Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

– إن ساعة الاحتضار ساعة ثقيلة على النفس.. هل يمكن لأحد أن يتصور حالة الألم والعذاب الذي يصيبه، إذا تم استخراج ظفر من بدنه وهو حي؟!.. لا شك أنه سيعيش العذاب الذي لا يوصف، فكيف إذا أريد فصل روحه عن بدنه؟.. هذه العلاقة الوطيدة، حيث أن هذه الروح رسخت في هذا البدن منذ تكوين الإنسان في رحم أمه، وبقيت لمدة ستين أو سبعين أو مائة سنة معه وفيه.

ولهذا فإن الحل الجامع لكل هذه الأحوال، هو عبارة عن تصفية الحساب.. إن بعض الذين ذهبوا من الدنيا، لم يشعروا بالموت إلا بما يشبه وخز الإبرة، وإذا به ينتقل من الدنيا إلى نعيم لا يوصف!..

– إن المعاصي أنواع: فهناك ما هو مرتبط بين العبد ونفسه، والمعاصي التي بين العبد وبين الله، كما تقول في المناجاة: (إلهـي!.. لم أعصـك حيـن عصيتك، وأنا بربوبيتك جـاحـد، ولا بأمـرك مستخـف، ولا لعقوبتـك متعـرض، ولا لوعيـدك متهاون.. لكـن خطيئـة عرضت وسولـت لـي نفسـي، وغلبنـي هواي، وأعاننـي عليها شقوتـي، وغرني سترك المرخى علي).. وهذه المعاصي يمكن أن يتداركها الإنسان من خلال: قراءة الأدعية، والمناجاة، والبكاء، والتأمل.. فرب العالمين ينظر إلى قلوبنا، لذا علينا أن نستحضر ذنوبنا التي من هذا القبيل، ونشعر أنفسنا الندامة، ونقول بنحو المناجاة: (إلهي!.. إن كان الندم على الذنب توبةً، فإني وعزّتك من النادمين.. وإن كان الاستغفار من الخطيئة حطّةً، فإني لك من المستغفرين).

– أما الذنوب المتعلقة بالغير ولكنها مالية: كأن يكون الإنسان سرق مالاً، أو أكل مالاً.. فإن الاستغفار وحده لا يكفي، بل عليه أن يدفع كل ما في ذمته ولو فلسا واحد!.. ومن هنا، فبالإضافة إلى دفع الخمس، لا بد من إبراء الذمة مما يسمى رد المظالم ومجهول المالك، وذلك بدفع مبلغ زهيد في كل سنة، إذ لعله خدش سيارة -مثلا- وهو لا يدري، أو أنه أوقف سيارته في مكان غير مناسب، فضيق على الآخرين وأخذ الكثير من وقتهم ومالهم، بسبب هذا التصرف، وغيرها من الأعمال التي لا يشعر بها الإنسان.. فهذا مما يحاسب عليه يوم القيام!..

– أما ما يتعلق بالغير، ولكن ليس بأمور مادية، كأن يكون سببًا في انحراف وإغواء إنسان.. فمع الأسف هناك بعض الشباب أو الشابات ممن تسوّل له نفسه أن يدخل في حياة فتاة فيحرفها عن المسيرة.. فرب العالمين لا يتجاوز عن هذه الجريمة بسهولة. فبالنسبة إلى الشاب هو قام بعمل بسيط نظر نظرة إلى تلك الفتاة، ولكن هذه النظرة أشعلت فيها الفتنة والشهوة، ثم تخلى عنها.. فهذه الفتاة التي كانت على سجيتها وفطرتها، أصبحت ساقطة في نظر عائلتها ومجتمعها، وذلك بسبب هذا الشاب المستهتر، وكذلك فإن كل خطيئة ترتكبها هذه البنت، له نصيبه منها.

