Search
Close this search box.
  • مناقب الإمام محمد الباقر (ع)
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

مناقب الإمام محمد الباقر (ع)

بسم الله الرحمن الرحيم

مناقب الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام)

حديثنا هو حول علم من أعلام الهداية، وسيد من سادة الخلق، الذين بأقوالهم نحتج، ومَن كلامهم هو كلام رسول الله (ص). إن حديثنا هو حول مناقب إمامنا محمد بن علي الباقر (ع). إننا كلما ازددنا معرفة بهم وبمقاماتهم؛ ازددنا تقرباً منهم ووفقنا للتأسي بهم. فلا معنى للتأسي بالمجهول.

عدم الإحاطة بمقامات المعصومين

فمن أراد أن يتأسى بأئمة أهل البيت (ع)؛ فالخطوة الأولى في هذا الطريق معرفة مقاماتهم. وينبغي أن تعلم وتعترف أنك مهما درست أحوالهم، وسبرت الكتب لا تفقه شيئاً يعتد به مما هم عليه. يقول الرواي: (كنتُ قَاعِداً عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ وَجَعَلْتُ أُفَكِّرُ فِي نَفْسِي وَأَقُولُ لَقَدْ عَظَّمَكَ اَللَّهُ وَكَرَّمَكَ وَجَعَلَكَ حُجَّةً عَلَى خَلْقِهِ فَالْتَفَتَ إِلَيَّ وَقَالَ يَا مَالِكُ اَلْأَمْرُ أَعْظَمُ مِمَّا تَذْهَبُ إِلَيْهِ)[١]. إن هذه العبارات لا تصدر إلا من إنسان بلغ ما بلغ من الولاية. والذين عاشروا الأئمة (ع) لهم مزية علينا؛ فهؤلاء قد رأوا ما رأوا. إنهم رأوا الكرامات وسمعوا الكلمات ورأوا تصرفاتهم فهنيئاً لهم. ولكن نحن لنا مزية أيضا وهي أننا آمنا بسواد على بياض. فمن منا رأى شق القمر أو سمع تسبيح الحصى في يد النبي (ص)؟ فالحجة قد تمت عليهم.ولكننا نحن بعد قرون آمنا بهم وأحببناهم كحب من عاشرهم ولم نسمع منهم شيئا ولم نرى منهم شخصاً، وهذا هو الإيمان بالغيب.

علم الإمام بالغيب

إن الذي يعلم ما في النفس لابد وأن يكون متصلاً بالغيب، ورب العالمين يطلع أوليائه على ما غاب، وقد بين له الإمام ما دار في نفسه، وقال له: أن الأمر أعظم من ذلك. فلا تقل: نحن أحطنا علماً بمقاماتهم؛ فمهما اعتقدت وبلغت، اعترف بالتقصير، لأن هؤلاء حجج الله على الخلق، وهذه الكلمة ليست رواية وإنما هي مقتبسة مما ورد عنهم. وتنطبق هذه الكلمة على رسول الله (ص) وعلى أمير المؤمنين (ع) وعلى ذريته الطاهرة (ع).

ولكن من هو المعصوم؟ ومن هم أئمتنا؟

إنهم أجمل لوحة بشرية في عالم الأرواح يمكن أن ينتقش عليها الجمال. إنهم أجمل رسمة إلهية في نفس بني آدم. ولو كانت هناك صورة أجمل لرسمها الله عز وجل فيهم. ولهذا النبي هو خاتم الأنبياء وأمير المؤمنين هو خاتم الأوصياء وكذلك هم ذريته. أعني: أنه  خاتم الأوصياء من جهة مقامه، وإلا خاتم الأوصياء هو طاووس أهل الجنة إمامنا المهدي (عج).

إن علم الإمام المعصوم علم لدني، وعلم إلهي. فهو عندما يقول جملة أو كلمة تكون منتسبة إلى الله ورسوله. ولهذا تارة الإمام الصادق ينقل لنا حديثاً قدسياً؛ فهذا كلام رب العالمين، وتارة يقول: قال النبي كذا وعمل النبي هكذا، والحال أنه لم يدرك النبي ظاهراً، ولكن له الحق أن ينقل عنه.  وقد وقعت هذه الشبهة في زمن الإمام الباقر (ع) فيروى: (أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ اَلْحَدِيثِ يُرْسِلُهُ وَلاَ يُسْنِدْهُ فَقَالَ إِذَا حَدَّثْتُ اَلْحَدِيثَ ولَمْ أُسْنِدْهُ فَسَنَدِي فِيهِ أَبِي عَنْ جَدِّي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ عَنْ جَبْرَئِيلَ عَنِ اَللَّهِ تَعَالَى)[٢].

