- الآيات ٣٩ إلى ٤٠
- من سورة النبأ
- تلاوة الآيات ٣٩ إلى ٤٠
اتخاذ الطريق
إن سلوك الطريق إلى الله تعالى لا يكون بالقهر والجبر على طيّه ، وإلا انتفت المجاهدة المطلوبة في القرب إليه ، بل إنه جعل هداية السبيل منوطة بالمجاهدة فيه ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾[١] .
وعليه ، فإن من شاء العودة والمآب إلى الله تعالى ، لا بُد أن يكون مريدا ومشيئا لذلك أولا ﴿فَمَن شَاء﴾ وعازما على اتخاذ سبيل ثابت إليه ثانيا ﴿اتَّخَذَ إلى رَبِّهِ مَآباً﴾ .
الامتداد الالهي
إن المنذر بالأصالة هو رب العالمين ﴿إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَريبا﴾ ويليه الرسل ﴿ رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ﴾[٢] ويليهم العلماء ﴿وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ﴾[٣] . . ومن هنا يُعلم كمال الفخر للعلماء وعلو درجتهم ، إذ إنهم صاروا امتدادا للإرادة الإلهية من جهة ، ومتأسين بفعل الأنبياء من جهة اُخرى .
تأثير الإنذار
إن الإنذار أقرب إلى تحريك النفوس الغافلة من البشارة ، ومن هنا ذكرت الآية الإنذار فحسب ﴿إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَريباً﴾ ولم تذكر البشارة عند ذكر ﴿الْيَوْمُ الْحَقُّ﴾ فإن السورة مختومة بذكر الكافرين .
الإنذار القريب
إن الآخرة يراها القوم وكأنها مستقبل بعيد ، والحال أنه لا يفصلنا عن ذلك سوى الموت الذي نحن معرّضون له في كل آن . . ومن هنا عبّرت الآية عن العذاب بأنه إنذار قريب ﴿إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَريباً﴾ ففيها بيان للقرب بحسب الواقع ، بينما في آية اُخرى ذكرت القرب بحسب ما يراه المولى الحكيم أيضا ﴿وَنَرَاهُ قَرِيبًا﴾ فکانّه اجتمع بذلك عالم الثبوت و الإثبات، وهذا الإنذار السابق ـ الموجب للتنبّه ـ حجة أيضا على الكفار يوم القيامة .
تجسّم الأعمال
إن الأعمال تتجسم يوم القيامة ، وقد عبّرت الآيات عن رؤية العمل في مواطن عديدة ، ومنها هذه الآية ﴿يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ﴾ والحال أنه ينبغي للعبد أن ينظر إلى عمله في الدنيا ماثلا أمام عينيه بطريق أولى ، وذلك لقرب عهده بالعمل من جهة ، وإمكان التدارك من جهة اُخرى ، ولكن المشكلة في انعدام البصيرة الباطنية التي تتكشف بعد فوات الأوان .
شدة الندامة
إن تمني مَن كان مرشحا للخلافة الإلهية أن يكون ترابا ؛ كاشف عن شدة الندامة التي يعيشها الكافر يوم القيامة ﴿وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَني كُنْتُ تُراباً﴾ بل من الممكن القول بأن التراب خير منه ؛ لأنه يستلم البذرة في باطنه ليحولها إلى شجرة باسقة ، وهؤلاء قد أودع المولى في بواطنهم بذور الخير ، إلا أنهم لم يستنبتوها في أعماق نفوسهم ، بل جعلوها مغطاة ببواطنهم الممسوخة ، فخابوا بهذا الإخفاء الذي أشار إليه قوله تعالى ﴿وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾ وهذا من وجوه التناسب بين لفظة الكفر المأخوذة من التغطية ، وبين مبدأ اشتقاقه .