إن نقمة الله -عز وجل- في مثل هذه المناسبات عظيم جدا!.. {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى}؟.. فهو يمهل، ولكن لا يهمل!.. ولهذا فإن هذا الشاب قد يتقدم للكثير من الفتيات ولا يزوّج، وأخيرًا نرى مصيره في عالم الإدمان والمخدرات، والسجون والفحشاء والمنكر. فهذا جزاء خيانته لبنت من بنات المسلمين.. وكذلك من يذهب إلى بلاد الغرب من أجل الدراسة، فيبقى هناك ويتزوج، وإذا بأولاده وأحفاده يعتقدون بديانات مختلفة.. فهو المسؤول عن انحراف هذا الجيل وغيره!..

– إن البعض يقول: من يلتزم سورة “يس” قبل النوم يخفف عنه السكرات.. فآية: {سَلامٌ قَوْلا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ}؛ أي يوم القيامة رب العالمين يقول: سلام عليك يا عبدي.. فلو وصل العبد إلى درجة يتلقى السلام من الله -عز وجل- فإنه يعيش السلم والسلام والأمن والأمان إلى يوم لقاء الله عز وجل.

إن القضية لا تحل بمجرد قراءة سورة “يس”، ودعاء الفرج، أو بمجرد شراء كفن برد يماني ويكتب عليه دعاء الجوشن.. فهذا جزء العلة، ومن الأمور المساعدة.. أما الأصل فهو أن تمحى هذه الملفات.. ولذلك على الإنسان أن يكتب في ورقة ما عليه من ديون أو رد مظالم، إذا لم يتمكن من الدفع.. ولكن الكارثة في هذه البنت التي قضي عليها وانحرفت، وأصبحت على رأس طائفة منحرفة، وأخذت هذه الشبكة تنتشر كخيوط السرطان في بدن المجتمع.. كيف يكون الإصلاح في مثل هذه الحالة؟.. ليس هنا إلا رحمة الله فقط وفقط.

– إن رب العالمين يكون انتقامه في الدنيا قبل الآخرة، لذا فلنحذر هذه العواقب المخيفة السيئة!.. إذ قلما وفق شاب قضى حياته في الفجور والمجون، لعائلة مستقرة: فإما يبتلى بزوجة بين الطلاق والمحاكم، أو بزوجة لا تلتزم بالحجاب، وإما يرزق بذرية إما معوقة، أو ذرية تنكر جميل الأبوين.. ومن مصاديق الحجاب، الحجاب القلبي.. وأن يكون القلب طيبا، وغير حقود.. إذا أراد الله –عز وجل- بعبد خيرًا، وفقه بزوجة صالحة تفهمه.. إن جزاء رب العالمين لأمير المؤمنين مقابل تحطيمه للأصنام في الكعبة، ومقابل مبيته على فراش النبي، ومقابل سيفه ذي الفقار.. أفضل جائزة قدمها الله لعلي، أن رشحه للزواج من فاطمة صلوات الله عليها. فلما ماتت الزهراء، علي مات أيضًا معها عندما قال: “نفسي على حسراتها محبوسة يا ليتها خرجت مع الزفرات.. لا خير بعدك في الحياة”.. فإذن، إن عذاب البرزخ لا علاج له ،إلا الرحمة الإلهية الغامرة، وإرجاع الحقوق لأصحابها.

