Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾.. إن هذه الآية من الآيات التي ترفع من قدر النبي (ص)، ومن الواضح أن هذه الآيات لا تختص بزمان دون زمان.. فالنبي (ص) مبشرٌ ونذيرٌ في كل عصر، سواء في حياته أو بعد مماته!.. وكما أن البشارة والإنذار في كل عصر، كذلك النبي (ص) شاهد في كل عصر.. والشاهد المطلع الذي لا يعرف الأخبار، ولا يعرف ما يجري على الأرض؛ كيف يشهد في الدنيا أو في القيامة؟!.. وبالتالي، فإن هذه الآية تؤكد الروايات التي تقول بأن النبي (ص) مطلع على أعمالنا.. فالإنسان الذي يرتكب المعصية في كل زمان: يكون قد عصى الله -عز وجل- أولاً، وآذى رسول الله (ص) بفعله ثانياً، وآذى إمام زمانه ثالثاً.. ففي روايات أهل البيت (ع) إشارة إلى أن الإمام في كل زمان، يتأذى أيضاً وهو يراقب أعمال الأمة.. عن عبد الله بن أبان الزيات -وكان مكيناً عند الرضا (عليه السلام)- قال: قلت للرضا -عليه السلام-: ادع الله لي ولأهل بيتي!.. فقال: (أوَ لست أفعل؟.. والله إن أعمالكم لتعرض عليّ في كل يوم وليلة).. قال: فاستعظمت ذلك، فقال لي: (أما تقرأ كتاب الله عز وجل: ﴿وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾؟.. قال: هو والله علي بن أبي طالب -عليه السلام-).

فإذن، يُفهم من هذه الآية: أن النبي (ص) حقيقة ما غابت عن عالم الوجود.. فعندما مات؛ بدنه هو الذي غاب عنا، أما روحه فلم تغب!.. والشهادة من صفات روح النبي (ص) لا من صفات جسمه.. وبعبارة أخرى: كل مزايا النبي (ص) موجودة قبل الممات وبعد الممات؛ لأن مزايا البدن هي التي سُلبت منه: لم يعد يأكل، ولا يشرب، ولا يمشي؛ لأنه مات.. ولكن كل الصفات الأخرى، المتعلقة بروح النبي (ص) من: الشهادة، والإنذار، والبشارة، والشفاعة؛ كل هذه الصفات ثابتة للنبي (ص)، يقول تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَاؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا﴾.. ولهذا ينبغي للمؤمن عند الذهاب لزيارته (ص) أن يستحضر هذه المعاني!.. أحد العلماء الكبار له كلمة جميلة في هذا المجال، يقول: “إن آداب الزيارة كثيرة، منها: الاغتسال، والاستئذان، والتطيب، وصلاة ركعتين، والتحية، والزيارة، وزيارة الوداع، ..الخ.. ولكن كل هذه الآداب جُمعت في كلمة واحدة، وهي: الاعتقاد بحياة المزور”.

آثار الاعتقاد بحياة المزور:
إن الإنسان عندما يعتقد أن النبي (ص) حيٌّ؛ فإنه سيتصرف على هذا الأساس.. وبالتالي، فإن كل تصرفاته تتغير:
أولاً: سيرتدي أجمل الثياب ويتطيب؛ لأنه في محضر النبي (ص).
ثانياً: سيودّعه بحرقة في آخر يوم؛ لأنه يرى أن النبي (ص) حيٌّ حاضر.
ثالثاً: أثناء وجوده في مدينة رسول الله (ص) وفي الروضة:
أ- لا يرفع صوته.
ب- لا يؤذي أحداً.
ج- لا يجادل بالباطل.
كي لا يؤذي زائري قبر النبي (ص) في حج أو عمرة؛ كل ذلك فرع إحساسه بأن النبي (ص) شاهد.. ألا نقرأ هذه الزيارة في مقامات أولاده وأحفاده (): (أشهدُ أنك تشهد مقامي، وتسمع كلامي)؟.. فكيف بالنبي الأكرم (ص) وهو سيد الشفعاء وخاتم المرسلين؟!..

﴿لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ..﴾.. وقع خلاف جميل في هذه الآية، حيث أن هناك رأيين في تفسيرها:
الرأي الأول: إن البعض من المفسرين يقول: أن هذه الأفعال تعود للنبي (ص).. والتعزير هو: النصر والتأييد والتوقير والتعظيم؛ أي أن لا يرفع الإنسان صوته فوق صوت النبي (ص)، ولا يناديه باسمه؛ فكل هذه من موجبات التوقير.. وبالتالي، فإن الضميرين في ﴿وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ﴾ للرسول (ص).. وضمير ﴿وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا﴾، يعود إلى الله -عز وجل-.

