معالم السفر الأبدي

بسم الله الرحمن الرحيم

الاستعداد المتناسب مع السفر الأبدي

إن حديثنا عن ذلك السفر الموحش الطويل الذي نحن سائرون إليه جميعا؛ شئنا أم أبينا. إن استعدادنا للسفر في هذه الدنيا يتناسب مع مدة السفر. فإن كنت تريد أن تبيت ليلة عند صديقك؛ تأخذ معك متاعاً لليلة، وإن أردت البقاء أسبوعا اختلف الأمر، ويختلف الاستعداد لمن أراد أن يهاجر من بلد إلى بلد؛ فهو يأخذ معه كل المتاع على الرغم من علمه بأن تلك السنوات محدودة.

ومهما تحدثنا عن هذه السفرة المخيفة لما استوفينا البيان. إن أخبار البرزخ لا تصل إلينا إلا من خلال روايات أهل البيت وبعض الآيات التي تتحدث عن بعض الجزئيات، وتعطينا لمحة من ذلك العالم. ولكن من اتصل بطريقة ما بعالم الأموات يقول: أن ما جرى عليهم لا يمكن بيانه، وتعجز الكلمات عن وصف ما لقوا. لو سألك طفل في السادسة عن متعة الحياة الزوجية ماذا كنت قائلا؟ تقول: أنت لا تستوعب ذلك لأنك لم تبلغ بعد. وكذلك نحن في دار الدنيا لم نصل إلى هذه المرحلة من البلوغ والتي تجعلنا نستوعب أهوال تلك المراحل.

ولهذا فإن المتخصصين في القرآن الكريم والذين لهم ولع بالأبحاث القرآنية يبحثون عن سبب قوله سبحانه: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ)[١]، وعن وأمثال ذلك من الآيات التي تبدأ ب: ما أدراك. وإن من أفضل انواع التسلي العلمي الثقافي الواجب – مثلا – أن تبحث بنفسك في محركات البحث علة استخدام هذه التعابير؟ إن معظم استعمال هذا التعبير هو في في القيامة وأهوالها. فالأحداث التي لا يمكن بيانها بشكل بسيط وسهل تقول عنها: ما أدراك ما هو؟ فعندما يسألك أحدهم عن حادث مهم والأمر هو مما لا يستوعبه الكثير، تقول له: وما أدراك ما الحريق الذي شب في ذلك الموضع مثلاً، وهذا التعبير من التعابير المتعارفة.

من معالم السفر إلى الآخرة

إن لسفر الآخرة معالم سنأتي على ذكر بعضها. إنك عندما تنوي السفر تذهب إلى المطار، ثم تركب الطائرة وتحلق في الجو، ثم  تنزل من الطائرة وهكذا حتى تطوي تلك المراحل، وهذه معالم السفر في الدنيا. من معالم سفر الآخرة ملك الموت. هذا الملك الذي هو في عداد أربعة من الملائكة العظام. فكما أن الأنبياء فيهم أولوا العزم؛ فكذلك الملائكة فيهم المتميزون، منهم: جبرائيل وهو على رأس الملائكة، وهو الروح الذي أشارت إليه الآية الكريمة: (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا)[٢]، وميكائيل ملك الأرزاق وإسرافيل الذي ينفخ في الصور فيصعق من في السماوات والأرض وإسرافيل هو من يقبض روحه رب العالمين، ومن هؤلاء الملائكة ملك يثير اسمه الرعب في قلوب الناس جميعا وهو عزرائيل. حتى يقال: فلان كأنه عزرائيل إذا كان مخيفا، وهذا الملك موكل بقبض أرواح الناس جميعا المؤمن منهم والفاجر.

من الذي يتولى توفي الأنفس؟

يبدوا أن هناك قوم من أول الإسلام حتى يومنا هذا يدعون وجود تناقض في القرآن الكريم. وقد سمعت بوجود قنوات فضائية مهمتها التشكيك في الإسلام وفي القرآن وفي التشريعات بنحو الاستهزاء. وقد تصدي البعض للرد عليهم. وهذه القنوات كانت مفتوحة منذ زمن أمير المؤمنين (ع)، فقد جائه زنديق لا يؤمن بالمبدأ والمعاد فادعى وجود تناقض في القرآن الكريم وقال فيما قال: (أَجِدُ الله يَقُولُ – قُلْ يَتَوَفّٰاكُمْ مَلَكُ اَلْمَوْتِ اَلَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ  وَمِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ يَقُولُ اللٰهُ يَتَوَفَّى اَلْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهٰا وَاَلَّذِينَ تَتَوَفّٰاهُمُ اَلْمَلاٰئِكَةُ طَيِّبِينَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَمَرَّةً يَجْعَلُ اَلْفِعْلَ لِنَفْسِهِ وَمَرَّةً لِمَلَكِ اَلْمَوْتِ وَمَرَّةً لِلْمَلاَئِكَةِ)[٣]؛ ويبدو أن هذا الزنديق كان حافظا لآيات القرآن. فقال له أمير المؤمنين (ع): (فَهُوَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَجَلُّ وَأَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَفِعْلُ رُسُلِهِ وَمَلاَئِكَتِهِ فِعْلُهُ)[٤]؛ تماما كالملك الذي تجري أوامره من خلال وزرائه؛ فيقال: أن الملك فعل كذا وكذا والحال أن ذلك هو فعل الوزارة بمن فيها.

أدب ملك الموت مع المؤمنين

ولا بأس أن نذكر رواية عن النبي الأكرم (ص) يبشر فيها أهل الطاعة عند قبض الروح. تقول الرواية: (إِنَّ مَلَكَ اَلْمَوْتِ لَيَقِفُ مِنَ اَلْمُؤْمِنِ عِنْدَ مَوْتِهِ مَوْقِفَ اَلْعَبْدِ اَلذَّلِيلِ مِنَ اَلْمَوْلَى فَيَقُومُ وَأَصْحَابُهُ لاَ يَدْنُونَ مِنْهُ حَتَّى يَبْدَأَهُ بِالتَّسْلِيمِ وَيُبَشِّرَهُ بِالْجَنَّةِ)[٥]؛ يفهم من بعض العبارات أن عزرائيل (ع) هو كقائد الجيش له جنوده وأعوانه؛ فما المانع أن يعينه هؤلاء في قبض أرواح الخلق؟ وهذه الرواية تتزيل الخوف من قلوب البعض ممن يخشى من ملك الموت. فهذا الاسم المرعب عندما يقف أمام المؤمن؛ يقف موقف العبد الذليل من المولى. وكم يبعث الاطمئنان في النفس سلام ملك الموت عليك؟ ألا يجدر بالمؤمن أن يقضي عمره كله في سبي الوصول لهذه البشارة؟

إن بعض المؤمنين يشركون عزرائيل (ع) في أعمالهم؛ فيطوفون عنهم مثلا وعندما يدعون للمؤمنين والمؤمنات يشملونه معهم. حتى يقول له عندما يتوفى روحه: يا ملك الله، طالما دعوت لك وطفت وزرت عنك؛ فرفقاً بي. وهذه حركة جميلة لا بأس بها. قد يكون للبعض مشاكل في الخروج من البلد؛ كأن تكون له مشكلة أمنية فيخاف في المطار أن يلقى عليه القبض؛ فيصادق مسئول الجوازات ويقول: لنصادقه اليوم كي يسهل لنا السفر والمعاملة؛ هكذا هو المتعارف. فحاول أن تصادق عزرائيل (ع) ليسهل عليك المعاملة في يوم رحيلك.