ابتعاد الناس عن أهل البيت (عليهم السلام)

وكان يقول الصادق (ع) كلمة تبعث الأسى: (بَلِيَّةُ اَلنَّاسِ عَلَيْنَا عَظِيمَةٌ إِنْ دَعَوْنَاهُمْ لَمْ يُجِيبُونَا وَإِنْ تَرَكْنَاهُمْ لَمْ يَهْتَدُوا بِغَيْرِنَا)[٣]؛ أي حيرتنا عظيمة، فماذا نصنع بهذه الأمة؟ إن نتركهم ضلوا وإن ندعوهم لا يستجيبون لنا. وإننا نقرأ في زيارة أئمة البقيع (ع): (وَأَمَرْتُمْ فَلَمْ تُطَاعُوا)[٤]، وهكذا نخاطب الإمام الباقر (ع) ومن معه من أئمة البقيع. وكان يقول ما ينقم الناس منا؟ لماذا هذا الموقف العدائي منا؟ نحن أهل بيت الرحمة وشجرة النبوة ومعدن الحكمة وموضع الملائكة ومهبط الوحي؛ فهل بقي بعد هذا شيء؟ ومع ذلك هذا هو موقف قسم من الأمة تجاهنا.

كلمة الجاحظ في الإمام الباقر (عليه السلام)

كان الجاحظ من كبار الأدباء من الجاهلية إلى الآن، وهو من الأسماء اللامعة في عالم الأدب. إن هذا الأديب يقول عن الإمام الباقر (ع): (قد جمع محمد بن علي بن الحسين (ع) صلاح حال الدنيا بحذافيرها في كلمتين صلاح شأن جميع المعائش والتعاشر ملؤ مكيال ثلثاه فطنة وثلث تغافل)[٥]. هنالك كيل كامل، فما هي التركيبة في هذا الكيل، وما هو هذا الخليط المبارك؟ ثلثان فطنة وثلث تغافل. الفطنة أن تكون فطناً حذراً؛ فالمؤمن كيس فطن، ولكن تغافل. لا تأخذ موقفاً من كل ما ترى؛ بل اصبر وتحمل.

فإن رأيت ما لا يعجبك من زوجتك؛ لا ترفع صوتك عليها وعالج القضية من الجذور. فإن رأيتها – مثلا – في يوماً من الأيام تحادث رجلاً؛ فابحث عن السبب فلعلك أنت المقصر لأنك ما احتويتها عاطفياً وغريزياً وما إلى ذلك من الأسباب؛ فمالت إلى غيرك.

وأما الرواية الأخيرة في هذا البحث فهي رواية عندما وصلت إليها قلت في نفسي: أين أنا والتأسي بالأئمة؟ إننا نلهج بذكرهم ونزورهم إلى آخره، ولكن أين التأسي بهم؟ إن أحدنا ليهان بشطر كلمة فيقيم الدنيا ولا يقعدها، وإن كان بيده سلاح استعمله. ولكن الإمام كيف تعامل مع من أهانه؟

تقول الرواية: (وَقَالَ لَهُ نَصْرَانِيٌّ أَنْتَ بَقَرٌ قَالَ لاَ أَنَا بَاقِرٌ قَالَ أَنْتَ اِبْنُ اَلطَّبَّاخَةِ قَالَ ذَاكَ حِرْفَتُهَا قَالَ أَنْتَ اِبْنُ اَلسَّوْدَاءِ اَلزِّنْجِيَّةِ اَلْبَذِيَّةِ قَالَ إِنْ كُنْتَ صَدَقْتَ غَفَرَ اَللَّهُ لَهَا وَإِنْ كُنْتَ كَذَبْتَ غَفَرَ اَللَّهُ لَكَ قَالَ فَأَسْلَمَ اَلنَّصْرَانِيُّ)[٦]. ولو ذكر أحد والدتنا بهذا الوصف ما كنا فاعلين به؟ وهل كان أمام النصراني إلا أن يسلم أمام هذا الخلق النبوي، عندما رأى هذا الكظم للغيظ الذي لا يعدله كظم، كيف لا وهو جد إمامنا موسى بن جعفر كاظم الغيظ؛ فلنتأسى بهم.

[١] بحار الأنوار  ج٤٦ ص٢٧٠.
[٢] الإرشاد  ج٢ ص١٦٧.
[٣] من لا یحضره الفقیه  ج٤ ص٤٠٥.
[٤] الكافي (ط – الإسلامية)، ج‏٤، ص: ٥٥٩.
[٥] مناقب آل أبي طالب  ج ٣ ص ٣٣٤.
[٦] بحار الأنوار  ج٤٦ ص٢٨٩.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • إن المعصومين هم أجمل لوحة بشرية في عالم الأرواح يمكن أن ينتقش عليها الجمال. إنهم أجمل رسمة إلهية في نفس بني آدم. ولو كانت هناك صورة أجمل لرسمها الله عز وجل فيهم.
  • من أراد أن يتأسى بأئمة أهل البيت (ع)؛ فالخطوة الأولى في هذا الطريق معرفة مقاماتهم. وينبغي أن تعلم وتعترف أنك مهما درست أحوالهم، وسبرت الكتب لا تفقه شيئاً يعتد به مما هم عليه.
Layer-5.png