Search
Close this search box.
  • وصايا الإمام موسى الكاظم (ع) لهشام بن الحكم 3
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

وصايا الإمام موسى الكاظم (ع) لهشام بن الحكم 3

بسم الله الرحمن الرحيم

العلاقة بالإمام موسى بن جعفر (عليه السلام)

لازلنا على مائدة إمامنا موسى بن جعفر (ع). إن أفضل علاقة لنا بالمعصوم بالإضافة إلى التعلق العاطفي به حزناً فرحاً ذكراً شعراً نثراً؛ التأسي العملي. والتأسي لا يكون إلا عن معرفة. ومثاله عندما نطلب من إنسان أن يرسم رسمةً. فمرة نطالبه برسمة إبداعية من عند نفسه، وهذا له باب. ومرة نقول: تأسى بالرسام الفلاني في لوحته؛ فإذا لم تكن عنده لوحة واضحة كيف يرسم مثلها؟ فإن أراد أن يتأسى بأحدهم لابد وأن تكون سيرته واضحة عنده، والذي لا اطلاع له على سيرة المعصومين والذي لا يعلم موقع الإمام من عالم الوجود، والذي لا يعلم ما صدر من إمامه من حكم؛ أنى له الاقتداء به؟

إنك لو زرت الإمام موسى بن جعفر (ع) عشرات المرات وكنت جاهلا به وبكلامه؛ كيف تقتدي به؟ إن غاية ما في الأمر أن تقبل ضريحه الشريف وتزوره وتصلي ركعتين. إن من يريد أن يكون مقتدياً بإمامه موسى بن جعفر (ع) – على الأقل – ليطلع على وصاياه لهشام. وهشام هذا ما صار هشاماً بالتوسل فحسب، وبالبكاء على الإمام، وإنما صار هشاماً لأنه تتلمذ على يد الإمام الصادق والكاظم (ع) فصار عالماً بالإمامة. هشام هذا المعروف بأنه فتق أبحاث الإمامة.

الأنس بالبطالين

وصلنا إلى هذه الفقرة الملفتة في ظاهرها: (يَا هِشَامُ إِيَّاكَ وَمُخَالَطَةَ اَلنَّاسِ وَاَلْأُنْسَ بِهِمْ)[١]، وسيأتي للكلام تتمة ترفع الاستغراب. لا تكن حشرا مع الناس ولا تُكثر من هواتف الأصدقاء في جهازك. إن البعض يتباهى بكثرة الأصدقاء، ويقول: عندي ألف صديق أو ألفي صديق. ما لك وهؤلاء؟ والأنكى أن تأنس بهم. ما لك والأنس بإنسان بطال غافل؟ والبعض يترك زوجته وعياله لينظر إلى باطل في التلفاز. ذلك إنسان بطال وأنت صرت مثله لأنك قد أنست به. ثم تتوقع بعد ذلك أن يغمى عليك في جوف الليل. أنى لك هذا؟ مادام قلبك متعلقاً ومأنوساً بالبطالين وأنت مثلهم لا تحصل على ذلك.

ولهذا إذا أردت أن تختبر نفسك وترى مستواك الإيماني؛ انظر إلى صلاتك وإقبالك فيها. إن الصلاة هي التي تحدد موقعك من رب العالمين. وثانيا: انظر إلى نفسك في جمع الغافلين؛ إن رأيت في قلبك اشمئزازاً فاعلم أنك على خير. إن من يشمئز من البطالين هو من الذاكرين. وإن رأيت أنساً بهم فاعلم أنك على شاكلتهم، وكما يقول المثل العربي: الطيور على أشكالها تقع.

ولكن ما من عام وإلا وقد خص، وما من قانون إلا وله تبصرة، يقول الإمام (ع): (إِلاَّ أَنْ تَجِدَ مِنْهُمْ عَاقِلاً مَأْمُوناً فَأْنَسْ بِهِ). وأين العقلاء هذه الأيام؟ من كان هواه بيده ومن كان مسيطرا على غرائزه وغضبه هو الذي له درجة من درجات العقل. إن العاقل هو ذلك الذي أعطي الحكمة. والعقل مع الحكمة متلازمان. تقول الرواية: (إِذَا رَأَيْتُمُ اَلْمُؤْمِنَ صَمُوتاً وَقُوراً فَادْنُوا مِنْهُ فَإِنَّهُ يُلْقِي اَلْحِكْمَةَ)[٢].

ثم يقول إمامنا (ع) في كلمة بليغة رادعة: (وَاُهْرُبْ مِنْ سَائِرِهِمْ كَهَرَبِكَ مِنَ اَلسِّبَاعِ اَلضَّارِيَةِ)؛ فهل رأيت إنساناً يدخل في قفص الأسد ويأنس به؟ ولو عمل ذلك لأصبح في لحظات فريسة بين يديه. إن هذا الغافل أو هذا البطال هو بمثابة الأسد المفترس الذي يفترسك بباطله وبلغوه أو قل: كالجراثيم الضارة، والأمر لا يحتاج إلى استدلال. اجلس مع البطالين ساعة ثم صل ركعتين لترى نفسك لا تميل لعبادة ولا لقراءة قرآن، لأنها تلوثت.

