Search
Close this search box.
  • معالم السفر الأبدي
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

معالم السفر الأبدي

بسم الله الرحمن الرحیم

معالم السفر الأبدي

لو أراد الله سبحانه أن يمن على أحد من عباده بطول العمر؛ لكان ذلك نبينا (ص) ولكنه هو القائل: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ)[١]. والنبي الأكرم (ع) لم يعش في هذه الدنيا إلا السن المتعارف؛ فثلاث وستون سنة ليست بالعمر الطويل جداً، فقد بلغ علمائنا المئة من العمر؛ أي قرناً من الزمن.

الموت مخلوق الله عز وجل

إن الله سبحانه يقول: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)[٢]؛ ويتبين من هذه الآية الشريفة أن الموت مخلوق من مخلوقات الله عزوجل. إن الطقل عندما يخرج من بطن أمه، يقال: وُلد فلان؛ أي خرج من بطن أمه حياً. وعندما تنفث الروح في الشهر الرابع والخامس في الجنين، ينشئه الله سبحانه خلقاً آخر، فيبدأ بالتحرك في بطن الأم. وهنا نقول: لقد وُهب الحياة. والموت أيضا هبة، وهو مرحلة من المراحل. ومن اللطيف أن رب العالمين قد ذكر الموت قبل الحياة؛ وكأن الموت أوضح من الحياة. وهذا الموت هو مقدمة لحياة ممتدة؛ فخروجنا من بطن الأم يعقبه ستون سنة وخروجنا من الدنيا يعقبه الحياة الأبدية؛ فأيهما أهم؟ الخروج من بطن الأم أو دخول القبر؟

أيكم أحسن عملا

وأما المعلم الثاني في الآية الآنفة الذكر – ولا تنس هذا المعلم حتى وإن نسيت حديثي كله – فإن الله سبحانه لم يقل: ليبلوكم أيكم يعمل الصالحات وأيكم يتقي ويحسن وإنما قال: أيكم أحسن عملا. وأينا يعتقد أن ما هو عليه الآن هو أفضل حالاته؟ فهل صلاتك أفضل صلاة؟ أم تربيتك للأولاد ومعاشرتك للزوجة من أحسن ما يكون؟ لا يدعي ذلك أحد. والحال أن الهدف من الخلقة أن تكون من أحسن الناس عملاً في كل شيء. وهذا هو الهدف وهذا هو الطموح وهذا هو المطلوب. ولكن إذا وصلت إلى مرحلة رأيت نفسك فيها لا زلت بحاجة إلى الكثير من العمل؛ فعوض ذلك واملأ هذا الفراغ. ولذلك فإن المؤمن كثير البكاء، كثير التوبة، لا يعجب بنفسه؛ لأنه ينظر إلى هذه الفراغات.

إذا جاءك أحدهم وطلب منك أن تملأ له عشرين إناءً ، ثم جاء ورأى أن أوانيك غير مليئة وبعضها خالية وبعضها قد امتلأت للنصف والربع ألم تكن تستحي من ذلك؟ إنعبادتك ناقصة، ومعاشرتك ناقصة، وتربيتك ناقصة، وثقافتك ناقصة، وفي كل شيء فينا نقص إلا المعصوم. فحاول أن تملأ الفراغ قدر الأمكان.

الأمور بخواتيمها

إن الإنسان عندما تقبض روحه؛ سوف يحاسب على قبض عليه لا ما كان عليه في سابق عهده. فلو كنت قبل الموت بأسبوع من أهل الكبائر وقد تبت بلطف الله عزوجل في الأسبوع الأخير من حياتك وصرت من الأولياء، ستحاسب على ذلك الأسبوع الأخير. وهناك الكثير من التوابين الذين أصبحوا أولياء في ليلة واحدة. ومنهم فضيل السارق الذي سمع صوتا عندما كان يسطو على أحد المنازل وهو يقرأ قوله سبحانه: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ)[٣]، فقال فضيل: بلى، قد آن وتحول بعد ذلك عما كان عليه وتاب. وهذا الإنسان لو مات بعد أسبوع هل كان يحاسب على الكبائر أو أنه سيحاسب على صلاة ليلته تلك أو الصلاة التي صلاها البارحة لأول مرة؟

ولذلك قد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (مَن ماتَ على شيءٍ بَعثَهُ اللّهُ علَيهِ)[٤]. والعكس من ذلك صحيح أيضا؛ فشمر بن ذي الجوشن كان من أصحاب أمير المؤمنين (ع) ولكنه هو الذي جلس على صدر الحسين (ع). والحر بن يزيد هو الذي أدخل الرعب على قلوب الهاشميات ولكن ماذا صنع الحسين (ع) معه في ساعة الموت؟ فالأمور بخواتيمها. والذي يعتقد بهذا المعنى يبقى قلقا وجلا وهل يعجب عندها بزيارة أو بحجة أو بعمرة؟

قم واغتنم الفرصة بين العدمين؛ فما مضى عدم والمستقبل عدم، وأنت الآن حي بين العدمين، وحاول أن تكون الأحسن قدر الإمكان ولن تكون. فلن تكون الأحسن في صلاتك ولا في معاشرتك ولا في علمك ولكن كما يقال: ما لا يدرك كله، لا يترك جله.  فالذي لا يمكنه كسب الملايين؛ لا يزهد في الآلاف.

