Search
Close this search box.
  • وصايا الإمام موسى الكاظم (ع) لهشام بن الحكم 1
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

وصايا الإمام موسى الكاظم (ع) لهشام بن الحكم 1

بسم الله الرحمن الرحيم

خصائص الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام)

مقامات الأئمة (ع) تنكشف من خلال كلماتهم الطيبة ومما روي عنهم؛ وخاصة عندما يخصون أحداً بالخطاب. وهذا الخطاب المتوجه إلى أحدهم إنما هو خطاب لكل من يصل إليه ذلك الحديث. إن حديثنا هو حول إمامنا موسى بن جعفر (ع)؛ ذلك الإمام الممتحن والمبتلى كآبائه وأبنائه. إن الإمام موسى بن جعفر (ع) قد وقع في بلاء ما وقع فيه أحد من أئمة أهل البيت (ع). إن من الأئمة (ع) من قتل كأمير المؤمنين (ع) وسيد الشهداء (ع)، ومنهم نفي كالإمام الرضا (ع)، ومنهم من كان تحت الإقامة الجبرية كالعسكريين (ع). ولكن الحبس هو من مزايا الإمام موسى بن جعفر (ع) ومع ذلك انتشر منه ما انتشر، وكذلك قد ملأت ذريته شرق الأرض وغربها وقد انتقلت علومه أيضا من خلال الذين كانوا حوله من خواص رواته ومنهم هشام هذا الذي حظي بعناية الإمام موسى بن جعفر (ع). لو أن الإمام أعطى هشام أقطار الأرض أو أقطعه مثلا قطعة كبرى من الأرض لكانت فنيت هذه الأرض وخربت ولكن الوصايا التي خص بها هشام هي إلى يومنا هذا باقية وتُذكر في مجامعنا. (وَهَمَّهُ فِي آخِرَتِهِ).

من أغنى الروايات الموسوية

عندما يصل الأمر إلى ذكر إمامنا موسى بن جعفر (ع)؛ نجد أن من أهم الروايات وأكثرها تفصيلا هو حديث الإمام لهشام. أولا: لماذا خصه بالخطاب؟ يبدو أن هذه الرواية صدرت منه في خلوة وإلا لو أن الإمام كان في جمع من أصحابه لما قال: يا هشام. وهذه الوصية هي من الوصايا الخالدة لإمامنا موسى بن جعفر (ع) وهي نابعة من ينابيع الحكمة؟ أين لقمان وأين حكمة لقمان من حكم إمامنا موسى بن جعفر (ع)؟ إمامنا في ضمن وصاياه ينقل حديثاً قدسياً. مَن مِن الناس يتجرأ أن يذكر حديثا قدسياً؟ لا أحد إلا من هو مرتبط بالغيب.

الأحاديث القدسية

إن الذي نأخذ منه الأحاديث القدسية هو إما النبي (ص) وإما آل النبي (ع). هل المعصومون أيضا لهم أن ينقلوا حديثاً قدسيا؟ نعم. لأن على رأس المعصومين – غير النبي (ص) – أمير المؤمنين (ع) وهو باب مدينة العلم. وفي مدينة علم رسول الله (ص) كنز الأحاديث القدسية، وما كان عند أمير المؤمنين (ع) من العلم انتقل إلى ذريته (ع). ما المانع من أن ينتقل العلم كله إلى الإمام المجتبى (ع) وهو الإمام من بعده. نعم، إن هناك بعض المزايا مختصة بأمير المؤمنين (ع) ولكن في جانب العلم ومقتضى الحكمة أن ينتقل العلم كله إلى ذريته من بعده.

وصية الإمام الكاظم (عليه السلام) لهشام

يقول الإمام (ع) في وصيته هذه: (يَا هِشَامُ قَالَ اَللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ وَعِزَّتِي وَجَلاَلِي وَعَظَمَتِي وَقُدْرَتِي وَبَهَائِي وَعُلُوِّي فِي مَكَانِي لاَ يُؤْثِرُ عَبْدٌ هَوَايَ عَلَى هَوَاهُ إِلاَّ جَعَلْتُ اَلْغِنَى فِي نَفْسِهِ وَهَمَّهُ فِي آخِرَتِهِ)[١]. إن رب العالمين هو أصدق الصادقين، ولا يحتاج إلى القسم، وهذا الحديث موجه للمؤمنين. إن المؤمن لا يحتاج إلى قسم من الله عز وجل ومع ذلك القرآن مليء بالأقسام. وما ذلم إلا من باب إثارة الدواعي في بني آدم.

لاحظوا كلمة: (لاَ يُؤْثِرُ عَبْدٌ هَوَايَ عَلَى هَوَاهُ) التي نريد أن نشرحها. أولا: ظاهر العبارة مطلقة، وليس الكلام في الحرام فحسب. تارة يختلي الإنسان مع امرأة أجنبية فيؤثر هوى الله على هواه، وهذه مرحلة من التقوى. ولكن قد يصل العبد إلى درجة من الشفافية الباطنية إذا تاقت نفسه لشيء ليس فيه رضى الله عز وجل كترف في العيش أو فضول في النظر أو الكلام والأكل والشرب أو استمتاع لا هدف وراءه من الهوى غير المحرم امتنع عنه.

