Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

إن الإنسان المسلم يريد رضا ربه، فلا يجيزه الإتباع المجرد، ولا اتباع الآباء والأقدمين.. ولكن ما ينقذه من المساءلة في القبر والبرزخ، وفي يوم القيامة، هو الحجة والدليل.. والقرآن الكريم قد جعل الظن لا يغني عن الحق شيئاً، فالظن ليس بحجة.. وهل التكتف في الصلاة -وهو أن يجعل الإنسان أحد يديه على الأَخرى، ويجعلهما على قلبه أو بطنه- أمر منتسب إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، أو إلى عترتهم؟..

إن هذه من الأمور المستحدثة في صفوف المسلمين، بعد وفاة الرسول صّلى الله عليه وآله وسلم.. والتاريخ ينقل لنا بأنه قد جيء بأًسارى العجم، فكفروا أمام الخليفة الثاني، بمعنى أنهم جعلوا يدا على اليد الأخرى علامة التعظيم.. وقديماً كانوا معروفين بتعظيمهم لملوكهم، وتأريخ الحكم الملكي في بلاد فارس قديم، لعله يقرب من 2500 سنة من الحياة الملكية.. وبالتالي، فإن الشعب الذي يعيش في مثل هذا الجو، من الطبيعي أن يبالغ في تعظيم ملوكه، وخصوصاً أن هؤلاء أسارى، والأسير لا بد أن يقوم بحركات تستجلب العطف والإنتباه.. فعندما سئلوا عن هذه الحركة، قالوا: إنها تستعمل للخضوع والتواضع للملوك.. عندئذٍ استحسن الخليفة هذا الفعل، وجعل منه سنة جارية في الصلاة.

إن الصلاة عبارة عن عبادة موقوتة، منزلة من رب العالمين بحدودها، فلو سُمح بالزيادة أو النقص فيها؛ لخرجت الصلاة عن كونها عبادة إلــهية سماوية.. وكذلك الحال مع الأذان والإقامة، فهي منزلة من قبل رب العالمين، وليس كما يقال بالمعتقد بأنها من المنامات، فهذه قاعدة أولية: أن العبادات هي نور متشرع، كالصوم والصلاة والزكاة وما شابه ذلك.. فالمشرع هو الذي له الحق، والنبي والمعصوم يبِّلغ هذا التشريع، يقول الله تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ}.

والمذاهب الأربعة لم تجمع على هذه الحركة، وهناك اختلاف شاسع بين أئمة المذاهب.. فالمالكية لا ترى وجوب التكتف، بل ترى الكراهية في الفرائض، كما في كتاب بداية المجتهد لابن رشد، كذلك ليل الأوطار.. والشافعي وأبو حنيفة وسفيان وأحمد بن حنبل وأبا ثور وداوود، جميعهم يشيرون إلى الاستحباب لا الوجوب.. حتى أن البعض يرى استحباب الإسبال، كما في فتح الباري في شرح صحيح البخاري/الجزء الأول ص266 وقد ذكر ابن أبي شيبة: أن ابن الحسن، والمغيرة، وابن الزبير، وابن سيرين، وابن المسيب، وسعد بن جبير، والنخعي.. كانوا يرسلون أيديهم في الصلاة، ولا يضعون أحداها على الأخرى، بل كان البعض ينكر على فاعله.. فهذه حركة أُحدثت بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، والفقهاء بين من يرى في الاستحباب، وبين من يرى الكراهية، ومنهم من ينكر على فاعله.. فلماذا يلزم البعض على هذه الحركة، ويجعل الذي يسبل يديه بالصلاة، وكأنه مخالف لشريعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟.. بل إن إجماع المسلمين، يرى بأن الإسبال في الصلاة، هو فعل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

فعلى المسلم المؤمن المنصف العالِم، وعلى الملتمس في طريق النجاة، أن يكون هادئاً في بحثه.. فمادام هناك نظرية في مقابل نظرية التكتف، ومدعومة بهذه الأدلة، فلماذا لا يأخذ بها؟!.. فسيرة أهل البيت عليهم السلام، تؤكد من خلال النصوص على خلاف التكتف.. وأهل البيت هم الإمتداد التشريعي للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، والنبي هو الذي فتح لأمير المؤمنين علي -عليه السلام- ألف باب من العلم، وكذلك قال في حقه: إن علي يدور مع الحق.. فالثمرة من هذه الوصايا الكثيرة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، هي أن تجعل قول علي بن أبي طالب حجة على المسلمين.. والإمام علي أعطى هذه الصفة لولديه الحسن والحسين، وكل إمام يزكي من بعده من أئمة الهدى، إلى إمامنا المهدي صلوات الله وسلامه عليهم .

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.