الحياء من الله جل وعز

ثم يقول إمامنا (ع)؛ هذا الذي كان معذبا في قعر السجون وهو على هذه الدرجة العالية من المعرفة: (وَ يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ إِذَا عَمِلَ عَمَلاً أَنْ يَسْتَحْيِيَ مِنَ اَللَّهِ)[٣]. تارة ينكر الإنسان وجود الخالق فهو ملحد والأمر إليه وهو كالأنعام كما قال تعالى. ولكن إن كنت عاقلا – دعنا من الديانة  والتقوى – فأنت تعترف بالرقيب. فلا تعمل عملا يورطك مع رب العالمين. إنك لو دفعت الملايين لإنسان على أن يتعرى في الشارع ما فعل؛ ولكنه في الحمام يفعل ذلك بلا أي شيء؛ لأنه لا يستحي عندها من الناس.

إن من رأى الله عز وجل رقيبا له في كل تقلباته لكفاه حيائه من الله. ولهذا يتقنع  المؤمن في بيت الخلاء؛ أي يضع على رأسه غطاءً، يقول البعض إن من علل هذا الفعل؛ الحياء من الله عز وجل. وكذلك عند معاشرة الزوجة نهى الشارع عن التعري حياء من الله عز وجل، فينبغي له أن يتغطى في تلك الحالة أدباً.

مخالفة الهوى

ثم يقول إمامنا (ع): (وَإِذَا حَزَبَكَ أَمْرٌ أَنْ لاَ تَدْرِيَ أَيُّهُمَا خَيْرٌ وَأَصْوَبُ فَانْظُرْ أَيُّهُمَا أَقْرَبُ إِلَى هَوَاكَ فَخَالِفْهُ فَإِنَّ كَثِيرَ اَلثَّوَابِ فِي مُخَالَفَةِ هَوَاكَ). إن مخالفة الهوى؛ علامة السداد، لأن النفس متهمة وما دمت تميل إلى جهة فاعلم أن هذه الجهة مشبوهة. فإن كنت تريد الليلة أن تزور رجلين ومالت نفسك إلى الأول مثلا؛ زر الثاني. ستكتشف أن مائدته كانت أدسم وأن اللهو عنده موفر.

رأفة الله بالمحزونين

ثم يقول الإمام موسى بن جعفر (ع) في كلمة عاطفية تدل على عظيم قدره وتجعل الإنسان خاشعا أمام عظمته: (وَلَمْ يُفَرِّحِ اَلْمَحْزُونِينَ بِقَدْرِ حُزْنِهِمْ وَلَكِنْ فَرَّحَهُمْ بِقَدْرِ رَأْفَتِهِ وَرَحْمَتِهِ، فَمَا ظَنُّكَ بِالرَّءُوفِ اَلرَّحِيمِ اَلَّذِي يَتَوَدَّدُ إِلَى مَنْ يُؤْذِيهِ بِأَوْلِيَائِهِ فَكَيْفَ بِمَنْ يُؤْذَى فِيهِ). إن الله لا يطرد من يؤذي ولياً من أولياءه، وإنما يمهله لعله يتوب. فهل رأيت إنسانا يؤذي ولي الله ثم يموت من ساعته مثلا؟ أو يشل من ساعته؟ بل يعيش منعماً وقد آذى ولياً من أولياء الله. إن رب العالمين يرفق بمن يؤذي المؤمنين؛ فكيف بنفس المؤمن الذي أوذي في الله؟ وبعبارة أوضح؛ إذا كان عدو المؤمن في مظان الرحمة؛ فكيف بالمؤمن نفسه؟

ثم يقول (ع): (وَمَا ظَنُّكَ بِالتَّوَّابِ اَلرَّحِيمِ اَلَّذِي يَتُوبُ عَلَى مَنْ يُعَادِيهِ فَكَيْفَ بِمَنْ يَتَرَضَّاهُ وَيَخْتَارُ عَدَاوَةَ اَلْخَلْقِ فِيهِ)؟ إن الله عز وجل يتوب على عدو الله؛ فكيف بصديق الله الذي يعادي الناس في الله؟ لقد رأينا البعض يقطع أرحامه وأصدقائه في الله؛ فكم الرحمة الغامرة قريبة من هؤلاء؟

[١] بحار الأنوار  ج١ ص١٥٥.
[٢] إرشاد القلوب  ج١ ص١٠٤.
[٣] أظن أن الشيخ حفظه الله ورعاه لم ينتبه إلى تكلمة الحديث فأخذ من الحديث الشطر الأول وعلق عليه، وتكلمة الحديث هو: (إِذْ تَفَرَّدَ لَهُ بِالنِّعَمِ أَنْ يُشَارِكَ فِي عَمَلِهِ أَحَداً غَيْرَهُ). وهنا الإمام يبين سبب ما ينبغي المؤمن أن يستحيي منه. وهو أن يرك أحد بشكره لله عز وجل.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

• إن الله لا يطرد من يؤذي ولياً من أولياءه، وإنما يمهله لعله يتوب. فهل رأيت إنسانا يؤذي ولي الله ثم يموت من ساعته مثلا؟ أو يشل من ساعته؟ بل يعيش منعماً وقد آذى ولياً من أولياء الله. إن رب العالمين يرفق بمن يؤذي المؤمنين؛ فكيف بنفس المؤمن الذي أوذي في الله؟

• إنك لو زرت الإمام موسى بن جعفر (ع) عشرات المرات وكنت جاهلا به وبكلامه؛ كيف تقتدي به؟ إن غاية ما في الأمر أن تقبل ضريحه الشريف وتزوره وتصلي ركعتين. إن من يريد أن يكون مقتدياً بإمامه موسى بن جعفر (ع) – على الأقل – ليطلع على وصاياه لهشام.

Layer-5.png