– إن من موجبات ضيق القبر:
أولا: سوء الخلق مع الأهل: عن الصادق (ع) قال: (أتي رسول الله -صلى الله عليه وآله- فقيل له: إن سعد بن معاذ قد مات. فقام رسول الله -صلى الله عليه وآله- وقام أصحابه معه، فأمر بغسل سعد وهو قائم على عضادة الباب. فلما أن حُنّط وكفّن وحمل على سريره تبعه رسول الله -صلى الله عليه وآله- بلا حذاء ولا رداء، ثم كان يأخذ يمنة السرير مرّة ويسرة السرير مرّة، حتى انتهى به إلى القبر، فنزل رسول الله -صلى الله عليه وآله- حتى لحّده وسوّى اللبن عليه وجعل يقول: ناولوني حجراً، ناولوني تراباً رطباً يسدّ به ما بين اللبن. فلما أن فرغ وحثا التراب عليه وسوّى قبره قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إني لأعلم أنه سيبلى ويصل البلى إليه، ولكن الله يحبّ عبداً إذا عمل عملاً أحكمه. فلما أن سوّى التربة عليه قالت أم سعد: يا سعد هنيئاً لك الجنة. فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله-: يا أمّ سعد مه!.. لا تجزمي على ربّك، فإن سعداً قد أصابته ضمة. قال فرجع رسول الله -صلى الله عليه وآله- ورجع الناس فقالوا له: يا رسول الله، لقد رأيناك صنعت على سعد ما لم تصنعه على أحد، إنك تبعت جنازته بلا رداء ولا حذاء؟.. فقال -صلى الله عليه وآله-: إن الملائكة كانت بلا رداء ولا حذاء، فتأسّيت بها. قالوا: وكنت تأخذ يمنة السرير مرّة ويسرة السرير مرّة؟.. قال: كانت يدي في يد جبرئيل آخذ حيث يأخذ. قالوا: أمرت بغسله وصلّيت على جنازته ولحدته في قبره، ثم قلت: إن سعداً قد أصابته ضمة؟.. قال: فقال صلى الله عليه وآله: نعم، إنه كان في خُلقه مع أهله سوء.

لماذا ضيق القبر أو الضغط بسبب سوء الخلق؟.. لأن الإنسان يكون قد ضغط قلب الزوجة، فرب العالمين يضغط قبره.. فالقلب والقبر ألفاظهما متشابهة.. فمن يضيق على القلوب، يضيق عليه في القبور.. فالحساب دقيق، ورب العالمين لا يهمل أحدًا.

ثانيا: عدم المبالاة بأمور المسلمين.. إن من موجبات الضيق في عالم القبر، أن يكون الإنسان لا مباليًا بأمور الناس.. كأن يكون هناك رحم أو جار، يحتاج إلى مساعدة مالية، أو إلى مساعدة نفسية. فهناك بعض الناس مبتلى بالاكتئاب، ومن أشد الأمور شيوعًا هذه الأيام مرض الاكتئاب، فهذا الاكتئاب الذي يذهب بالحبوب، لا بد أنه سيعود.. فالقرآن يقول: {أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}، لا بهذه الحبوب التي تباع في الصيدليات.. عن الإمام الصادق (ع): (أقعد رجل من الأخيار في قبره فقيل له: إنا جالدوك مائة جلدة من عذاب الله.. فقال: لا أطيقها. فلم يزالوا حتى انتهوا الى جلدة واحدة فقالوا: ليس منها بد.. قال: فبما تجلدونيها.. قالوا: نجلدك لأنك صليت يوما بغير وضوء، ومررت على الضعيف فلم تنصره.. قال: فجلدوه جلدة من عذاب الله –عز وجل- فامتلأ قبره نارا).. وأمير المؤمنين (ع) هكذا كانت سيرته، عندما سمع بأن امرأة غير مسلمة يعتدى عليها فأخذ يصيح ويئن.

– موجبات الأنس في القبر:
أولا: قراءة بعض السور والأوراد.. إن من الأمور العبادية التي لها أثر في هذا الجانب، قراءة سورة “يس” قبل النوم، فالذي يدمن على قراءتها يرى بعض البركات. وكذلك قراءة: “لا إله إلا الله الملك الحق المبين” مائة مرة، فإن ذلك يوجب الأنس في القبر.

ثانيا: عيادة المريض.. كذلك من موجبات الأنس في القبر، عيادة المريض. عن الصادق عليه السلام: (من عاد مريضاً، وكل الله -عز وجل- به ملكاً، يعوده في قبره).. قال رسول الله (ص): (إن الله -عز وجل- يقول يوم القيامة: يا ابن آدم، مرضت فلم تعدني!.. قال: يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟!.. قال: أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟.. يا بن آدم استطعمتك فلم تطعمني!.. قال: يا رب وكيف أطعمك وأنت رب العالمين؟!.. قال: أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي؟.. يا بن آدم استسقيتك فلم تسقني!.. قال: يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟!.. قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه، أما إنك لو سقيته وجدت ذلك عندي)!.. فالقرآن الكريم ينسب الأذى إلى الله عز وجل {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ}، فإذن إن الله يؤذى بأذية عبده.. فرب العالمين هو الطالب بدم الحسين عليه السلام، ومن هنا عظمة هذه المجالس. لأننا نأتي لنقول لله عز وجل: الذين آذوك في يوم عاشوراء نحن متبرءون منهم.

