Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

إن من المفاهيم المتكررة في روايات أهل البيت (ع)، وفي القرآن الكريم؛ مفهوم الزهد.. هذا المفهوم يخيف البعض، حيث يظن أن الزهد في الدنيا، هو بالابتعاد عن نِعَمِ الله -عز وجل- وطيباته وزينته التي أخرج لعباده.. وهذا مفهوم خاطئ!.. والحال أن الزهد هو كما ورد عن معادن الحكمة (ع): (ليس الزهد أن لا تملك شيئا، بل الزهد ألا يملكك شيء)؛ أي لا يكون الإنسان أسيرا للدنيا.. مثلا: البعض إذا افتقد مبلغا يغضب ويتألم، فمادام غير مقصر، فإن تألمه معناها أنه أسير للدنيا.

إن الإمام علي (عليه السلام) يقول: (الزهد بين كلمتين من القرآن، قال الله سبحانه: {لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ}.. ومن لم يأس على الماضي ولم يفرح بالآتي؛ فقد أخذ الزهد بطرفيه).. بعض الناس يعمل بالشق الأول: {لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ}؛ إذا فاته شيء لا يحزن عليه، هذا جيد!.. ولكن الامتحان في الشق الثاني، وهو الامتحان الأصعب: {وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ}.. مثلا: إنسان كسب مبلغا كبيرا، عليه أن لا يفرح؛ لأنه لا يعلم: هل هذا الذي ربحه هو لصالحه أم لا؟.. ولعل هذا الربح هو استدراج له!.. {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}.

إن المؤمن لا يعيش هذه الحالة من التعلق، {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى}.. إذا كان هناك طريقان يمكن أن يسلكهما المؤمن في ذهابه إلى المسجد: أحدهما يمر على بيوت المترفين، والآخر يمر على الشارع العام؛ يفضل له أن يسلك الطريق الثاني.

عن أبي عبد الله (ع) قال: قال أمير المؤمنين (ع): (إن علامة الراغب في ثواب الآخرة؛ زهده في عاجل زهرة الدنيا.. أما إن زهد الزاهد في هذه الدنيا، لا ينقصه ما قسم الله له فيها وإن زهد.. وإن حرص الحريص على عاجل زهرة الدنيا، لا يزيده فيها وإن حرص.. فالمغبون من حرم حظه في الآخرة).. أي على الإنسان أن يزهد ولا يتعلق بهذه الدنيا، ورب العالمين يعطيه ما يعطيه.. بعض الشباب عندما يتعلق بفتاة يستميت للوصول إليها، ولكن عليه أن يقول: يا رب!.. إن كانت هذه الفتاة هي خير لي، أنت سقها إلي.. قال رسول الله (ص): (من كانت الآخرة همه: جمع الله له شمله، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة.. ومن كانت الدنيا همه: فرق الله عليه شمله، وجعل فقره بين عينيه، ولا ينال من الدنيا إلا ما كتبه الله له).

فإذن، إن عليا (ع) يعلمنا هذا القانون، ثم يقول: (وإن حرص الحريص على عاجل زهرة الدنيا، لا يزيده فيها وإن حرص).. بعض الناس يتكالب على منصب، أو على وظيفة، أو على شركة، أو على ربح؛ أي يلهث وراء الدنيا، ولكن الدنيا تهرب منه.

إن هذه الحكمة تطرب الإنسان، وهي من كنوز أسرار أهل البيت (ع)، عن الإمام الصادق (ع): (إنّ القلب إذا صفا، ضاقت به الأرض حتّى يسمو).. إذا رأى الإنسان أن الدنيا ضيقة، لا يشبعه شيء منها؛ فليعلم أنه في أول الطريق.. فكل شيء في طريقه للأفول: الزوجة الجميلة، كلما مر عليها يوم، نحت من جمالها شيئا.. المنزل الجميل، بعد شهر من السكن فيه، يصبح عادياً؛ لأن لكل جديد بهجة ولذة!.. لذا، على الإنسان قبل أن تسلب منه كل هذه اللذائذ رغم أنفه، أن يعيد حساباته ويعدل فيها!..

إن الذين تربوا في مدرسة أهل البيت (ع) لهم كلمات حكمية، منها: (لا تكرار في التجلي)؛ أي صلاة ليل أمس لذتها غير لذة صلاة هذه الليلة.. وصلاة كل فريضة، لها طعم مختلف عن الفريضة الأخرى.. الذين يواظبون على الذهاب إلى الحج، السبب في ذلك: أنهم يجدون حلاوة في: الطواف، والسعي، وعرفة؛ هذه الحلاوة لا تتكرر، كل سنة هناك جديد.. هنيئاً لمن عاش التجلي في كل فريضة، بل في كل ساعة!.. بعض الناس يعطى كل ساعة حلاوة جديدة، غير الساعة التي قبلها.. هذه كنوز لم نتعرف عليها، لأن الدنيا ألهتنا حتى أصبحنا فيما نحن فيه!.

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.