعمة النازلة عليه ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ ممّا يَجْمَعُون﴾[٤] وكأن ما أوجب لهم السرور هو ما كان كاشفاً عن رضا الله تعالى عنهم .
وهذا كله بخلاف سرور أهل الدنيا ؛ فإنه أقرب إلى المرح المقترن بالغفلة ، ولذا عبّر عنه القرآن الكريم بأنه بغير حق حيث قال تعالى ﴿ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ﴾[٥] . . فأي قيمة للباطل وإن كان في قالب السرور؟
فضائح القيامة
إن كان تقسيم الكتب يمينا أو شمالا أو من وراء الظهر واقعا في جمع أهل المحشر وفي محضرهم ؛ استلزم ذلك الفضيحة أمام الأشهاد وهو ما كان يتحاشاه العبد في الدنيا ، أضف إلى أن تغير الوجوه واسودادها الظاهر للعيان والدال على سوء عاقبة أهلها[٦] ، فضيحة اُخرى من فضائح القيامة أمام الخلائق ، وهذا بدوره عذاب نفسي للعصاة قبل دخول النار أيضا .
السرور الكاذب
إن من موجبات السرور والمرح الباطل ؛ هي الغفلة عن اليوم الآخِر ، وكذلك الجهل بالجزاء المُبهم الذي ينتظر أهله ، ومن هنا فإن أول ما وصفهم به القرآن الكريم هو ﴿إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ﴾ أي لا يرجع إلى الله تعالى ، وقد ورد في الخبر : «ليس العيد لمَن لبس الجديد ، وإنما العيد لمَن أمن الوعيد»[٧]!
وعليه ، فلو طرأ على العبد ما يوجب له السرور الكاذب ، فما عليه إلا أن يتذكّر هول ما هو مُقدِم عليه أولا ، ومراقبة الله تعالى له ثانيا حيث قال تعالى ﴿بَلى إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً﴾ ليعود إلى رشده . . وقد ذُكر الأمران في هذه الآيات معا كمُزيل لمثل هذا السرور ؛ ألا وهو تذكر أنه يرجع إلى الله تعالى ، وأنه بصير به .