Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

إن هذه السورة هي السورة الوحيدة المسماة باسم الرسول الأكرم محمد (ص).. وأسماء النبي (ص) المشهورة والمعروفة المبشر بها، مأخوذة من صفات الحمد: فهو أحمد، وهو محمود، وهو محمد (ص).. وهذه أيضاً مرتبطة باسم من أسماء الله -عز وجل-، فنحن نخاطب ربنا قائلين: يا محمود الفعال، يا حميد!.. فرب العالمين محمود، ونبيه أيضاً محمود؛ ولكن من هو المحمود؟.. وما معنى هذا الاسم للمصطفى (ص)؟..

المحمود: هو ذلك الذي وُصف ومُدح بصفات الحمد والثناء.. يقال: فلان مذموم؛ لأن فيه صفات الذم، وفلان محمود؛ لأن فيه ما يوجب المدح والثناء.. والمحمود على قسمين:
– محمود بباطل: فالسلاطين وبعض الطواغيت يمدحون، ولكن هذه المحمودية محمودية باطلة.
– محمود بحق: أما النبي (ص) فهو الذي حمده ووصفه رب العالمين، ومدحه بأعلى صفات المدح، فقال تعالى في وصف نبيه (ص): ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾!.. مثلاً: لو طُلب من رسام عالمي أن يرسم لوحة زيتية، هي أجمل ما يمكن أن يرسم.. وعند الانتهاء من رسم اللوحة، ُطلب منه أن يرسم أفضل منها، فإن قال: ليس بإمكاني أن أرسم أفضل من هذه اللوحة!.. فهو إما ليس بإمكانه، أو أن هذه اللوحة لا تحتمل أجمل من هذه الصورة!.. ونحن هكذا نقول في مدح الرسول الأعظم (ص): أن الروح الإنسانية قابلة لأن تكون جميلة، وأجمل صورة يمكن أن ترتسم على روح إنسانية، هي نفس وروح النبي المصطفى محمد (ص).. ولو كان هناك لوحة بشرية في عالم الأرواح أجمل من روح النبي (ص)؛ لرسمها رب العالمين.

سورة القتال..
إن سورة “القمر” يغلب عليها التهديد، وسورة النبي (ص) يغلب عليها ذكر القتال، والتعامل المطلوب مع الكفار والمشركين؛ ولهذا سماها البعض بسورة “القتال” أيضاً.. وقد ورد أن النبي (ص) كان يقرأ هذه السورة في صلاة المغرب.. فيا ترى ما هي مشاعر النبي المصطفى (ص) وهو يقرأ قوله تعالى في الآية الثانية من هذه السورة: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ﴾؟!..

﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾.. عندما تكون الجريمة كبيرة، والعتاب بليغ؛ فإن الإنسان يتكلم ما يريد بلا مقدمات.. مثلاً: هناك مجموعة من المجرمين قاموا بعمل سيء، فعندما يأتي الحاكم أو المسؤول؛ فإنه وبلا أية مقدمات وبلا تمهيد يقول: هؤلاء المجرمون سنضرب عليهم بيد من حديد!.. وكذلك بالنسبة إلى السور التي فيها تهديد، فإن رب العالمين من أول آية يتكلم فيها بلحن العتاب أو التهديد مباشرة، ومن هذه السور:

١. سورة “التوبة”: ﴿بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ﴾؛ ولهذا هذه السورة ليس فيها بسملة؛ لأن البسملة لا تتناسب مع البراءة والتهديد.
٢. سورة “النبي”: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾.
٣. سورة “الممتحنة”: ﴿أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء..﴾.
٤. سورة “المنافقون”: ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾.
٥. سورة “المعارج”: ﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ﴾.
٦. سورة “الفيل”: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ﴾.
٧. سورة “الكافرون”: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾.
٨. سورة “المسد”: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾.

فإذن، إن رب العالمين يبدي غضبه على هؤلاء الذين صدّوا عن سبيل الله -عز وجل-.. والصد عن السبيل يكون: تارة بإعراض الإنسان عن سبيل الله -عز وجل-.. وتارة بمنع الآخرين من أن يكونوا في سبيل الله -عز وجل-.. وفي ختام هذه الآية يقول رب العالمين: ﴿أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾؛ جاء في تفسير البيان: “أي أحبط الله أعمالهم التي كان في زعمهم أنها قربة، وأنها تنفعهم: كالعتق، والصدقة، وقرى الضيف.. والمعنى: أذهبها، وأبطلها حتى كأنها لم تكن، إذ لم يروا لها في الآخرة ثواباً”.

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.