ثالثا: صلاة الوحشة للموتى.. إن أحد العلماء كان يصلي دائما صلاة الوحشة، لكل من سمع بموته، عرفه أم لم يعرفه.. وهي: ركعتان بعد الحمد آية الكرسي، وفي الركعة الثانية عشر مرات {إنا أنزلناه في ليلة القدر}. ثم تصلي على النبي بعد انتهاء الركعتين وتقول: “اللهم ابعث ثواب ذلك إلى فلان أو إلى قبر فلان”. وهناك اقتراح آخر: ما يمنع الإنسان أن يصلي في كل ليلة هذه الصلاة ويقول: “اللهم إني أصلي هذه الصلاة ،لرفع الوحشة عن كل من يحمل في قلبه حب النبي وآله”. عندها رب العالمين سيوزع هذه الصلاة على عشرات الآلاف، أو مئات الألوف ممن مات في هذه الليلة.. فإذا التزم الإنسان بهذا العمل لمدة سنة، أو عشر سنوات كل ليلة بعد صلاة الغفيلة، أو يربطها مع صلاة الوتيرة، ومن الممكن أن يؤديها من جلوس.. فهذا الإنسان الذي طول عمره، كان يفكر في موتى المؤمنين، ويصلي صلاة الوحشة لكل ميت في هذه الليلة. هل يبتلى بوحشة القبر؟..

وبالتالي، فإن الالتزام بهذه الصلاة، هي من أفضل سبل الأنس في عالم البرزخ.. أضف إلى البعد التربوي، لأنه عندما يقول: اللهم!.. إني أصلي صلاة الوحشة.. أي أن الإنسان في كل ليلة يذكر نفسه بتلك الوحشة.. والذي كان بارا لوالديه في حياتهما، وينسى صلاة الوحشة عند وفاتهما، يكون قد عقهما.. وهذا الحديث من الروايات التي تجعل الإنسان يستعد أيما استعداد لذلك العالم: (نادى عيسى (ع) أمه مريم (ع) بعد ما دفنت فقال: يا أماه!.. هل تريدين أن ترجعي إلى الدنيا؟.. قالت: نعم، لأصلي لله في ليلة شديدة البرد، وأصوم يوماً شديد الحر.. يا بني!.. فإن الطريق مخوف)!.. مريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها، والتي أولدت لنا عيسى، ومع ذلك تقول لولدها المسيح: “إن الطريق مخوف”!..

رابعا: المناجاة في المناسبات السعيدة.. إن من أفضل صور المناجاة، عندما يكون الإنسان متوغلا في الدنيا، فرحا بمناسبة من المناسبات السعيدة، عندئذ يناجي ربه ويقول: (فما لي لا أبكي؟!.. أبكي لخروج نفسي.. أبكي لظلمة قبري.. أبكي لضيق لحدي.. أبكي لسؤال منكر ونكير إياي..).. هذا الدعاء في تلك الليلة له طعم، وقراءة هذا الدعاء أيضًا من موجبات تخفيف الحساب وتيسير الأمور.

خامسا: البكاء على الحسين.. وما أدراك ما البكاء على الحسين؟.. هذه الرواية عن الإمام الرضا عليه السلام: (إن يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذل عزيزنا بأرض كرب وبلاء، أورثتنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء.. فعلى مثل الحسين فليبك الباكون، فإن البكاء عليه يحط الذنوب العظام).. إن الملفات الثقيلة التي لا تغفر، من الممكن أن تكون شفاعة الحسين (ع) مؤثرة. فالحسين هو الذي استنقذ الحر، وأين الإنسان الموالي وأين الحر؟.. فماضي الإنسان الموالي لأهل البيت (ع) لا يقاس بماضي الحر. الحر عمل عملاً كبيرًا، ولكن أدركته الشفاعة الحسينية.

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.