ونهى النفس عن الهوى

والمطلوب من المؤمن أن يصل إلى هذه الدرجة العالية. وبالطبع من نهى نفسه عن الهوى المحلل؛ فبطريق أولى ينهى نفسه عن الهوى المحرم. ولكن ما هي الجائزة؟ إن الهوى أمر في الباطن، وكذلك الجائزة هي من سنخ الباطن. إن رب العالمين لا ينزل عليه كنزاً من ذهب، فما له والذهب؟ إن الله يجعل جائزته في قلبه، تقول الرواية: (إِلاَّ جَعَلْتُ غِنَاهُ فِي نَفْسِهِ). ليس الغنى أن يكون للإنسان رصيد في المصارف؛ وإنما هذا فقر. ويقال: وكلما زاد ثراء الحريص كلما زاد فقره. ونعني بالفقر هنا؛ تعلقه وتصاغره وتشبثه بالدنيا. فكلما زاد ماله زاد فقره؛ أي احتياجه وتعلقه.

الفقر والغنى الحقيقيين

ما هو الفرق بين إنسان يأكل ويشبع ويشرب ويرتوي ويلبس فيكسو نفسه وليس له مال مدخر وبين إنسان كذلك وله الملايين؟ إنه في مقام العمل أثرى الأثرياء وأفقر الفقراء. من له الكفاف على حد سواء مع الغني. فهذا يأكل ويملأ معدته وهذا كذلك. هذا يتنفس ملئ رأته وهذا كذلك. والزائد لست محتاجاً إليه إلا من باب ضمان المستقبل. والمؤمن ضمانه رب العالمين وانتهى الأمر. هذا ثقته بالله وهذا ثقته بماله، وبالطبع الفارق عظيم. أين الغني المطلق وأين الكنوز الفانية؟ إن الغنى في نفسه لا في المصارف ولا في المخازن ولا في المحلات ولهذا رأينا بعض المؤمنين عندما يواجه إنساناً وجيهاً دنيوياً ينظر اليه بازدراء إلا إذا كان مؤمناً . يقال له: هذا أغنى الأغنياء ولكنه لا يعبأ به لأنه يرى من هو أغنى منه.

الاهتمام بأمر الآخرة

ثم قال (ع): (وَهَمَّهُ فِي آخِرَتِهِ)[٢]. إن مصيبة المصائب أن أحدنا لا ينشط لأمر آخرته، ولهذا أمير المؤمنين (ع) يطلب في دعاء ليلة الجمعة من الله عز وجل أن يجعل له قوة في بدنه وعزيمة في باطنه: (قَوِّ عَلَى خِدْمَتِكَ جَوَارِحِي، وَاُشْدُدْ عَلَى اَلْعَزِيمَةِ جَوَانِحِي)[٣]. فإذا كان البدن قويا والهمة عالية؛ تمت الصفقة.

ضمان الرزق

ثم قال: (وضَمَّنْتُ اَلسَّمَاوَاتِ وَاَلْأَرْضَ رِزْقَهُ وَكُنْتُ لَهُ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَةِ كُلِّ تَاجِرٍ)[٤]. إن السماوات هي التي تضمن رزقه كما أن رب العالمين ضمن رزق كل دابة. تذكر بعض روايات أهل البيت (ع)؛ أن الله عز وجل يجري رزق المؤمن من حيث لا يحتسب، ليرى اليد الإلهية التي تمده بالعطاء. وهكذا رب العالمين يدلل عبده المؤمن.

[١] بحار الأنوار  ج١ ص١٥٠.
[٢] الخصال  ج١  ص٣.
[٣] مفاتيح الجنان دعاء كميل.
[٤] بحار الأنوار  ج١  ص١٥٠.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • إن مصيبة المصائب أن أحدنا لا ينشط لأمر آخرته، ولهذا أمير المؤمنين (ع) يطلب في دعاء ليلة الجمعة من الله عز وجل أن يجعل له قوة في بدنه وعزيمة في باطنه: (قَوِّ عَلَى خِدْمَتِكَ جَوَارِحِي، وَاُشْدُدْ عَلَى اَلْعَزِيمَةِ جَوَانِحِي). فإذا كان البدن قويا والهمة عالية؛ تمت الصفقة.
  • تارة يختلي الإنسان مع امرأة أجنبية فيؤثر هوى الله على هواه، وهذه مرحلة من التقوى. ولكن قد يصل العبد إلى درجة من الشفافية الباطنية إذا تاقت نفسه لشيء ليس فيه رضى الله كترف في العيش أو فضول في النظر أو الكلام والأكل والشرب أو استمتاع لا هدف وراءه من الهوى غير المحرم امتنع عنه.

 

Layer-5.png