Search
Close this search box.
  • مصحف السيدة فاطمة الزهراء (ع)
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

مصحف السيدة فاطمة الزهراء (ع)

بسم الله الرحمن الرحيم

الجفر والجامعة ومصحف فاطمة (عليها السلام)

في تراث أهل البيت (ع) نجد مجموعة من الكلمات والمصطلاحات التي من المناسب أن نتعرف عليها؛ حيث أن البعض أساء فهمها. من هذه المصطلحات ما يسمى بالجفر وهناك الجامعة ومصحف فاطمة (س). وهذه المصطلاحات الثلاث واردة في تراثهم (ع). فهل الجفر أو الجامعة كتاب؟ هل هما وعاء؟ هل هما جلد؟ إنهما ظرف فيه العلوم الكثيرة، من علوم المستقبل وعلوم الحلال والحرام إلى آخره.

ولكن ليس هذا حديثنا، وإنما حديثنا هو حول المصطلح الثالث وهو مصحف الزهراء (ع). إن البعض قد أساء الفهم، وأخطأ في تفسيره. إننا عادةً نقول المصحف ونعني القرآن الكريم. ولكن لغةً؛ المصحف هو ما يصحف أي الكتاب. ومنها صحف إبراهيم وموسى؛ أي الكتاب الذي أنزل على إبراهيم وموسى.

وهذا كتاب قد جمع فيه علم؛ لا أنه قرآن بإزاء هذا القرآن الكريم. والغريب أن البعض يتخرص ويتكلم بغير علم؛ والحال بأن أهل البيت (ع) وهم أدرى بما في البيت قد بينوا حقيقة هذا الكتاب. إنهم أقرب الناس إلى الزهراء (ع). إن الرواية عن الإمام الصادق (ع) يرويها الكليني في كتابه الشريف: فقد سأله أحدهم عن مصحف فاطمة ما هو؟ تقول الرواية: (فَسَكَتَ طَوِيلاً)[١]، فلم يجبه الإمام (ع) فوراً وكأن يريد أن يقول للسائل: لماذا السؤال عن كل شيء؟ إن السؤال عن التكليف أو عن الفعل الذي يقربك أمر حسن لا عن كل شيء. ولكن يبدو أن هذه الشبهة كانت موجودة قديما.

الإمام الصادق (عليه السلام) يبين لنا ماهية هذا المصحف

فقال له الإمام (ع): (إِنَّكُمْ لَتَبْحَثُونَ عَمَّا تُرِيدُونَ وعَمَّا لاَ تُرِيدُونَ)[٢]، وهنا لم يجبه الإمام (ع) فورا، ونظير ذلك في القرآن الكريم حيث يقول سبحانه: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا)[٣]. كأن الآية تقول: لا داعي للزيادة  من السؤال. ولكن الإمام بعد هذا الجواب بين حقيقة هذا المصحف وهذا الكتاب، وفي ضمن ذلك تتبين لنا منزلة الزهراء (ع).

فقال الإمام (ع): (إِنَّ فَاطِمَةَ مَكَثَتْ بَعْدَ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ يَوْماً)[٤]. هنالك ثلاثة أقوال في مدة مكوثها بعد أبيها؛ رواية الأربعين والخامسة والسبعين، وبعد ذلك أيضا الفاطمية الثالثة. إن الإمام الصادق (ع) يذكر في هذا الرواية الخمسة والسبعين يوماً. ويا لها من أيام قصيرة، فهي قرابة الشهرين فقط تلك الأيام التي عاشتها الزهراء (ع) بعد أبيها، وهي التي سُرت عندما أسر إليها النبي بقرب وفاتها منه وفاته، وفرحت أنها أول أهل البيت (ع) لحوقاً بأبيها.

حالة الزهراء (سلام الله عليها) بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)

ثم يقول: (وَكَانَ دَخَلَهَا حُزْنٌ شَدِيدٌ عَلَى أَبِيهَا). إن علاقة فاطمة (س) بأمير المؤمنين (ع) علاقة لا يشبهها علاقة زوجان على وجه الأرض؛ حتى علاقة النبي (ص) وخديجة (ع). إن النبي كان معصوماً ولكن خديجة أم المؤمنين لا تلحق ببنتها فاطمة (ع). ففي بيت علي (ع) أربعة من المعصومين يقومون ويقعدون، ويأكلون ويشربون وينامون؛ وهم علي وفاطمة والحسنان (ع). إنهم أربعة أخماس أهل الكساء. وكم كانت الزهراء (س) سعيدة بهذا المنزل المبارك، وهي تعلم أنه بفراقها ماذا سيجري على أمير المؤمنين (ع) والحسنين (ع). ولو تمنى الموت أمير المؤمنين (ع) بعد فاطمة (س) لكان الأمر في محله. كيف لا وهو القائل:

نفسي على حسراتها محبوسة

وهو القائل: (قَلَّ يَا رَسُولَ اَللَّهِ عَنْ صَفِيَّتِكَ صَبْرِي وَرَقَّ عَنْهَا تَجَلُّدِي)[٥]. وكان سيصبح الحسنان وزينب (ع) أيتام بعد فاطمة (س) ومع ذلك فرحت بالالتحاقها بأبيها. وهذا يكشف عن أن الزهراء (ع) كأنها روح رسول الله؛ فمات النبي (ص) وماتت فاطمة (س) معه. تخيل شجرة تجتث من الأرض فمن الطبيعي أن يذبل الغصن بعد أيام. فاطمة (ع) هي روح النبي (ص) وبضعته. ونستفيد من هذه الكلمة وهي أنها بضعته هذه العلاقة التي ذكرناها بين الغصن والشجرة. إن الإنسان عندما يموت؛ تموت كل أعضائه. فمن الطبيعي أن يدخل عليها من الحزن ما لا يعلمه إلا الله عز وجل.

ثم تأملوا في لطف رب العالمين بأمته فاطمة (س) وكيف عوضهما. تقول الرواية: (وكَانَ جَبْرَئِيلُ يَأْتِيهَا فَيُحْسِنُ عَزَاهَا عَلَى أَبِيهَا وَيُطَيِّبُ نَفْسَهَا ويُخْبِرُهَا عَنْ أَبِيهَا وَمَكَانِهِ ويُخْبِرُهَا بِمَا يَكُونُ بَعْدَهَا فِي ذُرِّيَّتِهَا وكَانَ عَلِيٌّ يَكْتُبُ ذَلِكَ فَهَذَا مُصْحَفُ فَاطِمَةَ)[٦]. إن هذا الكلام هو كلام ولدها الصادق المصدق. وجبرئيل هو سفير الوحي؛ أرسله الله عز وجل ليحسن عزاها على أبيها.

نزول جبريل على فاطمة (عليها السلام)

ولا غرابة في ذلك، فبعض تفاسير العامة تذكر أن الروح الذي أرسل إلى مريم فتمثل لها بشراً سويا هو جبرئيل. فإذا كان جبرئيل قد نزل على مريم وتمثل لها بشراً سويا؛ فكيف بسيدة نساء العالمين؟ إن من يعرف القرآن ومنطق القرآن لا يستغرب من هذا الحديث. ثم يقول الإمام (ع) أنه كان يخبرها بمصائب ذريتها من مصائب كربلاء ومصائب الإمام المجتبى (ع) ومصيبة الرضا (ع).

مصائب الذرية في مصحف فاطمة (سلام الله عليها)

إن المملي هو جبرئيل، والمتلقي فاطمة (س) والكاتب هو علي (ع) يكتب ذلك لها. ويا له من درس، ويا له من مجلس..! ولقد رأينا في الروايات إخبارات أهل البيت (ع) بما يجري عليهم. إن أئمتنا (ع) كانوا يعلمون خواتيم أمورهم، ومتى يقتلون. إن أمير المؤمنين (ع) في ليلة خروجه إلى المسجد قال عند رأى الطير يرفرف: (صَوَائِحُ يَتْبَعُهَا نَوَائِحُ)[٧]. إن هؤلاء تلقوا أوامرهم من الله عز وجل. إن سيد الشهداء (ع) ما تفاجئ بالقتل، وزينب (ع) ما تفاجئت بالأسر، لأن الله شاء أن يراه قتيلا وأن يراهن سبايا.

[١] الکافي  ج١ ص٢٤١.
[٢] روضة المتقین   ج١٣ ص٢٧٢.
[٣] سورة الإسراء: ٨٥.
[٤] من لا یحضره الفقیه  ج٢ ص٥٧٢.
[٥] نهج البلاغة  ج١ ص٣١٩.
[٦] من لا یحضره الفقیه  ج٢ ص٥٧٢.
[٧] مجموعة نفیسة  ج١ ص٢٢٥.
Layer-5.png