إن نبي الله سليمان (ع) كان يقول: (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ)[٥]؛ لا صالحاً أرضاه. فقد تكون أمي مريضة وبحاجة إلى رعاية وأنا قد عزمت على العمرة هذا الأسبوع؛ ولكن أي عمرة وهذه الأم تحتاج إلى رعايتك؟ هذه العمرة ليست بعمل صالح. ولو كشف لك الغطاء ورأيت بعين الله؛ ترى أن المكوث عند هذه الأم لا يقاس بالحج والعمرة. فغير نظارتك والبس نظارة جديدة؛ وعندما تقدم أو تحجم وعندما تغضب وترضى؛ انظر إلى هذا المقياس الذي ذكرناه آنفاً؛ هل هو صالح يرضاه الرب؟

ملاحظة لمن يقيم لنفسه احتفالا بميلاده

قد نقيم احتفالا لمرور سنة على ميلاد طفل وهو أمر غير محرم ولا واجب؛ إلا أن إنسانا كبيرا في السن قد بلغ الخمسين من عمره يقيم لنفسه حفلا ويفرح وهو بإقامة العزاء والبكاء أجدر منه بإقامة حفل وفرح. فإذا كان عمره خمسين عاما ثم ازداد عاما؛ فإنه بذلك قد اقترب من قبره ومن الموت. إن الإنسان يموت في كل نفس يتنفسه. لو وضع أحدهم يده على فيك وأنفك لأصبحت بين أهل القبور في ثوان. ومن المفروض مع كل زفير أن تحمد الله ومع كل شهيق أن تشكره وهو يستحق الشكر. إنه بهذا الزفير أنقذك من موت محقق. فمن منا يشكر الله على كل زفير؟ (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا)[٦].

استقبال الملائكة المؤمنين عند الاحتضار

وكتعويض عن الخوف الذي زرعناه في النفوس نذكر هذه الرواية المسلية المفرحة وهي من حديث المعراج: (إِذَا كَانَ اَلْعَبْدُ فِي حَالَةِ اَلْمَوْتِ يَقُومُ عَلَى رَأْسِهِ مَلاَئِكَةٌ بِيَدِ كُلِّ مَلَكٍ كَأْسٌ مِنْ مَاءِ اَلْكَوْثَرِ وَكَأْسٌ مِنَ اَلْخَمْرِ يَسْقُونَ رُوحَهُ حَتَّى تَذْهَبَ سَكْرَتُهُ وَمَرَارَتُهُ وَيُبَشِّرُونَهُ بِالْبِشَارَةِ اَلْعُظْمَى وَيَقُولُونَ لَهُ طِبْتَ وَطَابَ مَثْوَاكَ إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى اَلْعَزِيزِ اَلْحَكِيمِ اَلْحَبِيبِ اَلْقَرِيبِ)[٧]؛ ولذلك نرى بعض المؤمنين يسلمون في ساعة الاحتضار وعندما يسألون: على من تسلمون؟ يقولون: نسلم على هذه الذوات.

[١] سورة الزمر: ٣٠.
[٢] سورة الملك: ٢.
[٣] سورة الحديد: ١٦.
[٤] كنز العمّال : ٤٢٧٢١.
[٥] سورة النمل: ١٩.
[٦] سورة إبراهيم: ٣٤.
[٧] بحار الأنوار  ج٧٤ ص٢١.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • لو أراد الله أن يمن على أحد من عباده بطول العمر؛ لكان ذلك نبينا (ص) كيف وهو القائل: (إِنَّك مَيِّتٌ وَإِنّهُم مَيِّتونَ). والنبي الأكرم (ع) لم يعش في هذه الدنيا إلا السن المتعارف؛ فثلاث وستون سنة ليست بالعمر الطويل جداً، فقد بلغ علمائنا المئة من العمر؛ أي قرناً من الزمن.
  • فإن الله سبحانه لم يقل: ليبلوكم أيكم يعمل الصالحات وأيكم يتقي ويحسن وإنما قال: أيكم أحسن عملا. وأينا يعتقد أن ما هو عليه الآن هو أفضل حالاته؟ فهل صلاتك أفضل صلاة؟ أم تربيتك للأولاد ومعاشرتك للزوجة من أحسن ما يكون؟ والحال أن الهدف من الخلقة أن تكون من أحسن الناس عملاً في كل شيء.
  • قد نقيم احتفالا لمرور سنة على ميلاد طفل وهو أمر غير محرم ولا واجب؛ إلا أن إنسانا كبيرا في السن قد بلغ الخمسين من عمره يقيم لنفسه حفلا ويفرح وهو بإقامة العزاء والبكاء أجدر منه بإقامة حفل وفرح. فإذا كان عمره خمسين عاما ثم ازداد عاما؛ فإنه بذلك قد اقترب من قبره ومن الموت.
  • إن الإنسان يموت في كل نفس يتنفسه. لو وضع أحدهم يده على فيك وأنفك لأصبحت بين أهل القبور في ثوان. ومن المفروض مع كل زفير أن تحمد الله ومع كل شهيق أن تشكره وهو يستحق الشكر. إنه بهذا الزفير أنقذك من موت محقق. فمن منا يشكر الله على كل زفير؟ (وإِن تَعدُّوا نِعمَت الله لَا تُحصوهَا).
Layer-5.png