Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

س١/ إذا كانت هداية الآخرين تحتاج إلى تخصص علمي، فكيف ندعو للسعي إلى ذلك؟..

إن شاء تعالى ختامه سيكون ختام مسك!.. فإن (هداية الآخرين) جعلناها آخر الوصايا الأربعين.. ولولا هذه الحلقات بشكل عام لما توفق المتوفقون، لطرح هذه المفاهيم.. فبهداية الآخرين، وطرح هذه المفاهيم تنتشر هذه الأمواج الطيبة، في أوساط المؤمنين..

نحن نقول: إن هداية الغير، تحتاج إلى تخصص في الشريعة، فالكلام ليس في الهداية الطبية، ولا الهداية البيئية.. ومن ناحية أخرى نقول: إنه تكليف الجميع.. ونحن ذكرنا في إحدى الحلقات، أن التكامل للجميع، ومن موجبات التكامل هداية الغير.. فإذن، صار الكلام متناقضا، بين قولنا: (التكامل للجميع)، وقولنا: (هداية الغير تحتاج إلى تخصص)!..

والجواب على هذه الشبهة: إن كل واحد منا، عليه أن ينفق مما رزقه الله تعالى، لا في المجال المادي فحسب، بل حتى في المجال العلمي والمعنوي.. إن الصدقات عادة يدفعها الغني للفقير، ولكن حتى الفقير الذي لا يملك قوت يومه، قد تكون له شيء من الصدقات، لدفع البلاء عنه، وعن ولده المريض مثلا.. فكيف هو إنسان فقير، ويعطي مما عنده بحسبه؟!..

أيضا فإن الفقراء علميا، والفقراء إيمانيا، يمكن أن يعطوا بحسبهم.. فلنفترض أنك فقير، لم تدرس لا في حوزة علمية، ولم تقرأ كتابا، ولكن أليست لديك حكمة في الحياة؟.. إن بعض كبار السن من الأميين، ولكنهم عقلاء، ويذهبون إليهم للمشورة في الزواج وغيرها.. وهذا أمير المؤمنين (ع) الذي علمه متصل بالسماء، وفتحت له أبواب العلم، ولكن عندما أراد أن يتزوج بعد استشهاد السيدة (ع)، ذهب إلى عقيل، وطلب منه أن يدله على امرأة تلد له الفحول من العرب..

إن المؤمن لا يعقل أن يكون جاهلا محضا، بلا تجارب، وبلا حكم!.. وعليه، فإن على كل واحد منا أن يعطي مما أتاه الله تعالى، بحسب ما عنده من الرصيد.. وإن الذي يتعود ويستأنس بهداية الغير، فإنه يعشق الثقافة.. لأنه عندما يفرغ رصيده، يحتاج إلى أن يثقف نفسه من جديد.. فمثله كإنسان عنده خزان مائي، ويريد أن يسقي العطاشى، فعندما ينفد ما في الخزان، وهو قد أغرم بسقي العطاشى، فإنه يتزود بماء جديد، حتى يعطي الغير.

س٢/ ذكر في الوصية أن من أفضل سبل التقرب إلى الله تعالى، تحبيب الخلق إليه.. فكيف يكون ذلك؟..

إن رب العالمين يحب أن يكون له عبيدا، كما نفهم من قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}.. ومن ما ورد في الحديث القدسي: (كنت كنز مخفيا، فأحببت أن أعرف، فخلقت الخلق لكي أعرف).. وإن المؤمن عندما يدل العباد التائهين، إلى الطريق الصحيح، فقد صار مساهما في تحقيق هدف الخلقة، ألا وهو العبودية لله تعالى، وتحبيب الناس إلى الله تعالى؛ ولهذا فإن الله تعالى يشكر له هذا السعي.

ومن اللازم أن يسعى المؤمن في تحبيب الناس إلى الله تعالى، لا أن يكون مجرد ناقل للأمور الشرعية.. فإن هناك فرقا بين إنسان ينقل مسألة شرعية لجاهل بها، بشكل جدي من غير تحبيب، فيقول مثلا: يا فلان غسل الجنابة كذا وكذا.. أو المفهوم الإسلامي حول المرأة كذا وكذا؛ وبين إنسان آخر يريد أن يحبب العبيد إلى الله تعالى..

أوحى الله تعالى إلى موسى (ع): (حبّبني إلى خلقي، وحبّب خلقي إليّ.. قال: يا رب!.. كيف أفعل؟.. قال: ذكّرهم آلائي ونعمائي ليحبّوني.. فلئن تردّ آبقاً عن بابي، أو ضالاً عن فنائي، أفضل لك من عبادة مئة سنة بصيام نهارها وقيام ليلها)..