الرأي الثاني: ولكن البعض من المفسرين يقول: من الأفضل توحيد مراجع الضمائر؛ أي ﴿وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ﴾؛ تعود إلى الله -عز وجل- فيصبح المعنى: أن تنصروا الله -جلا وعلا-!.. وبما أن رب العالمين لا يحتاج إلى نصرتنا، فنحن عندما ننصر دين الله -سبحانه وتعالى- يصبح لنا امتيازان:

أولاً: إن نصرة الدين مدعاة لتقوية الدين، والدين إذا قوي عمّ العدل في الأرض، وارتفعت الفواحش، كما في زمان ظهور الإمام الحجة -عجّل الله تعالى فرجه الشريف- حيث أن الإنسان في ذلك الوقت، يتحير لمن يُعطي زكاة أمواله!.. فالأرض تُخرج كنوزها، والسماء تُنزل بركاتها!.. وبالتالي، فإن قوة الدين تعود إلينا نحن.. فإذن، نصرة الله، تعني نصرة دينه.

ثانياً: إن رب العالمين أعطى وعدين لمن ينصر الله -عز وجل-: النصر، وتثبيت الأقدام ﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾.. وهذه قاعدة معروفة سواء في ميادين القتال، أو في مجال جهاد النفس: حيث أن الإنسان الذي ينصر الله -عز وجل-، يثبته في ميادين القتال، كما فعل في بدر.. وأيضاً الذي ينصر الله -عز وجل-، يثبت قدمه في جهاد نفسه.. وقد ورد في الحديث القدسي: (من تقرب إلى شبراً؛ تقربت إليه ذراعاً.. ومن تقرب إلي ذراعاً؛ تقربت إليه باعاً.. ومن أتاني ماشياً؛ أتيته هرولة).

﴿وَتُوَقِّرُوهُ﴾.. هناك آية في القرآن الكريم، ربما هي من أكثر آيات القرآن إثارة لعواطف المؤمنين، ألا وهي: ﴿مَّا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا﴾؟!.. أي لماذا لا توقرون ربكم، ولا تعظمونه؟!.. فعلى هذا المبنى: يكون ﴿وَتُوَقِّرُوهُ﴾ يعود إلى الله -عز وجل- كما هو الأقوى، لأن ﴿وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا﴾ يعود إلى الله -عز وجل-!.. فإذا وصل المؤمن إلى درجة توقير الله -عز وجل-، فإنه لن يغيب عن باله.. وإذا لم يغب عن باله؛ لا يمكنه أن يرتكب المعصية.. فكل هذه المواعظ، وكل هذا التخويف لمن لا يوقر رب العالمين.. لأن الذي يوقر الله -عز وجل- في قلبه؛ يرى الهيمنة الإلهية، والعظمة الإلهية؛ فلا ينقدح في باله المخالفة؛ فضلاً عن الارتكاب!..

﴿وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا﴾.. إن هناك تأكيداً على البكرة والأصيل في عدة آيات من القرآن الكريم، منها: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا﴾.. فالدرس العملي المستفاد هنا، هو:
أولاً: ينبغي للمؤمن أن يجعل محطتين في اليوم -على الأقل- لذكر الله -عز وجل-: إحداهما في بدء النهار، والأخرى في ختامه.. فالإنسان الذي يريد أن يذكر الله -عز وجل- بشكل عام؛ ينسى.. أما عندما يربط الذكر المركز مع ظاهرة كونية: كشروق الشمس وغروبها، فإن ذلك أدعى للتذكر؛ لأن الشمس تشرق كل يوم، وتغرب كل يوم.. ومن هنا المؤمن له جلسة مع رب العالمين، قبل الشروق وقبل الغروب.. ولكن أغلب الناس يُسلب منهم التوفيق قبل الشروق بسبب النوم، لذا فإنه قبل الغروب يحاول أن يتفرغ لمناجاة الله -عز وجل-.. ولا نعني بذلك قراءة دعاء أبي حمزة الثمالي؛ إنما قراءة أدعية ما قبل الغروب، التي منها عشر مرات: (أعوذ بالله السميع العليم من همزات الشياطين، وأعوذ بالله أن يحضرون).. فالذي يستعيذ بالله -تعالى- قبل الغروب؛ من الطبيعي أن يكون ليله خالياً من المعصية!..

ثانياً: إن العمل عند الطلوع وعند الغروب، فيه امتياز: وهو أن ملائكة الليل وملائكة النهار، تشهد على الإنسان.. حيث أنه عند الغروب تنزل ملائكة الليل، وملائكة النهار تصعد إلى السماء، فهذه الملائكة -الصاعدة والهابطة- ترى العبد في محراب العبادة، وهو يستعد لصلاة المغرب.. وكذلك بالنسبة لصلاة الفجر!.. وبالتالي، فإنه يكون هناك شاهدان في حق هذا المؤمن.. وهنيئاً لمن شهدت الملائكة بحقه!..

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.