إن هناك فرقا بين من يخاطب العقول من خلال الكلمة، ومن المعلوم أن الكلمة تخرج وتطرق طبلة الأذن، وتنتقل عبر إشارات عصبية إلى المخ، والمخ يفهم ويستوعب أن هذا حرام وهذا واجب؛ وبين من يتكلم مع القلب مباشرة.. وإن المؤمن له هذه الخاصية، أنه يتكلم بلسانه وبقلبه؛ وقد يتكلم بقلبه لا بلسانه، فبنظرة فيها غضب، يفهمه أن هذا حرام.. كما هو المعلوم عن بعض الخواص من المؤمنين-ما يعبر عنهم بالكملين- فإن هؤلاء لهم خاصية التغيير الأنفسي، بنظرة شبه ولائية مستمدة من ولاية الله ورسوله.. فالبعض منهم كان يربي تلاميذه على ترك بعض الأمور المنكرة، من خلال النظرة التكوينية..

وإن هذا ليس بأمر غريب، فكما أن الله تعالى جعل العصا تتحول إلى ثعبان لموسى (ع)، فإنه أيضا يجعل القلوب تنقاد لعبده المؤمن.. وهذا الذي حدث في الصدر الأول للإسلام، فإن رب العالمين من خلال حبيبه المصطفى (ص)، تدخل في قلوب الناس، كما قال تعالى: {وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}.. فما المانع أن يقول المؤمن أيضا: يا رب!.. كما تدخلت في قلوب الأوس والخزرج والجاهليين.. يا رب!.. لين قلب زوجي وأولادي وأسرتي ومجتمعي.. ولهذا نلاحظ أن بعض الناس بكلمة موجزة، ينجز أمورا كبيرة جدا.

س٣/ هل هناك توصيات عامة للحصول على قوة التأثير في نفوس الخلق؟..

إن هذا يحتاج إلى حديث مفصل ولكن إجمالا نقول:

أولا: العمل بما يقال:

إن الإنسان إذا كان يصلي صلاة الليل، وقد تذوق حلاوة صلاة الليل، ورأى بعض التجليات؛ فإنه عندما يعظ الناس بقيام الليل، يختلف عن إنسان لم يقم ليلة أبدا.. وكذلك إن الإنسان إذا كان غاضا لبصره، ورأى العجائب، أي كان مصداقا لهذه المقولة: (غضوا أبصاركم، تروا العجائب)؛ فهذا عندما يذكر سلبيات النظر، فإن كلامه يكون مؤثرا في الناس.

وثانيا: العمل الصالح بكل أنواعه:

نحن نلاحظ في القرآن الكريم، هذا التعبير المتكرر: (العمل بالصالحات).. و(الصالحات) جمع محلى بأل، أي يفيد العموم، فالمعنى جميع الصالحات..

فالذي يريد أن يكون مؤثرا في الناس، لابد أن لا يدع خصلة من خصال الخير إلا وقد عمل بها.. فعندئذ ينطبق عليه ممن عمل الصالحات، ويحقق التأثير المطلوب..

وهناك رأي آخر: إنه ليس المراد كل الصالحات، وإلا صرنا مقاربين لرتبة المعصومين (ع).. إنما المؤمن بناءه على أن لا يدع خصلة من خصال النبي (ص)، إلا وقد عمل بها، ولو في العمر مرة واحدة.

فالذي حقق هذا الشرط: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}، فسوف يتحقق في حقه الجزاء القرآني: {سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا}.. والنكرة هنا تفيد التعظيم..

وقد تقول: كيف يجعل رب العالمين لهم الود؟..

فنقول: إن رب العالمين كما جعل المودة بين الزوجين، كما قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً}؛ فإنه يجعل مودة المؤمن في قلوب الناس أيضا.. قد تقول كيف يكون ذلك؟.. إن المتزوجين هم يدركون هذه الحقيقة!.. فإنك ترى بعد العقد مباشرة، وإذا بالأجنبيين يتحولان إلى حبيبين!.. إن هذا العقد ماذا عمل؟!.. هما ماذا عملا؟!.. ما الذي جعل الزوجة تتحول إلى امرأة كأنك عشت معها دهرا؟!.. ولهذا نلاحظ الغيرة المتعارفة بين أم الزوج والزوجة، لأن الأم في ليلة تفقد ولدها بعد عمر طويل من التربية، وإذا بهذا القلب تعلق بامرأة كانت أجنبية عنه قبل العقد!.. إن الرب الذي يتدخل في قلوب الحيوانات والطيور، وبني آدم، والزوجين؛ فما المانع أن يلين قلوب الناس في عالم الدعوة إلى الله تعالى.

ولهذا أؤكد مرة أخرى على هذه الحقيقة: إن المؤمن إذا أعطي هذا الود، وأعطي حسن التأثير؛ فلا شك أنه سيصبح من كبار الدعاة إلى الله تعالى، في الظلمات التي نعيشها هذه الأيام.. كما نسمع في سيرة بعض العلماء السلف، حيث يقال: (إن فلان رزق القبول)، أي رزق القبول في نفوس الناس.

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.